بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤١٧
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

أقول : سيأني بعض ما يتعلق بتلك الغزوة في باب أحوال جعفر بن أبي طالب عليهما‌السلام ، وفي أبواب فضائل أميرالمؤمنين عليه‌السلام ، وفي احتجاج الحسن عليه‌السلام على معاوية ، واحتجاج سعد عليه.

٢٣

( باب )

*(ذكر الحوادث بعد غزوة خيبر إلى غزوة موتة)*

١ ـ قب ، عم : ثم بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد غزوة خيبر فيما رواه الزهري عبدالله بن رواحة في ثلاثين راكبا فيهم عبدالله بن أنيس إلى البشير بن رزام اليهودي لما بلغه أنه يجمع غطفان ليغزوبهم ، فأنوه فقالوا : أرسلنا(١) إليك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ليستعملك على خيبر ، فلم يزالوا به حتى تبعهم في ثلاثين رجلا مع كل رجل منهم رديف من المسلمين ، فلما صاروا ستة أميال ندم البشير فأهوى بيده إلى سيف عبدالله ابن أنيس ففطن له عبدالله فزجر بعيره ، ثم اقتحم يسوق بالقوم حتى إذا استمكن من البشير ضرب رجله فقطعه(٢) فاقتحم البشير وفي يده مخرش من شوحط فضرب به وجه عبدالله فشجه مأمومة ، وانكمأ(٣) كل رجل من المسلمين على رديفه فقتله غير رجل واحد من اليهود أعجزهم شدا ، ولم يصب من المسلمين أحد ، وقدموا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فبصق في شجة عبدالله بن أنيس فلم تؤذه حتى مات. وبعث غالب بن عبدالله الكلبي إلى أرض بني مرة فقتل وأسر.

وبعث عيينة بن حصن البدري إلى أرض بني العنبر فقتل وأسر.

ثم كانت عمرة القضاء سنة سبع اعتمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله والذين شهدوا معه الحديبية ، ولما بلغ قريشا ذلك خرجوا متبددين ، فدخل مكة وطاف بالبيت على بعيره بيده محجن يستلم به الحجر ، وعبدالله بن رواحة أخذ بخطامه وهو يقول :

____________________

(١) في المصدر : انا ارسلنا. (٢) في المصدر : فقطعها.

(٣) اى مال.

٤١

خلوا بني الكفار عن سبيله

خلوا فكل الخير في رسوله

إلى آخر ما مر من الابيات

وأقام بمكة ثلاثة أيام تزوج بها ميمونة بنت الحارث الهلالية ، ثم خرج فابتنى بها بسرف ، ورجع إلى المدينة فأقام بها حتى دخلت سنة ثمان(١).

بيان : المخرش : عصاء معوجة الرأس كالصولجان ، والشوحط : ضرب من شجر الجبال يتخذ منه القسي والمأموته : الشجة التي بلغت أم الرأس.

٢ ـ أقول : قال الكازروني في حوادث سنة سبع : وفيها نام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن صلاة الصبح حتى طلعت الشمس.

بالاسناد عن أبي هريرة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حين قفل من غزوة خيبر سار حتى إذا أدركه الكرى عرس(٢) وقال لبلال : اكلا لنا الليل ، فصلى بلال ما قدر له ونام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فلما تقارب الفجر استند بلال إلى راحلته مواجه الفجر فعلبت بلالا عينه وهو مستند إلى راحلته ، فلم يستيقظ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولا بلال ولا أحد من الصحابة حتى ضربتهم الشمس ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أولهم استيقاظا ، ففزع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : أي بلال : أخذ بنفسيي الذي أخذ بنفسك ، بأبي أنت يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : اقتادوا ، فاقتادوا رواحلهم شيئا ، ثم توضأ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأمر بلالا فأقام الصلاة وصلى بهم الصبح ، فلما قضى الصلاة قال : من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها فإن الله قال : « أقم الصلاة لذكرى » (٣).

أقول : قد مضى الكلام فيه في باب سهوه صلى‌الله‌عليه‌وآله.

ثم قال : وفيها طلعت الشمس بعد ما غربت لعلي عليه‌السلام على ما أورده الطحاوي في مشكل الحديث عن أسماء بنت عميس من(٤) طريقين أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يوحى

____________________

(١) مناقب آل ابى طالب ١ : ١٧٦ ، اعلام الوري ٦٣ ( ط ١ ) و ١٠٩ و ١١٠ ط ٢ ، الفاظ الحديث من الثانى ، واما المناقب فاختصر الحديث ، راجعه.

(٢) عرس القوم : نزلوا من السفر للاستراحة ثم يرتحلون. (٣) طه : ١٤.

(٤) ستمر بك في احاديث فضائل على عليه‌السلام احاديث في ذلك من العامة والخاصة.

٤٢

إليه ورأسه في حجر علي عليه‌السلام ، فلم يصل العصر حتى غربت الشمس ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « أصليت يا علي؟ » قال : لا ، فقال رسول الله : « اللهم إنه كان في طاعتك وطاعته رسولك فاردد عليه الشمس » قالت أسماء : فرأيتها غربت ، ثم رأيتها طلعت بعد ما غربت ، ووقعت على الجبل والارض وذلك بالصهباء في خيبر ، وهذا حديث ثابت رواته ثقات.

وحكى الطحاوي أن أحمد بن صالح كان يقول : لا ينبغي لمن سبيله العلم التخلف عن حفظ حديث أسماء لانه من علامات النبوة.

قصة ام حبيبة : كانت قد خرجت مهاجرة إلى أرض الحبشة مع زوجها عبيدالله بن جحش فتنصر(١) وثبتت على الاسلام ، روي عن سعيد بن العاص قال : قالت ام حبيبة : رأيت في المنام كان عبيدالله بن جحش زوجي أسوأ صورة وأشوهها ففزعت فقلت : تغيرت والله حاله ، فإذا هو يقول حين أصبح : يا ام حبيبة إني نظرت في الدين فلم أردينا خيرا من النصرانية ، وكنت قد دنت بها ، ثم دخلت في دين محمد قد رجعت(٢) إلى النصرانية ، فقلت : والله ما خير لك ، وأخبرته بالرؤيا التي رأيت له فلم يحفل بها(٣) وأكب على الخمر حتى مات ، فأرى في المنام كأن آتيا يقول : يا ام المؤمنين ، ففزعت فأولتها أن رسول الله يتزوجني ، قالت : فما هو إلا أن انقضت عدتي فما شعرت إلا برسول النجاشي على بابي يستأذن ، فإذا جارية له يقال لها : أبرهة ، كانت تقوم على ثيابه ودهنه فدخلت علي فقالت : إن الملك يقول لك : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كتب إلي أن أزوجكه ، فقلت : بشرك الله بخير ، قالت : يقول لك الملك : وكلي من يزوجك ، فأرسلت إلى خالد بن سعيد ابن العاص فوكلته ، فأعطت(٤) أبرهة سوارين من فضة وخدمتين كانتا في رجليها وخواتيم(٥) فضة كانت في أصابع رجليها ، سرورا بما بشرتها ، فلما كان العشي

____________________

(١) في المصدر : فتنصر هو.

