بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤١٧
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

بسم الله الرحمن الرحيم

٢٢

باب

*(غزوة خيبر وفدك ، وقدوم جعفر بن أبى طالب عليهما‌السلام)*

الآيات : الفتح « ٤٨ » : سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذرونا نتبعكم يريدون أن يبدلوا كلام الله قل لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل فسيقولون بل تحسدوننا بل كانوا لا يفقهون إلا قليلا « ١٥ ».

وقال تعالى : فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا ومغانم كثيرة يأخذونها وكان الله عزيزا حكيما * وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه وكف أيدي الناس عنكم ولتكون آية للمؤمنين ويهديكم صراطا مستقيما « ١٨ ٢٠ ».

تفسير : أقول : قد مر تفسير الآيات في باب نوادر الغزوات وباب غزوة الحديبية وقال الطبرسي رحمه‌الله : لما قدم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله المدينة من الحديبية مكث بها عشرين ليلة ، ثم خرج منها غاديا إلى خيبر ، وذكرابن إسحاق باسناده عن أبي مروان الاسلمي ، عن أبيه ، عن جده(١) قال : خرجنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى خيبر حتى إذا كنا قريبا منها وأشرفنا عليها قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « قفوا » فوقف الناس فقال : « اللهم رب السماوات السبع وما أظللن ، ورب الارضين السبع وما أقللن ، ورب الشياطين وما أظللن(٢) إنا نسألك خير هذه القرية وخير أهلها و خير ما فيها ، ونعوذبك من شر هذه القرية وشر أهلها وشر ما فيها ، قدموا(٣)

____________________

(١) في سيرة ابن هشام : قال ابن اسحاق حدثنى من لا اتهم ، عن عطاء بن ابى مروان الاسلمى عن ابيه ، عن ابى معتب بن عمرو.

(٢) زاد في السيرة : ورب الرياح وما أذرين ، فانا.

(٣) أقدموا خ ل. أقول : في المصدر والسيرة : اقدموا بسم الله.

١

بسم الله الرحمن الرحيم ».

وعن سلمة بن الاكوع قال : خرجنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى خيبر فسرنا ليلا ، فقال رجل من القوم لعامر بن الاكوع : ألا تسمعنا من هنيهاتك(١)؟ وكان عامر رجلا شاعرا ، فجعل يقول :

لاهم لولا أنت ما اهتدينا(٢)

ولا تصدقنا ولا صلينا(٣)

فاغفر فداء لك ما اقتنينا

وثبت الاقدام إن لاقينا

وأنزلن سكينة علينا

إنا إذا صيح بنا أنينا

وبالصياح عولوا علينا.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « من هذا السائق؟ » قالوا : عامر ، قال : « يرحمه‌الله » قال عمر وهو على جمل : وجبت يا رسول الله لولا أمتعتنا به ، وذلك أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما استغفر لرجل قط يخصه إلا استشهد ، قالوا : فلما جد الحرب وتصاف القوم خرج يهودي وهو يقول :

قد علمت خيبر أني مرحب

شاكي السلاح بطل مجرب

إذا الحروب أقبلت تلهب

فبرز(٤) إليه عامر وهو يقول :

قد علمت خيبر أني عامر

شاكي السلاح بطل مغامر

فاختلفا ضربتين فوقع سيف اليهودي في ترس عامر ، وكان سيف عامر فيه قصر ، فتناول به ساق اليهودي ليضر به فرجع ذباب سيفه فأصاب عين ركبة عامر فمات منه ، قال سلمة : فاذا نفر من أصحاب رسول الله (ص) يقولون : بطل عمل عامر قتل نفسه ، قال : فأتيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنا أبكي ، فقلت : قالوا : إن عامرا بطل

____________________

(١) في السيرة : من هناتك.

(٢) حجينا خ ل. أقول : في السيرة : والله ما اهتدينا.

(٣) الموجود في السيرة بعد ذلك :

انا إذا قوم بغوا علينا وان ارادوا فتنة ابينا فانزلن سكينة علينا وثبت الاقدام ان لاقينا

(٤) فبدر خ ل.

٢

عمله ، فقال : « من قال ذلك؟ » قلت : نفر من أصحابك ، فقال : كذب اولئك بل أوتي من الاجر مرتين ، قال : فحاصرناهم حتى إذا أصابتنا مخمصة شديدة ، ثم إن الله فتحها علينا ، وذلك أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أعطى اللوإ عمر بن الخطاب(١) ونهض من نهض معه من الناس فلقوا أهل خيبر ، فانكشف عمر وأصحابه فرجعوا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يجبنه أصحابه ويجبنهم. وكان رسول الله أخذته الشقيقة فلم يخرج إلى الناس ، فقال حين أفاق من وجعه : « ما فعل الناس بخيبر؟ » فأخبر فقال : « لاعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله كرارا غير فرار لا يرجع حتى يفتح الله على يديه ».

وروى البخاري ومسلم عن قتيبة بن سعيد ، عن يعقوب بن عبدالرحمن الاسكندراني ، عن أبي حازم ، عن سعيد بن(٢) سهل أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال يوم.

خيبر : « لاعطين هذه الراية غدا رجلا يفتح الله على يديه ، يحب الله ورسوله ، و يحبه الله ورسوله » قال : فبات الناس يدوكون بجملتهم(٣) أيهم يعطاها(٤) فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كلهم يرجون أن يعطاها ، فقال : « أين علي ابن أبي طالب؟ » فقالوا : يا رسول الله هو يشتكي عينيه(٥) قال : « فأرسلوا إليه » فأتي به فبصق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في عينيه ودعاله ، فبرأ كأن لم يكن به وجع(٦) فأعطاه الراية ، فقال علي : يا رسول الله! أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟ قال(٧) : انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الاسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله(٨) فوالله لئن يهدي الله بك رجلا واحدا خير من أن يكون لك حمر النعم(٩).

____________________

(١) وكان ذلك بعد ما اعطى اللواء ابابكر فرجع. ذكره ابن هشام في السيرة.

(٢) سعد خ ل أقول : في المصدر : سعد بن سهل ، وفي صحيح الابخارى ومسلم : سهل بن سعد. وروياه ايضا بأسانيد اخرى. راجع البخارى ٥ : ٢٢ و ٢٣ و ١٧١ طبعة محمد على صبيح وصحيح مسلم ٥ : ١٩٥ و ٦ : ١٢١ و ١٢٢ طبعة محمد على صبيح.

