بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤١٧
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

« امض إلى الوادي » قال : نعم ، وكانت له عصابة لا يتعصب بها حتى يبعثه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في وجه شديد ، فمضى إلى منزل فاطمة عليها‌السلام فالتمس العصابة منها ، فقالت : أين تريد؟ وأين(١) بعثك أبي؟ قال : إلى وادي الرمل ، فبكت إشفاقا عليه ، فدخل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وهي على تلك الحال فقال لها : « مالك تبكين؟ أنخافين أن يقتل بعلك؟ كلا انشاءالله » فقال له علي عليه‌السلام : لا تنفس علي بالجنة يا رسول الله ، ثم خرج ومعه لواء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فمضى حتى وافى القوم بسحر ، فأقام حتى أصبح ، ثم صلى بأصحابه الغداة ، وصفهم صفوفا ، وانكأ على سيفه مقبلا على العدو ، فقال لهم : يا هؤلاء أنا رسول رسول الله إليكم ، أن تقولوا : لا إله إلا الله ، وإن محمدا(٢) عبده ورسوله ، وإلا أضربنكم بالسيف ، قالوا : (٣) ارجع كما رجع صاحباك قال : أنا أرجع؟(٤) لا والله حتى تسلموا ، أو أضربكم بسيفي هذا ، أنا علي بن أبي طالب بن عبدالمطلب ، فاضطرب القوم لما عرفوه ، ثم اجترؤا على مواقعته فواقعهم عليه‌السلام فقتل منهم ستة أو سبعة ، وانهزم المشركون ، وظفر المسلمون ، و حازوا الغنائم ، وتوجه إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

فروي عن أم سلمة رضي‌الله‌عنها قالت : كان نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قائلا في بيتي إذا نتبه فزعا من منامه ، فقلت له : الله جارك ، قال : « صدقت الله جاري ، لكن هذا جبرئيل عليه‌السلام يخبرني أن عليا عليه‌السلام قادم » ثم خرج إلى الناس فأمرهم أن يستقبلوا عليا عليه‌السلام ، فقام المسلمون له صفين مع رسول الله (ص) ، فلما بصر بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ترجل عن فرسه ، وأهوى إلى قدميه يقبلهما ، فقال له صلى‌الله‌عليه‌وآله : « اركب فإن الله تعالى ورسوله عنك راضيان » فبكى أمير المومنين فرحا ، وانصرف إلى منزله وتسلم(٥) المسلمون الغنائم. فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لبعض من كان معه في الجيش : « كيف رأيتم أميركم؟ » قالوا : لم ننكر منه شيئا إلا أنه لم يؤم بنا في صلاة إلا قرأ

____________________

(١) واين خ ل. (٢) محمد رسول الله خ ل.

(٣) في المصدر : قالو اله. (٤) انا لا ارجع.

(٥) وقسم خ ل.

٨١

فيها(١) بقل هو الله ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أسأله(٢) عن ذلك ، فلما جاءه قال له : « لم لم تقرأ بهم في فرائضك إلا بسورة الاخلاص؟ » فقال : يا رسول الله أحببتها ، قال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « فإن الله قد أحبك كما أحببتها » ثم قال له : « يا علي لولا أني(٣) أشفق أن تقول فيك طوائف ما قالت النصارى في عيسى بن مريم لقلت فيك اليوم مقالا لاتمر بملا منهم إلا أخذوا التراب من تحت قدميك ».

وقد ذكر كثير من أصحاب السير أن في هذه الغزاة نزل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « والعاديات ضبحا » إلى آخرها ، فتضمنت ذكر الحال فيما فعله أميرالمؤمنين عليه‌السلام فيها(٤).

أقول : ذكر في إعلام الورى تلك القصة على هذا الوجه مع اختصار(٥).

٧ ـ فر : فرات بن إبراهيم معنعنا عن ابن عباس قال : دعا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أبابكر إلى غزوة ذات السلاسل فأعطاه الراية فردها ، ثم دعا عمر فأعطاه الراية فردها ، ثم دعا خالد بن الوليد فأعطاه الراية فرجع ، فدعا أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام فأمكنه من الراية فسيرهم معه وأمرهم أن يسمعوا له ويطيعوه ، قال : فانطلق أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام بالعسكر وهم معه حتى انتهى إلى القوم ، فلم يكن بينه وبينهم إلا جبل قال : فأمرهم أن ينزلوا في أسفل الجبل ، فقام لهم : اركبوا دوابكم ، فقال خالد بن الوليد : يا ابابكر وأنت يا عمر ما ترون إلى هذا الغلام أين أنزلنا في واد كثير الحيات ، كثير الهام ، كثير السباع ، نحن منه على إحدى ثلاث خصال : إما سبع يأكلنا ويأكل دوابنا ، وإما حيات تعقرنا وتعقر دوابنا ، وإما يعلم بنا عدونا فيقتلنا ، قوموا بنا إليه قال : فجاؤا إلى علي عليه‌السلام وقالوا : (٦) يا علي أنزلتنا في واد كثير السباع ، كثير الها

____________________

(١) الا قرأبنا فيها خ ل. (٢) في المصدر : سأسأله.

(٣) لولا اننى خ ل ، أقول : يوجد ذلك في المصدر.

(٤) الارشاد : ٥٧ ـ ٥٩. (٥) اعلام الورى : ١١٦ و ١١٧.

(٦) في المصدر : فقالوا.

٨٢

كثير الحيات ، نحن منه على إحدى ثلاث خصال : إما سبع يأكلنا ويأكل دوابنا ، أو حيات تعقرنا وتعقر دوابنا ، أو يعلم بن عدونا فيبيتنا فيقتلنا ، قال : فقال لهم علي عليه‌السلام : أليس قد أمركم رسول الله (ص) أن تسمعوا لي وتطيعوا؟(١) قالوا : بلى ، قال : فانزلوا ، فرجعوا ، قال : فأبوا أن ينقادوا ، واستفزهم خالد ثانية ، فقالوا له ذلك الكلام(٢) فقال لهم : أليس قد أمركم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن تسمعوالي تطيعوا؟(٣) قالوا : بلى ، قال : فانزلوا بارك الله فيكم ، ليس عليكم بأس ، قال : فنزلوا وهم مرعوبون ، قال : وما زال علي ليلته قائما يصلي حتى إذا كان في السحر قال لهم : اركبوا بارك الله فيكم ، قال : فركبوا وطلع الجبل حتى إذا نحدر على القوم فأشرف عليهم ، قال لهم : انزعوا عمكة دوابكم ، قال : فشمت الخيل ريح الاناث فصهلت ، فسمع القوم صهيل خيلهم(٤) فولوا هاربين قال : فقتل مقاتليهم ، وسبا ذراريهم ، قال : فهبط جبرئيل عليه‌السلام على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا محمد « والعاديات ضبحا * فالموريات قدحا * فالمغيرات صبحا * فأثرن به نقعا * فوسطن به جمعا » قال : فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « يخالط(٥) القوم ورب الكعبة » قال : وجاءت البشارة(٦).