(٢) في المصدر : ثم قد رجعت.

(٣) اى لم يبال بها ولم يهتم لها (٤) في المصدر : فأعطيت ابرهة.

(٥) في المصدر : كانتا في رجلها ، وخواتم فضة.

٤٣

أمر النجاشي جعفربن أبي طالب ومن هناك من المسلمين فحضروا ، فخطب النجاشي فقال : « الحمدلله الملك القدوس السلام المومن المهيمن العزيز الجبار ، أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله ، وأنه الذي بشر به عيسى بن مريم ، أما بعد فإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كتب إلي أن أزوجه أم حبيبة بنت أبي سفيان ، فأجبت إلى ما دعا إليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد أصدقتها أربعمائة دينار ».

ثم سكب الدنانير بين يدي القوم ، فتكلم خالد بن سعيد فقال : « الحمدلله أحمده وأستعينه وأستغفره وأشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله ، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ، أما بعد فقد أجبت إلى ما دعا إليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وزوجته أم حبيبة بنت أبي سفيان ، فبارك الله لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ».

ودفع الدنانير إلى خالد بن سعيد فقبضها ، ثم أرادوا أن يقوموا فقال : اجلسوا فإن سنة الانبياء إذا تزوجوا أن يؤكل طعام على التزويج ، فدعا بطعام فأكلوا ثم تفرقوا ، قالت ام حبيبة : فلما أتى بالمال أرسلت إلى أبرهة التي بشرتني فقلت لها : إني كنت أعطيتك ما أعطيتك يومئذ ولا مال بيدي ، فهذه خمسون مثقالا فخذيها فاستعيني بها ، فأخرجت حقا فيه كل ما كنت أعطيتها فردته علي ، و قالت : عزم علي الملك أن لا أرزاك(١) شيئا ، وأنا الذي أقوم على ثيابه ودهنه ، و قد اتبعت دين محمد رسول الله ، وأسلمت لله ، وقد أمر الملك نساءه أن يبعثن إليك بكل ما عندهن من العطر ، قالت : فلما كان الغد جاءتني بعدد ورس وعنبر و زباد(٢) كثير فقدمت بكله على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكان يراه علي وعندي ولا ينكره ثم قالت أبرهة : حاجتي إليك أن تقرئى على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مني السلام وتعلميه أني قد اتبعت دينه ، قالت : وكانت هي التي جهزتني ، وكانت كلما دخلت علي

____________________

(١) رزأ الرجل ماله : أصاب منه شيئا مهما كان ، اى نقصه ، ورزأ ورزئ الرجل : أصاب منه خيرا.

(٢) الزباد : مادة عطرة تتخذ من دابة كالسنور هى أكبر منه قليلا.

٤٤

تقول ، لاتنسي(١) حاجتي إليك ، فلما قدمت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أخبرته كيف كانت الخطبة وما فعلت بي أبرهة فتبسم ، وأقرأته منها السلام ، فقال : وعليها السلام ورحمة الله وبركاته ، وكان لام حبيبة حين قدم بها المدينة بضع وثلاثون سنة ، ولما بلغ أباسفيان تزويج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أم حبيبة قال : ذاك الفحل لا يقرع أنفه وقيل : إن هذه القصة في سنة ست.

وفيها قتل شيرويه أباه ، قلال الواقدي : كان ذلك في ليلة الثلثاء لعشر(٢) مضين من جمادى الآخرة سنة سبع لست ساعات مضين من الليل ، وروي أنه لما قتل أباه قتل معه سبعة عشر أخاله ذوي أدب وشجاعة ، فابتلي بالاسقام ، فبقي بعده ثمانية أشهر فمات(٣).

وفيها وصلت هدية المقوقس ، وهي مارية ، وسيرين أخت مارية ، ويعفور ودلدل كانت بيضاء ، فاتخذ لنفسه مارية ، ووهب سيرين لحسان بن وهب ، وكان معهم خصي يقال له : ما يوشنج(٤) كان أخا مارية ، وبعث ذلك كله(٥) مع حاطب ابن أبي بلتعة ، فعرض حاطب الاسلام على مارية ورغبها فيه فأسلمت ، وأسلمت أختها ، وأقام الخصي على دينه حتى أسلم بالمدينة(٦) وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله معجبا بأم إبراهيم ، وكانت بيضاء جميلة ، وشرب عليها الحجاب ، وكان يطأها بملك اليمين فلما حملت ووضعت إبراهيم قبلتها(٧) سلمى مولاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فجاء أبورافع زوج سلمى فبشر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بإبراهيم ، فوهب له عبدا ، وذلك في ذي الحجة سنة ثمان في رواية أخرى.

____________________

(١) في المصدر : لاتنسنى. (٢) في المصدر : في ليلة ثلاث عشر مضين.

(٣) زاد في المصدر : وقيل : ستة أشهر ثم مات.

(٤) في المصدر : ما بوشح. وفي غيره : مأبور.

(٥) وبعث إليه صلى‌الله‌عليه‌وآله أشياء اخرى منها فرس يسمى اللزاز ، ومكحلة ومربعة توضع فيها المكحلة ، وقارورة دهن ، ومقص ، ومسواك ومشط ومرآت وغير ذلك.

(٦) زاد في المصدر : في عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

(٧) أى كانت قابلتها.