(٣) في الصحيحن : يدوكون ليلتهم. (٤) يعطيها خ ل.

(٥) في الصحيحين : فقالوا : هو يا رسول الله يشتكى عينيه.

(٦) في الصحيحين ، فبرأ حتى كان لم يكن به وجع.

(٧) في الصحيحين : فقال. (٨) في الصحيحين : من حق الله فيه.

(٩)في الصحيحين : « خير لك من ان يكون لك حمر النعم » إلى هنا تمام الخبر فيهما.

٣

قال سلمة : فبرز مرحب وهو يقول :

قد علمت خيبر أني مرحب الابيات.

فبرز له علي عليه‌السلام وهو يقول :

أنا الذي سمتني امي حيدرة

كليث غابات كريه المنظرة

أو فيهم بالصاع كيل السندرة(١)

فضرب مرحبا ففلق رأسه فقتله وكان الفتح على يده(٢) أورده مسلم في الصحيح. وروى أبوعبدالله الحافظ بإسناده عن أبي رافع مولى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : خرجنا مع علي عليه‌السلام حين بعثه رسول الله (ص) ، فلما دنا من الحصن خرج إليه أهله فقاتلهم فضربه رجل من اليهود فطرح ترسه من يده ، فتناول علي عليه‌السلام باب الحصن فتترس به عن نفسه ، فلم يزل في يده وهو يقاتل حتى فتح الله عليه ، ثم ألقاه من يده ، فلقد رأيتني في سبعة نفر أنا منهم(٣) نجهد على أن نقلب ذلك الباب فما استطعنا أن نقلبه.

وبإسناده عن ليث بن أبي سليم(٤) ، عن أبي جعفر محمد بن علي عليهما‌السلام قال : حدثني جابر بن عبدالله أن عليا عليه‌السلام حمل الباب يوم خيبر حتى صعد المسلمون عليه فاقتحموها ففتحوها ، وإنه حرك بعد ذلك فلم يحمله أربعون رجلا.

قال : وروي من وجه آخر عن جابر : ثم اجتمع عليه سبعون رجلا فكان جهدهم أن أعادوا الباب.

وبإسناده ، عن عبدالرحمن بن أبي ليلى قال : كان علي عليه‌السلام يلبس في الحر والشتاء القباء المحشو الثخين ، وما يبالي الحر ، فأتاني أصحابي فقالوا : إنا رأينا من أميرالمؤمنين شيئا ، فهل رأيت؟ قلت : وما هو؟ قالوا : رأيناه يخرج علينا في الحر الشديد في القباء المحشو الثخين وما يبالي الحر ، ويخرج علينا

____________________

(١) يأتى قريبا تمام الابيات عن الديوان وفيه اختلاف.

(٢) في صحيح مسلم : قال فضرب رأس مرحب فقتله ثم كان الفتح على يديه. راجع صحيح

مسلم ٥ : ١٩٥.

(٣) ثامنهم خ ل. أقول : يوجد ذلك في المصدر والسيرة.

(٤) سلمة خ ل.

٤

في البرد الشديد في الثوبين الخفيفين وما يبالي البرد ، فهل سمعت في ذلك شيئا؟ فقلت : لا ، فقالوا : فسل لنا أباك عن ذلك ، فإنه يسمر(١) معه ، فسألته فقال ما سمعت في ذلك شيئا ، فدخل على علي عليه‌السلام فسمر معه فسأله عن ذلك ، فقال : أو ما شهدت معنا خيبر؟ قلت : بلى ، قال : أو ما رأيت رسول الله (ص) حين دعا أبابكر فعقد له ثم بعثه إلى القوم فانطلق فلقي القوم ثم جاء بالناس وقد هزموا(٢)؟ فقال : بلى ، قال : ثم بعث إلى عمر فعقد له ثم بعثه إلى القوم فانطلق فلقي القوم فقاتلهم ثم رجع وقد هزم ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « لاعطين الرأية اليوم رجلا يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله ، يفتح الله على يديه ، كرارا غير فرار » فدعاني فأعطاني الراية ، ثم قال : « اللهم اكفه الحر والبرد » فما وجدت بعد ذلك حرا ولا بردا.

وهذا كله منقول من كتاب دلائل النبوة للامام أبي بكر البيهقي.

ثم لم يزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يفتح الحصون حصنا فحصنا ويحوز الاموال حتى انتهوا إلى حصن الوطيح والسلالم ، وكان آخر حصون خيبر افتتح ، وحاصرهم رسول الله بضع عشر ليلة.

قال ابن إسحاق : ولما افتتح القموص : حصن ابن أبي الحقيق أتي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بصفية بنت(٣) حي بن أخطب ، وبأخرى معها ، فمر بهما بلال وهو الذي جاء بهما على قتلى من قتلى اليهود(٤) فلما رأتهم التي معها صفية صاحت وصكت وجهها ، وحثت التراب على رأسها ، فلما رآها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « أعزبوا(٥) عني هذه الشيطانة » وأمر بصفية فحيزت خلفه ، وألقى عليها رداءه فعرف المسلمون أنه قد اصطفاها لنفسه ، وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله لبلال لما رأى من نلك اليهودية ما رأى : « أنزعت منك الرحمة يا بلال حيث تمر بامرأتين على قتلى رجالهما »؟.

وكانت صفية قد رأت في المنام وهي عروس بكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق

____________________

(١) اى يتحدث معه بالليل.

(٢) في المصدر : وقد هزم.

(٣) حيى خ ل أقول : هذا هو الصحيح كما في المصدر والسيرة

(٤) في المصدر والسيرة : من قتلى يهود. (٥) أى باعدوا.

٥

أن قمرا وقع في حجرها ، فعرضت رؤياها على زوجها فقال : ما هذا إلا أنك تتمنين ملك الحجاز محمدا ، ولطم على وجهها لطمة اخضرت عينها منها ، فأتي بها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وبها أثر منها ، فسألها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما هو؟ فأخبرته.

