بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤١٧
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

يوم الريح العاصف ، فقال : أنا يا رسول الله صاحب الكتاب ، وما أحدثت نفاقا بعد إسلامي ، ولاشكا بعد يقيني ، فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « فما الذي حملك على أن كتبت هذا الكتاب؟ » قال يا رسول الله إن لي أهلا بمكة ، وليس لي بها عشيرة ، فأشفقت أن تكون دائرة لهم علينا فيكون كتابي هذا كفا « لهم عن أهلي ، ويدالي عندهم ، و لم أفعل ذلك للشك(١) في الدين ، فقام عمر بن الخطاب وقال : يا رسول الله مرني بقتله فإنه(٢) منافق ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله « إنه من أهل بدر ولعل الله تعالى اطلع عليهم فغفر لهم ، أخرجوه من المسجد » قال : فجعل الناس يدفعون في ظهره حتى أخرجوه ، وهو يلتفت إلى النبي (ص) ليرق عليه ، فأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله برده ، وقال له : « قد عفوت عنك وعن جرمك فاستغفر ربك ولاتعد بمثل ما جنيت(٣) »

١٩ ـ شى : عن داود بن سرحان عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : كان الفتح في سنة ثمان ، وبراءة في سنة تسع ، وحجة الوداع في سنة عشر(٤)

٢٠ ـ م : قوله عزوجل : « ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها اولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين * لهم في الدنيا خزي ولهم في الاخرة عذاب عظيم » (٥) قال الامام : قال الحسن(٦) بن علي عليهما‌السلام لما بعث الله محمدا (ص) بمكة وأظهر بها دعوته ، ونشر بها كلمته ، وعاب أعيانهم(٧) في عبادتهم الاصنام ، وأخذوه وأساؤا معاشرته ، وسعوا في خراب المساجد المبنية كانت للقوم(٨) من خيار أصحاب محمد وشيعة علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، كان بفناء

____________________

(١) لشك منى خ ل أقول : يوجد ذلك في المصدر

(٢) قد نافق خ ل. أقول : يوجد ذلك في المصدر

(٣) ارشاد المفيد : ٢٥ و ٢٦. (٤) تفسير العياشى ج ٢ : ٧٣

(٥) البقرة : ١١٤ و ١١٥.

(٦) الحسين خ ل. أقول : في المصدر : على بن الحسين عليه‌السلام

(٧) اديانهم خ ل أقول : يوجد ذلك في المصدر.

(٨) في المصدر : المبنية التى كانت لقوم من خيار اصحاب محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وشيعته وشيعة على.

١٢١

الكعبة مساجد يحيون فيها ما أمانه المبطلون ، فسعى هؤلاء المشركون في خرابها ، و أذى(١) محمد وأصحابه(٢) وألجاؤه إلى الخروج من مكة نحو المدينة التفت خلفه إليها وقال : « الله يعلم إنني(٣) احبك ، ولولا أن أهلك أخرجوني عنك لما آثرت عليك بلداً ، ولا ابتغيت عليك بدلا(٤) ، وإني لمغتم على مفارقنك » فأوحى الله إليه : يا محمد العلي الا على يقرأ(٥) عليك السلام ، ويقول : سنردك إلى هذا البلد ظافراً غانما سالماً قادراً قاهراً ، وذلك قوله تعالى : « إن الذي فرض عليك القرآن لرداك إلى معاد » يعني إلى مكة غانماً ظافراً. فأخبر بذلك رسول الله (ص) أصحابه فاتصل بأهل مكة فسخروا منه ، فقال الله تعالى لرسوله : سوف يظفرك الله بمكة(٦) ، ويجري عليهم حكمي ، وسوف أمنع عن دخولها المشركين حتى لا يدخلها أحد منهم إلا خائفا ، أودخلها مستخفياً من أنه إن عثر عليه قتل ، فلما حتم قضاء الله بفتح مكة و واستوسقت له أمر عليهم عتاب بن أسيد ، فلما اتصل بهم خبره قالوا : إن محمداً لايزال يستخف بناحتى ولى علينا غلاما حدث السن ابن ثمانية عشر سنة ، ونحن مشايخ ذوي الاسنان(٧) وجيران حرم الله الا من(٨) ، وخير بقعة على وجه الارض وكتب رسول الله (ص) لعتاب بن أسيد عهداً على مكة(٩) وكتب في أوله : من محمد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى جيران بيت الله الحرام ، وسكان حرم الله ، أما بعد فمن كان منكم بالله مؤمنا ، وبمحمد رسول في أقواله مصدقاً وفي أفعاله مصوبا ، ولعلي أخي محمد رسوله ونبيه وصفيه ووصيه وخير خلق الله(١٠) بعده موالياً فهو منا و

____________________

(١) في المصدر : وايذاء محمد. (٢) وساير اصحابه خ ل.

(٣) في المصدر : انى. (٤) في المصدر : ولا ابتغيت بك بدلا

(٥) يقرؤك خ ل. (٦) في المصدر : سوف يظهرك الله بمكة

(٧) هكذا في المصدر والكتاب ، واستظهر المصنف في الهامش انه مصحف « ذوو الاسنان »

(٨) خدام بيت الله الحرام ، وجيران حرمه الامن خ ل. أقول : يوجد ذلك في المصدر. و فيه : وخير بقعة له على وجه الارض

(٩) على أهل مكة خ ل. اقول : في المصدر : إلى مكة

(١٠) في المصدر : ولعلى اخى محمد وصفيه وخير الخلق بعده.

١٢٢

إلينا ومن كان لذلك أو لشئ منه مخالفاً فسحقاً وبعداً لاصحاب السعير ، لايقبل الله شيئا من أعماله ، وإن عظم وكبر(١) يصليه نار جهنم خالداً (٢) مخلداً أبداً ، وقد قلد محمد رسول الله عتاب بن أسيد أحكامكم ومصالحكم ، وقد فوض إليه تنبيه غافلكم ، وتعليم جاهلكم ، وتقويم أود(٣) مضطربكم ، وتأديب من زال عن أدب الله منكم لما علم من فضله عليكم من موالاة(٤) محمد رسول الله (ص) ، ومن رجحانه في التعصب لعلي ولي الله ، فهو لنا خادم ، وفي الله أخ ، ولا وليائنا موال ، ولا عدائنا معاد ، وهو لكم سماء ظليلة ، وأرض زكية ، وشمس مضيئة ، (٥) قد فضله الله على كافتكم بفضل موالاته ومحبته لمحمد وعلي والطيبين من آلهما ، وحكمه(٦) عليكم يعمل بما يريد الله فلن يخليه من توفيقه. كما أكمل من موالاة محمد وعلي عليه‌السلام شرفه وحظه لايؤامر رسول الله ولا يطالعه(٧) ، بل هو السديد الامين ، فليطمع المطيع منكم بحسن معاملته شريف الجزاء ، وعظيم الحباء وليتوقى المخالف له شديد العذاب(٨) ، وغضب الملك العزيز الغلاب(٩) ، ولا يحتج محتج منكم في(١٠) مخالفته بصغر سنه ، فليس الاكبر هو الافضل ، بل الافضل هو الاكبر ، وهو الاكبر في موالاتنا وموالاة أوليائنا ، ومعاداة أعدائنا ، فلذلك جعلناه الامير عليكم ، والرئيس عليكم ، فمن أطاعه فمر حبا به ومن خالفه فلا يبعد اله غيره ».