٤٥

وفيها كانت عمرة القضاء وذلك أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أمر أصحابه حين رأوا هلال ذي القعدة أن يعتمروا قضاء لعمرتهم التي صدهم المشركون عنها بالحديبية ، وأن لا يتخلف أحد ممن شهد الحديبية ، فلم يتخلف منهم أحد إلا من استشهد منهم بخيبر ، ومن مات ، وخرج مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قوم من المسلمين عمارا ، وكانوا في عمرة القضية ألفين ، واستخلف على المدينة أبارهم الغفاري(١) وساق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ستين بدنة ، وجعل على هديه ناجية بن جندب الاسلمي ، وحمل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله السلاح والدروع والرماح ، وقاد مائة فرس ، وخرجت قريش من مكة إلى رؤس الجبال ، وأخلوا مكة فدخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من الثنية بطلعة الحجون وعبدالله بن رواحة أخذ بزمام راحلته(٢) فلم يزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يلبي حتى استلم الركن بمحجنه ، وأمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بلالا فأذن على ظهر الكعبة ، وأقام بمكة ثلاثا ، فلما كان عند الظهر من اليوم الرابع أتاه سهيل بن عمرو وحويطب بن عبد ـ العزى فقالا : قد انقضى أجلك فاخرج عنا ، فأمر أبا رافع ينادي بالرحيل ، ولا يمسين بها أحد من المسلمين ، وركب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى نزل بسرف وهي على عشرة أميال من مكة.

وفيها تزوج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ميمونة بنت الحارث ، زوجه إياها العباس ، و كان يلي أمرها ، وهي أخت أم ولده ، وكان هذا التزويج بسرف حين نزل بها مرجعه من عمرة القضية ، وكانت آخر امرأة تزوجها صلى‌الله‌عليه‌وآله وبنى مها بسرف(٣). ثم ذكر في حوادث السنة الثامنة : فيها أسلم عمروبن العاص وخالدبن الوليد وعثمان بن طلحة قدموا المدينة في صفر.

وفيها تزوج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فاطمة بنت الضحاك الكلابية ، فلما دخلت

____________________

(١) ذكره ابن الاثير في اسد الغابة وقال : اسمه كلثوم بن الحصين الغفارى وقال ابن هشام في السيرة : استعمل على المدينة عويف بن الاضبط الديلى. وذكر المقريزى ابارهم كلثوم بن حصن الغفارى فيمن يسوق الهدى في عمرة القضاء. وقال : واستخلف على المدينة اباذر الغفارى (٢) وكان يقول اشعارا ذكرها في المصدر.

(٣) المنتقى في مولد المصطفى الباب السابع فيما كان سنة سبع من الهجرة.

٤٦

على رسول الله (ص) ودنا منها قالت : أعوذ بالله منك ، فقال رسول الله (ص) : عذت بعظيم ، الحقي بأهلك.

وفيها اتخذ المنبر لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقيل : كان ذلك في سنة سبع ، والاول أصح ، وعن جابر قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يخطب على جذع نخلة(١) فقالت امرأة من الانصار كان لها غلام نجار : يا رسول الله إن لي غلاما نجارا ، أفلا آمره يتخذ لك منبرا تخطب عليه ، قال : بلى ، قال : فاتخذ له منبرا ، فلما كان يوم الجمعة خطب على المنبر ، قال : فأن الجذع الذي كان يقوم عليه كأنين الصبي ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « إن هذا بكى لما فقد من الذكر » واسم تلك الانصارية عائشة ، و اسم غلامها النجار يا قوم الرومي(٢). وفي رواية أن رجلا سأل ذلك فأجابه إليه وفيها أنه صنع له ثلاث درجات ، وفيها أنه حن الجذع حتى تصدع وانشق فنزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يمسحه بيده حتى سكن ، ثم رجع إلى المنبر ، فلما هدم المسجد وغير ذلك أخذ ذلك الجذع أبي بن كعب وكان عنده في تلك الدار حتى بلي وأكلته الارضة وعاد رفاتا(٣).

بيان : في النهاية : قاد البعير واقتاده : جره خلفه ، ومنه حديث الصلاة : اقتادوا رواحلهم وقال : الخدمة بالتحريك : الخلخال ، وقال : القدع : الكف والمنع ومنه حديث زواجه بخديجة قال ورقة بن نوفل : محمد يخطب خديجة هو الفحل لا يقدع أنفه ، يقال : قدعت الفحل وهو أن يكون غير كريم ، فإذا أراد ركوب الناقة الكريمة ضرب أنفه بالرمح أو غيره حتى يرتدع وينكف ، ويروى بالراء(٤) أي أنه كفو كريم لا يرد.

٣ ـ وقال ابن الاثير في حوادث السنة السابعة : وفيها قدم حاطب من عند

____________________

(١) في المصدر : يخطب إلى جذع نخلة.

(٢) في المصدر : باقوم الرومى

(٣) المنتقى في مولد المصطفى : الباب الثامن فيما كان سنة ثمان من الهجرة.

(٤) وهو الموجود في المتن والمصدر.

٤٧

المقوقس بمارية وأختها(١). وبغلته دلدل ، وحماره يعفور(٢).

وفيها كانت سرية بشير بن سعد والد النعمان بن بشير الانصاري إلى بني مرة(٣) في شعبان في ثلاثين رجلا اصيب أصحابه وارتث(٤) في القتلى ، ثم رجع إلى المدينة.

وفيها كانت سرية غالب بن عبدالله الليثي إلى أرض بني مرة فأصاب مرداس ابن بهل(٥) حليفا لهم من جهينة قتله اسامة ، ورجل من الانصار ، قال اسامة : لما غشيناه قال : أشهد أن لا إله إلا الله ، فلم ننزع عنه حتى قتلناه ، فلما قدمنا على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أخبرناه الخبر ، فقال : كيف نصنع بلا إله إلا الله؟. وفيها كانت سرية غالب بن عبدالله أيضا « في مائة وثلاثين راكبا إلى بني عبد بن تغلية(٦) فأغار عليهم واستاق الغنم إلى المدينة(٧).

وفيها كانت سرية بشيربن إلى نمر وصاب في شوال.

وفيها كانت عمرة القضاء ، وتزوج في سفره هذا بميمونة بنت الحارث(٨). وفيها كانت غزوة ابن أبي العوجا السلمي إلى بني سليم(٩) فلقوه وأصيب هو وأصحابه ، وقيل : بل نجا وأصيب أصحابه.

وقال في حوادث السنة الثامنة : وفيها توفيت زينب بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله. وفيها كانت سرية غالب بن عبدالله الليثي إلى بني الملوح(١٠) فلقيهم الحارث

____________________

(١) في المصدر : بما رية ام ابراهيم بن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله واختها سيرين.

(٢) زاد في المصدر : وكسوة ، فأسلمت مارية واختها قبل قدومها على رسول الله صلى الله عليه وآله فأخذ مارية لنفسه ، ووهب سيرين حسان بن ثابت الانصارى ، فهى ام ابنه عبدالرحمن فهو وابراهيم ابنا خالة. وفيها اتخذ صلى‌الله‌عليه‌وآله منبره الذى كان يخطب الناس عليه ، و اتخذ درجتين ومقعدة ، وقيل : انه عمل سنة ثمان وهو الثبت.