وأرسل ابن أبي الحقيق إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنزل لاكلمك(١) قال : نعم ، فنزل وصالح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على حقن دماء من في حصونهم من المقاتلة ، وترك الذرية لهم ، ويخرجون من خيبر وأرضها بذراريهم ، ويخلون بين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وبين ما كان لهم من مال وأرض وعلى الصفراء والبيضاء والكراع وعلى الحقلة وعلى البز إلا ثوب(٢) على ظهر إنسان ، وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « وبرئت منكم ذمة الله وذمة رسوله إن كتمتموني شيئا » فصالحوه على ذلك ، فلما سمع بهم أهل فدك قد صنعوا ما صنعوا بعثوا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يسألونه أن يسيرهم(٣) ويحقن دماءهم ، ويخلون بينه وبين الاموال ، ففعل ، وكان ممن مشى بين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وبينهم في ذلك محيصة بن مسعود أحد بني حارثة ، فلما نزل أهل خيبر على ذلك سألوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يعاملهم الاموال على النصف ، وقالوا : نحن أعلم بها منكم وأعمر لها ، فصالحهم رسول الله على النصف على أنا إذا شئنا أن نخرجكم أخرجناكم ، وصالحه أهل فدك على مثل ذلك ، فكانت أموال خيبر فيئا بين المسلمين وكانت فدك خالصة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لانهم لم يوجفوا عليها بخيل ولا ركاب. ولما اطمأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أهدت له زينب بنت الحارث بن سلام بن مشكم وهي ابنة أخي مرحب شاة مصلية(٤) وقد سألت أي عضو من الشاة أحب إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقيل لها : الذراع ، فأكثرت فيها السم وسمت(٥) سائر الشاة ، ثم جاءت بها : فلما وضعتها بين يديه تناول الذراع فأخذها فلاك منها مضغة وانتهش(٦)

____________________

(١) فاكلمك خ ل. أقول : يوجد هذا في المصدر.

(٢) في المصدر : « الا ثوبا » أقول : الحلقة بسكون اللام : السلاح عاما وقيل : هى

الدروع خاصة. والبز : الثباب.

(٣) اى ينفيهم من أرضهم.

(٤) أى مشوية.

(٥) وسمعت خ ل.

(٦) نهش خ ل.

٦

منها ، ومعه بشر بن البرآء بن معرور فتناول عظما « فانتهش منه(١) فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « ارفعوا أيديكم فإن كتف هذه الشاة تخبرني أنها مسمومة » فدعاها(٢) فاعترفت ، فقال : « ما حملك على ذلك؟ » فقال : بلغت من قومي ما لم يخف عليك فقلت : إن كان نبيا فسيخبر ، وإن كان ملكا استرحت منه ، فتجاوز عنها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومات بشر بن البراء من أكلته التي أكل ، قال : ودخلت أم بشر بن البراء على رسول الله (ص) تعوده في مرضه الذي توفي فيه ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « يا أم بشر ما زالت أكلة خيبر التي أكلت بخيبر مع ابنك تعاودني ، فهذا أوان قطعت(٣) أبهري » فكان(٤) المسلمون يرون أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مات شهيدا ، مع ما أكرمه الله به من النبوة(٥).

بيان : قوله : من هنيهاتك : قال الجزري : أي من كلماتك ، أو من أرا جيزك قوله : وجبت ، أي الرحمة أو الشهادة ، في مجمع البحار : أي وجبت له الجنة و المغفرة التي ترحمت بها عليه ، وإنه يقتل شهيدا. وقال النووي في شرح الصحيح : أي ثبتت له الشهادة وستقع قريبا ، وكان معلوما عندهم أنه كل من دعا له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله هذا الدعاء في هذا الموطن استشهد :

وفي النهاية : في حديث ابن الاكوع قالوا يا رسول الله لولا متعتنا به ، أي هلا تركتنا ننتفع به انتهى. وقال النووي : أي وددنا أنك أخرت الدعاء له فنتمتع بمصاحبته مدة ، وقال غيره : أي ليتك أشركتنا في دعائه.

وقال الجزري في النهاية ، في حديث خيبر لاعطين الراية غدا رجلا يحبه الله ورسوله ، ويحب الله ورسوله ، يفتح الله على يديه ، فبات الناس يدوكون تلك

____________________

(١) في سيرة ابن هشام : تناول الذراع ، فلاك منها مضغة فلم يسغها ومعه بشر بن البراء بن معرور ، قد أخذ منها كما أخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فاما بشر فأساغها ، واما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فلفظها » أقول : فلم يسغها أى فلم يبلعها. فلفطها أى طرحها ورماها.

(٢) ثم دعاها خ ل أقول : يوجد ذلك في المصدر.

(٣) أن قطعت خ ل : أقول الابهر : عرق إذا انقطع مات صاحبه.

(٤) في المصدر : وكان.

(٥) مجمع البيان ٩ : ١١٩ ١٢٢.

٧

الليلة ، أي يخوضون ويموجون فيمن يدفعها إليه ، يقال : وقع الناس في دوكة ، أي خوض واختلاط ، وقال : النهس : أخذ اللحم بأطراف الاسنان ، والنهش : الاخذ بجميعها.

أقول : قال الطبرسي قدس الله روحه في قوله تعالى : « إنا فتحنا لك فتحا مبينا(١) » قيل : إن المراد بالفتح هنا فتح خيبر ، وروي عن مجمع بن حارثة الانصاري وكان أحد القراء قال : شهدنا الحديبية مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلما انصرفنا عنها إذا الناس يهزون الاباعر ، فقال بعض الناس لبعض : ما بال الناس؟ قالوا : أوحي إلى رسول الله (ص) ، فخرجنا نوجف ، فوجدنا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله واقفا على راحلته عند كراع الغميم ، فلما اجتمع الناس عليه قرأ : « إنا فتحنا لك فتحا مبينا » السورة ، فقال عمر : أفتح هو يا رسول الله؟ قال : نعم ، فقال(٢) : والذي نفسي بيده إنه لفتح ، فقسمت خيبر على أهل الحديبية لم يدخل فيها أحد إلا من شهدها(٣).

بيان : في النهاية إذا الناس يهزون الاباعر ، أي يحثونها ويدفعونها ، والوهز : شدة الدفع والوطي انتهى. وقد يقرأ بتشديد الزاي من الهز ، وهو إسراع السير. وكراع الغميم كغراب : موضع على ثلاثة أميال من عسفان ذكره الفيروز آبادي.

١ ـ نوادر الراوندي بإسناده عن عبدالواحد بن إسماعيل ، عن محمد بن الحسن التميمي ، عن سهل بن أحمد الديباجي ، عن محمد بن محمد بن الاشعث ، عن محمد بن عزيز ، عن سلامة بن عقيل ، عن ابن شهاب قال : قدم جعفر بن أبي طالب عليه‌السلام على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله(٤) فقام فتلقاه فقبل بين عينيه ، ثم أقبل على الناس فقال : أيها الناس ما أدري بأيهما أنا أسر؟ بافتتاحي خيبر أم بقدوم ابن عمي جعفر؟(٥).