٨ ـ فر : الحسين بن سعيد وجعفر بن محمد الفزاري معنعنا عن أبي ذرالغفاري رضي‌الله‌عنه وغيره أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قد أقرع بين أهل الصفة ، فبعث منهم ثمانين رجلا ، ومن غيرهم إلى بني سليم ، وولى عليهم وانهزموا مرة بعد مرة ، فلبث بذلك أياما يدعو عليهم ، قال : ثم دعا بلالا فقال له : « ايتني بيردي النجراني ، و

____________________

(١) في المصدر : وتطيعونى.

(٢) في المصدر : فرجعوا فابت تحملهم الارض فاستفز خالد بن الوليد قال : قوموا ابنا اليه قال : فجاوءا اليه فردوا عليه ذلك الكلام ، فقال : اليس قد امركم رسول الله عليه وآله ان تسمعوا لى وتطيعونى؟ قالوا : بلى ، قال : فرجعوا قال : فابوا ان ينقادوا واستفزهم خالد بن الوليد ثالثة ، فقالوا مثل ذلك الكلام.

(٣) في المصدر : وتطيعوا امرى. (٤) في المصدر : خيولهم.

(٥) في المصدر : « تخالط » وفيه : وجاءه. (٦) تفسير فرات : ٢٢١.

٨٣

قناتي الخطية « فأتاه بهما فدعا عليا » وبعثه في جيش إليهم ، وقال : « لقد وجهته كرارا غير فرار » قال : فسرح(١) عليا قال : وخرج معه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يشيعه فكأني أنظر إليهم(٢) عند مسجد الاحزاب ، وعلي على فرس أشقر وهو يوصيه ثم ودعه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وانصرف ، قال : وسار علي فيمن معه متوجها نحوالعراق وظنوا أنه يريد بهم غير ذلك الوجه حتى أتى فم الوادي ، ثم جعل يسير الليل ويكمن النهار ، فلمادنا من القوم أمرأصحابه فعكموا الخيل(٣) وأوقفهم ، وقال : لا تبرحوا ، وانتبذ أمامهم(٤) فرام بعض أصحابه الخلاف وأبي بعض حتى إذا طلع الفجر أغار عليهم علي ، فمنخه الله أكتافهم وأظهره عليهم ، فأنزل الله على نبيه محمد (ص) الآية : (٥) « والعاديات ضبحا » فخرج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لصلاة الفجر وهو يقول : صبح والله جمع القوم ، ثم صلى بالمسلمين فقرأ « والعاديات ضبحا » قال : فقتل منهم مائة وعشرين(٦) رجلا ، وكان رئيس القوم الحارث بن بشر ، و سبا منهم مائة وعشرين ناهدا(٧).

بيان : الناهد : الجارية أول ما يرتفع ثديها.

٩ ـ فر : علي بن محمد بن عمر الزهري(٨) معنعنا عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال : بينما أجمع ما كنا حول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ما خلا أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب(٩) عليه‌السلام إذا(١٠) أقبل أعرابي بدوي فتخطى(١١) صفوف المهاجرين و

____________________

(١) اى أرسله. أقول : وفي المصدر : وسار على وخرج معه.

(٢) في المصدر : انظر اليه. (٣) في المصدر : فعلوا الجبل.

(٤) في المصدر : لا تبرحوا اذا نبذ بامامهم.

(٥) خلى المصدر عن لفظة : « الاية ».

(٦) في المصدر : وعشرون. (٧) تفسير فرات : ٢٢١ و ٢٢٢.

(٨) في المصدر : على بن محمد بن على بن عمر الزهرى.

(٩) في المصدر : بينما نحن اجمع كنا حول النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله ما خلا اميرالمؤمنين على بن ابى طالب عليه‌السلام فانه كان في منبر في الحار اذا قبل. أقول : كذا في المصدر.

(١٠) اذا قبل خ ل. (١١) في المصدر : يتخطى.

٨٤

الانصار حتى جثابين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو يقول : السلام عليك يا رسول الله فداك أبي وأمي يا رسول الله ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : عليك السلام من أنت يا أعرابي؟ قال : رجل من بني لجيم يا رسول الله ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « ما وراك بما جاء لجيم؟(١) » قال : يا رسول الله خلفت خثعم(٢) و قد تهيأوا وعبأوا كتائبهم ، وخلفت الرايات تخفق فوق رؤسهم ، يقدمهم الحارث ابن مكيدة الخثعمي في خمسمائة من رجال خثعم ، يتألون باللات والعزى أن لا يرجعوا حتى يردوا المدينة فيقتلوك(٣) ومن معك يا رسول الله ، قال : فدمعت عينا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى أبكى جميع أصحابه ، ثم قال : « يا معشر الناس سمعتم مقالة الاعرابي؟ » قالوا : كل قد سمعنا يا رسول الله ، قال : « فمن منكم يخرج إلى هؤلاء القوم قبل أن في ديارنا وحريمنا ، لعل الله يفتح على يديه ، وأضمن له على الله الجنة؟ قال : فوالله ما قال أحد : أنا يا رسول الله ، قال : فقام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على قدميه وهو يقول : « معاشر أصحابي هل سمعتم مقالة الاعرابي؟ » قالوا : كل قد سمعنا يا رسول الله ، قال : « فمن منكم يخرج إليهم قبل أن يطؤنا(٤) في ديارنا وحريمنا ، لعل الله أن يفتح على يديه ، وأضمن له على الله اثنى عشر قصرا في الجنة » قال : فوالله ما قال أحد : أنا يا رسول ، قال : فبينما النبي (ص) واقف إذأ قبل أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، فلما نظر إلى النبي (ص) واقفا ودموعه(٥) تنحدر كأنها جمان انقطع سلكه على خديه لم يتمالك أن رمى بنفسه عن بعيره إلى الارض ثم أقبل يسعى نحو النبي (ص) يمسح بردائه الدموع عن وجه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله و هو يقول : ما الذي أبكاك؟ لا أبكى الله ، عينيك يا حبيب الله ، هل نزل في أمتك شئ من السماء؟ قال : « يا علي ما نزل فيهم إلا خير ، ولكن هذا الاعرابي حد ثني عن رجال خثعم بأنهم قد عبأوا كتائبهم ، وخفقت الرايات فوق رؤسهم ، يكذبون

____________________

(١) في المصدر : ماوراك يا اخالجيم؟ (٢) في المصدر : خلفت خثعما.

