بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٢٧
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

منكم ومن مخالفيكم ، فإن محمدا وعليا وذويهما يقولون : إنهم أولياء الله عزوجل من دون الناس الذين يخالفونهم في دينهم ، وهم المجاب دعاؤهم ، فإن كنتم معاشر اليهود كما تدعون فتمنوا الموت للكاذب منكم ومن مخالفيكم « إن كنتم صادقين » أنكم أنتم المحقون المجاب دعاؤكم على مخالفيكم ، فقولوا : اللهم أمت الكاذب منا ومن مخالفينا ليستريح منه الصادقون (١) ، وليزداد حجتك وضوحا بعد أن قد صحت ووجبت ، ثم قال لهم رسول الله (ص) بعد ما عرض هذا عليهم : لا يقولها أحد منكم إلا غص بريقه فمات مكانه وكانت اليهود عالمين (٢) بأنهم هم الكاذبون ، وأن محمدا وعليا ومصدقيهما هم الصادقون ، فلم يجسروا أن يدعوا بذلك ، لعلهم بأنهم إن دعوا فهم الميتون ، فقال الله تعالى : « ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم » يعني اليهود (٣) لن يتمنوا الموت بما قدمت أيديهم من الكفر بالله ، وبمحمد رسوله ونبيه وصفيه ، وبعلي أخي نبيه ووصيه ، وبالطاهرين من الائمة المنتجبين ، فقال تعالى : « والله عليم بالظالمين » يعني اليهود ، إنهم لا يجسرون أن يتمنوا الموت للكاذب ، لعلمهم أنهم هم الكاذبون ، ولذلك أمرتك (٤) أن تبهرهم (٥) بحجتك ، وتأمرهم أن يدعوا على الكاذب ليمتنعوا من الدعاء ، ويتبين للضعفاء أنهم هم الكاذبون (٦).

أقول : قد مضى تمامه في كتاب الاحتجاج ، وهو مشتمل على معجزات غريبة ظهرت في تلك الحال تركناها حذرا من التكرار ، ثم اعلم أن الآيات المشتملة على الاخبار بالغيوب ومكنونات الضمائر والاسرار كثيرة ، وكذا الاخبار المتعلقة بتفسيرها وهي مبثوثة في سائر أبواب هذا المجلد وسائر المجلدات ، وفيما أوردنا في هذا الباب غنى وكفاية لمن جانب العناد ، والله يهدي إلى سبيل الرشاد.

___________________

(١) الصادق خ ل.

(٢) علماء خ ل.

(٣) أن اليهود.

(٤) آمرك خ ل. وهو الموجود في المصدر.

(٥) بهره : غلبه وفضله :

(٦) التفسير المنسوب إلى الامام العسكرى : ١٧٩ و ١٨٠.

٢٢١

تذنيب : فيه مقاصد : الاول في حقيقة المعجزة : وهي أمر تظهر بخلاف العادة من المدعي للنبوة أو الامامة عند تحري (١) المنكرين على وجه يدل على صدقه ، ولا يمكنهم معارضته ، ولها سبعة شروط :

الاول : أن يكون فعل الله أو ما يقوم مقامه من التروك ، كما إذا قال : معجزتى أن أضع يدي على رأسي وأنتم لا تقدرون عليه ، ففعل وعجزوا.

الثاني : أن يكون خارقا للعادة.

الثالث : أن يتعذر معارضته فيخرج السحر والشعبدة.

الرابع : أن يكون مقرونا بالتحدي ، ولا يشترط التصريح بالدعوى ، بل تكفي قرائن الاحوال.

الخامس : أن يكون موافقا للدعوى ، فلو قال : معجزتي كذا ، وفعل خارقا آخر لم يدل على صدقه ، كما نقل من فعل مسيلمة وأنه تفل في البئر ليزيد ماؤه فنضب (٢) ويبس.