٢ ـ وبهذا الاسناد : قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن أهل خيبر يريدون أن يلقوكم فلاتبدؤهم بالسلام ، فقالوا : يا رسول الله فان سلموا علينا فما ذا نرد عليهم؟

____________________

(١) السورة : ٤٨. (٢) خلى المصدر عن لفظة : فقال.

(٣) مجمع البيان ٩ : ١١٠

(٤) أى من الحبشة

(٥) نوادر الراوندى : ٢٩.

٨

قال : تقولون وعليكم(١).

٣ ـ ما : المفيد ، عن الحسين بن علي بن محمد التمار ، عن علي بن ماهان عن عمه ، عن محمد بن عمر ، عن ثور بن يزيد ، عن مكحول قال : لما كان يوم خيبر خرج رجل من اليهود يقال له : مرحب ، وكان طويل القامة ، عظيم الهامة وكانت اليهود تقدمه لشجاعته ويساره ، قال : فخرج في ذلك اليوم إلى أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فما واقفه قرن إلا قال : أنا مرحب ، ثم حمل عليه ، فلم يثبت له ، قال : وكانت له ظئر وكانت كاهنة تعجب بشبابه وعظم خلقه(٢). وكانت تقول له : قاتل كل من قاتلك ، وغالب كل من غالبك إلا من تسمي عليك بحيدرة ، فإنك إن وقفت له هلكت ، قال : فلما كثر مناوشته وجزع(٣) الناس بمقاومته شكوا ذلك إلى النبي (ص) وسألوه أن يخرج إليه عليا عليه‌السلام ، فدعا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عليا وقال له : « يا علي اكفني مرحبا » فخرج إليه أميرالمؤمنين عليه‌السلام فلما بصربه مرحب يسرع إليه فلم يره يعبأ به فأنكر ذلك وأحجم عنه ، ثم أقدم وهو يقول : أنا الذي سمتني أمي مرحبا.

فأقبل علي عليه‌السلام(٤) وهو يقول : أنا الذي سمتني أمي حيدرة.

فلما سمعها منه مرحب هرب ولم يقف خوفا مما حذرته منه ظئره ، فتمثل له إبليس في صورة حبر من أحبار اليهود فقال : إلى أين يا مرحب؟ فقال : قد تسمي علي هذا القرن بحيدرة ، فقال له إبليس : فما حيدرة؟ فقال : إن فلانة ظئري كانت تحذرني من مبارزة رجل اسمه حيدرة ، وتقول : إنه قاتلك ، فقال له إبليس : شوها لك ، لو لم يكن حيدرة إلا هذا وحده لما كان مثلك يرجع عن مثله ، تأخذ بقول النساء وهن يخطئن أكثر مما يصبن؟ وحيدرة في الدنيا كثير ، فارجع فلعلك تقتله ، فإن قتلته سدت قومك ، وأنا في ظهرك أستصرخ اليهود لك ، فرده ، فوالله ما كان إلا كفواق ناقة حتى ضربه على ضربة سقط منها لوجهه ، وانهزم اليهود يقولون : قتل مرحب ، قتل مرحب.

____________________

(١) نوادرالراوندى : ٣٣.

(٢) في المصدر : وعظم خلقته.

(٣) وثقل خ ل.

(٤) واقبل على عليه‌السلام بالسيف.

٩

قال : وفي ذلك يقول الكميت بن يزيد الاسدي رحمه‌الله في مدحه عليه‌السلام شعرا :

سقى جرع الموت ابن عثمان بعد ما

تعاورها منه وليد ومرحب

والوليد هو ابن عتبة خال معاوية ابن أبي سفيان ، وعثمان بن طلحة(١) من قريش ، ومرحب من اليهود(٢).

يج : عن مكحول مثله مع اختصار ، ولم يذكر البيتين(٣).

٤ ـ ما : أبو عمرو ، عن ابن عقدة ، عن أحمد بن يحيى ، عن عبدالرحمن ، عن أبيه ، عن محمد بن إسحاق ، عن محمد بن مسلم أبي شهاب الزهري ، عن عروة بن الزبير ومسور بن مخرمة أن نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لما افتتح خيبر وقسمها على ثمانية عشر سهما كانت الرجال ألفا وأربعمائة رجل ، والخيل مائتا(٤) فرس ، وأربعمائة سهم للخيل كل سهم من الثمانية عشر سهما مائة سهم ، ولكل مائة سهم رأس ، فكان عمر بن الخطاب رأسا ، وعلي رأسا(٥) والزبير رأسا ، وعاصم بن عدي رأسا ، فكان سهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مع عاصم بن عدي(٦).

٥ ـ ما : محمد بن أحمد بن أبي الفوارس ، عن أحمد بن محمد الصائغ ، عن محمد بن إسحاق السراج ، عن قتيبة بن سعيد ، عن حانم ، عن بكير بن يسار ، عن عامر بن سعد ، عن أبيه قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول لعلي ثلاث ، فلان يكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم ، سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول لعلي وخلفه في بعض مغازيه ، فقال : يا رسول الله تخلفني مع النساء والصبيان؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي » وسمعته يقول يوم خيبر : « لاعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله » قال : فتطاولنا لهذا ، قال : ادعوا لي عليا ، فأتى علي أرمد العين فبصق في عينيه ، ودفع إليه الراية ففتح عليه ، ولما نزلت هذه الاية : « ندع أبناءنا و

____________________

(١) استظهر المصنف في الهامش ان الصحيح طلحة بن عثمان.

(٢) مجالس ابن الشيخ : ٢ و ٣.

(٣) لم نجده في الخرائج.

(٤) في المصدر : والخيل مائتى فرس.

(٥) زاد في المصدر : وطلحة رأسا.

(٦) امالى ابن الشيخ : ١٦٤.

١٠

أبناءكم(١) » دعى رسول الله (ص) عليا وفاطمة وحسنا وحسينا عليهم‌السلام وقال : اللهم هؤلاء أهلي(٢).