(٣) في المصدر : فيقتلونك. (٤) ان يطؤاخ ل.

(٥) فيه غرابة ، لم نرفى غزواته صلى‌الله‌عليه‌وآله انه خاف أوبكى من عدد.

٨٥

قولي ، ويزعمون أنهم لا يعرفون ربي ، يقدمهم الحارث بن مكيدة الخثعمي في خمسمائة من رجال خثعم ، يتألون باللات والعزى لايرجعون حتى يردوا المدينة فيقتلوني ومن معي وإني قلت لاصحابي : من منكم يخرج إلى هؤلاء القوم من قبل أن يطؤنا في ديارنا وحريمنا ، لعل الله أن يفتح على يديه ، وأضمن له على الله اثنى عشر قصرا في الجنة » فقال أميرالمؤمنين علي بن أيي طالب عليه‌السلام : فداك أبي وأمي يا رسول الله صف لي هذه القصور ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « يا علي بناء هذه القصور لبنة من ذهب ولبنة من فضة ، ملاطها المسك الاذفر والعنبر ، حصباؤها(١) الدر والياقوت ، ترابها الزعفران ، كثبها(٢) الكافور ، في صحن كل قصر من هذه القصور أربعة أنهار : نهر من عسل ، ونهر من خمر ، ونهر من لبن ، ونهر من ماء محفوف بالاشجار والمرجان ، على حافتي كل نهر من هذه الانهار خيمة(٣) من درة بيضاء لاقطع فيها ولا فصل ، قال لها : كوني ، فكانت ، يرى باطنها من ظاهرها ، و ظاهرها من باطنها ، في كل خيمة سرير مفصص(٤) بالياقوت الاحمر ، قوائمها من الزبرجد الاخضر ، على كل سرير حوراء من الحورالعين ، على كل حوراء سبعون حلة خضراء ، وسبعون حلة صفراء ويرى مخ ساقها خلف عظمها(٥) وجلدها وحليها وحللها كما ترى الخمرة الصافية في الزجاجة البيضاء ، مكللة بالجواهر لكل حوراء سبعون ذؤابة ، كل ذؤابة بيد وصيف(٦) وبيد كل وصيف مجمر يبخر تلك الذؤابة(٧) يفوح من ذلك المجمر بخار لا يفوح بنار ، ولكن بقدرة الجبار » قال : فقال : أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام : فداك أمي وأبي(٨) يا رسول الله أنا لهم ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « يا علي هذا لك وأنت له أنجد إلى القوم » فجهزه رسول الله (ص) في

____________________

(١) في المصدر : حصاؤها. (٢) في المصدر : كثيبها.

(٣) في المصدر : وخلق فيها خيمة. (٤) مفضض خ ل. أقول : يوجد ذلك في المصدر.

(٥) في المصدر : خلف عظامها.

(٦) الذؤابة : الناصية. وهى شعر في مقدم الرأس. والوصيف : الغلام دون المراهق.

(٧) في المصدر : تبخر تلك الذؤابة.

(٨) في المصدر وفي غير نسخة المصنف ، فداك ابى وامى.

٨٦

خمسين ومائة رجل(١) من الانصار والمهاجرين ، فقام ابن عباس رضي‌الله‌عنه وقال : فداك أبي وامى يا رسول الله تجهز ابن عمي في خمسين ومائة رجل من العرب إلى خمسمائة رجل(٢) وفيهم الحارث بن مكيدة يعد بخسمائة فارس ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « امط عني يا ابن عباس ، فو الذي بعثني بالحق لو كانوا على عدد الثرى وعلي وحده لاعطى الله عليهم النصر(٣) حتى يأتينا بسبيهم أجمعين » فجهزه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يقول : « اذهب يا حبيبي حفظ الله من تحتك ومن فوقك وعن يمينك وعن شما لك ، الله خليفتي عليك » فسار علي عليه‌السلام بمن معه حتى نزلوا بودا خلف المدينه بثلاثة أميال يقال له : وادي ذي خشب ، قال : فوردوا(٤) الوادي ليلا فضلوا الطريق ، قال : فرفع أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام رأسه إلى السماء وهو يقول : يا هادي كل ضال ، ويا مفرج كل مغموم ، لا تقو علينا ظالما ، ولا تظفر بنا عدوانا واعهدنا(٥) إلى سبيل الرشاد ، قال : فإذا الخيل يقدح بحوافرها من الحجارة النار حتى عرفوا الطريق فسلكوه ، فأنزل الله على نبيه محمد : « والعاديات ضبحا » يعنى الخيل « فالموريات قدحا » قال : قدحت الخيل بحوافرها من الحجارة النار « فالمغيرات صبحا » قال : صبحهم علي مع طلوع الفجر ، وكان لا يسبقه(٦) أحد إلى الاذان ، فلما سمع المشركون الاذان قال بعضهم لبعض : ينبغي أن يكون راعي في رؤوس هذه الجبال يذكر الله ، فلما أن قال : أشهد أن محمدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال بعضهم لبعض : ينبغى أن يكون الراعي من أصحاب الساحر الكذاب ، وكان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام لايقاتل حتى تطلع الشمس ، وتنزل ملائكة النهار ، قال : فلما أن دخل النهار التفت أميرالؤمنين عليه‌السلام إلى صاحب راية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال له : ارفعها ، فلما أن رفعها ورآها المشركون عرفوها ، وقال

____________________

(١) في المصدر : في خمس مائه رجل.

(٢) في المصدر : في خمس مائة رجل إلى خمس مائه من العرب.

(٣) في المصدر : لا عطى الله عليا عليهم النصر.

(٤) في المصدر : فورد. (٥) عدوا خ ل.

(٦) لم يسبقه خ ل.