السادس : أن لا يكون ما أظهره مكذبا له ، كما لو أنطق الضب فقال : إنه كاذب ، فلا يعلم صدقه ، بل يزداد اعتقاد كذبه ، بخلاف أن يحيي الميت فيكذبه ، فإن الصحيح أنه لا يخرج عن المعجزة ، لان إحياءه معجزة وهو غير مكذب ، وإنما المكذب ذلك الشخص بكلامه ، وهو بعد الاحياء مختار في تصديقه وتكذيبه ، فلا يقدح تكذيبه ، ومنهم من قدح فيه مطلقا ، ومنهم من فرق بين استمرار حياته وبين ما إذا خر ميتا في الحال ، فقدح في الثاني دون الاول والاظهر ما ذكرنا ،

السابع : أن لا تكون المعجزة متقدما على الدعوى ، بل مقارنا لها أو متأخرا عنها بزمان يسير معتاد مثله ، والمشهور أن الخوارق المتقدمة على دعوى النبوة كرامات وإرهاصات أي تأسيسات للنبوة.

الثاني : في وجه دلالة المعجزة على صدق النبي أو الامام ، فذهبت المعتزلة والامامية

___________________

(١) التحرى : طلب ما هو أحرى بالاستعمال في غالب الطن ، أو طلب أحرى الامرين أى أولاهما

(٢) نضب الماء : غار في الارض.

٢٢٢

إلى أن خلق المعجزة على يد الكاذب مقدور لله تعالى ، لعموم قدرته ، لكنه ممتنع وقوعه في حكمته ، لان فيه إيهام صدقه وهو قبيح من الله ، فيمتنع صدوره عنه كسائر القبائح ، فعلى هذا يتوقف على العلم بوجود الصانع وعموم علمه وقدرته وامتناع صدور القبيح منه ، وقالت الاشاعرة : جرت عادة الله تعالى بخلق العلم بالصدق عقيب ظهور المعجزة ، فإن إظهار المعجز على يد الكاذب وإن كان ممكنا عقلا فمعلوم انتفاؤه عادة ، فلا تكون دلالته عقلية لتخلف الصدق عنه في الكاذب ، بل عادية كسائر العاديات ، لان من قال : أنا نبي ثم نتق الجبل (١) وأوقفه على رؤوسهم وقال : إن كذبتموني وقع عليكم ، وإن صدقتموني انصرف عنكم ، فكلما هموا بتصديقه بعد عنهم ، وإذا هموا بتكذيبه قرب منهم علم بالضرورة أنه صادق في دعواه والعادة قاضية بامتناع ذلك من الكاذب ، مع كونه ممكنا منه إمكانا عقليا لشمول قدرته للممكنات بأسرها ، وقد ضربوا لذلك مثلا قالوا : إذا ادعى الرجل بمشهد الجم الغفير أني رسول هذا الملك إليكم ، ثم قال للملك : إن كنت صادقا فخالف عادتك وقم من الموضع المعتاد من السرير ، وانتقل بمكان لا تعتاده ، ففعل كان ذلك نازلا منزلة التصديق بصريح مقاله ولم يشك أحد في صدقه بقرينة الحال وليس هذا من باب قياس الغائب على الشاهد ، بل ندعي في إفادته العلم بالضرورة العادية ، ونذكر هذا المثال للتفهيم.

الثالث : في بيان إعجاز القرآن ووجهه زائدا على ما تقدم ، وهو أنه (ص) تحدى بالقرآن ، ودعا إلى الاتيان بسورة مثله مصاقع (٢) البلغاء والفصحاء من العرب العرباء (٣) مع كثرتهم كثرة رمال الدهناء (٤) ، وحصى البطحاء ، وشهرتهم بغاية العصبية ، وحمية الجاهلية ، وتهالكهم على المباهات والمبارات ، والدفاع عن الاحساب ، وركوب الشطط في هذا الباب ، فعجزوا حتى آثروا المقارعة على المعارضة ، وبذلوا المهج والارواح دون المدافعة ، فلو قدروا على المعارضة لعارضوا ولو عارضوا لنقل إلينا. لتوفر الدواعي وعدم الصارف ، والعلم.

___________________

(١) أى قلع الجبل إشارة ورفعه فوق رؤوسهم.

(٢) المصاقع جمع المصقع : البليغ. العالى الصوت. من لا يرتج عليه في كلامه.

(٣) العرب العرباء : الصرحاء الخلص.

(٤) الدهناء : الفلاة.