قال : فلما وصل إليهم عتاب وقرأ عهده ووقف فيهم موقفا ظاهراً نادى في جماعتهم حتى حضروه ، وقال لهم : معاشر أهل مكة إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله رماني بكم

____________________

(١) في المصدر : وكثر ، (٢) خالدا فيها خ ل.

(٣) الاود : الاعوجاج. (٤) في موالاة

(٥) زاد في المصدر : وقمر صفى. « منير خ ل » وفى نسختى المخطوط : وقمر مضيئ

(٦) وحكمته خ ل. أقول : يوجد ذلك في المصدر

(٧) ولا يكاتبه خ ل.

(٨) في المصدر : فليعمل المطيع منكم وليف بحسن معاملته ليس بشريف الجزاء وعظيم الحباء وليوفر المخالف له بشديد العقاب.

(٩) الغلاب : الكثير الغلبة. (١٠) إلى مخالفته خ ل.

١٢٣

شهاباً محرقا لمنافقكم(١) ، ورحمة وبركة على مؤمنكم(٢) ، وإني أعلم الناس بكم وبمنافقكم(٣) ، وسوف آمركم بالصلاة فيقام(٤) بها ، ثم أتخلف(٥) اراعي الناس ، فمن وجدته قد لزم الجماعة التزمت له حق المؤمن على المؤمن ، ومن وجدته قد بعد عنها فتشته(٦) ، فإن وجدت له عذرا عذرته(٧) ، وإن لم أجدله عذرا ضربت عنقه حكما(٨) من الله مقضياً على كافتكم لا طهر حرم الله من المنافقين ، أما بعد فإن الصدق أمانة ، والفجور خيانة ، ولن تشيع الفاحشة في قوم إلا ضربهم الله بالذل ، قويكم عندى ضعيف حتى آخذ الحق منه وضعيفكم عندي(٩) قوي حتى آخذ الحق له ، اتقو الله وشرفوا بطاعة الله أنفسكم ، ولا تذلوها بمخالفة ربكم. ففعل والله كما قال ، وعدل وأنصف وأنفذ الاحكام ، مهتديا بهدى الله ، غير محتاج إلى مؤامرة ولا مراجعة(١٠)

٢١ ـ شى : عن ابن أبي يعفور ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : سألته عن قول الله « ولولا أن ثبتنك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا(١١) » قال : لما كان يوم الفتح أخرج رسول الله (ص) أصناما من المسجد ، وكان منها صنم على المروة ، وطلبت إليه قريش أن يتركه وكان استحيا فهم بتركه ، ثم أمر بكسره فنزلت هذه الاية(١٢)

٢٢ ـ عم : كانت غزوة الفتح في شهر رمضان من سنة ثمان ، وذلك أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لما صالح قريشا عام الحديبية دخلت خزاعة في حلف النبي (ص) وعهده ، و دخلت كنانة في حلف قريش ، فلما مضت سنتان من القضية قعد رجل من كنانة

____________________

(١) في المصدر : لمنافقيكم. (٢) في المصدر : على مؤمنيكم.

(٣) في المصدر : وبمنافقيكم. (٤) فيقام لها خ ل

(٥) اختلف خ ل.

(٦) في المصدر المطبوع : وقد قعد عنها فتشته. وفى المخطوط : قد قعد عنها كبسته (فتشته خ ل). (٧) في المصدر وان وجدت له عذرا اعذرته

(٨) حتما خ ل. أقول : يوجد ذلك في المصدر. (٩) معى خ ل.

(١٠) تفسير المنسوب إلى العسكرى عليه‌السلام : ٢٣٠ و ٢٣١

(١١) الاسراء : ٧٤. (١٢) تفسير العياشى : ج ٢ : ٣٠٦.

١٢٤

يروي هجاء رسول الله ، فقال له رجل من خزاعة : لاتذكر هذا(١) ، قال : وما أنت و ذاك؟ فقال : لئن أعدت لاكسرن فاك ، فأعادها فرفع الخزاعي يده فضرب بها فاه فاستنصر الكناني قومه ، والخزاعي قومه وكانت كنانة أكثر فضر بوهم حتى أدخلوهم الحرم ، وقتلوا منهم ، وأعانهم قريش بالكراع والسلاح ، فركب عمرو بن سالم إلى رسول الله فخبره الخبر وقال : أبيات شعر منها :

لاهم إني ناشد محمدا

حلف أبينا وأبيه الا تلدا

إن قريشا أخلفوك الموعدا

ونقضوا ميثاقك المؤكدا

وقتلونا ركعا وسجدا

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « حسبك يا عمرو » ثم قام فدخل دار ميمونة وقال : اسكبوا لي ماء ، فجعل يغتسل ويقول : « لانصرت إن لم أنصر بني كعب » ثم أجمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على المسير إلى مكة وقال : اللهم خذ العيون عن قريش حتى نأتيها في بلادها ، فكتب حاطب بن أبي بلتعة مع سارة مولاة أبي لهب إلى قريش : إن رسول الله خارج إليكم يوم كذا وكذا ، فخرجت وتركت الطريق ، ثم أخذت ذات اليسار في الحرة ، فنزل جبرئيل عليه‌السلام فأخبره ، فدعا عليا عليه‌السلام والزبير فقال لهما أدركاها ، وخذا منها الكتاب ، فخرج علي والزبير لايلقيان أحدا حتى وردا ذالحليفة وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وضع حرسا على المدينة ، وكان على الحرس حارثة بن النعمان فأتيا الحرس فسألاهم ، فقالوا : مامر بنا أحد ، ثم استقبلا حطابا فسألاه فقال : رأيت امرأة سوداء انحدرت من الحرة ، فأدركاها فأخذ علي منها الكتاب ، وردها إلى رسول الله (ص) ، قال : فدعا حاطبا فقال له : انظر ما صنعت ، قال : أما والله إني لمؤمن بالله ورسوله ما شككت ، ولكني رجل ليس لي بمكة عشيرة(٢) ولي بها أهل فأردت أن أتخذ عندهم يدا ليحفظوني فيهم ، فقال عمر بن الخطاب : دعني يا رسول الله أضرب عنقه ، فوالله لقد نافق ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنه من أهل بدر ولعل الله اطلع عليهم

____________________

(١) لاتذكره هذا خ ل.