(٣) في المصدر : إلى بنى مرة بفدك.

(٤) ارتث على المجهول : حمل من المعركة جريحا وبه رمق.

(٥) في المصدر : مرداس بن نهيك. (٦) في المصدر : ثعلبة.

(٧) في المصدر : واستاق النعم والشاء وحدروها إلى المدينة.

(٨) ذكر في المصدر مفصلا واختصره المصنف.

(٩) زاد في المصدر : في ذى القعدة. (١٠) زاد في المصدر : في صفر.

٤٨

ابن البرصاء الليثي فأخذوه أسيرا ، فقال : إنما جئت لاسلم ، فقال له غالب : إن كنت صادقا فلن يضرك رباط ليلة ، وإن كنت كاذبا استوثقنا منك ، ووكل به بعض أصحابه وقال له : إن نازعك فخذ رأسه ، وأمره بالقيام(١) إلى أن يعود ، ثم ساروا حتى أتوا بطن الكديد فنزلوا بعد العصر ، وأرسل جندب الجهني رئية(٢) لهم قال : فقصدت تلا هناك يطلعني على الحاضر فانبطحت عليه ، فخرج منهم رجل فرآني ومعه قوسه وسهمان(٣) فرماني بأحدهما ، فوضعه في جنبي ، قال : فنزعته ولم أتحول(٤) ثم رماني بالثاني فوضعه في رأس منكبي ، قال : فنزعته فلم أنحول(٥) فقال : أما والله لقد خلطه سهماي ، ولو كان رئية لتحرك(٦) قال : فأمهلناهم حتى راحت مواشيهم واحتلبوا وشننا عليهم العارة فقتلنا منهم ، واستقنا النعم ورجعنا سراعا ، وإذا بصريخ القوم فجاءنا مالا قبل لنا به حتى إذا لم يكن بيننا إلا بطن الوادي بعث الله بسبيل لا يقدر أحد أن يجوزه(٧) فلقد رأيتهم ينظرون إلينا لا يقدر أحد أن يتقدم ، وقدمنا المدينة ، وكان شعار المسلمين : أمت أمت ، وكان عدتهم بضعة عشر رجلا.

وفيها بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله العلاء بن الحضرمي إلى البحرين ، وبها المنذر بن شاوي(٨) وصالحه المنذر على أن على المجوس الجزية ، ولايؤكل ذبائحهم ، ولا ينكح نساؤهم ، وقيل : إن إرساله كان سنة ست من الهجرة مع الرسل الذين أرسلهم

____________________

(١) في المصدر : وامره بالمقام.

(٢) في المصدر : وارسلوا جندب بن مكيث الجهنى ربيئة لهم ، أقول : الربيئة : الطليعة من الجيش.

(٣) في المصدر : فرآنى منبطحا فأخذ قوسه وسهمين فرمانى.

(٤ و ٥) في المصدر : ولم اتحرك.

(٦) في المصدر : لقد خالطه سهماى ولو كان ربيئة لتحرك.

(٧) في المصدر : الا بطن الوادى من قديد بعث الله عزو جل من حيث شاء سحابا ما رأينا قبل ذلك مطرا مثله فجاء الوادى بما لا يقدر احد يجوزه. (٨) في المصدر : ساوى.

٤٩

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الملوك(١).

وفيها كانت سرية عمرو بن كعب الغفاري(٢) إلى ذات أطلاح في خمسة عشر رجلا فوجد بها جمعا كثيرا فدعاهم إلى الاسلام فأبوا أن يجيبوا ، وقتلوا أصحاب عمرو (٣) ونجا حتى قدم إلى المدينة ، وذات أطلاح : من ناحية الشام(٤).

٢٤

باب

*(غزوة مؤتة وماجرى بعدها إلى غزوة ذات السلاسل)*

١ ـ ما : المفيد ، عن محمد بن عمران المرزباني ، عن علي بن سليمان ، عن محمد بن حميد ، عن محمد بن إسحاق ، عن محمد بن فليح ، عن موسى بن عقبة ، عن محمد بن شهاب الزهري قال : لما قدم جعفر بن أبي طالب من بلاد الحبشة بعثه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى مؤتة ، واستعمل على الجيش معه زيد بن حارثة وعبدالله بن رواحة فمضى الناس معهم حتى كانوا بنحو البلقاء فلقيهم جموع هر قل من الروم والعرب فانحاز المسلمون إلى قرية يقال لها : موتة ، فالتقى الناس عندها ، واقتتلوا قتالا شديدا ، وكان اللواء يومئذ مع زيد بن حارثة فقاتل به حتى شاط في رماح القوم ثم أخذه جعفر فقاتل به قتالا شديدا ، ثم اقتحم عن فرس له شقراء فعقرها وقاتل حتى قتل ، قال : وكان جعفر أول رجل من المسلمين عقر فرسه في الاسلام ، ثم أخذ اللواء عبدالله بن رواحة فقتل ، ثم أخذ اللواء خالد بن الوليد(٥) فناوش القوم

____________________

(١) زاد في المصدر : وفيها كان سرية شجاع بن وهب إلى بنى عامر في شهر ربيع الاول في اربعة عشر رجلا فشن الغارة عليهم فاصابوا نعماء فكان سهم كل رجل منهم خمسة عشر بعيرا.

(٢) في المصدر : كعب بن عمير الغفارى وهو الصحيح.

(٣) في المصدر : أصحاب كعب. (٤) الكامل ٢ : ١٥٢ ـ ١٥٥.

(٥) في المصدر : ثم اخذ اللواء عبدالله بن رواحة فقاتل حتى قتل ، فاعطى المسلمون اللواء بعدهم خالد بن الوليد.