٢٢٣

بجميع ذلك قطعي كسائر العاديات ، لا يقدح فيه احتمال أنهم تركوا المعارضة مع القدرة عليها. أو عارضوا ولم ينقل إلينا لمانع ، كعدم المبالات ، وقلة الالتفات ، والاشتغال بالمهمات.

وأما وجه إعجازه فالجمهور من العامة والخاصة ومنهم الشيخ المفيد قدس الله روحه على أن إعجاز القرآن بكونه في الطبقة العليا من الفصاحة ، والدرجة القصوى من البلاغة ، على ما يعرفه فصحاء العرب بسليقتهم ، وعلماء الفرق بمهارتهم في فن البيان ، وإحاطتهم بأساليب الكلام ، هذا مع اشتماله على الاخبار عن المغيبات الماضية والآتية ، وعلى دقائق العلوم الالهية ، وأحوال المبدء والمعاد ، ومكارم الاخلاق ، والارشاد إلى فنون الحكمة العلمية والعملية ، والمصالح الدينية والدنيوية ، على ما يظهر للمتدبرين ، ويتجلى للمتفكرين ، وقيل : وجه إعجازه اشتماله على النظم الغريب ، والاسلوب العجيب المخالف لنظم العرب ونثرهم في مطالعه ومقاطعه وفواصله ، فإنها وقعت في القرآن على وجه لم يعهد في كلامهم ، وكانوا عاجزين عنه ، وعليه بعض المعتزلة ، وقال الباقلاني : وجه الاعجاز مجموع الامرين : البلاغة ، والنظم الغريب ، وقيل : هو اشتماله على الاخبار بالغيب ، وقيل : عدم اختلافه وتنافضه مع ما فيه من الطول والامتداد ، وذهب السيد المرتضى منا وجماعة من العامة منهم النظام إلى الصرفة ، على معنى أن العرب كانت قادرة على كلام مثل القرآن قبل البعثة ، لكن الله صرفهم عن معارضته ، واختلفوا في كيفيته ، فقال النظام وأتباعه : صرفهم الله تعالى عنها مع قدرتهم عليها وذلك بصرف دعاويهم إليها مع توفر الاسباب الداعية في حقهم كالتقريع بالعجز ، والاستنزال عن الرياسات ، والتكليف بالانقياد ، فهذا الصرف خارق للعادة فيكون معجزا ، وقال السيد رحمه‌الله فيما نسب إليه : ، كان عندهم العلم بنظم القرآن والعلم بأنه كيف يؤلف كلام يساويه أو يدانيه ، والمعتاد أن من كان عنده هذان العلمان يتمكن من الاتيان بالمثل ، إلا أنهم كلما حاولوا ذلك أزال الله تعالى عن قلوبهم تلك العلوم ، والحق هو الاول (١).

__________________

(١) ويؤيد ذلك أن فصحاء العرب كانوا يستعظمون فصاحته ، ولهذا أراد النابغة الاسلام حين سمع القرآن وعرف فصاحته فصده أبوجهل وقال له : يحرم عليك الاطيبين ، وأن المشركين لما

٢٢٤

أقول : وللشيخ الراوندي قدس الله روحه هنا كلام طويل الذيل في بيان إعجاز القرآن ودفع الشبهة الواردة عليه ، والفرق بين الحيلة والمعجزة ، عسى أن نورده في كتاب القرآن إن شاء الله تعالى.

( باب ٢ )

