بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤١٧
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

ذلك برسول الله (ص) ، فقال علي عليه‌السلام : تسمع ما يقولون يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أما يكفيك أنك جلدة ما بين عيني ونور بصري ، وكالروح في بدني. ثم سار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بأصحابه وأقام علي عليه‌السلام بالمدينة(١) ، وكان كلما دبر المنافقون أن يوقعوا بالمسلمين فزعوا من علي عليه‌السلام ، وخافوا أن يقوم معه عليهم من يدفعهم عن ذلك ، وجعلوا يقولون فيما بينهم : هي كرة محمد التي لا يؤب منها فلما صار بين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وبين أكيدر مرحلة قال : تلك العشية يا زبير بن العوام يا سماك بن خرشة(٢) امضيا في عشرين من المسلمين إلى باب قصر أكيدر فخذاه وائتياني به ، قال الزبير : وكيف يا رسول الله (ص) نأتيك به ومعه من الجيش الذي قد علمت(٣) ومعه في قصره سوى حشمه ألف مادون(٤) عبد وأمة وخادم؟ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : تحتالان عليه وتأخذانه ، قال(٥) : يا رسول الله وكيف وهذه ليلة(٦) قمراء ، وطريقنا أرض ملساء ، ونحن في الصحراء لا نخفى؟ فقال رسول الله (ص) : أنحبان أن يستر كما الله عن عيونهم ، ولا يعجل لكما ظلا إذا سرتما ، ويجعل لكما نورا كنور القمر لا لا تتبينان منه(٧)؟ قالا : بلى ، قال : عليكما بالصلاة على محمد وآله الطيبين معتقدين أن أفضل آله علي بن أبي طالب ، وتعتقد يا زبير أنت خاصة أن لايكون علي عليه‌السلام في قوم إلا كان هو أحق بالولاية عليهم ، ليس لاحد أن يتقدمه ، فإذا أنتما فعلتما ذلك وبلغتما الظل الذي بين يدي قصره من حائط قصره فإن الله سبيعث الغزلان والاوعال إلى بابه ، فتحك(٨) قرونها به فيقول : من لمحمد(٩) في مثل هذا؟

____________________

(١) في المصدر المطبوع : واقام عليا بالمدينة.

(٢) خرشنة خ ل أقول : في المصدر المطبوع : [ الحارث ] وفي المخطوط : حرشة والصحيح : [ خرشة ] كما في المتن. (٣) ومعه الجيش الذى علمت خ ل.

(٤) في المصدر المطبوع : ومادون. (٥) في المصدر والمطبوع : قالا.

(٦) في المصدر المطبوع : [ كيف وهذه يأخذه ليلة قمراء ] وفي المخطوط : وكيف تأخذه وهذه ليلة قمراء. (٧) فيه خ ل.أقول : في المصدر المطبوع : عنه.

(٨) في المصدر : فتحتك خ ل.

(٩) من محمد خ ل أقول : في المصدر المطبوع : [ من دس عليه محمد في مثل هذا ] وفي المخطوط : من محمد مثل هذا.

٢٦١

فيركب فرسه لينزل فيصطاد فيقول(١) له امرأته : إياك والخروج فإن محمدا قد أناخ بفنائك ، ولست آمن أن يحتال عليك ودس من يغزونك(٢). فيقول لها : إليك عني فلو كان أحد يفصل(٣) عنه في هذه الليلة لتلقاه في هذا القمر عيون أصحابنا في الطريق(٤) وهذا الدنيا بيضاء لا أحد فيها ، فلو كان في ظل قصرنا هذا إنسي لنفرت منه الوحش(٥) ، فينزل ليصطاد الغزلان والاوعال فتهرب من بين يديه ويتبعها فتحيطان به(٦) وتأخذانه(٧) وكان كما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأخذوه ، فقال : لي إليكم حاجة ، قالوا : ماهي فإنا نقضيها إلا أن تسألنا أن نخليك ، قال : تنزعون عني ثوبي هذا وسيفي ومنطقتي وتحملونها إليه وتحملوني(٨) في قميصي لئلايراني في هذا الزي ، بل يراني في زي تواضع فلعله أن يرحمني ، ففعلوا ذلك ، فجعل المسلمون والاعراب يلبسون ذلك الثوب(٩) ويقولون : هذا من حلل الجنة ، وهذا من حلي الجنة يا رسول الله؟ قال : لا ولكنه ثوب أكيدر وسيفه ومنطقته ، ولمنديل ابن عمتي الزبير وسماك في الجنة أفضل من هذا إن استقاما على ما أمضيا من عهدي إلى أن يلقياني(١٠) عند حوضي في المحشر ، قالوا : وذلك أفضل من هذا؟ قال : بل خيط من منديل بأيديهما في الجنة أفضل من ملء الارض إلى السماء مثل هذا الذهب فلما أتي به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : يا محمد أقلني وخلني على أن أدفع من ورائي من أعدائك ، فقال له رسول الله : فان(١١) لم تف به؟ قال : يا محمد إن لم أف لك فإن

____________________

(١) في المصدر : فتقول.

(٢) ولست تأمن أن يكون قد احتال ودس عليك من يقع بك خ ل أقول : يوجد ذلك في المصدر.

(٣) انفصل خ ل

(٤) لتبيناه في هذا القمر وعرف اصحابنا في الطريق خ ل. أقول : يوجد ذلك في المصدر المخطوط. (٥) في المصدر : الوحوش.

(٦) واصحابكما خ ل

(٧) في المصدر والمطبوع : فتتبعانه وتحيطان به واصحابكما فتأخذانه.

(٨) اليه خ ل. أقول : في المصدر : وتحملوننى اليه.

(٩) في القمر خ ل. أقول : في المصدر : وهو وفي القمر فيقولون.

(١٠) على ما امضينا من ( على ) عهد إلى ان يلتقيا خ ل.

(١١) وان خ ل. أقول : في المصدر : فان لم تف بذلك وفيه ايضا : إن لم أف لك بذلك.