٨٧

بعضهم لبعض : هذا عدو كم الذي جئتم تطلبونه ، هذا محمد وأصحابه ، قال : فخرج غلام من المشركين من أشد هم بأسا وأكفر هم كفرا(١) فنادى أصحاب النبي : يا أصحاب الساحر الكذاب ، أيكم محمد؟ فليبرز إلي فخرج إليه أميرالمؤمنين علي ابن أبي طالب عليه‌السلام وهو يقول : ثكلتك أمك أنت الساحر الكذاب ، محمد جاء بالحق من عند الحق ، قال له : من أنت؟ قال : أنا علي بن أبي طالب ، أخو رسول الله ، و ابن عمه ، وزوج ابنته ، قال : لك هذه المنزلة من محمد؟ قال له علي : نعم ، قال : فأنت محمد شرع واحد ، ما كنت أبالي لقينك أو لقيت محمدا ثم شد على علي و هو يقول :

لا قيت يا علي ضيغما

قرم كريم في الوغا(٢)

ليث شديد من رجال خثعما(٣)

ينصر دينا معلما ومحكما

فأجابه علي بن ابي طالب عليه‌السلام وهو يقول :

لا قيت قرنا حدثا وضيغما(٤)

ليثا شديدا في الوغا غشمشما

أنا علي سابير(٥) خثعما

بكل خطي يري النقع دما

وكل صارم يثبت الضرب فينعما(٦)

ثم حمل كل واحد منهما على صاحبه ، فاختلف بينهما ضربتان ، فضربه علي عليه‌السلام ضر فقتله ، وعجل الله بروحه إلى النار ، ثم نادى أميرالمؤمنين عليه‌السلام : هل من مبارز؟ فبرز أخ للمقتول ، وحمل كل واحد منهما على صاحبه ، فضربه أميرالمؤمنين عليه‌السلام ضربة فقتله وعجل الله بروحه إلى النار ، ثم نادى علي عليه‌السلام : هل من مبارز؟ فبرز له الحارث بن مكيدة وكان صاحب الجمع ، وهو يعد بخمسمائة فارس ، وهو

____________________

(١) في المصدر واكثرهم كفرا.

(٢) في المصدر :

لا قيت ليثا يا على ضيغما

ليثا كريما في الوغا معلما

(٣) في المصدر : ليثا شديدا. (٤) في المصدر : لاقيت قرما هاشميا ضيغما.

(٥) في المصدر : سأبيد.

(٦) فيغنما خ ل. أقول : في المصدر : وكل صارم ضروب قمما.

٨٨

الذي أنزل الله فيه : « إن الانسان لربه لكنود » قال : كفور « وإنه على ذلك لشهيد » قال : شهيد عليه بالكفر « وإنه لحب الخير لشديد » قال أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام : يعني باتباعه محمدا. فلما برز(١) الحارث حمل كل واحد منهما على صاحبه فضربه علي ضربة فقتله ، وعجل الله بروحه إلى النار ، ثم نادى علي عليه‌السلام : هل من مبارز؟ فبرز إليه ابن عمه يقال له : عمرو بن الفتاك(٢) وهو يقول :

أنا عمرو وأبي الفتاك(٣)

وبيدي نصل سيف هتاك

أقطع به الرؤس لمن أرى كذاك

فأجابه أميرالمؤمنين عليه‌السلام وهو يقول :

هاكها مترعة دهاقا

كأس دهاق مزجت زعاقا

ابى أمرؤ إذا ما لاقا

اقد الهام وأجد ساقا(٤)

ثم حمل كل واحد منهما على صاحبه فضربه علي عليه‌السلام ضربة فقتله ، وعجل الله بروحه إلى النار ، ثم نادى علي عليه‌السلام : هل من مبارز؟ فلم يبرز إليه أحد ، فشد أميرالمؤمنين عليه‌السلام عليهم حتى توسط جمعهم ، فذلك قول الله : « فوسطن به جمعا »

____________________

(١) في المصدر : قال : فبرز الحارث وهو يحرص على الله وعلى ورسوله ويقول :

ان لنصر اللات عندى حقا

بكل صارم يريكم صعقا

حواست جمع كن

حواست جمع كن

وكل خطى يزيل الحلقا

فاجابه عليه‌السلام :

أذودكم بالله عن محمد

بكل سيف قاطع مهند

أرجو بذاك فوز قدحى في غد. ثم حمل. (٢) في المصدر : عمرو بن ابى الفتاك. (٣) في المصدر :

إنى عمرو أبى الفتاك

وفي يدى مخذم بتاك

أطلب حقى إن آتى العراك

أقول : المخذم : السيف القاطع. والبتاك : مبالغة الباتك : القاطع. السيف.

(٤) في المصدر :

دونكها مترعة دهاقا

كاسا سلافا مزجت زعاقا

انى أنا المرء الذى إن لاقى

يقد هاما ويجذ ساقا

أقول : ذكر في الديوان : ٨٧ البيت الاول وفيه كذلك : خطاب لموسى بن حازم العكى :

دونكها مترعة دهاقا

كاساز عافا مزجت زعاقا

٨٩

فقتل علي عليه‌السلام مقاتليهم ، وسبا ذراريهم ، وأخذ أموالهم ، وأقبل بسبيهم إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فبلغ ذلك النبي (ص) فخرج وجميع أصحابه حتى استقبل علي عليه‌السلام(١) على ثلاثة أميال من المدينة ، وأقبل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يمسح الغبار عن وجه أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام بردائه ، ويقبل بين عينيه ويبكي ، وهو يقول : « الحمدالله يا علي الذي شد بك أرزي ، وقوي بك ظهري ، يا علي إنني سألت الله فيك كما سأل أخي موسى بن عمران صلوات الله وسلامه عليه أن يشرك هارون في أمره ، وقد سألت ربي أن يشد بك أزري » ثم التفت إلى أصحابه وهو يقول : « معاشر أصحابي لا تلوموني في حب(٢) علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، فإنما حبي عليا من امرالله ، و الله أمرني أن أحب عليا وأدنيه ، يا علي من أحبك فقد أحبني ومن أحبني فقد أحب الله ، ومن أحب الله أحبه الله وحقيق(٣) على الله أن يسكن محبيه الجنة ، يا علي من أبغضك فقد أبغضني ، ومن أبغضني فقد أبغض الله ، ومن أبغض الله أبغضه ولعنه ، وحقيق(٤) على الله أن يفقه يوم القيامة موقف البغضاء ولا يقبل منه صرفا ولا عدلا(٥).