٦ ـ فس : « يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلم لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا(٣) » فإنها نزلت لما رجع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من غزوة خيبر ، وبعث أسامة بن زيد في خيل إلى بعض قرى اليهود في ناحية فدك ليدعوهم إلى الاسلام ، وكان رجل من اليهود يقال له : مرداس ابن نهيك الفدكي في بعض القرى ، فلما أحس بخيل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله جمع أهله وماله وصار في ناحية الجبل فأقبل يقول : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، فمر به أسامة بن زيد فطعنه وقتله ، فلما رجع إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أخبره بذلك فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : قتلت رجلا شهد أن لا إله إلا الله ، وأني رسول الله؟ » فقال : يا رسول الله إنما قالها تعوذا من القتل ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « فلا شققت الغطاء عن قلبه ، لا ما قال بلسانه قبلت ، ولا ما كان في نفسه علمت » فحلف أسامة بعد ذلك أنه لايقاتل أحداً شهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، فتخلف عن أميرالمؤمنين عليه‌السلام في حروبه وأنزل الله في ذلك : « ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلم لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا فعندالله مغانم كثيرة كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم فتبينوا إن الله كان بما تعملون خبيرا(٤) ».

٧ ـ ج : عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بعث سعد بن(٥) معاذ براية الانصار إلى خيبر فرجع منهزما ، ثم بعث عمر بن الخطاب براية المهاجرين فأتي بسعد جريحا ، وجاء عمر يجبن أصحابه ويجبنونه ، فقال رسول

____________________

(١) زاد في المصدر : « وانفسنا وانفسكم » أقول : والاية في سورة آل عمران : ٦١.

(٢) امالى ابن الشيخ : ١٩٣. (٣) النساء : ٩٤.

(٤) تفسير القمى : ١٣٦ و ١٣٧.

(٥) لم نظفر في المصدر بالحديث حتى نرى نصه والفاظه ، وسعد بن معاذ كما قال المصنف لم يكن حيا في تلك. الغزوة بل مات بعد غزوة قريظة ، والمقريزى قال في الامتاع انه صلى‌الله‌عليه‌وآله دفع راية إلى رجل من الانصار ولم يبين شخصه.

١١

الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « هكذا تفعل المهاجرون والانصار؟ » حتى قالها ثلاثا ، ثم قال : « لاعطين الراية رجلا ليس بفرار يحبه الله ورسوله ، ويحب الله ورسوله » الخبر.

بيان : لعله كان سعد بن عبادة فصحف ، إذا لفرار منه بعيد ، مع أنه مات يوم قريظة ولم يبق إلى تلك الغزوة.

٨ ـ لى : أخبرني سليمان بن أحمد اللحمي(١) فيما كتب إلي ، قال : حدثنا أبومحمد عبدالله بن رماخس بن محمد بن خالد بن حبيب بن قيس بن عمرو بن عبد بن غزية بن جشم بن بكر بن هوازن برمادة القليسيين : رمادة العليا ، وكان فيما ذكر ابن مائة وعشرين سنة ، قال : حدثنا زياد بن طارق الجشمي وكان ابن تسعين سنة قال : حدثنا جدي أبوجرول زهير وكان رئيس قومه ، قال : أسرنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم فتح خيبر(٢) فبينا هو يميز الرجال من النساء إذ وثبت حتى جلست بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأسمعته شعرا ، أذكره حين شب فينا ونشأ في هوازن وحين أرضعوه ، فأنشأت أقول :

امنن علينا رسول الله في كرم

فإنك المرء نرجوه وننتظر

امنن على بيضة قد عاقها قدر

مفرق شملها في دهرها عبر(٣)

أبقت لنا الحرب هتافا على حزن

على قلوبهم الغماء والغمر

إن لم تداركهم نعماء تنشرها

يا أرجح الناس حلماً حين يختبر(٤)

امنن على نسوة قد كنت ترضعها

إذ فوك يملاؤه من محضها(٥) الدرر

إذ أنت طفل صغير كنت ترضعها

وإذ يزينك(٦) ما تأتي وما تذر

____________________

(١) الصحيح كما في المصدر : اللخمى بالخاء المعجمة.

(٢) اورده ايضا بطريق آخر وجده بخط الشهيد رحمه‌الله في باب غزوة حنين وفيه : « لما أسرنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم هوازن » وهو الصواب ، والظاهران لفظه « خيبر » مصحفة ( حنين ) والوهم من الرواة كما ان الظاهران ابا جرول زهير المذكور في الحديث وفيما يأتى من الشهيد مصحف ايضا والصواب ابوصرد زهير ، وهو مذكور في سيرة ابن هشام ٤ : ١٣٤ راجعه.

(٣) في نسخة من المصدر : « غير » وفيما يأتى من خط الشهيد : مشتت شملها في دهرها غير.

(٤) فيما يأتى من خط الشهيد : تختبر. (٥) في المصدر : من مخضها.

(٦) فيما يأتى من خط الشهيد : واذ يريبك وفي المصدر : واذ يرينك.

١٢

يا خير من مرحمت كمت الجيادبه

عند الهياج إذا ما استو قد الشرر

لا تتركنا(١) كمن شالت نعامته

واستبق منا فإنا معشر زهر

إنا لنشكر للنعماء وقد كفرت(٢)

وعندنا بعد هذا اليوم مدخر

فألبس العفو من قد كنت ترضعه

من أمهاتك إن العفو مشتهر(٣)

إنا نؤمل عفوا منك تلبسه

هادي البرية ان تعفو وتنتصر(٤)

فاعف عفى الله عما أنت راهبه

يوم القيامة إذ يهدى لك الظفر

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أما ما كان لي ولبني عبدالمطلب فهو لله ولكم ، و قالت الانصار : ما كان لنا فهو لله ولرسوله ، فردت الانصار ما كان في أيديهما من الذراري والاموال(٥).

بيان : البيضة : الاصل والعشيرة ، ومجتمع القوم ، وموضع سلطانهم ، و يقال : شالت نعامتهم : إذا ماتوا وتفرقوا كأنهم لم يبق منهم إلا بقية. والنعامة : الجماعة ذكره الجزري. ثم إن الظاهر أنه كان يوم فتح حنين فصحف كما سيظهر مما سيأتي في تلك الغزاة.

٩ ـ ن : بإسناد التميمي عن الرضا ، عن آبائه ، عن علي عليهم‌السلام قال : دفع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الراية يوم خيبر إلي فما برحت حتى فتح الله علي(٦).

١٠ ـ ع : ابن الوليد ، عن الصفار ، عن ابن معروف ، عن ابن أبي عمير ، عن عبدالرحمن بن الحجاج ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : ما مر بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم كان أشد عليه من يوم خيبر ، وذلك أن العرب تباغت عليه(٧).