٢٦٢

كنت رسول الله فسيظفرك بي من منع ظلال أصحابك أن يقع الارض حتى أخذوني ، ومن ساق الغزلان إلى بابي حتى استخر جتني من قصري وأوقعتني في أيدي أصحابك ، وإن كنت غير نبي فإن دولتك التي أوقعتني في يدك بهذه الخصلة العجيبة والسبب اللطيف ستوقعني في يدك بمثلها ، قال : فصالحه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على ألف أوقية من ذهب في رجب ومأتي حلة ، وألف أوقية في صفر ومائتي حلة وعلى أنهم يضيفون من مربهم من العساكر(١) ثلاثة أيام ، ويزو دونهم إلى المرحلة التي تليها(٢) ، على أنهم إن نقضوا شيئا من ذلك فقد برئت منهم ذمة الله وذمة محمد رسول الله صلى الل عليه واله ثم كر رسول الله راجعا إلى المدينة إلى إبطال كيد المنافقين في نصب ذلك العجل الذي هو أبوعامر الذي سماه النبي (ص) الفاسق ، وعاد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله غانما ظافرا(٣) وأبطل الله كيد المنافقين وأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بإحراق مسجد الضرار وأنزل الله عزوجل : « والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا » الآيات.

وقال موسى بن جعفر عليهما‌السلام : فهذا العجل في حياة رسول الله (ص) دمر الله عليه وأصابه بقولنج وفالج وجذام ولقوة(٤) وبقي أربعين صباحا في أشد عذاب صار إلى عذاب الله(٥).

بيان : قال الجوهري : قولهم : أباد الله خضراءهم أي سوادهم ومعظمهم ، قوله : وحنت أبدانهم لعله من الحنين بمعنى الشوق ، وفي بعض النسخ خبت بالخاء المعجمة والباء الموحدة ، ولعله من الخبب وهو ضرب من العدو ، والاوعال جمع الوعل بالفتح وككتف وهو تيس الجبل.

____________________

(١) في المصدر : من مربهم من المسلمين. (٢) في المصدر المطبوع : تليهم.

(٣) في المصدر : ثم كر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله راجعا ، وقال موسى بن جعفر عليه‌السلام : فهذا العجل في زمان النبى هو ابوعامر الراهب الذى سماه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الفاسق : وعاد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله غانما ظافرا.

(٤) في المصدر المطبوع : واصابه بقولنج وبرص وجذام وفالج ولقوة.

(٥) التفسير المنسوب إلى الامام الحسن العسكرى عليه‌السلام : ١٩٦ ـ ١٩٩.

٢٦٣

٣١

باب

*(نزول سورة براءة وبعث النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله عليا عليه‌السلام بها)*

*(ليقرأها على الناس في الموسم بمكة)*

الآيات ، التوبة « ٩ » : براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين فسيحوا في الارض أربعة أشهر وا علموا أنكم غير معجزي الله وأن الله مخزي الكافرين * وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الاكبر أن الله برئ من المشركين و رسوله فان تبتم فهو خير لكم وإن توليتم فاعلموا أنكم غير معجزي الله وبشر الذين كفروا بعذاب أليم * إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقضو كم شيئا ولم يظاهروا عليكم أحدا فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم إن الله يحب المتقين * فإذا انسلخ الا شهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكوة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون * كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم إن الله يحب المتقين * كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم و أكثر هم فاسقون * اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا فصدوا عن سبيله إنهم ساء ما كانوا يعلمون * لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة وأولئك هم المعتدون * فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين ونفصل الآيات لقوم يعلمون * وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أتوة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون * ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول وهم بدؤكم أول مرة أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين * قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم

٢٦٤

ويخزهم وينصر كم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين * ويذهب غيظ قلوبهم ويتوب الله على من يشاء والله عليم حكيم ١ ـ ١٥.

وقال تعالى : إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وإت خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء إن الله عليم حكيم ٢٨.

تفسير : قال الطبرسى رحمة الله : « براءة » أي هذه براءة « من الله ورسوله أي انقطاع العصمة ، ورفع الامان ، وخروج عن العهود » إلى الذين عاهدتم من المشركين « الخطاب للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وللمسلمين ، والمعنى تبرؤا ممن كان بينكم و بينهم عهد من المشركين ، فإن الله ورسوله بريئان منهم ، وإذا قيل : كيف يجوز أن ينقض النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله العهد فالقول فيه أنه يجوز أن ينقض ذلك على أحد ثلاثة أوجه : إما أن يكون العهد مشروطا بأن يبقى إلى أن يرفعه الله بوحي ، وإما أن يكون قد ظهر من المشركين خيانة ونقض فأمر الله سبحانه بأن ينبذ إليهم عهدهم ، وإما أن يكون مؤجلا إلى مدة فتنقضي المدة وينتقض العهد وقد وردت الرواية بأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله شرط عليهم ما ذكرناه ، وروي أيضا أن المشركين كانوا قد نقضوا العهد أو هموا بذلك ، فأمرالله سبحانه أن ينقض عهودهم ، ثم خاطب الله سبحانه المشركين فقال : « فسيحوا في الارض » أي سيروا في الارض على وجه المهل ونصرفوا في جوائجكم آمنين من السيف « أربعة أشهر » فإذا انقضت هذه المدة ولم تسلموا انقطعت العصمة عن دمائكم وأموالكم » واعلموا أنكم غير معجزي الله « أي غير فائتين عن الله ، كما يفوت ما يعجز عنه ، لانكم حيث كنتم في سلطان الله وملكه » وأن الله مخزي الكافرين » أي مذلهم ومهينهم ، واختلف في هذه الاشهر الاربعة فقيل : كان ابتداؤها يوم النحر إلى العاشر من شهر ربيع الآخر ، وهو المروي عن أبي عبدالله عليه‌السلام ، وقيل : إنما ابتداء الاشهر الاربعة من أول الشوال(١) ، إلى آخر المحرم ، وقيل : كان ابتداء الاشهر الاربعة يوم

____________________

(١) في المصدر : من اول شوال.