٥٠

وراوغهم حتى انحاز بالمسلمين منهزما ، ونجابهم من الروم ، وأنفذ رجلا(١) يقال له : عبدالرحمن بن سمرة إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بالخبر ، قال عبدالرحمن : فسرت إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فلما وصلت إلى المسجد قال لي رسول الله (ص) : « على رسلك يا عبد الرحمن » ثم قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « أخذ اللواء زيد فقاتل به فتقل ، رحم الله زيدا ، ثم أخذ اللواء جعفر وقاتل وقتل ، رحم الله جعفرا ، ثم أخذ اللواء عبدالله بن رواحة وقاتل فتقل ، فرحم الله عبدالله » قال : فبكى أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهم حوله فقال لهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « وما يبكيكم؟ » فقالوا : وما لنا لانبكي وقد ذهب خيارنا وأشرافنا وأهل الفضل منا؟ فقال لهم صلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا تبكوا فإنما مثل أمتي مثل حديقة قام عليها صاحبها فأصلح رواكبها ، وبنى مساكنها ، وحلق سعفها ، فأطعمت عاما فوجا ثم عاما ، ثم عاما فوجا(٢) فلعل آخرها طعما أن يكون أجودها قنوانا ، و أطولها شمراخا ، والذي بعثني بالحق نبيا ليجدن عيسى بن مريم في أمتي خلفا(٣) من حواريه » قال : وقال كعب بن مالك : يرثي جعفربن أبي طالب رضي‌الله‌عنه والمستشهدين معه :

هدت العيون(٤) ودمع عينك يهمل

سحا كما وكف الضباب(٥) المخضل

وكأن ما بين الجوانح والحشا

مما تأو بني شهاب مدخل

وجدا على النفر الذين تتابعوا

يوما(٦) بمؤتة أسندوا لم ينقلوا(٧)

فتغير القمر المنير لفقدهم

والشمس قد كسفت وكادت تأفل

قوم بهم نصر الاله(٨) عباده

وعليهم نزل الكتاب المنزل

____________________

(١) في المصدر : وأنفذ رجلا من المسلمين.

(٢) المصدر خال عن قوله : « ثم عاما فوجا » الثاني.

(٣) في المصدر : ( خلقا ) بالقاف. (٤) في سيرة ابن هشام : نام العيون.

(٥) في السيرة : « الطباب المخضل » ، والطباب : ثقب في خرزا المزادة التي يجعل فيها الماء.

(٦) قتلا خ ل. (٧) لم يقفلوا خ ل.

(٨) في السيرة : عصم الاله.

٥١

قوم علا بنيانهم من هاشم(١)

فرع أشم وسودد ما ينقل(٢)

ولهديهم(٣) رضي الاله لخلقه

وبجدهم نصر النبي المرسل

بيض الوجوه ترى بطون أكفهم

تندى إذا غبر(٤) الزمان الممحل(٥)

بيان : شاط فلان : هلك ، وفي بعض النسخ بالسين المهملة ، والسوط : الخط وساطت نفسي : تقلصت ، والاول أصح ، قال في النهاية : في حديث زيد بن حارثة يوم مؤته : إنه قاتل براية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى شاط في رماح القوم أي هلك. وقال في جامع الاصول : أراد بالاقتحام هنا نزوله عن فرسه مسرعا. وفي القاموس : راغ الرجل والثعلب روغا وروغانا : حاد ومال ، والمراوغة : المصارعة ، وأن يطلب بعض القوم بعضا ، وقال : انحازعنه : عدل ، والقوم : تركوا مراكزهم. والراكب والراكبة والراكوب والراكوبة والركابة : فسيلة في أعلى النخل متدلية لا تبلغ الارض. قوله : وحلق سعفها بالحاء المهملة ، أي أزال زوائدها أو بالمعجمة من خلق العود بتخفيف اللام وتشديده : إذا سواه. والسح : الصب والسيلان من فوق. والضباب : ندي كالغيم ، أو سحاب رقيق ، وفي رواية ابن أبي الحديد : « الرباب » مكان « الضباب » وهو السحاب الابيض. وأخضله : بله. وتأوبه : أناه ليلا. وفرع كل شئ : أعلاه ، ومن القوم : شريفهم ، والشمم : ارتفاع في الجبل. والاشم : السيد ذوالانفة. والنفل : العطاء ، وانتفل : طلب ، ومنه تبرأ وانتفى(٦) وفي بعض النسخ بالغين من نغل الاديم كفرح : إذا فسد ، وفي بعضها بالقاف.

٢ ـ يج : روي أنه لما قتل زيد بن حارثة بمؤتة قال صلى‌الله‌عليه‌وآله بالمدينة : « قتل

____________________

(١) في السيرة : قرم علا بنيانه من هاشم * فرعا أشم وسؤددا ما ينقل.

(٢) ما ينغل خ ل. أقول : ذكر في السيرة هذا البيت السابق.

(٣) في المصدر والسيرة : وبهديهم.

(٤) في السيرة : « اذا اعتذار » والممحل من المحل وهو الشدة والقحط وكلب الزمان والجدب. وذكر في السيرة هذا البيت قبل البيت السابق.

(٥) امالى ابن الشيخ : ٨٧ و ٨٨

(٦) في هامش السيرة : ويروى ( ينفل ) بالفاء ومعناه لايحجر.

٥٢

زيد وأخذ الراية جعفر » ثم قال : « قتل جعفر » وتوقف وقفة ثم قال : « وأخذ الراية عبدالله بن رواحة » وذلك أن عبدالله لم يسارع في أخذ الراية كمسارعة جعفر ثم قال : « وقتل عبدالله » ثم قام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى بيت جعفر إلى أهله ، ثم جاءت الاخبار بأنهم قد قتلوا على تلك الهيئة(١).

٣ ـ يج : روي أنه لما بعث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عسكرا إلى مؤتة ولى عليهم زيد بن حارثة ودفع الراية إليه ، وقال : « إن قتل زيد فالوا لي عليكم جعفر بن أبي طالب وإن قتل جعفر فالوا لي عليكم عبدالله بن رواحة الانصاري » وسكت ، فلما ساروا وقد حضر هذا الترتيب في الولاية من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال رجل من اليهود(٢) : إن كان محمد نبيا كما يقول سيقتل هؤلاء الثلاثة ، فقيل له لم قلت هذا؟ قال : لان أنبياء بني إسرائيل كانوا إذا بعث نبي منهم بعثا في الجهاد فقال : (٣) إن قتل فلان فالوا لي فلان بعده عليكم ، فإن سمى للولاية كذلك اثنين(٤) أو مائة أو أفل أو أكثر قتل جميع من ذكر فيهم الولايات ، قال جابر : فلما كان اليوم الذي وقع فيه حربهم صلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بنا الفجر(٥) ثم صعد المنبر فقال : « قدالتقى إخوانكم من المشركين(٦) للمحاربة » فأقبل يحدثنا بكرات بعضهم على بعض إلى أن قال : « قتل زيد بن حارثة وسقطت الراية » ثم قال : « قد أخذها جعفر بن أبي طالب و تقدم للحرب بها(٧) » ثم قال : « قد قطعت يده وقد أخذ الراية بيده الاخرى » ثم قال : « قطعت(٨) يده الاخرى وقد أخذ(٩) الراية في صدره » ثم قال : « قتل جعفر بن أبي طالب وسقطت الراية ، ثم أخذها عبدالله بن رواحة وقد قتل من

____________________

(١) لم نظفر بالحديث في الخرائج المطبوع.