بيان : خفقت الراية تخفق بالضم والكسر : اضطربت ، وآلى وتألى أي حلف والجمان بالضم جمع الجمانة ، وهي حبة تعمل من الفضة كالدرة. والملاط بالكسر الطين الذي يجعل بين سافتي البنا. وقال الفيروز آبادي : أنجد عرق ، وأعان ، و ارتفع ، والدعوة : أجابها والنجدة : القتال ، والشجاعة ، والشدة ، والضيغم : الاسد. والقرم بالفتح : الفحل ، والسيد. والغشمشم : من يركب رأسه فلا يثنيه عن مراده شئ.

أقول : إنما أوردت تلك الغزوة في هذا الموضع تبعا للمؤرخين ، وقد مرأن المفيد رحمه‌الله ذكرها في موضعين غير هذا ، والله أعلم.

____________________

(١) في المصدر : حتى استقبل عليا عليه‌السلام.

(٢) في المصدر : في حبى. (٣ و ٤) في المصدر : وكان حقيقا.

(٥) تفسير فرات : ٢٢٢ ـ ٢٢٦ وفيه : ولا يقبل عنه صرف ولا عدل ولاجارة.

٩٠

٢٦

باب

*(فتح مكة )*

الايات : الاسرى « ١٧ » : وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا * وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا ٨٠ و ٨١.

القصص : « ٢٨ » إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد ٨٥.

التنزيل « ٣٢ » : ويقولون متى هذا الفتح إن كنتم صادقين * قل يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانهم ولا هم ينظرون * فأعرض عنهم وانتظر إنهم منتطرون ٢٨ ـ ٣٠.

الفتح : « ٤٨ » إنا فتحنا لك فتحا مبينا * ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما * وينصرك الله نصرا عزيزا * هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم ولله جنود السماوات والارض وكان الله عليما حكيما ١ ـ ٤.

الممتحنة : « ٦٠ » يا ايها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي تسرون إليهم بالمودة وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل * إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء وود والوتكفرون * لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم يوم القيامة يفصل بينكم والله بما تعلمون بصير * قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذقالوا لقومهم : إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدابيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده إلا قول إبراهيم لابيه لاستغفرون لك وما أملك لك من الله من شئ ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير * ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا واغفر

٩١

لنا ربنا إنك أنت العزيز الحكيم * لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد * عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة والله قدير والله غفور رحيم * لاينهاكم الله عن الذين لم يقاتلو كم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبر وهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين * إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون ١ ـ ٩.

إلى قوله تعالى : يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف فبايعهن واستغفر لهن الله إن الله غفور رحيم ١٢.

النصر : « ١١٠ » إذا جاء نصر الله والفتح * ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا * فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا.

تفسير : قال الطبرسي رحمه‌الله في قوله تعالي ، « رب أدخلني مدخل صدق » قيل : معناه أدخلني المدينة ، وأخرجني منها إلى مكة للفتح ، عن ابن عباس وغيره(١) قال : وروي عن ابن مسعود قال : دخل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مكة وحول البيت ثلاثمائة و ستون صنما ، فجعل يطعنها ، ويقول : « جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا » أورده البخاري في الصحيح ، وقال الكلبي : فجعل ينكب(٢) لوجهه إذا قال ذلك ، وأهل مكة يقولون : ما رأينا رجلا أسحر من محمد(٣).

قوله تعالى : « لرادك إلى معاد » روي عن ابن عباس وغيره أنه وعد بفتح مكة وعوده صلى‌الله‌عليه‌وآله إليها.

قوله تعالى : « قل يوم الفتح » قال البيضاوي : هو يوم القيامة فإنه يوم نصر المسلمين على الكفرة ، والفصل بينهم ، وقيل : يوم بدر ، أو يوم فتح مكة ، و المراد بالذين كفروا المقتولون منهم فيه ، فإنه لا ينفعهم إيمانهم حال القتل ، ولا

____________________

(١) ذكر الطبرسى معان اخرى تركها المنصف اختصارا.

(٢) في المصدر : فجعل الصنم : ينكب. (٣) مجمع البيان ٦ : ٤٣٥.

٩٢

يمهلون وانطباقه جوابا عن سئوالهم من حيث المعنى باعتبار ماعرف من غرضهم(١) ، فإنهم لما أرادوا به الاستعجال تكذيبا واستهزاء أجيبوا بما يمنع الاستعجال « فأعرض عنهم » ولا تبال بتكذيبهم ، وقيل : هو منسوخ بآية السيف « والنتظر » النصرة عليهم إنهم منتظرون « الغلبة عليك(٢).

قوله تعالى : « إنا فتحنا » قال الطبرسي رضي‌الله‌عنه : أي قضينا عليك قضاء ظاهرا ، أو يسرنا لك يسرا بينا ، أو أعلمناك علما ظاهرا ، فيما أنزلنا عليك من القرآن ، وأخبر ناك به من الدين ، أوأرشدناك إلى الاسلام ، وفتحنا لك أمر الدين ثم اختلف في هذه الفتح على وجوه : أحدها أن المراد به فتح مكة ، وعده الله ذلك عام الحديبية عند انصرافه منها(٣) ، وتقديره قضينا لك بالنصر على أهلها ، وعن جابر قال : ما كنا نعلم فتح مكة إلا يوم الحديبية.

وثانيها : أنه صلح الحديبية ، وثالثها : أنه خيبر ، ورابعها : أن الفتح الظفر على الاعداء كلهم بالحجج والمعجزات الظاهرة. وإعلاء كلمة الاسلام(٤).

وقال في قوله تعالى : « لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء » نزلت في حاطب بن أبي بلتعة ، وذلك أن سارة مولاة أبي عمرو بن صيفي بن هشام أتت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من مكة إلى المدينة بعد بدر بسنتين ، فقال لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أمسلمة جئت؟ قالت : لا ، قال : أمهاجرة جئت؟ قالت : لا قال : فما جاء بك؟ قالت : كنتم الاصل والعشيرة والموالي ، وقد ذهبت موالي ، واحتجت حاجة شديدة ، فقدمت عليكم لتعطوني وتسكوني وتحملوني ، قال : فأين أنت من شبان(٥) مكة؟ وكانت مغنية نائحة ، قالت : ما طلب مني بعد وقعة بدر ، فحث رسول الله (ص) عليها بني عبدالمطلب فكسوها وحملوها وأعطوها نفقة ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يتجهز(٦) لفتح مكة

____________________

(١) في المصدر : من اغراضهم.