٢٦٥

النحر لعشر من ذي القعدة إلى عشر من شهر ربيع الاول لان الحج في تلك السنة كان في ذلك الوقت ، ثم صار في السنة الثانية في ذي الحجة ، وفيها حجة الوداع ، وكان سبب ذلك النسيئ ، واعلم أنه أجمع المفسرون ونقلة الاخبار أنه لما نزلت براءة دفعها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى أبي بكر ، ثم أخذها منه ودفعها إلى علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، واختلفوا في تفضيل ذلك فقيل : إنه بعثه وأمره أن يقرأ عشر آيات من أول هذه السورة ، وأن ينبذ إلى كل ذي عهد عهده ، ثم بعث عليا عليه‌السلام خلفه ليأخذها ويقرأها على الناس(١) ، فخرج على ناقة رسول الله (ص) العضباء حتى أدرك أبابكر بذي الحليفة فأخذها منه ، وقيل : إن أبابكر رجع فقال : هل نزل في شئ؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله لا إلا خيرا ، ولكن لا يؤدي عني إلا أنا أو رجل مني ، وقيل : إنه قرأ علي عليه‌السلام براءة على الناس ، وكان أبوبكر أميرا على الموسم ، وقيل : إنه أخذها من أبي بكر قبل الخروج ودفعها إلى علي وقال : لا يبلغ عني إلا أنا أو رجل مني ، وروى أصحابنا أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ولاه أيضا الموسم ، وأنه حين أخذ البراءة من أبي بكر رجع أبوبكر ، وروى الحاكم أبوالقاسم الحسكاني بإسناده عن سماك بن حرب ، عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بعث برءة مع أبي بكر إلى أهل مكة ، فلما بلغ ذا الحليفة بعث إليه فرده ، وقال لا يذهب بها إلا رجل من أهل بيتي ، فبعث عليا. وروى الشعبي عن محرز ، عن أبيه أبي هريرة قال : كنت أنادي مع علي حين أذن المشركين وكان إذا صحل(٢) صوته فيما ينادي دعوت مكانه ، قال : فقلت : يا أبه أي شئ كنتم

____________________

(١) علله المقريزى في الامتاع بان العرب كان إذا تخالف سيدهم او رئيسهم لم ينقض ذلك الا الذى يحالف أو اقرب الناس قرابة منه ، وكان على رضي‌الله‌عنه هو الذى عاهد المشركين فلذلك بعثه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ببراءة : انتهى. أقول : ليس يخفى ان العهود ونقضها تكون من شئون الخلافة والدولة ، فلا يعاهد عهدا ولا ينقضه الا السلطان او خليفته ومن ينوب عنه.

(٢) في القاموس : صحل صوته كفرح فهو أصحل وصحل : بح أو احتد في بحح ، أو الصحل محركة : خشونة في الصوت : وانشقاق في الصوت من غير أن يستقيم. والبحة : الخشونة و الغلظة في الصوت. منه ره. أقول : الموجود في القاموس : خشونة في الصدر.

٢٦٦

تقولون؟ قال : كنا نقول : لا يحج بعد عامنا هذا مشرك ، ولا يطوفن(١) بالبيت عريان ، ولا يدخل البيت إلا مؤمن ، ومن كان بينه وبين رسول الله مدة فإن أجله إلى أربعة أشهر ، فاذا انقضت أربعة أشهر(٢) فإن الله برئ من المشركين ورسوله وروى عاصم بن حميد ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : خطب علي عليه‌السلام الناس واخترط سيفه فقال : « لا يطوفن بالبيت عريان ، ولا يحجن البيت مشرك ومن كانت له مدة فهو إلى مدته ، ومن لم تكن له مدة فمدته أربعة أشهر » وكان خطب يوم النحر ، وكانت عشرون من ذي الحجة ومحرم وصفر وشهر ربيع الاول وعشر من شهر ربيع الآخر. وقال يوم النحر : يوم الحج الاكبر.

وذكر أبوعبدالله الحافظ بإسناده عن زيد بن بقيع(٣) قال : سألنا عليا بأي شئ بعثت في ذي الحجة؟ قال : بعثت بأربعة : لا تدخل الكعبة إلا نفس مؤمنة ، ولا يطوف بالبيت عريان ، ولا يجتمع مؤمن وكافر في المسجد الحرام بعد عامه هذا ، ومن كان بينه وبين رسول الله عهد فعهده إلى مدته ، ومن لم يكن له عهد فأجله أربعة أشهر.

وروي أنه عليه‌السلام قام عند جمرة العقبة وقال : يا أيها الناس إني رسول رسول الله إليكم بأن لا يدخل البيت كافر ، ولا يحج البيت مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان ، ومن كان له عهد عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فله عهده إلى أربعة أشهر ، ومن لا عهد له فله مدة بقية الاشهر الحرم ، وقرأ عليهم سورة براءة.

وقيل : قرأ عليهم ثلاث عشرة آية من أول براءة ، وروي أنه عليه‌السلام لما نادى فيهم : إن الله برئ من كل مشرك(٤) قال المشركون : نحن نتبرأ من عهدك

____________________

(١) ولا يطوف خ ل.

(٢) في المصدر : فاذا انقضت الاربعة الاشهر.

(٣) هكذا في الكتاب ، وفي المصدر : نفيع. ولعلهما مصحفان عن يثيع ، وهو كزبير بالعين المهملة ، وقيل بالمعجمة ايضاً.

(٤) في المصدر : لما نادى فيهم « ان الله برئ من المشركين » اى من كل مشرك.

٢٦٧

وعهد ابن عمك ، ثم لما كانت السنة المقبلة وهي سنة عشر حج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حجة الوداع وقفل(١) إلى المدينة ، ومكث بقية ذي الحجة والمحرم وصفر وليالي من ربيع الاول حتى لحق بالله عزوجل. « وأذان من الله ورسوله إلى الناس » أي وإعلام ، وفيه معنى الامر ، أي آذنوا الناس ، يعني أهل العهد. وقيل : أراد بالناس المؤمن والمشرك ، لان الكل داخلون في هذا الاعلام « يوم الحج الاكبر » فيه ثلاثة أقوال : أحدها أنه يوم عرفة ، روي عن أميرالمؤمنين عليه‌السلام ، قال عطا الحج الاكبر الذي فيه الوقوف والحج الاصغر الذي ليس فيه وقوف وهو العمرة وثانيها : أنه يوم النحر عن علي عليه‌السلام وابن عباس ، وهو المروي عن أبي عبدالله عليه‌السلام ، قال الحسن : وسمي الحج الاكبر لانه حج فيه المسلمون والمشركون ولم يحج بعدها مشرك. وثالثها : أنه جميع أيام الحج ، كما يقال : يوم الجمل ويوم صفين ، يراد به الحين والزمان. « أن الله برئ من المشركين » أي من عهدهم « ورسوله » معناه ورسوله أيضا برئ منهم ، وقيل : إن البراءة الاولى لنقض العهد والثانية لقطع الموالاة والاحسان فليس بتكرار « فإن تبتم » عن الشرك « فهو خير لكم » لانكم تنجون به من خزي الدنيا وعذاب الآخرة « وإن توليتم » عن الايمان « فاعلموا أنكم غير معجزي الله » عن تعذيبكم في الدنيا « وبشر الذين كفروا بعذاب أليم » في الآخرة « إلا الذين عاهدتم من المشركين » قال الفراء : استثنى الله تعالى من براءة وبراءة رسوله من المشركين قوما من بني كنانة وبني ضمرة ، كان قد بقي من أجلهم تسعة أشهر ، أمر بإتمامها لهم لانهم لم يظاهروا على المؤمنين ، ولم ينقضوا عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقال ابن عباس : عنى به كل من كان بينه وبين رسول الله (ص) عهد قبل براءة ، وينبغي أن يكون أراد بذلك من كان بينه وبينه عهد وهدنة ، ولم يتعرض له بعداوة ، ولا ظاهر عليه عدوا لان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله صالح أهل هجر وأهل البحرين وأيلة ودومة الجندل وله عهود بالصلح و

____________________

(١) قفل : رجع.