(٢) رجل من اليهود فقال اليهودى : ان كان خ ل. أقول : في المصدر : جاء رجل من اليهود فقال ان كان

(٣) في المصدر : يقول لهم. (٤) في المصدر : لاثنين.

(٥) الغداة خ ل. (٦) مع المشركين خ ل أقول : في المصدر : من المسلمين

(٧) خلى المصدر عن لفظة ( بها ). (٨) وقطعت خ ل.

(٩) وقد احتضن خ ل.

٥٣

المشركين كذا وقتل من المسلمين كذا فلان وفلان(١) » إلى أن ذكر جمبع من قتل من المسلمين بأسمائهم ، ثم قال : « قتل عبدالله بن رواحة ، وأخذ الراية خالد ابن الوليد فانصرف(٢) المسلمون » ثم نزل عن المنبر وصار إلى دار جعفر فدعا عبدالله بن جعفر فأقعده في حجره ، وجعل يمسح على رأسه ، فقالت والدته أسماء بنت عميس : يا رسول الله إنك لتمسح على رأسه كأنه يتيم ، قال : قد استشهد جعفر في هذا اليوم ، ودمعت عينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقال : قطعت يداه قبل أن استشهد(٣) وقد أبدله الله من يديه جناحين من زمرد أخضر فهو الآن يطير بهما في الجنة مع الملائكة كيف يشاء(٤).

٤ ـ سن : النوفلي ، عن السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه عليهما‌السلام قال : لما كان يوم مؤته كان جعفر على فرسه ، فلما التقوا نزل عن فرسه فعرقبها(٥) بالسيف وكان أول من عرقب في الاسلام(٦) ،

٥ ـ كا : علي ، عن أبيه ، عن النوفلي مثله(٧).

٦ ـ ما : الحسين بن إبراهيم القزويني ، عن محمد بن وهبان ، عن أحمد بن إبراهيم بن أحمد ، عن الحسن بن الحسن بن علي الزعفراني ، عن البرقي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبيعبد الله عليه‌السلام قال : لماما ت جعفر بن أبي طالب أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فاطمة عليها‌السلام أن تتخذ طعاما لاسماء بنت عميس وتأتيها و نساؤها(٨) ثلاثة أيام فجرت بذلك السنة أن يصنع لاهل الميت(٩) ثلاثة أيام طعام (١٠).

سن : أبي ابن أبي عمير مثله(١١).

____________________

(١) في المصدر : كذا وكذا ، وقتل من المسلمين فلان وفلان.

(٢) وانصرف خ ل أقول : في المصدر : ثم انصرف. وفيه : نزل.

(٣) في المصدر : قبل أن يستشهد. (٤) الخرائج : ١٨٨.

(٥) عرقب الدابة : قطع عوقوبها. والعرقوب : عصب غليظ فوق العقب.

(٦) المحاسن : ٦٣٤. (٧) فروع الكافى ١ : ٣٤١.

(٨) وتسليها خ ل أقول : في المصدر : ويأتيها نساؤها. وفى المحاسن : وتسليها.

(٩) لاهل المصيبة خ ل. (١٠) امالى الشيخ : ٥٧ و ٥٨.

(١١) المحاسن : ٤١٩.

٥٤

كا : علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حفص البختري وهشام بن سالم ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام مثله(١).

٦ ـ سن : بعض أصحابنا ، عن العباس بن موسى بن جعفر قال : سألت أبي عليه‌السلام عن المأتم(٢) فقال : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لما انتهى إليه قتل جعفر بن أبي طالب دخل على أسماء بنت عميس امرأة جعفر فقال : أين(٣) بني؟ فدعت بهم وهم ثلاثة : عبدالله وعون ومحمد ، فمسح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله رؤوسهم فقالت : إنك تمسح رؤوسهم كأنهم أيتام ، فعجب(٤) رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من عقلها فقال : « يا أسماء ألم تعلمي أن جعفرا رضوان الله عليه استشهد » فبكت ، فقال لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا تبكي فإن الله(٥) أخبرني أن له جناحين في الجنة من ياقوت أحمر » فقالت : يا رسول الله لو جمعت الناس. أخبرتهم بفضل جعفر لا ينسى فضله ، فعجب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من عقلها ، ثم قال : (٦) « ابعثوا إلى أهل جعفر طعاما » فجرت السنة(٧).

٧ ـ يه : قال الصادق عليه‌السلام : إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حين جاءته وفاة جعفر بن أبي طالب وزيد بن حارثة كان إذا ادخل بيتة كثر بكاؤه عليهما جدا ، ويقول : كانا يحد ثاني ويؤنساني فذهبا جميعا(٨).

٨ ـ عم : وكانت غزوة موتة في جمادى من سنة ثمان بعث حبيشا عظيما ، و أمر على الجيش زيد بن حارثة ، ثم قال : فإن أصيب زيد فجعفر ، فإن أصيب جعفر فعبدالله بن رواحة فإن أصيب فليرتض المسلمون واحدا فليجعلوا عليهم. وفي رواية أبان بن عثمان ، عن الصادق عليه‌السلام أنه استعمل عليهم جعفرا فإن قتل فزيد فان قتل فابن رواحة ، ثم خرجوا حتى نزلوا معان فبلغهم أن هرقل ملك

____________________

(١) الفروع : ١ : ٥٩. فيه « لما قتل جعفربن ابى طالب » وفيه : ثلاثة ايام وتأتيها و نساؤها فتقيم عندما ثلاثة ايام.

(٢) المأتم : مجتمع الناس عموما وقد غلب على مجتمعهم في حزن والجمع المآتم.

(٣) اى بنى خ ل. (٤) في المصدر : فتعجب.

(٥) فان رسول الله خ ل. اقول وفي المصدر : فان جبرئيل.

(٦) في المصدر : ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله. (٧) المحاسن : ٤٢٠.

(٨) الفقيه : ج ١ ص ٥٧.

٥٥

الروم قد نزل بمأرب(١) في مائة ألف من الروم ، ومائة ألف من المستعربة وفي كتاب أبان بن عثمان : بلغهم كثرة عدد الكفار من العرب والعجم من لخم وحذام وبلي وقضاعة(٢) وانحاز المشركون إلى أرض يقال لها : المشارف ، و إنما سميت السيوف المشرفية لانها طبعت لسليمان بن داود بها ، فأقاموا بمعان يومين ، فقالوا : نبعث إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فنخبره بكثرة عدونا حتى يري في ذلك رأيه ، فقال عبدالله بن رواحة : يا هؤلاء إنا والله ما نقاتل الناس بكثرة ، وإنما نقاتلهم بهذا الدين الذي أكرمنا الله به ، فقالوا : صدقت ، فتهيأوا وهم ثلاثة آلاف حتى لقوا(٣) جموع الروم بقرية من قرى البلقاء يقال لها : شرف ثم انحاز المسلمون إلى مؤنة قرية فوق الاحساء.