(٢) انوار التنزيل ٢ : ٢٦٣.

(٣) في المصدر : وعدها الله ذلك عام الحديبية عند انكفائه منها.

(٤) مجمع البيان : ١٠٩ و ١١٠. واختصره المصنف. راجع.

(٥) من شباب خ ل. (٦) بتهجر خ ل.

٩٣

فأتاه حاطب بن أبي بلتعة ، فكتب معها كتابا إلى أهل مكة وأعطاها عشرة دنانير عن ابن عباس ، وعشرة دراهم عن مقاتل ، وكساها بردا على أن توصل الكتاب إلى أهل مكة ، وكتب في الكتاب : من حاطب بن أبي بلعتة إلى أهل مكة ، إن رسول الله يريدكم ، فخذوا حذركم.

فخرجت سارة ونزل جبرئيل عليه‌السلام فأخبر النبي (ص) بما فعل فبعث(١) رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عليا وعمارا وعمر والزبير وطلحة والمقداد بن الاسود وأبا مرثد وكانوا كلهم فرسانا ، وقال لهم : انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ ، فإن بها ظعينة معها كتاب من حاطب إلى المشركين فخذوه منها ، فخرجوا حتى أدركوها في ذلك المكان الذي ذكره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقالوا لها : أين الكتاب؟ فحلفت بالله ما معها من كتاب ، فنحوها وفتشوا متاعها فلم يجدوا معها كتابا ، فهموا بالرجوع فقال علي عليه‌السلام والله ما كذبنا ولا كذبنا كذبنا ، وسل سفيه وقال(٢) أخرجي الكتاب وإلا والله لاضربن عنقك ، فلما رأت الجد أخرجته من ذؤابتها قد خبأتها(٣) في شعرها ، فرجعوا بالكتاب إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأرسل إلى حاطب فأتاه ، فقال له : هل تعرف الكتاب؟

قال : نعم ، قال : فما حملك على ما صنعت ، فقال : يا رسول الله والله ما كفرت منذ أسلمت(٤) ولاغششتك منذ صحبتك(٥) ولا أجبتهم منذ فارقتهم ، ولكن لم يكن أحد من المهاجرين إلا وله بمكة من يمنع عشيرتة ، وكنت عزيرا(٦) فيهم ، أي غريبا ، وكان أهلي بين ظهراينهم(٧) فخشيت على أهلي ، فأردت أن أتخذ عندهم يدا ، وقد عملت أن الله ينزل بهم بأسه ، وإن كتابي لا يغني عنهم شيئا ، فصدقه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعذره ، فقام عمر بن الخطاب وقال : دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق ، فقال رسول الله : « وما يدريك يا عمر لعل الله اطلع على أهل

____________________

(١) فأرسل خ ل

(٢) في المصدر : وقال لها.

(٣) في المصدر : قد اخباتها.

(٤) في المصدر : مذ اسلمت خ ل.

(٥) في المصدر : منذ نصحتك.

(٦) الصحيح كما في المصدر : ( عريرا ) بالرائين.

(٧) أى في وسطهم وفي معظمهم.

٩٤

بدر فغفر لهم ، فقال لهم : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ». وروى البخاري ومسلم في صحيحهما عن عبدالله(١) بن أبي رافع قال : سمعت عليا عليه‌السلام يقول : بعثنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنا والمقداد والزبير وقال : انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ ، فإن ظعينة معها(٢) كتاب وذكر نحوه(٣).

« تلقون إليهم بالمودة » قال البيضاوي : أي تفضون إليهم المودة بالمكاتبة ، و الباء مزيدة ، أو أخبار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بسبب المودة « وقد كفروا بما جاءكم من الحق » حال من فاعل أحد الفعلين(٤) « يخرجون الرسول وإياكم » أي من مكة وهو حال من كفروا ، أو استيناف لبيانه « أن تؤمنوا بالله ربكم » لان تؤمنوا به « إن كنتم خرجتم » عن أوطانكم « جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي » علة للخروج وعمده للتعليق(٥) وجواب الشرط محذوف دل عليه لا تتخذوا « تسرون إليهم بالمودة » بدل من تلقون ، أو استيناف ، معناه أي طائل لكم في إسرار المودة أو الاخبار بسبب المودة « وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم » أي منكم ، وقيل : أعلم مضارع ، والباء مزيدة ، وما موصولة أو مصدرية « ومن يفعله منكم » أي يفعل الاتخاذ « فقد ضل سواء السبيل » أخطأه « إن يثفقوكم » يظفروا بكم(٦) « يكونوا لكم أعداء » لا ينفعكم(٧) إلقاء المودة إليهم « ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء » بما يسوءكم كالقتل والشتم « وودا لو تكفرون » وتمنوا ارتدادكم ، و مجيئه وحده بلفظ الماضي للاشعار بأنهم ودوا ذلك قبل كل شئ ، وإن ودادتهم حاصلة وإن يثفقوكم « لن تنفعكم أرحامكم » قراباتكم « ولا أولادكم » الذين توالون المشركين لاجلهم « يوم القيامة يفصل بينكم » يفرق بينكم بما عراكم من الهول فيفر بعضكم من بعض « والله بما تعملون بصير » فيجازيكم عليه « قد كانت لكم أسوة حسنة » قدوة اسم لما يؤتسى به « في إبراهيم والذين معه » صفة ثانية

____________________

(١) عبيدالله خ ل.

(٢) ومعها خ ل.

(٣) مجمع البيان ٩ : ٢٦٩ و ٢٧٠

(٤) اى تتخذوا ، او تلقون. منه رحمه‌الله.

(٥) في المصدر : وعمدة للتعليق.

(٦) في المصدر : ان يظهروا بكم.

(٧) في المصدر : ولا ينفعكم.

٩٥

أو خبر كان ، و « لكم » لغو ، أو حال من المستكن في حسنة ، أوصلة لها ، لا لاسوة لانها وصفت « إذا قالوا لقومهم » ظرف لخبر كان « إنا برآه منكم » جمع برئ كظريف وظرفاء « ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم » أي بدينكم أو بمعبودكم أو بكم وبه ، فلا نعتد بشأنكم وآلهتكم « وبدا بيننا » إلى قوله : « وحده » فتنقلب العداوة والبغضاء ألفة ومحبة « إلا قول إبراهيم لابيه لاسغفرون لك » استثناء من قوله : « أسوة حسنة ».