٢٦٨

الجزية ، ولم ينبذ إليهم بنقض عهد ، ولا حاربهم بعد وكانوا أهل ذمة إلى أن مضى لسبيله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ووفى لهم بذلك من بعده « ثم لم ينقصوكم شيئا » من شروط العهد وقيل : لم يضروكم شيئا « ولم يظاهروا » أي لم يعاونوا « عليكم أحدا » من أعدائكم « فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم » أي إلى انقضاء مدة المعاهدة و « إن الله يحب المتقين » لنقض العهود « فإذا انسلخ الاشهر الحرم » وهي ذوالقعدة وذوالحجة والمحرم ورجب وقيل : الاشهر الاربعة التي جعل الله للمشركين أن يسيحوا في الارض على مامر « فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم » هذا ناسخ لكل آية وردت في الصلح والاعراض عنهم « وخذوهم واحصروهم » أي احبسوهم واسترقوهم أو فادوهم بمال ، وقيل : وامعنوهم دخول مكة والتصرف في بلاد الاسلام « واقعدوا لهم كل مرصد » أي بكل طريق وبكل مكان تظنون أنهم يمرون فيه « فإن تابوا » من الشرك « وأقاموا الصلاة وآتوا الزكوة » أي قبلوا الاتيان بهما « فخلوا سبيلهم » إلى بلاد الاسلام ، أو إلى البيت « وإن أحد من المشركين استجارك » أي طلب منك الامان من القتل ليسمع دعوتك واحتجاجك عليه بالقرآن « فأجره حتى يسمع كلام الله » وإنما خص كلام الله لان معظم الادلة فيه « ثم أبلغه مأمنه » معناه فإن دخل في الاسلام نال خير الدراين ، وإن لم يدخل في الاسلام فلا تقلته فتكون قد غدرت به ، ولكن أوصله إلى ديار قومه التي يأمن فيها على نفسه وماله ذلك بأنهم قوم لا يعلمون « أي ذلك الامان لهم بأنهم قوم لا يعلمون الايمان والدلائل فآمنهم حتى يسمعوا ويتدبروا « كيف يكون للمشركين عهد عندالله وعند رسوله » أي عهد صحيح مع إضمارهم الغدر والنكث على التعجب أو على الجحد ، وقيل : كيف يأمر الله ورسوله بالكف عن دماء المشركين ، ثم استثنى سبحانه فقال : « إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام » فإن لهم عهدا عندالله ، لانهم لم يضمروا الغدر بك والخيانة لك ، واختلف في هؤلاء من هما؟ فقيل : هم قريش عن ابن عباس ، وقيل : هم أهل مكة الذين عاهدهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم الحديبية فلم يستقيموا ونقضوا العهد بأن أعانوا بني بكر على خزاعة ، فضرب لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله

٢٦٩

بعد الفتح أربعة أشهر يختارون أمرهم ، إما أن يسلموا ، وإما أن يلحقوا بأي بلاد شاؤا ، فأسلموا قبل الاربعة أشهر ، (١) وقيل : هم من قبائل بكر بنو خزيمة وبنو مدلج وبنو ضمرة وبنو الدئل ، وهم الذين كانوا قد دخلوا في عهد قريش يوم الحديبية إلى المدة التي كانت بين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وبين قريش ، فلم يكن نقضها إلا قريش و بنو الدئل من بكر ، فأمر بإتمام العهد لمن لم يكن له نقض إلى مدته ، وهذا أقرب إلى الصواب « فما استقاموا لكم » على العهد « فاستقيموالهم » كذلك « إن الله يحب المتقين » للنكث والغدر « كيف وإن يظهروا عليكم » أي كيف يكون لهم عهد ، أو كيف لا تقتلونهم وهم بحال إن يظفروا بكم « لا يرقبوا » أي لا يحفظوا ولا يراعوا فيكم « إلا ولا ذمة » أي قرابة ولا عهدا ، والال : القرابة ، أو الحلف وقيل الال ، اسم الله « يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم » أي يتكلمون بكلام الموالين لكم لترضوا عنهم وتأبى قلوبهم إلا العداوة والغدر « وأكثرهم فاسقون » أي متمردون في الشرك ، وقيل : أراد كلهم ، وقيل المعنى أكثرهم خارجون عن طريق الوفاء بالعهد وأراد بذلك رؤساءهم « اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا فصدوا عن سبيله » أي أعرضوا عن دين الله وصدو الناس عنه بشئ يسير نالواه من الدنيا ، وردفي قوم من العرب جمعهم أبوسفيان على طعامه ليستميلهم إلى عداوة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقيل : ورد في اليهود الذين كانوا يأخذون الرشاء من العوام على الحكم بالباطل « إنهم ساء ما كانوا يعملون » أي بئس العمل عملهم « لا يرقبون » إلى قوله : « هم المعتدون » أي المجاوزون الحد في الكفر والطغيان ، وكرر للتأكيد ، أو الاولى في طائفة ، والثانية في أخرى « فإن تابوا » إلى قوله : « فإخوانكم في الدين » أي فعاملوهم معاملة إخوانكم من المؤمنين « ونفصل الآيات » أي نبينها « لقوم يعملون » ذلك ويبينونه(٢) « فإن(٣) نكثوا » أي نقضوا « أيمانهم » أي عهودهم وما حلفوا عليه « من بعد

____________________

(١) في المصدر : قبل الاربعة الاشهر. (٢) في المصدر : بتبينونه.

(٣) الصحيح كما في المصدر : وان نكثوا.