(٢) في المصدر : ولكنى رجل لى بمكة عشيرة.

١٢٥

فغفر لهم ، أخرجوه من المسجد » فجعل الناس يدفعون في ظهره وهو يلتفت إلى رسول الله (ص) ليرق عليه ، فأمر صلى‌الله‌عليه‌وآله برده ، وقال : « قد عفوت عن جرمك فاستغفر ربك ولاتعدل لمثل ما جنيت » فأنزل الله سبحانه : « يا أيها الذين آمنوا لاتتخذوا عدوي وعدوكم أولياء » إلى صدر السورة.

قال أبان : وحدثني عيسى بن عبدالله القمي عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : لما انتهى الخبر إلى أبي سفيان وهو بالشام بما صنعت قريش بخزاعة أقبل(١) حتى دخل على رسول الله (ص) ، فقال : يا محمد احقن دم قومك ، وأجر بين قريش(٢) ، و زدنا في المدة ، قال : « أغدرتم يا باسفيان؟ » قال : لا ، قال : « فنحن على ما كنا عليه » فخرج فلقي أبا بكر فقال : يا أبا بكر أجر بين قريش ، قال : ويحك! وأحد يجير على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ ثم لقي عمر فقال له : مثل ذلك ثم خرج فدخل على ام حبيبة فذهب ليجلس على الفراش فأهوت إلى الفراش فطوته ، فقال : يا بنية أرغبة بهذا الفراش عني؟ قالت : نعم ، هذا فراش رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما كنت لتجلس عليه وأنت رجس مشرك ، ثم خرج فدخل على فاطمة عليهما‌السلام فقال : يا بنت سيد العرب تجيرين بين قريش ، وتزيد ين في المدة فتكونين أكرم سيدة في الناس ، قالت : جواري في جوار رسول الله ، قال : فتأمرين ابنيك أن يجيرا بين الناس؟ قالت : والله ما يدري ابناي ما يجيران من قريش ، فخرج فلقي عليا عليه‌السلام فقال : أنت أمس القوم بي رحما ، وقد اعتسرت علي الامور فاجعل لي منها وجها ، قال : أنت شيخ قريش تقوم على باب المسجد فتجير بين قريش ، ثم تقعد على راحلتك وتلحق بقومك(٣) قال : وهل ترى ذلك نافعي؟ لا أدرى ، فقال يا أيها الناس إني قد أجرت بين قريش(٤) ثم ركب بعيره وانطلق ، فقدم على قريش فقالوا ما وراك؟ قال : جئ

____________________

(١) رواه ابن شهر آشوب في المناقب ١ : ١٧٧ عن ابان وفيه : اختلافات منها ههنا ففيه : ما انتهى الخبر إلى ابى سفيان وهو بالشام مشاجرة كنانة وخزاعة اقبل.

(٢) في المناقب : احقن دماء قومك واحرس قريشا.

(٣) في المناقب : فقم فاستجربين الناس ثم الحق باهلك.

(٤) في المناقب : ايها الناس انى استجرت بكم.

١٢٦

محمدا فكلمته فوالله مارد علي شيئا ، ثم جئت ابن أبي قحافة فلم إجد عنده خيرا ، ثم جئت إلى ابن الخطاب فكان كذلك ، ثم دخلت على فاطمة فلم تجبني ، ثم لقيت عليا فأمرني أن أجير بين الناس ففعلت ، قالوا : هل أجاز ذلك محمد؟ قال : لا ، قالوا : ويحك لعب بك الرجل ، أو أنت تجير بين قريش؟.

قال : وخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم الجمعة حين صلى العصر لليلتين مضتا من شهر رمضان ، فاستخلف على المدينه إبا لبابة بن عبدالمنذر ، ودعا رئيس كل قوم فأمره أن يأني قومه فيستنفرهم.

قال الباقر عليه‌السلام : خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في غزوة الفتح فصام وصام الناس حتى نزل كراع الغميم فأمر بالا فطار فأفطر وأفطر الناس وصام قوم فسموا العصاة لانهم صاموا ، ثم سار عليه‌السلام ، حتى نزل مر الظهران ومعه نحو من عشرة آلاف رجل ، ونحو من أربعمائة فارس ، وقد عميت الاخبار عن قريش ، فخرج في تلك الليلة أبوسفيان وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاء هل يسمعون خبرا ، وقد كان العباس بن عبدالمطلب خرج يتلقى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ومعه أبوسفيان بن الحارث وعبدالله بن أبي اميه ، وقد تلقاه بثنية العقاب.

ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في قبته وعلى حرسه يومئذ زياد بن أسيد ، فاستقبلهم زياد فقال : أما أنت يا أبا الفضل فامض إلى القبة ، وأما أنتما فارجعا فمضى العباس حتى دخل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فسلم عليه ، وقال : بأبي أنت وامي هذا ابن عمك قدجآء تائبا ، وابن عمتك ، قال : ( لاحاجة لي فيهما ، إن ابن عمي انتهك عرضي ، وأما ابن عمتي ، فهو الذي يقول بمكة : لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الارض ينبوعا ، فلما خرج العباس كلمته ام سلمة وقالت : بأبي أنت وامي ، ابن عمك قد جاء تائبا لا يكون أشقى الناس بك ، وأخي ابن عمتك وصهرك فلا يكونن شقيا بك ، ونادى أبوسفيان بن الحارث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : كن(١) لنا كما

____________________

(١) في المصدر : وقال : يا رسول الله كن لنا.

١٢٧

قال العبد الصالح : « لاتثريب عليكم » فدعاه وقبل منه ، ودعا عبدالله بن أبي أمية فقبل منه.