* ( جوامع معجزاته صلى‌الله‌عليه‌وآله ونوادرها ) *

١ ـ ب : الحسن بن ظريف ، عن معمر ، عن الرضا ، عن أبيه موسى بن جعفر (ع) قال : كنت عند أبي عبدالله (ع) ذات يوم وأنا طفل خماسي إذ دخل عليه نفر من اليهود فقالوا : أنت ابن محمد نبي هذه الامة ، والحجة على أهل الارض؟ قال لهم : نعم ، قالوا : إنا نجد في التوراة أن الله تبارك وتعالى آتى إبراهيم وولده الكتاب والحكم والنبوة ، وجعل لهم الملك والامامة ، وهكذا وجدنا ذرية الانبياء لا تتعداهم النبوة والخلافة والوصية ، فما بالكم قد تعداكم ذلك ، وثبت في غيركم ، ونلقاكم مستضعفين مقهورين ، لايرقب فيكم ذمة نبيكم (١)؟ فدمعت عينا أبي عبدالله عليه‌السلام ، ثم قال : نعم لم تزل أنبياء الله (٢) مضطهدة (٣) مقهورة مقتولة بغير حق ، والظلمة غالبة ، وقليل من عباد الله الشكور ، قالوا : فإن الانبياء وأولادهم علموا من غير تعليم ، واوتوا العلم تلقينا (٤) ، وكذلك ينبغي لائمتهم وخلفائهم وأوصيائهم ، فهل اوتيتم ذلك؟ فقال أبوعبدالله عليه‌السلام : ادنه يا

___________________

كانوا يسمعون آيات الله فيريدون إبطالها ويصدون الناس عن اتباع النبى (ص) قالوا : « إن هذا لسحر مبين » أو « إن هذا إلا سحر يؤثر » ونحوهما ، فيستفاد من تلك الايات أنهم لما رأوا أن فصاحة القرآن وبلاغته يكون في مرتبة لا يمكنهم الاتيان بمثله وأنهم عاجزون عن التكلم يشبهه لم يعرفوا طريقا أبلغ لصدالناس عن الدخول في الاسلام إلا أن يرموا النبى بأنه الساحر ، وأن قرآنه سحر مبين ، فلو كان القرآن في حد سائر كلام الادميين لكان كلامهم هذا كلاما ساقطا لا يعبأ به أحد.

(١) أى لا يحفظ فيكم ذمة نبيكم ، والذمة : العهد والامان. والحرمة والحق.

(٢) امناء الله خ ل.

(٣) اضطهده : قهره وجار عليه. أذاه واضطره بسبب المذهب والدين.

(٤) أى تلقينا من الملك بوحى وإلهام ، ولم يكن علومهم مكتسبة من طريق يكتسب غيرهم.

٢٢٥

موسى ، فدنوت فمسح يده على صدري ، ثم قال : اللهم أيده بنصرك بحق محمد وآله ، ثم قال : سلوه عما بدا لكم ، قالوا : وكيف نسأل طفلا لا يفقه؟ قلت : سلوني تفقها ، ودعوا العنت (١).

قالوا : أخبرنا عن الآيات التسع التي اوتيها موسى بن عمران ، قلت : العصا ، و إخراجه يده من جيبه بيضاء ، والجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم ، ورفع الطور ، والمن والسلوى آية واحدة ، وفلق البحر ، قالوا : صدقت ، * فما اعطي نبيكم من الآيات اللاتي نفت الشك عن قلوب من ارسل إليه؟ قلت : آيات كثيرة أعدها إن شاء الله ، فاسمعوا وعوا وافقهوا ، أما أول ذلك فإن أنتم تقرون أن الجن كانوا يسترقون السمع قبل مبعثه فمنعت في أوان (٢) رسالته بالرجوم ، وانقضاض النجوم ، وبطلان الكهنة والسحرة.

ومن ذلك كلام الذئب يخبر بنبوته ، واجتماع العدو والولي على صدق لهجته ، وصدق أمانته ، وعدم جهله أيام طفوليته ، وحين أيفع ، وفتى (٣) وكهلا ، لا يعرف له شكل (٤) ، ولا يوازيه مثل.

ومن ذلك أن سيف بن ذي يزن حين ظفر بالحبشة وفد عليه (٥) قريش فيهم عبدالمطلب ، فسألهم عنه ، ووصف لهم صفته فأقروا جميعا بأن هذه الصفة في محمد ، فقال : هذا أوان مبعثه ، ومستقره أرض يثرب وموته بها.

ومن ذلك : أن أبرهة بن يكسوم (٦) قاد الفيلة إلى بيت الله الحرام ليهدمه قبل مبعثه ، فقال عبدالمطلب : إن لهذا البيت ربا يمنعه ، ثم جمع أهل مكة فدعا ، وهذا بعدما أخبره سيف بن ذى يزن ، فأرسل الله تبارك وتعالى عليهم طيرا أبابيل ودفعهم عن مكة وأهلها.