« ربنا عليك توكلنا » متصل بما قبل الاستثناء ، أوأمر من الله للمؤمنين بأن يقولوه(١) « فتنة للذين كفروا » بأن تسلطهم علينا فيفتنونا بعذاب لا نتحمله « لقد كان لكم » تكرير لمزيد الحث على التأسي بابراهيم ، ولذلك صدر بالقسم ، وأبدل قوله « لمن كان يرجو الله » من « لكم » فإنه يدل على أنه لا ينبغي لمؤمن أن يترك التأسي بهم ، وأن تركه مؤذن بسوء العقيدة ، ولذلك عقبه بقوله : « ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد » فإنه جدير بأن يوعد به الكفرة(٢).

قوله تعالى : « وبين الذين عاديتهم منهم » قال الطبرسي : أي من كفار مكة « مودة » بالاسلام ، قال مقاتل : لما أمر الله سبحانه المؤمنين بعداوة الكفار عادوا أقرباءهم فنزلت والمعنى أن موالاة الكفار لا تنفع ، والله سبحانه قادر على أن يوفقهم للايمان ، ويحصل المودة بينكم وبينهم ، وقد فعل ذلك حين أسلموا عام الفتح(٣) « والله قدير » على نقل القلوب من العداوة إلى المودة « والله غفور » لذنوب عباده « رحيم » بهم إذا تابوا وأسلموا « لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم » أي ليس ينهاكم عن مخالطة أهل العهد الذين عاهدوكم على ترك القتال وبرهم ومعاملتهم بالعدل ، وهو قوله : « أن تبر وهم وتقسطوا إليهم » أي وتعدلوا فيما بينكم وبينهم من الوفاء بالعهد ، وقيل : إن المسلمين استأمروا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في أن يبروا أقرباء هم

____________________

(١) زاد في المصدر : تتميما لما وصاهم به من قطع العلائق بينهم وبين الكفار « ربنا لا تجعلنا ».

(٢) انوار التنزيل ٢ : ٥١٤ و ٥١٥. واختصره المصنف

(٣) في المصدر : وتحصيل المودة بينكم وبينهم فكونوا على رجاء وطمع من الله ان يفعل ذلك وقد فعل ذلك حين اسملوا عام الفتح فحصلت المودة بينهم وبين المسلمين.

٩٦

من المشركين ، وذلك قبل أن يؤمروا بقتال جميع المشركين ، فنزلت هذه الآية و هي منسوخة بقوله : « اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم » عن ابن عباس وغيره وقيل : إنه عنى بالذين لم يقاتلوكم من آمن من أهل مكة ولم يهاجر(١) « إن الله يحب المقسطين » أي العادلين ، وقيل : الذين يجعلون لقراباتهم قسطا مما في بيوتهم من المطعومات « إنما ينها كم الله عن الذين قاتلوا كم في الدين » من أهل مكة وغير هم « وأخرجوكم من دياركم » أي منازلكم وأملاككم « وظاهروا على إخراجكم » أي العوام والاتباع الذين عاونوا رؤساء هم على الباطل « أن تولوهم » أي ينهاكم عن أن تولوهم وتوادوهم وتحبوهم ، والمعنى أن مكانبتكم(٢) بإظهار سر المؤمنين موالاة لهم(٣).

وقال رحمه‌الله في قوله تعالى : « يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك » : ثم ذكر سبحانه بيعة النساء وكان ذلك يوم فتح مكة لما فرغ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من بيعة الرجال ، وهو على الصفا جاءته النساء يبايعنه فنزلت الآية في مبايعتهن أن يأخذ عليهن هذه الشروط ، وهي على(٤) « أن لا يشركن بالله شيئا » من الاصنام والاوثان ولا يسرقن « لا من أزواجهن ولا من غير هم » ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن « لا بالوأد ولا بالاسقاط » ولا يأتين ببهتان يفترينه « أي بكذب يكذنبه في مولود يوجد » بين أيديهن وأرجلهن » أي لا يلحقن بأزواجهن غير أولادهم عن ابن عباس ، وقال الفراء : كانت المرأة تلتقط(٥) المولود فتقول لزوجها : هذا ولدي منك ، فذلك البهتان المفترى بين أيديهن وأرجلهن ، وذلك أن الولد إذا وضعته الام سقط بين يديها ورجليها ، وليس المعنى نهيهن من أن يأنين بولد من الزنا فينسبنه إلى الازواج ، لان الشرط بنهي الزنا قد تقدم ، وقيل : البهتان الذي نهين عنه قذف المحصنات ، والكدب على الناس ، وإضافة الاولاد ألى الازواج على البطلان في

____________________

(١) ولم يهاجروا خ ل. (٢) مكاتبتهم خ ل.

(٣) مجمع البيان ٩ : ٢٧٢. (٤) المصدر خال عن الجار.

(٥) تلقط خ ل.

٩٧

الحاضر والمستقبل من الزمان « لايعصينك في معروف » وهو جميع ما يأمرهن به ، لانه صلى‌الله‌عليه‌وآله لا يأمرإلا بالمعروف ، وقيل : عنى بالمعروف النهي عن النوح وتمزيق الثياب وجز الشعر ، وشق الجيب ، وخمش الوجه ، والدعاء بالويل « فبايعهن » على ذلك « واستغفر لهن الله » من ذنوبهن « إن الله غفور » أي صفوح عنهن « رحيم » منعم عليهن ، وروي أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بايعهن وكان على الصفا ، وكان عمرأسفل منه ، وهند بنت عتبة متنقبة متنكرة مع النساء خوفا أن يعرفها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : « أبايعكن على أن لا تشركن بالله شيئا » فقالت هند : إنك لتأخذ علينا أمرا مارأيناك أخذته على الرجال ، وذلك أنه بايع الرجال يومئذ على الاسلام والجهاد فقط ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « ولا تسرقن » فقالت هند : إن أباسفيان رجل ممسك ، وإني أصبت من ماله هنات ، فلا أدري أيحل لي أم لا ، فقال أبوسفيان : ما أصبت من شئ(١) فيما مضى وفيما غبر فهولك حلال ، فضحك رسول الله (ص) وعرفها ، فقال لها : « وإنك لهند بنت عتبة؟ » قالت : نعم فاعف عما سلف يا نبي الله عفا الله عنك ، فقال ولا تزنين ، فقالت هندأ وتزني الحرة ، فتبسم عمر بن الخطاب لماجرى بينه وبينها في الجاهلية ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : ولا تقتلن أولادكن ، فقالت هند : ربينا هم صعاراو قتلتموهم كبارا فأنتم وهم أعلم ، وكان ابنها حنظلة بن أبي سفيان قتله علي بن أبي طالب عليه‌السلام يوم بدر ، فضحك عمر حتى استلقى ، وتبسم النبي (ص) ، ولما قال : ولا تأتين ببهتان ، قالت هند : والله إن البهتان قبيح ، وما تأمرنا إلا بالرشد ومكارم الاخلاق ، ولما قال : « ولا يعصينك في معروف » قالت هند : ما جلسنا مجلسنا هذا وفي أنفسنا أن نعصيك في شئ.