وقال العباس : هو والله هلاك قريش إلى آخر الدهر إن دخلها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عنوة ، قال : فركبت بغلة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله البيضآء وخرجت أطلب الحطابة ، أو صاحب لبن لعلي آمره أن يأتي قريشا فيركبون إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يستأمنون إليه إذلقيت أباسفيان وبديل بن ورقآء وحكيم بن حزام ، أقل وأبوسفيان يقول لبديل : ما هذه النيران؟ قال : هذه خزاعة أقل من أن تكون هذه نيرانهم ، ولكن لعل هذه تميم أوربيعة ، قال العباس : فعرفت صوت أبي سفيان ، فقلت : أبا حنظلة! قال : لبيك فمن أنت؟ قلت : أنا العباس ، قال : فماهذه النيران فداك أبي وامي؟ قلت : هذا رسول الله في عشرة آلاف من المسلمين ، قال : فما الحيلة؟ قال : تركب في عجز هذه البغلة فأستأمن لك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : فأردفته خلفي ، ثم جئت به ، فكلما انتهيت إلى نار قاموا إلي نار قاموا إلي فإذا رأوني قالو : هذا عم رسول الله (ص) خلوا سبيله ، حتى انتهيت إلى باب عمر ، فعرف أباسفيان فقال : عدو الله ، الحمدالله الذي أمكن منك ، فركضت البغلة حتى اجتمعنا على باب القبة ، ودخل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : هذا أبوسفيان قد أمكنك الله منه بغير عهد ولا عقد ، فدعني إضرب عنقه ، قال العباس : فجلست عند رأس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقلت : بأبي أنت وامي أبوسفيان وقد أجرته ، قال : أدخله ، فدخل فقام(١) بين يديه فقال : « ويحك(٢) يا باسفيان أما آن لك أن تشهد أن لا إله إلا الله ، وأني رسول الله؟ » قال : بأبي إنت وامي ما أكرمك وأوصلك وأحلمك؟ أما الله لو كان معه إله لاغنى يوم بدر ويوم أحد ، وأما أنك رسول الله فوالله إن في نفسي منها لشيئا ، قال العباس : يضرب والله عنقك الساعة(٣) أو تشهد أن لا إله إلا الله ، وأنه رسول الله ، قال :

____________________

(١) اى قام ابوسفيان بين يدى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

(٢) المصدر : خلى عن لفظة « ويحك ».

(٣) في المصدر : في هذه الساعة.

١٢٨

فإني أشهد أن لا إله إلا الله ، وأنك رسول الله(١) تلجلج بها فوه(٢) فقال أبو سفيان للعباس : فما نصنع بالات والعزى؟ فقال له عمر : اسلح(٣) عليهما ، قال أبوسفيان : اف لك ، ما أفحشك؟ ما يدخلك يا عمر في كلامي وكلام ابن عمي؟ فقال له رسول الله : عند من تكون الليلة؟ قال : عند أبي الفضل ، قال : « فاذهب به يا أبالفضل فأبته عندك الليلة ، واغدبه علي » فلما أصبح سمع بلالا يؤذن ، قال : ما هذا المنادي يا أبالفضل؟ قال : هذا مؤذن رسول الله قم فتوض(٤) وصل ، قال : كيف أتوضأ؟ فعلمه ، قال : ونظر أبوسفيان إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو ينوضأ وأيدي المسلمين تحت شعره فليس قطرة يصيب(٥) رجلا منهم إلا مسح بها وجهه ، فقال : بالله إن رأيت كاليوم قط كسرى ولا قيصر ، فلما صلى غدابه إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا رسول الله إني أحب أن تأذن لي قومك فأنذرهم وأدعوهم إلى الله ورسوله فأذن له ، فقال للعباس : كيف أقول لهم؟ بين لي من ذلك أمرا يطمئون إليه ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « تقول لهم : من قال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له وشهد أن محمدا رسول الله ، وكف يده فهو آمن ، ومن جلس عند الكعبة ووضع سلاحه فهو آمن » فقال العباس : يا رسول الله إن أباسفيان رجل يحب الفخر ، فلو خصصته بمعروف ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « من دخل دار أبي سفيان فهو آمن » قال أبوسفيان : داري؟ قال : دارك ، ثم قال : « ومن أغلق بابه فهو آمن ».

ولما مضى أبوسفيان قال العباس : يا رسول الله إن أباسفيان رجل من شأنه الغدر ، وقد رأى من المسلمين تفرقا ، قال : فأدركه واحسبه في مضايق الوادي حتى يمر به جنود الله ، قال : فلحقه العباس ، فقال : أبا حنظلة! قال : أغدرا يا بني هاشم؟ قال : ستعلم أن الغدر ليس من شأننا ، ولكن أصبح تنظروا إلى جنود

____________________

(١) في المصدر : وانك لرسوله الله.

(٢) في المناقب : فتلجلج لسانه وعلى يقصده بسيفه : والنبى صلى‌الله‌عليه‌وآله محدق بعلى فقال العباس يضرب والله عنقك الساعة اوتشهد الشهادتين فأسلم اضطرارا.

(٣) سلح : تغوط. وهو خاص بالطير والبهائم ، واستعماله للانسان من باب التساهل على التشبيه.

(٤) فتوضأ خ ل. (٥) في المصدر : تصيب.

١٢٩

الله ، قال العباس : فمر خالد بن الوليد فقال أبوسفيان : هذا رسول الله؟ قال : لا ولكن هذا خالد بن الوليد في المقدمة ، ثم مر الزبير في جهينة وأشجع فقال أبو سفيان : يا عباس هذا محمد؟ قال : لا هذا الزبير ، فجعلت الجنود تمر به حتى مر رسول الله (ص) في الانصار ، ثم انتهى إليه سعد بن عبادة بيده راية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا با حنظلة.

اليوم يوم المحلمة

اليوم تسبى الحرمة

يا معشر الاوس والخزرج ثاركم يوم الجبل ، فلما سمعها من سعد خلى العباس وسعى إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وزاحم(١) حتى مر تحت الرماح فأخذ غرزه فقبلها ثم قال : بأبي أنت وأمي أما تسمع ما يقول سعد؟ وذكر ذلك القول ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « ليس مما قال سعد شئ ».

ثم قال لعلي عليه‌السلام : « أدرك سعدا فخذ الراية منه ، وأدخلها إدخالا رفيقا » فأخذها علي وأدخلها كما أمر(٢).

قال : وأسلم يومئذ حكيم بن حزام وبديل بن ورقاء وجبير بن مطعم ، وأقبل أبوسفيان يركض حتى دخل مكة وقد سطح الغبار من فوق الجبال ، وقريش لا تعلم ، وأقبل أبوسفيان من أسفل الوادي يركض فاستقبله قريش وقالوا : ماوراك؟ وما هذا الغبار؟ قال : محمد في خلق ، ثم صاح : يا آل غالب البيوت البيوا ، من دخل داري فهو آمن ، فعرفت هند فأخذت تطردهم ثم قالت : اقتلوا الشيخ الخبيث ، لعنه الله من وافد قوم(٣) وطليعة قوم ، قال : ويلك إني رأيت ذات القرون ، ورأيت فارس أبناء الكرام ، ورأيت ملوك كندة وفتيان حمير يسلمن(٤) آخر النهار ، ويلك

____________________

(١) وزاحم الناس. أقول : في المناقب : فاتى العباس إلى النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله واخبره بمقالة سعد.

(٢) في المناقب : فقال سعد : لولاك لما اخذت منى.

(٣) في المناقب : قبح من وافد قوم.

(٤) في المناقب : يسلمون آخر النهار. وفيه : وذهبت البلية.

١٣٠

اسكتي ، فقد والله جاء الحق ودنت البلية.