٢٧٠

عهدهم » أي من بعد أن عقدوه « وطعنوا في دينكم » أي عابوه وقدحوا فيه « فقاتلوا أئمة الكفر » أي رؤساء الكفر والضلالة ، وخصهم لانهم يضلون أتباعهم ، قال الحسن ، أراد به جماعة الكفار ، وكل كافر إمام لنفسه في الكفر ولغيره في الدعاء إليه ، وقال ابن عباس وقتادة : أراد به رؤساء قريش مثل الحارث بن هشام ، وأبي سفيان بن حرب ، وعكرمة بن أبي جهل ، وسائر رؤساء قريش الذين نقضوا العهد وكان حذيفة يقول : لم يأت أهل هذه الآية بعد ، وقال مجاهد : هم أهل فارس والروم ، وقرأ علي عليه‌السلام هذه الآية يوم البصرة ثم قال : أما والله لقد عهد إلي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقال : يا علي لتقاتلن الفئة النا كثة ، والفئة الباغية ، والفئة المارقة « إنهم لا ايمان لهم » قرأ ابن عامر « لا إيمان لهم » بكسر الهمزة ، ورواه ابن عقدة بإسناده عن عزيز بن الوضاح الجعفي(١) ، عن جعفر بن محمد عليهما‌السلام والباقون بفتحها ، فمن قرأ بالفتح فمعناه أنهم لا يحفظون العهد واليمين ، ومن قرأ بالكسر فمعناه لا تؤمنوهم بعد نكثهم العهد ، أو إنهم إذا آمنوا إنسانا لا يفون به أو إنهم كفروا فلا إيمان لهم « لعلهم ينتهون » أي قاتلوهم لينتهوا عن الكفر « ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول » الالف للاستفهام ، والمراد به التحضيض والايجاب ، ومعناه هلا تقاتلونهم وقد نقضوا عهودهم التى عقدوها واختلف فيهم فقيل : هم اليهود الذين نقضوا العهد ، وخرجوا مع الاحزاب ، و هموا بإخراج الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله من المدينة ، كما أخرجه المشركون من مكة وقيل : هم مشركو قريش وأهل مكة. « وهم بدؤكم أول مرة » بنقض العهد ، أو بالقتال يوم بدر ، أو بقتال حلفاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من خزاعة « أتخشونهم » أن ينالكم من قتالهم مكروه « فالله أحق أن تخشوه » أي تخافوا عقابه في ترك أمره بقتالهم « إن كنتم مؤمنين » بعقابه وثوابه « قاتلوهم يعذ بهم الله بأيديكم » قتلا وأسرا ويخزهم « أي ويذلهم » ويشف صدور قوم مؤمنين « يعني بني خزاعة الذين بيت عليهم(٢) بنوبكر و « يذهب غيظ قلوبهم » لكثرة مانالهم من الاذى من جهتهم

____________________

(١) في المصدر : عريف بن الوضاح الجعفى.

(٢) اى هجموا عليهم ليلا.

٢٧١

« ويتوب الله على من يشاء » أي ويقبل توبة من تاب(١) « فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا » أي فامنعوهم عن المسجد الحرام وقيل : المراد منعهم من دخول الحرم فإن الحرم كله مسجد وقبلة ، والعام الذي أشار إليه سنة تسع الذي نادى فيه علي عليه‌السلام بالبراءة وقال : لا يحجن بعد العام(٢) مشرك « وإن خفتم عيلة » إي فقرا وحاجة ، وكانوا خافوا انقطاع المتاجر بمنع المشركين عن دخول الحرم « فسوف يغنيكم الله من فضله إنشاء » من جهة أخرى بأن يرغب الناس من أهل الآفاق في حمل الميرة إليكم قال مقاتل : أسلم أهل جدة وصنعا وحرش(٣) من اليمن ، و حملوا الطعام إلى مكة على ظهور الابل والدواب ، وكفاهم الله سبحانه ما كانوا يتخوفون ، وقيل : يغنيكم بالجزية المأخوذة من أهل الكتاب ، وقيل : بالمطر و النبات ، وقيل : بإباحة الغنائم(٤).

١ ـ كا : علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن معاوية بن عمار قال : سألت أبا عبدالله عليه‌السلام عن يوم الحج الاكبر ، فقال : هو يوم النحر ، والحج الاصغر العمرة(٥).

٢ ـ كا : أبوغلي الاشعري ، عن محمد بن عبدالجبار. عن صفوان ، عن ذريح ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : الحج الاكبر يوم النحر(٦).

٣ ـ كا : علي ، عن أبيه ، وعلي بن محمد القاساني جميعا عن القاسم بن محمد عن سليمان بن داود ، عن فضيل بن عياض قال : سألت أبا عبدالله عليه‌السلام عن الحج الاكبر فإن ابن عباس كان يقول : يوم عرفة ، فقال أبوعبدالله عليه‌السلام : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : الحج الاكبر يوم النح ، ويحتج بقوله تعالى : « فسيحوا في الارض أربعة أشهر » وهو (٧) عشرون من ذي الحجة والمحرم وصفر وشهر ربيع الاول وعشر من ربيع الآخر ، ولو كان الحج الاكبر يوم عرفة لكان أربعة أشهر ويوما(٨)

____________________

(١) مجمع البيان ٥ : ٢ ـ ١٢. (٢) في المصدر : بعد هذا العام.

(٣) الصحيح كما في المصدر : جرش بالجيم المضمومة ثم الفتح.

(٤) مجمع البيان ٥ : ٢٠ و ٢١. (٥ و ٦) فروع الكافى ١ : ٢٤٦.

(٧) في المصدر : وهى. (٨) فروع الكافى ١ : ٢٤٦.

٢٧٢

بيان : قوله عليه‌السلام : الحج الاكبر ، أي يوم الحج الاكبر ، يوم النحر ، و مبنى الاحتجاج على ما كان مسلما عندهم من أن أشهر السياحة تنتهي في العاشر من ربيع الآخر.

٤ ـ شى : عن داود بن سرحان ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : كان الفتح في سنة ثمان ، وبراءة في سنة تسع ، وحجة الوداع في سنة عشر(١).