وعن أنس بن مالك قال : نعى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله جعفرا وزيد بن حارثة وابن رواحة ، نعاهم قبل أن يجئ خبرهم وعيناه تذرفان. رواه البخاري في الصحيح.

قال أبان : وحدثني الفضيل بن يسار ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : أصيب يومئذ جعفر وبه خمسون جراحة : خمس وعشرون منها في وجهه.

قال عبدالله بن جعفر : أنا أحفظ حين دخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على أمي فنعى لها أبي : فأنظر إليه وهو يمسح على رأسي ورأس أخي وعيناه تهراقان الدموع حتى تقطر(٤) لحيته ، ثم قال : « اللهم إن جعفرا قد قدم إليك إلى أحسن الثواب فاخلفه في ذريته بأحسن ما خلفت أحدا من عبادك في ذريته » ثم قال : « يا أسما

____________________

(١) قال ياقوت : المأرب ، بلاد الازد باليمن.

(٢) لخم : بطن عظيم ينتسب إلى لخم واسمه مالك بن عدى بن الحارث بن مرة بن أددبن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان. من القحطانية.

وحذام مصحف وصحيحه جذام كما في المصدر المطبوع جديدا ، وهم بطن من كهلان من القحطانية ، وهم بنو جذام بن عدى بن الحارث.

وبلى بفتح الباء وسكون اللام : بطن من قضاعة من الحقانية تنتسب إلى بلى بن عمروبن الحافى بن قضاعة. وقضاعة : شعب عظيم ينتسب إلى قضاعة بن مالك بن عمروبن مرة بن زيد بن مالك بن حمير أو إلى قضاعة بن معد بن عدنان على اختلاف فيهم انهم من حمير ، أو من العدنانية.

(٣) في المصدر : حتى بلغوا. (٤) في المصدر : حتى تقطرت لحيته.

٥٦

ألا أبشرك؟ » قالت : بلى بأبي وأمي(١) يا رسول الله ، قال : « إن الله جعل لجعفر جناحين يطيربهما في الجنة » قالت : فأعلم الناس ذلك ، فقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأخذ بيدي يمسح بيده رأسي حتى رقي إلى المنبر ، وأجلسني أمامه على الدرجة السفلى والحزن يعرف عليه ، فقال : « إن المرء كثير بأخيه(٢) وابن عمه ، ألا إن جعفرا قد استشهد ، وجعل له جناحان يطيربهما في الجنة » ثم نزل صلى‌الله‌عليه‌وآله ودخل بيته ، و أدخلني معه ، وأمر بطعام يصنع لاجلي ، وأرسل إلى أخي فتغدينا عنده غداء(٣) طيبا مباركا ، وأفمنا ثلاثة أيام في بيته ندور معه كلما صار في بيت إحدى نسائه ثم رجعنا إلى بيتنا فأتانا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنا اساوم شاه أخ لي ، فقال : « اللهم بارك له في صفقته » قال عبدالله : فما بعث شيئا ولا اشتريت شيئا إلا بورك لي فيه. قال الصادق عليه‌السلام : قال رسول الله (ص) لفاطمة : اذهبي فابكي على ابن عمك فإن لم تدعي بثكل فما قلت فقد صدقت.

وذكر محمد بن إسحاق ، وعن عروة قال : لما أقبل أصحاب مؤتة تلقاهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله والمسلمون معه فجعلوا يحثون عليهم التراب ويقولون : يا فرارفررتم(٤) في سبيل الله؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ليسوا بفرار ، ولكنهم الكرار إن شاءالله(٥).

بيان : قال الفيروز آبادي : المعان : موضع بطريق حاج الشام ، وقال : مؤتة : موضع بمشارف الشام قتل فيه جعفر بن أبي طالب ، وفيه كان تعمل السيوف.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن المرء كثير(٦) لعل المراد بالكثيرة هنا العزة كما يكنى عن الذلة بالقلة ، أي عزة المرء وكثرة أعوانه إنما يكون بأخيه وابن عمه. قوله : إن لم تدعي بثكل ، أي لا تقولي واثكلاه ، ثم كل ما قلت فيه من الفضائل فقد صدقت ، لكثرة فضائله ، وقيل : المعنى لا تقولي إلا صدقا ولا يخفى بعده.

____________________

(١) في المصدر : بابى انت وامى. (٢) في المصدر : ان المرء كثير حزنه باخيه.

(٣) في المصدر : فتعغذينا جميعا عنده غذاء طيبا مباركاً.

(٤) في المصدر : افررتم.

(٥) إعلام الورى بأعلام الهدى : ٦٤ و ٦٥ ط ١ و ١١٠ ـ ١١٢ ط ٢.

(٦) ذكر كا قبلا ان الموجود في المصدر : ان المرء كثير حزنه بأخيه ، فعليه لايحتاج إلى توجيه.

٥٧

٩ ـ كا : حميد بن زياد ، عن الحسن بن محمد الكندي ، عن أحمد الميثمي(١) عن أبان بن عثمان ، عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : بينا رسول الله (ص) في المسجد إذخفض له كل رفيع ، ورفع له كل خفيض ، حتى نظر إلى جعفر يقاتل الكفار. قال : فقتل ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : قتل جعفر. أخذه المغص في بطنه(٢).

بيان : المغص بالفتح ويحرك : وجع في البطن ، والاظهر إرجاع الضمير في « أخذه » إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإرجاعه إلى جعفر بعيد.

أقول : سيأني بعض أخبار شهادته عليه‌السلام في باب فضائله.

١٠ ـ وروى في جامع الاصول عن ابن عمر قال : أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في غزوة موتة زيد بن حارثة ، فقال : « إن قتل زيد فجعفر ، فإن قتل جعفر فعبدالله بن رواحة » قال ابن عمر : فكنت معهم في تلك الغزوة فالتمسنا جعفرا فوجدناه في القتلى ووجدنا فيما أقبل من جسده بضعا وتسعين من طعنة ورمية.

وفي رواية أخرى أنه وقف على جعفر يومئذ وهو قتيل فعددت خمسين بين طعنة وضربة ليس منها شئ في دبره.