بيان : الاظهر أنه كان يوم حنين ، كما في بعض النسخ ، أو يوم الاحزاب فصحف.

____________________

(١) فيما يأتى من خط الشهيد : لا تجعلنا. (٢) فيما يأتى من خط الشهيد : اذ كفرت.

(٣) فيما يأتى من خط الشهيد : منتشر.

(٤) كتب في نسخة المصنف على كلمة ( هادى ) هذا. وفيما يأتى من خط الشهيد : هذى البرية اذ تعفو وتنتصر.

(٥) امالى الصدوق : ٣٠٠ و ٣٠١ ، وذكر ابن هشام في السيرة من تخلف ولم يرد إليهم الاموال والذرارى.

(٦) عيون اخبار الرضا : ٢٢٤ وفيه : حتى فتح الله على يدى.

(٧) علل الشرائع : ١٥٨.

١٣

١١ ـ شا : ثم تلت الحديبية خيبر وكان الفتح فيها لاميرالمؤمنين عليه‌السلام بلا ارتياب ، وظهر من فضله في هذه الغزاة ما أجمع على نقله الرواة ، وتفرد فيها من المناقب ما لم يشركه فيها(١) أحد من الناس ، فروى يحيى بن(٢) محمد الازدى عن مسعدة بن اليسع وعبدالله بن عبدالرحيم ، عن عبدالملك بن هشام ومحمد بن إسحاق وغيرهم من أصحاب الآثار قالوا : لما دنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من خيبر قال للناس : « قفوا » فوقف الناس فرفع يديه إلى السماء وقال : « اللهم رب السماوات السبع وما أظللن ، ورب الآرضين السبع(٣) وما أقللن ، ورب الشياطين وما أضللن ، أسألك خير(٤) هذه القرية وخير ما فيها ، وأعوذ بك من شرها وشرما فيها(٥) ».

ثم نزل تحت شجرة في المكان ثم(٦) أقام وأقمنا بقية يومنا ومن غده ، فلما كان نصف النهار نادى منادي رسول الله (ص) فاجتمعنا إليه ، فإذا عنده رجل جالس فقال : « إن هذا جاءني وأنا نائم فسل سيفي وقال : يا محمد من يمنعك مني اليوم؟

قلت : الله يمنعى منك ، فشام السيف وهو جالس كما ترون لاحراك به » فقلنا : يا رسول الله لعل في عقله شيئا؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « نعم دعوه » ثم صرفه ولم يعاقبه ، وحاصر رسول الله خيبر بضعا وعشرين ليلة ، وكانت الراية يومئذ لامير ـ المؤمنين عليه‌السلام فلحقه رمد فمنعه(٧) من الحرب ، وكان المسلمون يناوشون(٨) اليهود من بين أيدي حصونهم وجنباتها ، فلما كان ذات يوم فتحوا الباب وقد كانوا خندقوا على أنفسهم خندقا ، وخرج مرحب برجله يتعرض للحرب ، فدعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله

____________________

(١) بما لم يشرك فيه خ ل. (٢) محمد بن يحيى خ ل.

(٣) لم يذكر ابن هشام في السيرة « السبع » في الموضعين.

(٤) من خير خ ل. أقول : يوجد ذلك في المصدر.

(٥) في السيرة : « ورب الشياطين وما اضللن ورب الرياح وما أذرين ، فانا نسألك خير هذه القرية وخير اهلها وخير ما فيها ، ونعوذ بك من شرها وشر اهلها وشر فيها ، اقدموا بسم الله » قال : وكان يقولها عليه‌السلام لكل قرية دخلها. (٦) فاقام خ ل.

(٧) أعجزه عن الحرب خ ل. أقول : يوجد ذلك في المصدر.

(٨) يتناوشون خ ل.

١٤

أبابكر(١) فقال له : « خذ الراية » فأخذها في جمع من المهاجرين(٢) فاجتهد فلم يغن شيئا فعاد(٣) يؤنب القوم الذين اتبعوه ويؤنبونه ، فلما كان من الغد تعرض لها عمر فساربها غير بعيد ، ثم رجع يجبن أصحابه ويجبنونه ، فقال النبي(٤) صلى‌الله‌عليه‌وآله : « ليست هذه الراية لمن حملها ، جيؤني بعلي بن أبي طالب » فقيل له : إنه أرمد(٥) قال : « أرونيه تروني رجلا يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله يأخذها بحقها ليس بفرار » فجاؤا بعلي عليه‌السلام يقودونه إليه ، فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « ما تشتكي يا علي؟ » قال : رمد ما ابصر معه ، وصداع برأسي ، فقال له : « اجلس وضع رأسك على فخذي » ففعل علي عليه‌السلام ذلك فدعا له النبي (ص) فتفل(٦) في يده فمسح(٧) بها على عينيه ورأسه ، فانفتحت عيناه ، وسكن ما كان يجده من الصداع ، وقال في دعائه(٨) : « اللهم قه الحر والبرد » وأعطاه الراية ، وكانت راية بيضاء وقال له : « خذالراية وامض بها ، فجبرئيل(٩) معك ، والنصر أمامك والرعب مبثوت في صدور القوم ، واعلم يا علي إنهم يجدون في كتابهم أن الذي يدمر عليهم اسمه إيليا ، فإذا لقيتهم فقل : أنا علي ، فإنهم يخذلون إنشاء الله تعالى » قال أميرالمؤمنين(١٠) عليه‌السلام : فمضيت بها حتى أتيت الحصون(١١) فخرج مرحب وعليه مغفر وحجر قدثقبه مثل البيضة على رأسه وهو يرتجز ويقول :

قد علمت خيبر أني مرحب

شاك السلاح(١٢) بطل مجرب

فقلت :

حو أنا الذي سمتني أمي حيدرة(١٣)

كليث غابات(١٤) شديد قسورة

أكيلكم بالسيف كيل السندرة (١٥)

____________________

(١) وقال خ ل. (٢) في المهاجرين خ ل. (٣) وعاد خ ل.

(٤) رسول الله خ ل (٥) فقال خ ل. (٦) وتفل خ ل.

(٧) فمسحها خ ل. (٨) في دعائه له خ ل. (٩) فجبرائيل خ ل.

(١٠) على خ ل. (١١) الحصن خ ل. أقول : يوجد ذلك في المصدر.