٥ ـ شى : عن حريز ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بعث أبابكر مع براءة إلى الموسم ليقرأها على الناس ، فنزل جبرئيل فقال : لا يبلغ عنك إلا علي ، فدعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عليا فأمره أن يركب ناقته العضباء ، وأمره أن يلحق أبابكر فيأخذ منه براءة ويقرأه على الناس بمكة ، فقال أبوبكر : أسخطة؟ فقال : لا إلا أنه أنزل عليه أنه لا يبلغ إلا رجل منك ، فلما قدم علي عليه‌السلام مكة وكان يوم النحر بعد الظهر وهو يوم الحج الاكبر قام ثم قال : إني رسول رسول الله إليكم فقرأ عليهم : « براة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين فسيحوا في الارض أربعة أشهر » عشرين من ذي الحجة والمحرم وصفر وشهر ربيع الاول وعشر من شهر ربيع(٢) الآخر ، وقال : لا يطوف بالبيت عريان ولا عريانة ولا مشرك ، ألا(٣) ومن كان له عهد عند رسول الله فمدته إلى هذه الاربعة الاشهر.

وفي خبر محمد بن مسلم فقال : يا علي هل نزل في شئ منذ فارقت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ قال : لا ، ولكن أبى الله أن يبلغ عن محمد إلا رجل منه ، فوافى الموسم فبلغ عن الله وعن رسوله بعرفة والمزدلفة ويوم النحر عند الجمار وفي أيام التشريق كلها ينادي : « براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين * فسيحوا في الارض أربعة أشهر » ولا يطوفن بالبيت عريان(٤).

____________________

(١) تفسير العياشى ٢ : ٧٢. (٢) في المصدر : وعشرا من شهر ربيع الاخر.

(٣) في المصدر : إلا من كان. (٤) تفسير العياشى ٢ ، ٧٣ و ٧٤.

٢٧٣

٦ ـ شي : عن زرارة وحمران ومحمد بن مسلم ، عن أبي جعفر وأبي عبدالله عليهما‌السلام عن قوله : « فسيحوا في الارض أربعة أشهر » قال : عشرين من ذي الحجة و المحرم وصفر وشهر ربيع الاول وعشر من شهر ربيع الآخر(١).

٧ ـ شى : عن حكيم بن جبير عن علي بن الحسين عليهما‌السلام قال : والله إن لعلي لاسما في القرآن ما يعرفه الناس ، قال : قلت : وأي شئ هو جعلت فداك؟ فقال لي : « وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الاكبر » قال : فبعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أمير المؤمنين وكان علي عليه‌السلام هو والله المؤذن ، فأذن بأذان الله ورسوله يوم الحج الاكبر في المواقف كلها ، فكان ما نادى به : ألا لا يطوف بعد هذا العام عريان ، ولا يقرب المسجد الحرام بعد هذا العام مشرك(٢).

٨ ـ شى : عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام في قول الله : « فإذا انسلخ الاشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجد تموهم » قال : هي يوم النحر إلى عشر مضين من شهر ربيع الآخر(٣).

٩ ـ عم : نزلت سورة « براءة من الله ورسوله » في سنة تسع فدفعها إلى أبي بكر فسار بها فنزل جبرئيل عليه‌السلام فقال : إنه لا يؤدي عنك إلا أنت أو علي ، فبعث عليا عليه‌السلام على ناقته العضباء فلحقه ، فأخذ منه الكتاب ، فقال له أبوبكر : أنزل في شئ؟ قال : لا ، ولكن لا يؤدي عن رسول الله (ص) إلا هو أو أنا ، فسار بها علي عليه‌السلام حتى أذن بمكة يوم النحر وأيام التشريق ، وكان في عهده أن ينبذ إلى المشركين عهدهم ، وأن لا يطوف بالبيت عريان ، ولا يدخل المسجد مشرك ، ومن كان له عهد فإلى مدته ، ومن لم يكن له عهد فله أربعة أشهر(٤) ، فإن أخذناه بعد أربعة أشهر قتلناه ، وذلك قوله تعالى « فإذا انسلخ الاشهر الحرم » إلى قوله :

____________________

(١) تفسير العياشى ٢ ، ٧٥. (٢) تفسير العياشى ٢ ٧٦

(٣) تفسير العياشى ٢ ، ٧٧ أقول : في التفسير روايات اخرى تناسب الباب ولم يذكرها المصنف ولم نعرف وجه تركها ولعله كانت نسخته ناقصة راجعه.

(٤) في المصدر : فالى اربعة أشهر.

٢٧٤

« كل مرصد » قال : ولما دخل مكة اخترط سيفه وقال : والله لا يطوف بالبيت عريان إلا ضربته بالسيف ، حتى ألبسهم الثياب فطافوا وعليهم الثياب(١).

١٠ ـ شا : من فضائله عليه‌السلام ما جاء في قصة براءة ، وقد دفعها النبي (ص) إلى أبي بكر لينبذ بها عهد المشركين ، فلما سار غير بعيد نزل جبرئيل عليه‌السلام على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : إن الله يقرئك السلام ويقول لك : لا يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك ، فاستدعا رسول الله (ص) عليا عليه‌السلام وقال له : اركب ناقتي العضباء ، وألحق أبابكر ، فخذ براء من يده ، وامض بها إلى مكة وانبذ(٢) بها عهد المشركين إليهم ، وخير أبابكر بين أن يسير مع ركابك ، أو يرجع إلي ، فركب أمير المؤمنين عليه‌السلام ناقة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله العضباء ، وسار حتى لحق بأبي بكر(٣) فلما رآه فزع من لحوقه به واستقبله وقال : فيم جئت با أبا الحسن؟ أسائر أنت معي أم لغير دلك؟ فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أمرني أن ألحقك فأقبض منك الآيات من براءة أنبذبها(٤) عهد المشركين إليهم وأمرني أن أخيرك بين أن تسير معي(٥) أو ترجع إليه فقال : بل أرجع إليه وعاد إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلما دخل عليه قال : يا رسول الله إنك أهلتني لامر طالت الا عناق إلي(٦) فيه ، فلما توجهت له رددتني عنه ، مالي أنزل في قرآن؟ فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا ولكن الامين جبرئيل(٧) عليه‌السلام هبط إلي عن الله عزوجل بأنه لايؤدي عنك إلا أنت أورجل منك وعلي مني ، ولا يودي عني إلا علي ، في حديث مشهور ، وكان(٨) نبذ العهد مختصا بمن عقده بمن يقوم مقامه في فرض الطاعة ، وجلالة القدر ، وعلو الرتبة ، وشرف المقام ، ومن لا يرتاب بفعاله ، ولا يعترض عليه في مقاله ، ومن هو كنفس العاقد ، وأمره أمره ، فإذا حكم بحكم مضى واستقر ، وأمن الاعتراض

____________________

(١) اعلام الورى : ٧٦ ط ١ و ١٣٢ ي ٢. (٢) فانبذ بها خ ل.