قال : وكان قد عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى المسلمين أن لا يقتلوابمكة إلا من قاتلهم سوى نفر كانوا يؤذون النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، منهم مقيس بن صبابة ، وعبدالله بن سعد بن أبي سرح ، وعبدالله بن خطل وقينتين كانتا تغبيان بهجاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقال : « اقتلوهم وإن وجد تموهم متعلقين بأستار الكعبة » فأردك ابن خطل وهو متعلق بأستار الكعبة فاستبق إليه سعيد بن حريث وعمار بن ياسر ، فسبق سعيد عمارا فقتله ، وقتل مقيس بن صبابة في السوق ، وقتل علي عليه‌السلام إحدى القينتين ، وأفلتت الاخرى ، وقتل عليه‌السلام أيضا الحويرث بن نفيل بن كعب(١) وبلغه أن أم هانئ(٢) بنت أبي طالب قد آوت ناسا من بني مخزوم ، منهم الحارث بن هشام وقيس بن السائب(٣) فقصد نحو دارها مقنعا بالحديد فنادى : أخرجوا من آويتم ، فجعلوا يذرقون كما يذرق الحبارى خوفا منه ، فخرجت إليه أم هانئ وهي لا تعرفه ، فقالت : يا عبدالله أنا أم هانئ بنت عم رسول الله ، وأخت علي بن أبي طالب ، انصرف عن داري فقال علي : أخرجوهم ، فقالت : والله لاشكونك إلى رسول الله ، فنزع المغفر عن رأسه فعرفته ، فجاءت تشتد حتى التزمته ، فقالت : فديتك حلفت لاشكونك إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال لها : فاذهبي فبري قسمك ، فإنه بأعلى الوادي ، قالت أم هانئ : فجئت إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو قبة يغتسل ، وفاطمة عليها‌السلام يستره ، فلما سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كلامي قال : « مر حبابك يا أم هانئ » قلت : بأبي و أمي مالقيت من علي اليوم؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « قد أجرت من أجرت » فقالت فاطمة : إنما جئت يا أم هانئ تشكين عليا(٤) في أنه أخاف أعداء الله وأعداء رسوله؟

____________________

(١) في السيرة : الحويرث بن نقيذ بن وهب بن عبد بن قصى.

(٢) ام هانئ بالهمزة لا بالياء ، قال الفيروز في باب المهموز : هانئ : الخادم ، وام هانئ بنت ابى طالب.

(٣) في الامتاع : حموان لها : عبدالله بن ابى ربيعة عمرو بن المغيرة بن عبدالله ابن عمر بن مخزوم المخزومى ، والحارث بن هشام بن المغيرة بن عبدالله بن عمربن مخزوم.

(٤) في المصدر : تشكين من على.

١٣١

فقلت : احتمليني فديتك ، فقال رسول الله (ص) : « قد شكرالله تعالى سعيه ، وأجرت من أجارت أم هانئ لمكانها من علي بن أبي طالب ».

قال أبان : وحدثني بشير النبال عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : لما كان فتح مكة قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « عند من المفتاح؟ » قالوا : عند أم شبية. فدعا شبية فقال : « اذهب إلى أمك فقل لها : ترسل بالمفتاح » فقالت : قل له : قتلت مقاتلنا وتريد أن تأخذ منا مكرمتنا؟ فقال : لترسلن به أولا قتلنك ، فوضعته في يد الغلام ، فأخذه ودعا عمر فقال له : « هذا تأويل رؤياي من قبل ».

ثم قام صلى‌الله‌عليه‌وآله ففتحه وستره ، فمن يومئذ يستر ، ثم دعا الغلام فبسط رداءه فجعل فيه المفتاح ، وقال : رده إلى أمك ، قال : ودخل صناديد قريش الكعبة و هم يظنون أن السيف لا يرفع عنهم ، فأنى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله البيت وأخذ بعضادتي(١) الباب ثم قال : « لا إله إلا الله أنجز وعده ، ونصر عبده ، وغلب الاحزاب وحده » ثم قال : « ما تظنون؟ وما أنتم قائلون؟ » فقال سهيل بن عمرو : نقول خيرا و نظن خيرا ، أخ كريم وابن عم ، قال : « فإني أقول لكم كما قال أحي يوسف : لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين ، ألا إن كل دم ومال و مأثرة كان في الجاهلية فإنه موضوع تحت قدمي إلا سدانة(٢) الكعبة وسقاية الحاج فإنهما مردودتان إلى أهليهما ، ألا إن مكة محرمة بتحريم الله لم تحل لاحد كان قبلي ، ولم تحل لي إلا ساعة من نهار فهي محرمة إلى أن تقوم الساعة ، لا يختلى خلاها ، ولا يقطع شجرها ، ولا ينفر صيدها ، ولا تحل لقطتها إلا لمنشد » ثم قال : « ألا لبئس جيران النبي كنتم ، لقد كذبتم وطردتم ، وأخرجتم وفللتم ، ثم ما رضيتم حتى جئتموني في بلادي تقاتلوني ، فاذهبوا فأنتم الطلقاء » فخرج القوم كأنما أنشروا من القبور ، ودخلوا في الاسلام.

قال : ودخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مكة بغير إحرام ، وعليهم السلاح. ودخل

____________________

(١) عضادتا الباب : خشبتاه من جانبيه.

(٢) سدانة الكعبة : خدمتها وحجابتها.

١٣٢

البيت لم يدخله في حج ولا عمرة ، ودخل وقت الظهر(١) فأمر بلالا فصعد على الكعبة وأذن ، فقال عكرمة : والله إن كنت لاكره أن أسمع صوت ابن رياح ينهق على الكعبة ، وقال خالد بن أسيد : الحمدلله الذي أكرم أباعتاب من هذا اليوم أن يرى ابن رياح قائما على الكعبة ، قال سهيل : هي كعبة الله وهو يرى ولو شاء لغير قال : وكان أقصدهم(٢) وقال أبوسفيان : أما أنا فلا أقول شيئا ، والله لو نطقت لظننت أن هذه الجدر تخبربه محمدا ، وبعث صلى‌الله‌عليه‌وآله إليهم فأخبرهم بما قالوا ، فقال عتاب : قد والله قلنا يا رسول الله ذلك فنستغفرالله ونتوب إليه فأسلم وحسن إسلامه وولاه رسول الله (ص) مكة ، قال : وكان فتح مكة لثلاث عشرة خلت من شهر رمضان واستشهد من المسلمين ثلاثه نفر دخلوا في أسفل مكة وأخطاؤا الطريق فقتلوا(٣).

أقول : ذكر المفيد رحمه‌الله في الارشاد أكثر بلك(٤) القصص بأدنى تغيير(٥) تركناها حذرا من التكرار.