وروى الزهري عن عرفه(٢) عن عائشة قالت : كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يبايع النساء بالكلام بهذه الآية « أن لا يشركن بالله شيئا » ومامست يد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يدا مرأة قط إلا امرأة يملكها ، رواه البخاري في الصحيح.

____________________

(١) من مالى خ ل. أقول : يوجد ذلك في المصدر.

(٢) عن عروة خ ل. أقول ، يوجد ذلك في المصدر.

٩٨

وروى أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله كان إذا بايع النساء دعا بقدح من ماء فغمس يده فيه ، ثم غمس أيديهن فيه وقيل ، إنه كان يبايعهن من وراء الثوب عن الشعبي ، والوجه في بيعة النساء مع أنهن لسن من أهل النصرة بالمحاربة هو أخذ العهد عليهن بما يصلح من شأنهن في الدين والانفس(١) والازواج ، وكان ذلك في صدر الاسلام ، ولئلا ينفتق بهن فتق لما ضيع من الاحكام(٢) فبايعهن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حسما(٣) لذلك(٤).

وقال رضي‌الله‌عنه في قوله سبحانه : « إذا جاء نصرالله » على من عاداك وهم قريش « والفتح » يعني فتح مكة ، وهذه بشارة من الله سبحانه لنبيه بالفتح والنصر قبل وقوع الامر « ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا » أي جماعة بعد جماعة وزمرة بعد زمرة. والمراد بالدين الاسلام ، والتزام أحكامه ، واعتقاد صحته ، و توطين النفس على العمل به ، قال الحسن : لما فتح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مكة قالت العرب أما إذا ظفر محمد بأهل الحرم وقد أجارهم الله من أصحاب الفيل فليس لكم به يد(٥) فكانوا يدخلون في دين الله أفواجا ، أي جماعات كثيرة بعد أن كانوا يدخلون فيه واحدا واحدا ، واثنين واثنين ، فصارت القبيلة تدخل بأسرها في الاسلام ، وقيل : في دين الله ، أي في طاعة الله وطاعتك « فسبح بحمد ربك واستغفره » هذا أمرمن الله سبحانه بأن ينز هه عما لا يليق به من صفات النقص ، وأن يستغفره ، ووجه وجوب ذلك بالنصر والفتح أن النعمة تقتضي القيام بحقها ، وهو شكر المنعم وتعظيمه ، والايتمار بأوامره والانتهاء عن معاصيه(٦) ، فكأنه قال : قد حدث أمر يقتضي الشكر والاستغفار وإن لم يكن ثم ذنب ، فإن الاستغفار قد يكون عند ذكر المعصية بما ينا في الاصرار وقد يكون على وجه التسبيح والانقطاع إلى الله سبحانه « إنه كان توابا » يقبل توبة من بقي كما يقبل توبة من مضى ، قال مقاتل : لما نزلت هذه السورة قرأها على أصحابه

____________________

(١) للانفس خ ل. (٢) في المصدر : لما وضع الاحكام.

(٣) أى حسما للفتق. وحسم الشئ : قطعه مستأصلا اياه فانقطع.

(٤) مجمع البيان ٩ : ٢٧٥ و ٢٧٦.

(٥) يدان خ ل. أقول : يوجد ذلك في المصدر وزاد فيه : اى طاقة.

(٦) عند معاصيه خ ل

٩٩

ففرحوا واستبشروا ، وسمعها العباس فبكى ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « ما يبكيك يا عم » فقال : أظن أنه قد نعيت إليك نفسك يا رسول الله ، فقال : « إنه لكما تقول » فعاش بعدها سنتين ما رؤي فيهما ضاحكا مستبشرا ، قال : وهذه السورة تسمى سورة التوديع ، وقال ابن عباس : لما نزلت « إذا جاء نصر الله » قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : نعيت إلي نفسي بأنها مقبوضة في هذه السنة ، واختلف في أنهم من أي وجه علموا ذلك وليس في ظاهره نعي فقيل : لان التقدير فسبح بحمد ربك فإنك حينئذ لا حق بالله وذائق الموت كما ذاق من قبلك من الرسل ، وعند الكمال يرقب الزوال ، كما قيل :

إذا تم أمردنا(١) نقصه

توقع زوالا إذا قيل : تم

وقيل : لانه سبحانه أمره بتجديد التوحيد ، واستدراك الفائت بالاستغفار وذلك مما يلزم عند الانتقال من هذه الدرا إلى دار الابرار ، وعن عبدالله بن مسعود قال : لما نزلت السورة كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول كثيرا ، « سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفرلي إنك أنت التواب الرحيم ».

وعن أم سلمة قالت : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بآخره لا يقوم ولا يقعد ولا يجئ ولا يذهب إلا قال : سبحان الله وبحمده ، أستغفرالله وأتوب إليه ، فسألناه عن ذلك فقال : إني أمرت بها ، ثم قرأ : « إذا جاء نصرالله والفتح ».

وفي رواية عائشة أنه كان يقول ، « سبحانك اللهم وبحمدك أستغفرك وأتوب إليك ».

ثم قال رحمه‌الله : لما صالح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قريشا عام الحديبية كان في أشراطهم أنه من أحب أن يدخل في عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله دخل فيه ، فدخلت خزاعة في عهد(٢) رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ودخلت بنوبكر في عهد(٣) قريش ، وكان بين القبيلتين شر قديم ، ثم وقعت فيما بعد بين بني بكر وخزاعة مقاتلة ، ورفدت قريش بني بكر بالسلاح ، وقاتل معهم من قريش من قاتل بالليل مستخفيا ، وكان ممن أعان

____________________

(١) في المصدر : بدانقصه.

(٢ و ٣) عقد خ ل. أقول : يوجد ذلك في المصدر.

١٠٠