(١٢) سلاحى خ ل. (١٣) عبل الذراعين شديد القصرة خ.

(١٤) ليث لغابات. (١٥) أطعن بالرمح وجوه الكفرة خ.

١٥

وجاء في الحديث أن أميرالمؤمنين عليه‌السلام لما قال : أنا على بن أبي طالب قال : حبر من أحبار القوم : غلبتم وما انزل على موسى(٢) فدخل في قلوبهم(٣) من الرعب ما لم يمكنهم معه الاستيطان به ، ولما قتل أميرالمؤمنين عليه‌السلام مرحبا رجع من كان معه وأغلقوا باب الحصن عليهم دونه فصار أميرالمؤمنين عليه‌السلام إليه فعالجه حتى فتحه وأكثر الناس من جانب الخندق لم يعبروا معه ، فأخذ أميرالمؤمنين عليه‌السلام باب الحصن فجعله على الخندق جسرا لهم حتى عبروا ، فطفروا(٤) بالحصن ، ونالوا الغنائم ، فلما انصرفوا من الحصن أخذه أميرالمؤمنين عليه‌السلام بيمناه فدحا(٥) به أذرعا من الارض وكان الباب يغلقه عشرون رجلا(٦) ولما فتح أميرالمؤمنين عليه‌السلام الحصن وقتل مرحبا وأغنم الله المسلمين أموالهم استأذن حسان بن ثابت الانصاري رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يقول فيه شعرا ، فقال له(٧) : قل فأنشأ يقول :

وكان علي أرمد العين يبتغي

دواء فلما لم يحس مداويا

شفاه رسول الله منه بتفلة

فبورك مرقيا وبورك راقيا

وقال سأعطي الراية اليوم صارما

كميا محبا للرسول مواليا

يحب إلهي والاله يحبه

به يفتح الله الحصون الاوابيا

فأصفى بها دون البرية كلها

عليا وسماه الوزير المواخيا

وقد روى أصحاب الآثار ، عن الحسن بن صالح ، عن الاعمش ، عن أبي(٨) إسحاق

____________________

(١) وخر خ ل.

(٢) في السيرة : فاطلع إليه يهودى من رأس الحصن فقال : من أنت؟ قال : انا على بن أبى طالب ، قال اليهودى : علوتم وما انزال على موسى أوكما قال ، فما رجع حتى فتح الله على يديه.

(٣) على قلوبهم خ ل. (٤) وظفروا خ ل.

(٥) ودحا خ ل. (٦) عشرون رجلا منهم خ.

(٧) قل قال خ ل. أقول : يوجد ذلك في المصدر.

(٨) ابن خ ل أقول : في المصدر : عن أبى اسحاق.

١٦

عن أبي عبدالله الجدلي(١) قال : سمعت أميرالمؤمنين عليه‌السلام يقول : لما عالجت باب خيبر جعل مجنا لي فقاتلتهم(٢) به ، فلما أخزاهم الله وضعت الباب على حصنهم طريقا ثم رميت به في خندقهم ، فقال له رجل : لقد حملت منه ثقلا ، فقال ما كان إلا مثل جنتي التي في يدى في غير ذلك المقام.

وذكر أصحاب السيرة أن المسلمين لما انصرفوا من خيبر راموا حمل الباب فلم يقله منهم إلا سبعون(٣) رجلا.

وفي حمل أميرالمؤمنين عليه‌السلام الباب يقول الشاعر :

إن امرءا حمل الرتاج(٤) بخيبر

يوم اليهود بقدرة لمؤيد

حمل الرتاج رتاج باب قموصها

والمسلمون وأهل خيبر حشد

فرمى به ولقد تكلف رده

سبعون شخصا كلهم متشدد(٥)

ردوه بعد تكلف ومشقة

ومقال بعضهم لبعض ارددوا

وفيه أيضا قال شاعر من الشعراء الشيعة يمدح أميرالمؤمنين عليه‌السلام ، ويهجو

أعداءه على مارواه أبومحمد الحسن بن محمد بن جمهور قال : قرأت على أبي عثمان المازني :

بعث النبي براية منصورة

عمر بن حنتمة الدلام الادلما(٦)

فمضى بها حتى إذا برزوا له

دون القموص نبا(٧) وهاب وأحجما

فأتى النبي براية مردودة

ألا تخوف عارها فتذمما؟

فبكى النبي له وأنبه بها

ودعا امرءا حسن البصيرة مقدما

فغدا بها في فيلق ودعا وله

ألا يصد بها وألا يهزما

فزوى اليهود إلى القموص وقد كسا

كبش الكتيبة ذاغرار مخذما

____________________

(١) في المصدر : عن ابن ابى عبدالله الجدلى ولعله وهم. (٢) وقاتلت القوم خ ل.

(٣) ذكره المقري في الامتاع عن جابر

(٤) الرتاج : الباب. (٥) في المصدر : سبعون كلهم له يتشددوا.

(٦) الادلم : الاسود الطويل : قال الجزرى : ومنه الحديث : فجاء رجل أدلم فاستأذن على النبى صلى الله وعليه وآله ، قيل : هو عمر بن الخطاب.

(٧) ثنى خ ل أقول : يوجد ذلك في المصدر ونبا أى تجافى ورجع.

١٧

وثنى بناس بعدهم فقراهم

طلس الذئاب وكل نسر قشعما

ساط الا له بحب آل محمد

وبحب من والاهم مني الدما(١)

بيان : قال الجوهري : شمت السيف : أغمدته ، وشمته : سللته من الاضداد قوله : يجبن أصحابه : أي ينسبهم إلى الجبن وقال الجزري : في حديث على عليه‌السلام « أكيلكم بالسيف كيل السندرة » أي أقتلكم قتلا واسعا ذريعا ، والسندرة : مكيال واسع ، وقيل : يحتمل أن يكون اتخذ من السندرة وهي شجرة تعمل منها النبل و القسي ، والسندرة أيضا العجلة.