بيان : إلى صدر السورة ، أي إلى آخر الآيات من أول السورة. والصدر أيضا : الطائفة من الشئ ، ولكن أصبح ، أي اصبر حتى يتنورالصبح ، والاصباح : الدخول في الصباح ، ويطلق على الاسفار ، قال الراغب : الصباح : أول النهار ، و هو وقت ما احمر الافق بحاجب الشمس. قوله : ثاركم يوم الجبل ، أي اطلبوا دماءكم التي أريقت يوم أحد ، والغرز بالفتح : ركاب من جلد. والذرق بالذال و الزاي بمعنى. والحبارى معروف بالحمق والجبن ، وفي المصباح : احتلمت ما كان منه ، بمعنى العفو والاغضاء ، والفل : الكسر والضرب : وفل الجيش : هزمه فقال عتاب ، أي معتذرا عن أخيه ، ويحتمل أن يكون هو أيضا قال شيئا

____________________

(١) في المصدر : ودخل وقت العصر.

(٢) زاد في المناقب : وقال الحارث بن هشام : اما وجد محمد غير هذا الغراب الاسود مؤذنا؟.

(٣) اعلام الورى : ٦٥ ـ ٦٩.

(٤) وقد ذكرنا ان ابن شهر آشوب ذكرها في المناقب : ١٧٧ ـ ١٨٠.

(٥) ارشاد المفيد : ٦٠ ـ ٦٤.

١٣٣

٢٣ ـ كا : علي ، عن أبيه ، عن البزنطي ، عن أبان ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : لما فتح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مكة بايع الرجال ، ثم جاءه النساء يبايعنه فأنزل الله عزوجل : « يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن و أرجلهن ولا يعصينك في معروف فبايعهن واستغفر لهن الله إن الله غفور رحيم » فقالت هند : أما الوالد فقد ربينا صغارا وقتلتهم(١) كبارا ، وقالت أم حكيم بنت الحارث بن هشام وكانت عند عكرمة بن أبي جهل : يا رسول الله ما ذلك المعروف الذي أمرنا الله أن لا نعصيك فيه؟ فقال : « لا تلطمن خدا ، ولا تخمشن وجها ، ولا تنتقن شعرا ، ولا تشققن جيبا ، ولا تسودن ثوبا ، ولا تدعين بويل » فبايعهن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على هذا ، فقالت : يا رسول الله كيف نبايعك؟ قال : « إنني لا أصافح النساء » فدعا بقدح من ماء فأدخل يده ثم أخرجها فقال : ادخلن أيديكن في هذا الماء فهي البيعة(٢).

كا : علي ، عن أبيه ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام مثله(٣).

٢٤ ـ كا : أبوعلي الاشعري ، عن أحمد بن إسحاق ، عن سعدان بن مسلم قال : قال أبوعبدالله عليه‌السلام : أتدري كيف بايع رسول الله (ص) النساء؟ قلت : الله أعلم وابن رسوله أعلم ، قال : جمعهن حوله ثم دعا بتور برام فصب فيه نضوحا ثم غمس يده فيه ثم قال : اسمعن يا هؤلاء أبايعكن على أن تلا تشركن بالله شيئا ، ولا تسرقن ، ولا تزنين ، ولا تقتلن أولادكن ولا تأتين ببهتان تفترينه بين أيديكن وأرجلكن ولا تعصين بعولتكن في معروف. أفرورتن؟ « قلن : نعم ، فأخرج يده من التور ثم قال لهن : « اغمسن أيديكن » ففعلن ، فكانت يد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الطاهرة أطيب من أن يمس بها كف أنثى ليست له بمحرم(٤).

بيان : التور : إناء من صفر أو حجارة كالاجانة ذكره الجرزي. وقال :

____________________

(١) قتلناهم خ ل.

(٢ ـ ٤) فروع الكافى ٢ : ٦٦.

١٣٤

البرمة : القدر مطلقا ، وجمعها برام ، وهي في الاصل المتخذة من الحجر المعروف بالحجاز واليمن. وقال : النضوح بالفتح : ضرب من الطيب.

٢٥ ـ كا : علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس بن عبدالرحمن عن معاوية بن وهب قال : لما كان يوم فتح مكة ضربت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خيمة سوداء من شعر بالابطح ، ثم أفاض عليه الماء من جفنة يرى فيها أثر العجين ، ثم تحرى القبلة ضحى ، فركع ثماني ركعات لم يركعها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قبل ذلك ولا بعد(١).

٢٦ ـ كا : علي ، عن أبيه ، عن حماد ، عن حريز ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : لما قدم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مكة يوم افتتحها فتح باب الكعبة فأمر بصور في الكعبة فطمست ، ثم أخذ بعضادتي الباب فقال : « لا إله إلا الله وجده لا شريك له ، صدق وعده ، ونصر عبده ، وهزم الاحزاب وحده ، ما ذا تقولون؟ وما ذا تظنون؟ » قالوا : نظن خيرا ، ونقول خيرا ، أخ كريم وقد قدرت ، قال : « فإني أقول كما قال أخي يوسف : لا تثريب عليكم اليوم يغفرالله لكم وهو أرحم الراحمين ، ألا إن الله قد حرم مكة يوم خلق السماوات والارض فهي حرام بحرام الله إلى يوم القيامة ، لا ينفر صيدها ، ولا يعضد شجرها ، ولا يختلى خلاها ، ولا تحل لقطتها إلا لمنشد » فقال العباس : يا رسول الله إلا إلاذخر فإنه للقبر والبيوت : فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إلا الاذخر(٢).

بيان : الطموس : الدروس والانمحاء. وعضادتا الباب : هما خشبتاه من جانبيه. والتثريب : التعيير. والعضد : القطع. والخلا مقصورا : النبات الرقيق مادام رطبا. وأختلاؤه : قطعه. وإنشاد الاضالة : تعريفها.

٢٧ ـ كا : علي ، عن أبيه ، ومحمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان جميعا عى ابن أبي عمير عن معاوية بن عمار قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم فتح مكة : إن

____________________

(١) فروع الكافى ١ : ١٢٥ و ١٢٦.

(٢) فروع الكافى ١ : ٢٢٧ و ٢٢٨.

١٣٥

الله حرم مكة يوم خلق السماوات والارض ، وهي حرام إلى أن تقوم الساعة ، لا تحل(١) لاحد قبلي ، ولا تحل لاحد بعدي ، ولم تحل لي إلا ساعة من نهار(٢).

٢٨ ـ كا : علي ، عن أبيه والقاساني جميعا ، عن الاصفهاني ، عن المنقري عن فضيل بن عياض ، عن أبي عبدالله ، عن أبيه عليهما‌السلام قال : إن رسول الله (ص) يوم فتح مكة لم يسب لهم ذرية ، وقال : من أغلق بابه فهو آمن ، ومن ألقى سلاحه فهو آمن(٣).