(٣) ابابكر خ ل. أقول : يوجد ذلك في المصدر. (٤) وانبذبها خ ل.

(٥) مع ركابى خ ل. (٦) اليه خ ل.

(٧) ولكن هبط إلى جبرئيل بانه خ ل (٨) فكان خ ل.

٢٧٥

فيه ، وكان بنبذ العهد قوة الاسلام ، وكمال الدين ، وصلاح أمر المسلمين ، وتمام فتح مكة واتساق أحوال الصلاح وأحب(١) الله أن يجعل ذلك في(٢) يد من ينوه باسمه ، ويعلي ذكره ، وينبه على فضله ، ويدل على علو قدره ، ويبينه به عمن سواه ، وكان ذلك أمير المؤمنين عليه‌السلام ، ولم يكن لاحد من القوم فضل يقارب الفضل الذي وصفناه ، ولا يشركه(٣) فيه أحد منهم على مابيناه(٤). أقول : سيأتى أكثر الاخبار المتعلقة بتلك القصة وبسط القول في الاستدلال بها على إمامته وفضله في أبواب الآيات النازلة في شأنه في باب مفرد ، فمن أراد الاطلاع عليها فليرجع إليه.

١١ ـ كا : العدة ، عن سهل ، عن ابن شمون ، عن الاصم ، عن مسمع ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : لما بعث رسول الله (ص) ببراءة مع علي عليه‌السلام بعث معه أناسا وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من استأسر من غير جراحة مثقلة فليس منا(٥).

٣٢

باب

*(المباهلة وما ظهر فيها من الدلائل والمعجزات)*

الآيات : آل عمران « ٣ » : إن مثل عيسى عندالله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون * الحق من ربك فلا تكن من الممترين * فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين ٥٩ ـ ٦١.

____________________

(١) فاحب الله خ ل. أقول : في المصدر : وصلاح امر المسلمين وفتح مكة ، واتساق امر الصلاح فاحب الله.

(٢) على يد خ ل. أقول : نوه بفلان : رفع ذكره ونوه باسمه : دعاه ايضا.

(٣) ولا يشرك خ ل. (٤) ارشاد المفيد : ٣٣ و ٣٤

(٥) فروغ الكافى ١ : ٣٣٦.

٢٧٦

تفسير : قال الطبرسي رحمة الله في نزول الآيات : قيل : نزلت في وفد نجران السيد والعاقب ومن معها ، قالوا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : هل رأيت ولدا من غير ذكر؟ فنزلت « إن مثل عيسى » الآيات ، فقرأها عليهم ، عن ابن عباس وقتادة والحسن فلما دعاهم رسول الله (ص) إلى المباهلة استنظروه إلى صبيحة غد من يومهم ذلك فلما رجعوا إلى رحالهم قال لهم الاسقف : انظروا محمدا في غد فإن بولده وأهله فاحذروا مباهلته ، وإن غدا بأصحابه فباهلوه فإنه على غير شئ ، فلما كان من الغد جاء النبي (ص) آخذا بيد علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، والحسن والحسين عليهما‌السلام بين يديه يمشيان وفاطمة عليهما‌السلام تمشي خلفه ، وخرج النصارى يقدمهم أسققهم فلما رأى النبي قد أقبل بمن معه سأل عنهم فقيل له : هذا ابن عمه وزوج ابتنه وأحب الخلق إليه وهذان ابنا بنته من علي ، وهذه الجارية بنته فاطمة أعز الناس عليه وأقربهم إليه(١) ، وتقدم رسول الله فجثا على ركبتيه ، فقال أبوحارثة الاسقف : جثاو الله كما جثا الانبياء للمباهلة ، فرجع(٢) ولم يقدم على المباهلة فقال له السيد : ادن يا حارثة للمباهلة ، قال : لا إني لارى رجلا جريئا على المباهلة ، وأنا أخاف أن يكون صادقا ، ولئن كان صادقا لم يحل علينا الحول والله وفي الدنيا نصراني يطعم الماء فقال الاسقف : يا أبا القاسم ، أنا لا نباهلك ، ولكن نصالحك ، فصالحنا على ما ننهض به ، فصالحهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على ألفي حلة من حلل الاواقي قيمة كل حلة أربعون درهما ، فما زاد أو نقص فعلى حساب ذلك ، وعلى عارية ثلاثين درعا وثلاثين رمحا ، وثلاثين فرسا إن كان باليمن كيد ، ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ضامن حتى يؤديها ، وكتب لهم بذلك كتابا ، وروي أن الاسقف قال لهم : إني لارى وجوها لو سألوا الله أن يزيل جبلا من مكانه لازاله ، فلا تبتهلوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه الارض نصراني إلى يوم القيامة ، وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : والذي نفسي بيده لو لا عنوني لمسخوا قردة وخنازير ، ولا ضطرم الوادي عليهم. نارا ، ولما حال الحول على

____________________

(١) في المصدر : واقربهم إلى قلبه.

(٢) في المصدر : فكع. أقول : ضعف وجبن.

٢٧٧

النصارى حتى هلكوا كلهم(١) ، قالوا : فلما رجع وفد نجران لم يلبث السيد و العاقب إلا يسيرا حتى رجعا إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهدى العاقب له حلة وعصا وقدحا ونعلين وأسلما.

فرد الله سبحانه على النصارى قولهم في المسيح : إنه ابن الله فقال : « إن مثل عيسى عندالله » أي في خلق الله إياه من غير أب « كمثل آدم » في خلق الله إياه من غير أب ولا أم ، فليس هو بأبدع ولا أعجب من ذلك ، فكيف أنكروا ذا ، وأفروا بذلك؟ « خلقه من تراب » أي خلق عيسى من الريح ولم يخلق قبله أحدا من الريح ، كما خلق آدم من التراب ولم يخلق أحدا قبله من التراب « ثم قال له » أي لآدم كما قيل لعيسى(٢) : « كن فيكون » أي فكان في الحال كما أراد « الحق » أي هذا هو الحق « من ربك » أضافه إلى نفسه تأكيدا وتعليلا « فلا تكن » أيها السامع من الممترين « الشاكين » فمن حاجك « أي جادلك وخاصمك » فيه « أي في عيسى » من بعد ما جاءك من العلم « أي من البرهان الواضح على أنه عبدي ورسولي وقيل : معناه فمن حاجك في الحق » فقل « يا محمد لهؤلاء النصارى : « تعالوا « أي هلموا إلى حجة أخرى فاصلة بين الصادق والكاذب » ندع أبناءنا وأبناءكم « أجمع المفسرون على أن المراد » بأبنائنا « الحسن والحسين عليهما‌السلام ، قال أبوبكر الرازي هذا يدل على أن الحسن والحسين ابنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأن ولد الابنة ابن على الحقيقة ، وقال ابن أبي علان وهو أحد أئمة المعتزلة : هذا يدل على أنهما عليهما‌السلام كانا مكلفين في تلك الحال ، لان المباهلة لا يجوز إلا مع البالعين ، وقال(٣) إن صغر السن ونقصانها عن حد بلوغ الحلم لا ينافي كمال العقل ، وإنما جعل بلوغ الحلم حد التعلق الاحكام الشرعية ، وكان سنهما عليهما‌السلام في تلك الحال سنا لا يمتنع معها أن يكونا كاملي العقل ، على أن عندنا يجوز أن يخرق الله العادات للائمة