أقول في الديوان المنسوب إليه عليه‌السلام :

أنا الذي سمتني امي حيدرة

ضرغام آجام وليث قسورة

عبل الذراعين شديد القصرة

كليث غابات كريه المنظرة

أكيلكم بالسيف كيل السندرة

أضربكم ضربا يبين الفقرة

وأترك القرن بقاع جزرة

أضرب بالسيف رقاب الكفرة

ضرب غلام ماجد حزورة

من ترك(٢) الحق يقوم صغرة

أقتل منهم سبعة أو عشرة

فكلهم أهل فسوق فجرة(٣)

العبل : الضخم من كل شئ ، والقصرة بالتحريك : أصل العنق وجزر السباع : اللحم الذي تأكله ، والحزور كجعفر ، وبتشديد الواو وفتح الزاء أيضا : الغلام إذا اشتد وقوي وخدم. وصغرة جمع صاغر بمعنى الذليل ، والفليق : الجيش. و الغرار بالكسر : حد الرمح والسهم والسيف ، والمخذم بالكسر : السيف القاطع ، والقرى : الضيافة ، والطلس بالكسر : الذئب الامعط ، أي المتساقط الشعر ، والقشعم المسن من النسور والضخم ، والسوط : الخلط.

١٢ ـ قب : أركبه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم خيبر وعممه بيده وألبسه ثيابه وأركبه بغلته ، ثم قال : « امض يا علي وجبرئيل عن يمينك ، وميكائيل عن يسارك ، و

____________________

(١) الارشاد : ٦٢ ـ ٦٥. (٢) في المصدر : من يترك.

(٣) الديوان : ٦١.

١٨

عزرائيل أمامك ، وإسرافيل وراءك. ونصرالله فوقك ، ودعائي خلفك » وخبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله رميه أربعين ذراعا فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : والذي نفسي بيده لقد أعانه عليه أربعون(١) ملكا.

١٣ ـ ما : في خبر الشورى باسناده عن أبي ذر رضي‌الله‌عنه قال : قال أميرالمؤمنين عليه‌السلام : فهل فيكم أحد احتمل باب خيبر يوم فتحت حصنها ، ثم مشى به ساعة ، ثم ألقاه ، فعالجه بعد ذلك أربعون رجلا فلم يقلوه من الارض(٢)؟

قالوا : لا(٣).

١٤ ـ ما : جماعة عن أبي المفضل ، عن عبدالرحمن بن سليمان الازدي عن الحسن بن علي الازدي ، عن عبدالوهاب بن الهمام ، عن جعفر بن سليمان ، عن أبي هارون العبدي ، عن ربيعة السعدي ، عن حذيفة بن اليمان قال : لما خرج جعفر بن أبي طالب من أرض الحبشة إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قدم جعفر رحمه‌الله والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بأرض خيبر فأتاه بالفرع من الغالية والقطيفة فقال النبي (ص) : « لا دفعن هذه القطيفة إلى رجل يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله » فمد أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أعناقهم إليها ، فقال النبي (ص) : « أين علي؟ » فوثب عمار بن ياسر رضي الله عنه فدعا عليا عليه‌السلام ، فلما جاء قال له النبي (ص) : « يا علي خذ هذه القطيفة إليك » فأخذها علي عليه‌السلام وأمهل حتى قدم المدينة فانطلق إلى البقيع وهو سوق المدينة فأمر صائغا ففصل القطيفة سلكا سلكا فباع الذهب وكان ألف مثقال ، ففرقه علي عليه‌السلام في فقراء المهاجرين والانصار ، ثم رجع إلى منزله ولم يترك(٤) من الذهب قليلا ولا كثيرا ، فلقيه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من غد في نفر من أصحابه فيهم حذيفة وعمار فقال : « يا على إنك أخذت بالامس ألف مثقال فاجعل غدائي اليوم وأصحابي هؤلاء عندك » ولم يكن علي عليه‌السلام يرجع يومئذ إلى شئ من العروض : ذهب أوفضة ، فقال حياء منه وتكرما : نعم يا رسول الله وفي الرحب والسعة ادخل يا نبي الله أنت

____________________

(١) مناقب آل ابى طالب ٢ : ٧٨. (٢) في المصدر : فلم يقلوه من الارض غيرى؟

(٣) المجالس والاخبار : ٦. (٤) في المصدر : لم يترك له.

١٩

من معك ، قال : فدخل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم قال لنا : ادخلوا ، قال حذيفة : وكنا خمسة نفر : أنا ، وعمار ، وسلمان ، وأبوذر ، والمقداد رضي‌الله‌عنهم ، فدخلنا و دخل علي على فاطمة عليهما‌السلام يبتغي عندها شيئا من زاد ، فوجد في وسط البيت جفنة من ثريد تفور ، وعليها عراق كثير ، وكأن رائحتها المسك ، فحملها علي عليه‌السلام حتى وضعها بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ومن حضر معه ، فأكلنا منها حتى تملانا ولا ينقص منها قليل ولا كثير ، وقام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى دخل على فاطمة عليها‌السلام ، وقال :

« أنى لك هذا الطعام يا فاطمة؟ » فردت عليه ونحن نسمع قولهما فقالت : هو من عندالله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب ، فخرج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلينا مستعبرا وهو يقول : الحمدلله الذي لم يمتني حتى رأيت لابنتي ما رأى زكريا لمريم ، كان إذا دخل عليها المحراب وجد عندها رزقا ، فيقول لها : يا مريم أنى لك هذا؟ فتقول : هو من عندالله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب(١).

بيان : في القاموس : فرع كل شئ : أعلاه ، ومن القوم : شريفهم ، والمال الطائل المعد.

١٥ ـ ل : باسناده عن عامر بن واثلة قال : سمعت عليا عليه‌السلام يقول يوم الشورى : نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حين رجع عمر يجبن أصحابه و يجبنونه قد رد راية رسول الله (ص) منهزما ، فقال رسول الله (ص) : « لا عطين الراية غدا رجلا ليس بفرار ، يحبه الله ورسوله ، ويحب الله ورسوله لا يرجع حتى يفتح الله عليه » فلما أصبح قال : « ادعوا لي عليا » فقالوا : يا رسول الله هو رمد ما يطرف ، فقال : « جيؤني به » فلما قمت بين يديه تفل في عيني وقال : « اللهم أذهب عنه الحر والبرد » فأذهب الله عني الحر والبرد إلى ساعتي هذه ، فأخذت الراية وهزم الله المشركين وأظفرني بهم ، غيري؟ قالوا : اللهم لا.

قال : نشدتكم بالله هل فيكم أحد حين جاء مرحب وهو يقول :

أنا الذي سمتني امي مرحب

شاكي السلاح بطل مجرب

أطعن أحيانا وحينا أضرب

____________________

(١) المجالس والاخبار : ٣٦. راجع حكاية مريم في سورة آل عمران : ٣٧.

٢٠