٢٩ ـ يب : الطاطري ، عن محمد بن أبي حمزة ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : سمعته يقول : لا تصل المكتوبة في جوف الكعبة ، فإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يدخلها في حج ولا عمرة ، ولكن دخلها في فتح مكة فصلى فيها ركعتين بين العمودين ومعه أسامة(٤).

٣٠ ـ فر : أبوالقاسم العلوي معنعنا عن ابن عباس رضي‌الله‌عنه في قوله تعالى : « يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة » قال : قدمت سارة مولاة بني هاشم إلى المدينه فأتت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ومن معه من بني عبدالمطلب ، فقالت : إني مولاتكم وقد أصابني جهد ، وأتيتكم(٥) أنعرض لمعروفكم ، فكسيت وحملت وجهزت ، وعمدت حاطب بن أبي بلتعة أخابني أسد بن عبدالعزى فكتب معها كتابا لاهل مكة(٦) بأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قد أمر الناس أن يجهزوا ، وعرف حاطب أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يريد أهل مكة ، فكتب إليهم يحذرهم ، وجعل لسارة جعلا على أن تكتم عليه وتبلغ رسالته ففعلت ، فنزل جبرئيل عليه‌السلام على نبي الله (ص) فأخبره ، فبعث رسول الله (ص) رجلين من أصحابه

____________________

(١) في المصدر : لم تحل لاحد قبلى. (٢) فروع الكافى ١ : ٢٢٨.

(٣) فروع الكافى ١ : ٣٢٩ والحديث طويل راجعه. فان المذكور منقول معنى.

(٤) تهذيب الاحكام ١ : ٢٤٥. (٥) في المصدر : وقد اتيتكم.

(٦) في المصدر : وعدها حاطب بن ابى بلتعة أخوبنى اسد بن عبدالعزى فكتب معها كتابا إلى اهل مكة.

١٣٦

في أثرها : أميرالمومنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام وزبير بن(١) العوام ، وأخبرهما خبر الصحيفة ، فقال : « إن أعطتكم(٢) الصحيفة فخلوا سبيلها وإلا فاضربوا عنقها » فلحقا سارة فقالا : أين الصحيفة التي كتبت معك يا عدوة الله؟ فحلفت بالله ما معي(٣) كتاب ففتشاها فلم يجدا معها شيئا ، فهما بتركها ، ثم قال أحدهما : والله ما كذبنا ولا كذبنا فسل سيفه فقال : أحلف بالله لا أغمده حتى تخرجين الكتاب أو يقع في رأسك ، فزعموا أنه علي بن أبي طالب ، قالت : فلله عليكما الميثاق ، إن أعطكما الكتاب لا تقتلاني ولا تصلباني ولا ترد اني إلى المدينة؟ قالا : نعم ، فأجرجته من شعرها فخليا سبيلها ، ثم رجعا إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فأعطياه الصحيفة فإذا فيها : من حاطب بن أبي بلتعة إلى مكة إن محمدا قد نفر ، فإني لا أدري إياكم أراد أو غيركم ، فعليكم بالحذر.

فأرسل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إليه فأتاه فقال تعرف هذا الكتاب يا حاطب؟ قال : نعم ، قال : فماحملك عليه ، فقال : أما والذي أنزل عليك الكتاب ما كفرت منذ آمنت ، ولا أجبتهم منذ فارقنهم ، ولكن لم يكن أحد من أصحابك إلا ولهم( بمكة عشيرة غيري ، فأحببت أن أتخذ عندهم يدا ، وقد علمت أن الله منزل بهم بأسه ونقمته ، وأن كتابي لا يغني عنهم شيئا ، فصدقه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعذره ، فأنزل الله : « يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة(٥) ».

٣١ ـ كا : علي ، عن أبيه ، عن حنان ، عن أبيه ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : صعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله المنبر يوم فتح مكة فقال : أيها الناس إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتفاخرها بآبائها ، ألا إنكم من آدم ، وآدم من طين ، ألا إن خير عبادالله عبد اتقاه إن العربية ليسب بأب والد ، ولكنها لسان ناطق ، فمن قصر به عمله لم يبلغ حسبه ، ألا إن كل دم كان في الجاهلية أو إحنة ـ والاحنة : الشحناء ـ فهي تحت قدمي هذه إلى يوم القيامة(٦).

____________________

(١) في المصدر : والزبير بن العوام. (٢) في المصدر : ان أعطتكما الصحيفة.

(٣) في المصدر : ما معها. (٤) وله خ ل.

(٥) تفسير فرات : ١٨٣ و ١٨٤. (٦) روضة الكافى : ٢٤٦.

١٣٧

٣٢ ـ ين : ابن محبوب ، عن ابن رئاب ، عن أبي عبيدة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : لما كان يوم فتح مكة قام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في الناس خطيبا فحمدالله وأثنى عليه ثم قال : أيها الناس ليبلغ الشاهد الغائب ، إن الله تبارك وتعالى قد أذهب عنكم بالاسلام نخوة الجاهلية ، والتفاخر بآبائها وعشائرها ، أيها الناس إنكم من آدم وآدم من طين ، ألا وإن خيركم عندالله وأكرمكم عليه اليوم أتقاكم ، وأطوعكم له ، ألا وإن العربية ليست بأب والد ، ولكنها لسان ناطق ، فمن طعن بينكم و علم أنه يبلغه رضوان الله حسبه ، ألا وإن كل دم أو مظلمة أو إحنة كانت في الجاهلية فهي مطل(١) تحت قدمي إلى يوم القيامة(٢).

٣٣ ـ كا : محمد بن الحسن ، عن بعض أصحابنا ، عن علي بن الحكم ، عن الحكم بن مسكين ، عن رجل من قريش من أهل مكة ، عن الصادق عليه‌السلام قال : خطب رسول الله في مسجد الخيف(٣) : نضرالله عبداسمع مقالتي فوعاها ، وبلغها من لم يبلغه ، يا أيها الناس ليبلغ الشاهد الغائب ، فرب حامل فقه ليس بفقيه ، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ، ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم : إخلاص العمل لله ، و النصيحة لائمة المسلمين ، واللزوم لجماعتهم ، فإن دعوتهم محيطة من ورائهم المؤمنون إخوة تتكافئ ، دماؤهم وهم يد على من سواهم ، يسعى بذمتهم أدناهم(٤).

____________________

(١) مظل خ ل. أقول : طل الدم ، هدر اولم يثأرله فهو طليل ومطلول ومطل.

(٢) كتاب المؤمن : مخطوط.

(٣) خطبه صلى‌الله‌عليه‌وآله في حجة الوداع ، فكان الانسب ايرادها هنا لك ، وللحديث صدر وذيل ترك المصنف ذكره فراجع.