____________________

(١) في المصدر : حتى يهلكوا كلهم (٢) في المصدر : وقيل : لعيسى.

(٣) في المصدر : وقال اصحابنا.

٢٧٨

ويخصهم بما لا يشركهم فيه غيرهم ، فلو صح أن كمال العقل غير معتاد في تلك السن لجاز ذلك فيهم إبانة لهم عمن سواهم ، ودلالة على مكانهم من الله واختصاصهم به. ومما يؤيده من الاخبار قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : ابناي هذان إمامان قاما أوقعدا.

« ونساءنا » اتفقوا على أن المراد به فاطمة عليها‌السلام ، لانه لم يحضر المباهلة غيرها من النساء ، وهذا يدل على تفضيل الزهراء عليها‌السلام على جميع النساء ، ويعضده ماجاء في الخبر أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : فاطمة بضعة مني يريبني مارابها ، وقال : إن الله يغضب لغضب فاطمة ، ويرضى لرضاها.

وقد صح عن حذيفة أنه قال : سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : أتاني ملك فبشرني أن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة ونساء أمتي

وعن الشعبي عن مسروق ، عن عائشة قالت : أسر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى فاطمة شيئا فضحكت ، فسألتها قالت(١) : قال لي : ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء هذه الامة أو نساء المؤمنين(٢) ، فضحكت لذلك. « ونساءكم » أي من شئتم من نساءكم « وأنفسنا » يعني عليا عليه‌السلام خاصة ، ولا يجوز أن يكون المعني به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لانه هو الداعي ، ولا يجوز أن يدعو الانسان نفسه ، وإنما يصح أن يدعو غيره وإذا كان قوله : « وأنفسنا » لابد أن يكون إشارة إلى غير الرسول وجب أن يكون إشارة إلى علي عليه‌السلام ، لانه لا أحد يدعي دخول غير أميرالمؤمنين وزوجته وولديه عليهم‌السلام في المباهلة ، وهذا يدل على غاية الفضل وعلو الدرجة ، والبلوغ منه إلى حيث لا يبلغه أحد ، إذ جعله الله سبحانه نفس الرسول ، وهذا مالا يدانيه فيه أحد ولا يقاربه ، ومما يعضده في الروايات ما صح عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه سئل عن بعض أصحابه ، فقال له قائل : فعلي؟ فقال : إنما سألتني عن الناس ، ولم تسألني عن نفسي.

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله لبريدة(٣) : لا تبغض عليا فإنه مني وأنا منه ، وإن الناس

____________________

(١) في المصدر : فقالت. (٢) في المصدر : ونساء المؤمنين.

(٣) في المصدر : لبريدة الاسلمى يا بريدة.

٢٧٩

خلقوا من شجر شتى وخلقت أنا وعلي من شجرة واحدة. وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله بأحد وقد ظهر من نكاتيه(١) في المشركين ووقايته إياه بنفسه حتى قال جبرئيل : يا محمد إن هذا لهي المواساة ، فقال : يا جبرئيل إنه لمني وأنا منه ، فقال جبرئيل : وأنا منكما « وأنفسكم » يعني من شئتم من رجالكم « ثم نبتهل » أي نتضرع في الدعاء عن ابن عباس ، وقيل : نلتعن ، فنقول : لعن الله الكاذب « فنجعل لعنة الله على الكاذبين » منا ، وفي هذه الآية دلالة على أنهم علموا أن الحق مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لانهم امتنعوا من المباهلة ، وأقروا بالذل والخزي ، وانقادوا لقبول الجزية ، فلولم يعلموا ذلك لباهلوه ، وكان يظهر ما زعموا من بطلان قوله في الحال ، ولو لم يكن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله متيقنا بنزول العقوبة بعدوه دونه لو باهلوه لما أدخل أولاده و خواص أهله في ذلك مع شدة إشفاقه عليهم. انتهى كلامه رفع الله مقامه(٢). ولنذكر هنا بعض ما ذكره المخالفون في تفسير تلك الآية ليكون أجلى للعمى وأبعد عن الارتياب ، قال الزمخشري في الكشاف : « فمن حاجك » من النصارى « فيه » في عيسى « من بعد ما جاءك من العلم » أي من البينات الموحبة للعلم « تعالوا » هلموا ، والمراد المجئ بالراي والعزم ، كما تقول : تعال نفكر في هذه المسألة « ندع أبناءنا وأبناءكم » أي يدع كل مني ومنكم أبناءه ونساءه ونفسه إلى المباهلة » ثم نبتهل « ثم نتباهل بأن نقول : بلهة الله على الكاذب منا ومنكم والبهلة بالفتح والضم : اللعنة ، وبهله الله : لعنه وأبعده من رحمته ، من قولك : أبهله : إذا أهمله ، وناقة باهل : لاصرار عليها(٣) ، وأصل الابتهال هذا ، ثم استعمل في كل دعاء يجتهد فيه وإيكن التعانا.

وروي أنه لما دعاهم إلى المباهلة قالوا : حتى وننظر ، فلما تخافوا قالوا للعاقب وكان ذارأيهم : يا عبد المسيح ما ترى؟ فقال : والله لقد عرفتم يا معشر

____________________

(١) في المصدر : قد ظهرت نكايته في المشركين.

(٢) مجمع البيان ٢ : ٤٥١ ـ ٤٥٣.

(٣) الصرار : ما يشد ضرع الناقة لئلا يرضعها ولدها.

٢٨٠