__________________

(١) أى ولا تسألونى متعنتا ، والمتعنت : من يسأل غيره من جهة التلبيس عليه.

(٢) من أوان خ ل. وهو الموجود في المصدر.

(٣) وفتى أى حين كان فتى والفتى : الشاب الحدث.

(٤) الشكل : المثل والنظير.

(٥) وفد خ ل وفى المصدر : وفد عليه مثل وفد قريش. أقول : لعل كلمة مثل زائدة.

(٦) تقدمت قصته في الباب الاول : ج ١٥ ص ٦٥.

٢٢٦

ومن ذلك أن أباجهل عمرو بن هشام المخزومي أتاه وهو نائم خلف جدار ، ومعه حجر يريد أن يرميه به ، فالتصق بكفه.

ومن ذلك أن أعرابيا باع ذودا له من أبي جهل فمطله (١) بحقه ، فأتى قريشا فقال : أعدوني على أبي الحكم فقد لوى بحقي ، فأشاروا إلى محمد (ص) وهو يصلي في الكعبة ، فقالوا : ائت هذا الرجل فاستعديه عليه ، وهم يهزؤون بالاعرابي ، فأتاه فقال له ، ياعبدالله أعدني على عمرو بن هشام فقد منعني حقي ، قال : نعم ، فانطلق معه فدق على أبي جهل بابه ، فخرج إليه متغيرا فقال له ما حاجتك؟ قال : أعط الاعرابي حقه ، قال : نعم ، وجاء الاعرابي إلى قريش فقال : جزاكم الله خيرا ، انطلق معي الرجل الذي دللتموني عليه فأخذ حقي ، وجاء أبوجهل فقالوا : أعطيت الاعرابي حقه؟ قال : نعم ، قالوا : إنما أردنا أن نغريك بمحمد (٢) ونهزأ بالاعرابي ، فقال : ما هو إلا دق (٣) بابي فخرجت إليه ، فقال : أعط الاعرابي حقه ، وفوقه مثل الفحل فاتحا فاه كأنه يريدني ، فقال : أعطه حقه ، فلو قلت : لا ، لابتلع رأسي ، فأعطيته.

ومن ذلك أن قريشا أرسلت النضر بن الحارث وعلقمة بن أبي معيط بيثرب إلى اليهود ، وقالوا لهما : إذا قدمتما عليهم فسائلوهم عنه ، وهما قد سألوهم عنه فقالوا : صفوا لنا صفته ، فوصفوه ، وقالوا : من تبعه منكم؟ قالوا : سفلتنا ، فصاح حبر منهم فقال : هذا النبي الذي نجد نعته في التوراة ، ونجد قومه أشد الناس عداوة له.

ومن ذلك أن قريشا أرسلت سراقة بن جعشم حتى يخرج إلى المدينة في طلبه فلحق به ، فقال صاحبه ، هذا سراقة يانبي الله ، فقال : اللهم اكفنيه ، فساخت قوائم ظهره (٤) ، فناداه يامحمد خل عني بموثق اعطيكه أن لا اناصح غيرك ، وكل من عاداك لا اصالح ،

___________________

(١) مطله بحقه : سوفه بوعد الوفاء مرة بعد الاخرى. وأعدى فلانا على فلان : نصره واعانه عليه واستعدى الرجل : استعان به.

(٢) أغرى الرجل بكذا : حضه عليه.

(٣) قال : ياهؤلاء دق خ ل وهو الموجود في المصدر.

(٤) ساخ في الطين : غاص فيه وغاب والظهر : الركاب التى تحمل الاثقال. وفى طبعة أمين الضرب والحروفية : قوائم فرسه.

٢٢٧

فقال النبي (ص) : اللهم إن كان صادق المقال فأطلق فرسه ، فاطلق فوفى ، وما انثنى بعد (١).