(٤) اصول الكافى ١ : ٤٠٣ و ٤٠٤ قوله : نضرالله أى نعمه ، ويروى بالتخفيف والتشديد من النضارة وهى في الاصل حسن الوجه ، واراد حسن خلقه وقدره. لا يغل من الاغلال : الخيانة في كل شئ ، ويروى يغل بفتح الياء من الغل وهو الحقد والشحناء أى لايدخله حقديزيله عن الحق ، و روى يغل بالتخفيف من الوغول : الدخول في الشر ، والمعنى ان هذه الخلال الثلاث تستصلح بها القلوب ، فمن تمسك بها طهر قلبه من الخيانة والدغل والشر : وعليهن في موضع الحال تقديره لايغل كائنا عليهن قلب مؤمن. قوله : والنصيحة لائمة المسلمين ، النصيحة كلمة يعبربها عن ارادة الخير للمنصوح له ، واصل النصح الخلوص : ونصيحة الائمة أن يطيعهم في الحق ولايخالف

١٣٨

٣٤ ـ كا : الحسين بن محمد ، عن المعلى ، عن الوشاء ، عن أبان ، عن الثمالي قال : قلت لعلي بن الحسين عليهما‌السلام : إن عليا عليه‌السلام سار في أهل القبلة بخلاف سيرة رسول الله (ص) في أهل الشرك؟ قال : فغضب ثم جلس ، ثم قال : سارو الله فيهم بسيرة رسول الله (ص) يوم الفتح ، إن عليا عليه‌السلام كتب إلى مالك وهو على مقدمته يوم البصرة بأن لا يطعن في غير مقبل ، ولا يقتل مدبرا ، ولا يجهز على جريح ، ومن أغلق بابه فهو آمن(٨).

٢٧

باب

*(ذكر الحوادث بعد الفتح إلى غزوة حنين)*

١ ـ شا : ثم اتصل بفتح مكة إنفاذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خالد بن الوليد إلى بني جذيمة(٢) بن عامرو كانوا بالغميصاء يدعوهم إلى الله عزوجل ، وإنما أنفذه إليهم للترة التي كانت بينه وبينهم ، وذلك أنهم كانوا أصابوا في الجاهلية نسوة من بني المغيرة وقتلوا الفا كه بن المغيرة عم خالد بن الوليد ، وقتلوا عوفا أبا عبدالرحمن بن عوف وأنفذه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لذلك ، وأنفذ معه عبدالرحمن بن عوف للترة أيضا التي كانت بينه وبينهم ، ولولا ذلك لما رأى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خالدا أهلا للامارة على المسلمين فكان من أمره ماكان ، وخالف فيه عهدالله وعهد رسوله وعمل فيه على سنة الجاهلية(٣) فبرئ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من صنعه(٤) وتلافى فارطه بأميرالمؤمنين عليه‌السلام(٥). بيان : في القاموس الغميصاء : موضع أوقع فيه خالد بن الوليد ببني جذيمة.

____________________

اوامرهم ويخلص لهم الضمائر والاعمال محيطة من ورائهم اى تحدق بهم من جميع جوانبهم. يسعى بذمتهم اى اذا اعطى احد الجيش العدو امانا جاز ذلك على جميع المسلمين وليس لهم ان يخفروه ولا ان ينقضوا عليه عهده وان كان ادنى المسلمين.

(١) الفروع : ج ١ ص ٣٣٦. (٢) خزيمة خ ل : اقول : الصحيح ما في المتن.

(٣) واطرح حكم الاسلام وراء ظهره خ. (٤) صنيعه خ ل.

(٥) ارشاد المفيد ٧٠ و ٧١.

١٣٩

٢ ـ عم : بعد فتح مكة بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله السرا يا فيما حول مكة يدعون إلى الله عزو جل ولم يأمرهم بقتال ، فبعث غالب بن عبدالله إلى بني مدلج فقالوا : لسنا عليك ولسنا معك ، فقال الناس : اغزهم يا رسول الله ، فقال : إن لهم سيدا أديبا أريبا ورب غاز من بني مدلج شهيد في سبيل الله ، وبعث عمرو بن أمية الضمري إلى بني الديل فدعاهم إلى الله ورسوله فأبوا أشد الاباء ، فقال الناس : اغزهم يا رسول الله فقال : أناكم الآن سيدهم قد أسلم فيقول لهم : أسلموا ، فيقولون : نعم ، وبعث عبدالله بن سهيل بن عمرو إلى بني محارب بن فهر فأسلموا ، وجاء معه نفر منهم إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وبعث خالد بن الوليد إلى بني جذيمة بن عامر ، وقد كانوا أصابوا في الجاهلية من بني المغيرة نسوة ، وقتلوا عم خالد فاستقبلوه وعليهم السلاح ، و قالوا : يا خالد إنالم نأخذ السلاح على الله وعلى رسوله ، ونحن مسلمون فانظر فإن كان بعثك رسول الله (ص) ساعيا فهذه إبلنا وغنمنا فاغد عليها ، فقال : ضعوا السلاح قالوا : إنا نخاف منك أن تأخذنا بإحنة الجاهلية ، وقد أماتها الله ورسوله ، فانصرف عنهم بمن معه فنزلوا قريبا ، ثم شن عليهم الخيل فقتل وأسر منهم رجلا ، ثم قال : ليقتل كل رجل منكم أسيرة فقتلوا الاسرى وجاء رسولهم إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأخبره بما فعل خالد بهم ، فرفع عليه‌السلام يده إلى السماء وقال : « اللهم إني أبرء إليك مما فعل خالد » وبكى ثم دعى عليا عليه‌السلام فقال : اخرج إليهم وانظر في أمرهم ، وأعطاه سفطا من ذهب ففعل ما أمره وأرضاهم(١).

٣ ـ أقول : قال ابن الاثير في الكامل : وفي هذه السنة يعني سنة ثمان بعد الفتح كانت غزاة خالد بن الوليد بني جذيمة ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قد بعث السرايا بعد الفتح فيما حول مكة يدعون الناس إلى الله ، ولم يأمرهم بقتال وكان ممن بعث خالد بن الوليد بعثه داعيا ولم يبعثه مقاتلا ، فنزل على الغميصاء : ماء من مياه بني جذيمة بن عامر ، وكانت جذيمة أصابت في الجاهلية عوف أبا عبدالرحمن ، و الفاكه بن المغيرة عم خالد ، وأخذوا ما معها(٢) ، فلما نزل خالد ذلك الماء أخذ

____________________

(١) اعلام الورى : ٦٩ ـ ٧٠.

(٢) في المصدر : كانا اقبلا تاجرين من اليمن فأخذت ما معهما وقتلهما

١٤٠