١١ ـ وقال عبدالحميد بن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : روى الواقدي عن عمر بن الحكم(٣) قال : بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الحارث بن عمير الازدي في سنة ثمان إلى ملك بصرى بكتاب ، فلما نزل مؤتة عرض له شرحبيل بن عمرو الغساني فقال : أين تريد؟ قال : الشام ، قال : لعلك من رسل محمد؟ قال : نعم ، فأمر به فأوثق رباطا ، ثم قدمه فضرب عنقه صبرا ، ولم يقتل لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله رسول غيره ، وبلغ ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فاشتد عليه وندب الناس وأخبرهم بقتل الحارث فأسرعوا وخرجوا فعسكروا بالجرف فلما صلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الظهر جلس وجلس أصحابه حوله ، وجاء النعمان بن مهض اليهودي فوقف مع الناس ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله :

____________________

(١) في المصدر : عن احمد بن الحسن الميثمى. (٢) روضة الكافى : ٣٧٦.

(٣) في المصدر : قال الواقدى : حدثنى ربيعة بن عثمان عن عمربن الحكم.

٥٨

« زيد بن حارثة أميرالناس ، فإن قتل زيد فجعفر بن أبي طالب ، فإن أصيب جعفر فعبدالله بن رواحة ، فان أصيب ابن رواحة فليرتض المسلمون بينهم رجلا فليجعلوه عليهم » فقال النعمان بن مهض : يا أبا القاسم إن كنت نبيا فسيصاب من سميت قليلا كانوا أو كثيرا ، إن الانبياء في بني إسرائيل كانوا إذا استعملوا الرجل على القوم ثم قاموا : إن أصيب فلان ، فلوسمى مائة أصيبوا جميعا ، ثم جعل اليهودي يقول لزيد بن حارثة : اعهد فلا ترجع إلى محمد أبدا إن كان نبيا ، قال : زيد : أشهد أنه نبي صادق ، فلما أجمعوا المسير وعقد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لهم اللواء بيده دفعه إلى زيد بن حارثة ، وهو لواء أبيض ، ومشى الناس إلى أمراء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يود عونهم ويدعون لهم وكانوا ثلاثة آلاف فلما ساروافي معسكرهم ناداهم المسلمون : دفع الله عنكم وردكم صالحين غانمين(١).

قلت : اتفق المحدثون على أن زيد بن حارثه هو كان الامير الاول ، و أنكرت الشيعة وقالوا : كان جعفر بن أبي طالب هوالاميرالاول ، فإن قتل فزيد ابن حارثة ، فان قتل فعبدالله ، ورووافي ذلك روايات. وروى الواقدي باسناده عن زيد بن أرقم(٢) أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خطبهم

فأوصاهم فقال : « أوصيكم بتقوى الله بمن معكم من المسليمن خيرا ، اغزوابسم الله وفي سبيل الله ، قاتلوا من كفر بالله لاتغدروا ولا تغلوا ولاتقتلواوليدا ، وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى إحدى ثلاث ، فأيتهن ما أجابوك إليها فاقبل منهم ، و اكفف عنهم : ادعهم إلى الدخول في الاسلام فان فعلوه فاقبل واكفف ، ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دارالمهاجرين فإن فعلوا فأخبرهم أن لهم ماللمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين وإن دخلوا في الاسلام واختاروا دارهم فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين يجزي عليهم حكم الله ، ولا يكون لهم في الفئ ولا في الغنيمة شئ إلا أن

____________________

(١) في المصدر : صالحين سالمين غانمين.

(٢) في المصدر : قال الواقدى : فحدثنى ابن ابى سبرة ، عن اسحاق بن عبدالله بن ابى طلحة عن رافع بن اسحاق ، عن زيدبن ارقم.

٥٩

يجاهدوا مع المسلمين ، فإن أبوا فادعهم إلى إعطاء الجزية ، فإن فعلوا فاقبل منهم واكفف عنهم ، فإن أبوا فاستعن بالله وقاتلهم ، وإن إنت حاصرت أهل حصن أو مدينة فأرادوا إن تستنزلهم على حكم الله ، ولكن أنزلهم على حكمك ، فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا ، وإن حاصرت أهل حصن أو مدينة فأرادوا أن تجعل لهم ذمة الله وذمة رسوله فلا تجعل لهم ذمة الله وذمة رسوله

ولكن اجعل لهم دمتك وذمة أبيك وذمة أصحابك ، فإنكم إن تخفروا ذممكم وذمم آبائكم خير لكم من أن تخفروا وذمة الله وذمة رسوله.

قال الواقدي : وروى أبوصفوان عن خالدبن بريد(١) قال : خرج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مشيعا لاهل مؤتة حتى بلغ ثنية الوداع فوقف ووقفوا حوله ، فقال : « اغزوا بسم الله فقاتلوا عدو الله وعدوكم بالشام ، وستجدون فيها رجالا في الصوامع معتزلين الناس فلاتعرضوا لهم ، وستجدون آخرين للشيطان في رؤسهم مفاحص(٢) فاقلعوها بالسيوف ، لا تقتلن امرأة ولا صغيرا ضرعا ، ولا كبيرا فانيا ، ولا تقطعن نخلا ولا شجرا ، ولا تهد من بناء » قال : فلما ودع عبدالله بن رواحة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال له : مرني(٣) بشئ أحفظه عنك ، قال : « إنك قادم غدا بلدا السجود به قليل فأكثر(٤) السجود » فقال : عبدالله : زدني يا رسول الله ، قال ، « اذكر الله فإنه عون لك على ما تطلب » فقام من عنده حتى إذا مضى ذاهبا رجع ، فقال : يا رسول الله إن الله وتريحب الوتر ، فقال : « يا ابن رواحة ما عجزت فلا تعجز ـ إن أسأت عشرا ـ أن تحسن واحدة » فقال ابن رواحة : لا أسألك عن شئ بعدها.

____________________

(١) في المصدر : وحدثنى ابوصفوان عن خالد بن يزيد.

(٢) في النهاية : المفحص مفعل من الفحص كالافحوص وجمعه مفاحص ، ومنه الحديث انه اوصى امراء جيش مؤته : ستجدون آخرين للشيطان في رؤسهم مفاحص فافلقوها بالسيوف ، اى ان الشيطان قد استوطن رؤسهم فجعله له مفاحص كما تستوطن القطا مفاحصها ، وهو من الاستعارات اللطيفة لان من كلامهم اذا وصفوا انسانا بشدة الغى والانهماك في الشر قالوا : قد فرخ الشيطان في رأسه. وعشش في قلبه.

(٣) في المصدر : اؤ مرنى. (٤) في المصدر : فاكثروا السجود.

٦٠