ومن ذلك أن عامر بن الطفيل وأزيد (٢) بن قيس أتيا النبي (ص) فقال عامر لازيد : إذا أتيناه فأنا اشاغله عنك فاعله بالسيف (٣) ، فلما دخلا عليه قال عامر : يامحمد حال (٤) ، قال : لا حتى تقول : لا إله (٥) إلا الله ، وإني رسول الله ، وهو ينظر إلى أزيد ، وأزيد لا يخبر شيئا ، فلما طال ذلك نهض وخرج ، وقال لازيد : ما كان أحد على وجه الارض أخوف منك على نفسه فتكا منك ، ولعمري لا أخافك بعد اليوم ، قال (٦) له أزيد : لا تعجل فإني ما هممت بما أمرتني به إلا دخلت (٧) الرجال بيني وبينك حتى ما أبصر غيرك فأضربك.

ومن ذلك أن أزيد بن قيس والنضر بن الحارث اجتمعا على أن يسألاه عن الغيوب فدخلا عليه فأقبل النبي (ص) على أزيد فقال : يا أزيد أتذكر ما جئت له يوم كذا (٨) ومعك عامر بن الطفيل؟ وأخبر بما كان منهما ، فقال أزيد : والله ما حضرني وعامرا أحد وما أخبرك بهذا إلا ملك السماء ، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأنك رسول الله.

ومن ذلك أن نفرا من اليهود أتوه فقالوا لابي الحسن جدي : استأذن لنا على ابن عمك نسأله فدخل (٩) علي (ع) فأعلمه ، فقال النبي (ص) : وما يريدون مني؟ فإني

___________________

(١) بعد ذلك خ ل.

(٢) في نسخة من المصدر : أربد ، وكذا فيما بعده.

(٣) علاه بالسيف : ضربه به.

(٤) في المصدر : يامحمد خائر؟

(٥) أشهد أن لا إله خ ل :

(٦) فقال خ ل.

(٧) ودخلت خ ل.

(٨) في المصدر : يوم كذا وكذا.

(٩) قال : فدخل خ ل.

٢٢٨

عبد من عبيدالله ، لا أعلم إلا ما علمني ربي ثم قال : أذن لهم فدخلوا عليه ، فقال : أتسألوني عما جئتم له أم انبئكم؟ قالوا : نبئنا ، قال : جئتم تسألوني عن ذي القرنين ، قالوا : نعم ، قال : كان غلاما من أهل الروم ، ثم ملك وأتى مطلع الشمس ومغربها ، ثم بنى السد فيها ، قالوا : نشهد أن هذا كذا.

ومن ذلك أن وابصة بن معبد الاسدي أتاه فقال : لا أدع من البر والاثم شيئا إلا سألته عنه ، فلما أتاه قال له بعض أصحابه : إليك ياوابصة عن رسول الله ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : دعه ، ادنه ياوابصة ، فدنوت ، فقال : أتسأل عما جئت له أو أخبرك؟ قال : أخبرني ، قال : جئت تسأل عن البر والاثم ، قال : نعم ، فضرب بيده على صدره ثم قال : ياوابصة البر ما اطمأنت به النفس ، والبر ما اطمأن به الصدر ، والاثم ما تردد في الصدر وجال في القلب ، وإن أفتاك الناس وأفتوك.

ومن ذلك أنه أتاه وفد عبدالقيس فدخلوا عليه ، فلما أدركوا حاجتهم عنده قال : ائتوني بتمر أهلكم مما معكم ، فأتاه كل رجل منهم بنوع منه ، فقال النبي (ص) : هذا يسمى كذا وهذا يسمى كذا ، فقالوا : أنت أعلم بتمر أرضنا ، فوصف لهم أرضهم ، فقالوا أدخلتها؟ قال لا ، ولكن فسح لي فنظرت إليها ، فقام رجل منهم فقال : يارسول الله هذا خالي وبه خبل (١) فأخذ بردائه ، ثم قال : اخرج عدو الله ثلاثا ثم أرسله فبرأ ، وأتوه بشاة هرمة فأخذ أحد اذنيها بين أصابعه فصار لها ميسما ، ثم قال : خذوها فإن هذه السمة في آذان ما تلد إلى يوم القيامة ، فهي توالد وتلك في آذانها معروفة غير مجهولة.

ومن ذلك أنه كان في سفر فمر على بعير قد أعيا (٢) وقام مبركا (٣) على أصحابه فدعا بماء فتمضمض منه في إناء وتوضأ وقال : افتح فاه فصب في فيه ، فمر ذلك الماء على رأسه وحاركه ، ثم قال : اللهم احمل خلادا وعامرا ورفيقهما (٤) وهما صاحبا الجمل ،

___________________

(١) الخبل : الجنون.

(٢) أى قد تعب وكل.

(٣) في المصدر : وقاء منزلا على أصحابه.

(٤) في المصدر : ورفيقيهما.

٢٢٩

فركبوه وإنه ليهتز بهم أمام الخيل.

ومن ذلك أن ناقة لبعض أصحابه ضلت في سفر كانت فيه ، فقال صاحبها : لو كان نبيا يعلم أمر (١) الناقة ، فبلغ ذلك النبي (ص) فقال : الغيب لا يعلمه إلا الله ، انطلق يافلان فإن ناقتك بموضع كذا وكذا ، قد تعلق زمامها بشجرة ، فوجدها كما قال.

ومن ذلك أنه مر على بعير ساقط فتبصبص له ، فقال : إنه ليشكو شر ولاية أهله له ، وسأله أن يخرج عنهم فسأل عن صاحبه فأتاه فقال : بعه واخرجه عنك ، فأناخ البعير يرغو ، ثم نهض وتبع النبي (ص) ، فقال : يسألنى أن أتولى أمره ، فباعه من علي (ع) فلم يزل عنده إلى أيام صفين.

ومن ذلك أنه كان في مسجده إذ أقبل جمل ناد (٢) حتى وضع رأسه في حجره ، ثم خرخر (٣) ، فقال النبي (ص) : يزعم هذا أن صاحبه يريد أن ينحره في وليمة على ابنه فجاء يستغيث ، فقال رجل : يارسول الله هذا لفلان وقد أراد به ذلك ، فأرسل إليه وسأله أن لا ينحره ففعل.

ومن ذلك أنه دعا على مضر فقال : اللهم اشدد وطأتك على مضر ، واجعلها عليهم كسني يوسف ، فأصابهم سنون ، فأتاه رجل فقال : فوالله ما أتيتك حتى لا يخطر لنا فحل ولا يتردد منا رائح (٤) ، فقال رسول الله (ص) : « اللهم دعوتك فأجبتني ، وسألتك فأعطيتني اللهم فاسقنا غيثا مغيثا مريئا سريعا (٥) طبقا سجالا عاجلا غير رائث (٦) ، نافعا غير ضار » فما قام حتى ملا كل شئ ، ودام عليهم جمعة ، فأتوه فقالوا : يارسول الله انقطعت سبلنا وأسواقنا ، فقال النبي (ص) : حوالينا ولا علينا ، فانجابت السحابة عن المدينة وصار فيما حولها وامطروا أشهرا (٧).

__________________

(١) اين الناقة خ ل ، وفى المصدر : لعلم اين الناقة.

(٢) ند البعير : نفر وذهب شاردا.

(٣) أى صوت.

(٤) في نسخة من المصدر : ولا يزداد منا رابح.

(٥) مريعا خ ل.

(٦) في المصدر : غير زائب.

(٧) في المصدر : وامطروا شهرا.

٢٣٠

ومن ذلك أنه توجه إلى الشام قبل مبعثه مع نفر من قريش فلما كان بحيال بحير (١) الراهب نزلوا بفناء ديره ، وكان عالما بالكتب وقد كان قرأ في التوراة مرور النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله به ، وعرف أوان ذلك ، فأمر فدعي إلى طعامه ، فأقبل يطلب الصفة في القوم فلم يجدها ، فقال : هل بقي في رحالكم أحد ، فقالوا : غلام يتيم ، فقام بحير الراهب فاطلع فإذا هو برسول الله (ص) نائم وقد أظلته سحابة ، فقال للقوم : ادعوا هذا اليتيم ففعلوا ، وبحير مشرف عليه وهو يسير والسحابة قد أظلته ، فأخبر القوم بشأنه وأنه سيبعث فيهم رسولا وما يكون من حاله وأمره ، فكان القوم بعد ذلك يهابونه ويجلونه ، فلما قدموا أخبروا قريشا بذلك (٢) ، وكان معهم عبد خديجة بنت خويلد ، فرغبت في تزويجه وهي سيدة نساء قريش ، وقد خطبها كل صنديد ورئيس قد ابتهم ، فزوجته نفسها بالذي بانها من خبر بحير (٣).

ومن ذلك أنه كان بمكة قبل الهجرة أيام ألبت عليه قومه وعشائره ، فأمر عليا أن يأمر خديجة أن تتخذ له طعاما ففعلت ، ثم أمره أن يدعو له أقرباءه من بني عبدالمطلب فدعا أربعين رجلا ، فقال : احضر لهم طعاما ياعلي ، فأتاه بثريدة وطعام يأكله الثلاثة و الاربعة ، فقدمه إليهم ، وقال : كلوا وسموا ، فسمى (٤) ولم يسم القوم ، فأكلوا و صدروا شبعى (٥) ، فقال أبوجهل : جاد ما سحركم محمد ، يطعم من طعام ثلاثة رجال أربعين رجلا ، هذا والله السحر (٦) الذي لا بعده ، فقال علي (ع) : ثم أمرني بعد أيام فاتخذت له مثله ودعوتهم بأعيانهم فطعموا وصدروا (٧).

__________________

(١) في نسخة من المصدر : بحيراء ، وكذا فيما يأتى بعد.

(٢) تقدم خبره مع بحيرا في الباب الرابع راجع ج ١٥ : ٤٠٨.

(٣) تقدم تزوجه بخديجة في الباب الرابع راجع ج ١٦ : ١ ـ ٨١

(٤) في نسخة من المصدر : فسميا. أقول : أى النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى عليه‌السلام.

(٥) وشبعوا خ ل وهو الموجود في المصدر.

(٦) هو السحر خ ل.

(٧) أى رجعوا إلى منازلهم.

٢٣١

ومن ذلك أن علي بن أبي طالب (ع) قال : دخلت السوق فابتعت لحما بدرهم ، وذرة بدرهم ، وأتيت (١) فاطمة (ع) حتى إذا فرغت من الخبز والطبخ قالت : لو دعوت أبي : فأتيته وهو مضطجع وهو يقول : أعوذ بالله من الجوع ضجيعا فقلت له : يارسول الله إن عندنا طعاما ، فقام واتكأ علي ومضينا نحو فاطمة (ع) ، فلما دخلنا قال : هلم طعامك يافاطمة ، فقدمت إليه البرمة والقرص ، فغطى القرص وقال : « اللهم بارك لنا في طعامنا » ثم قال : اغرفي لعائشة ، فغرفت ، ثم قال : اغرفي لام سلمة (٢) ، فما زالت : تغرف حتى وجهت إلى نسائه التسع قرصة قرصة ومرقا ، ثم قال : اغرفي لابنيك وبعلك ، ثم قال : اغرفي وكلى وأهدي لجاراتك ، ففعلت وبقي عندهم أياما يأكلون.

ومن ذلك أن امرأة عبدالله بن مسلم أتته بشاة مسمومة ، ومع النبي (ص) بشر بن البراء بن عازب ، فتناول النبي (ص) الذراع ، وتناول بشر الكراع ، فأما النبي (ص) فلاكها ولفظها ، وقال : إنها لتخبرني أنها مسمومة ، وأما بشر فلاك المضغة وابتلعها فمات ، فأرسل إليها فأقرت ، فقال : ما حملك على ما فعلت؟ قالت : قلت زوجي وأشراف قومي ، فقلت : إن كان ملكا قتلته ، وإن كان نبيا فسيطلعه الله تبارك وتعالى على ذلك.

ومن ذلك أن جابر بن عبدالله الانصاري قال : رأيت الناس يوم الخندق يحفرون وهم خماص (٣) ، ورأيت النبي (ص) يحفر وبطنه خميص ، فأتيت أهلي فأخبرتها ، فقالت : ما عندنا إلا هذه الشاة ، ومحرز من ذرة قال فاخبزي ، وذبح الشاة وطبخوا شقها وشووا الباقي حتى إذا أدرك أتى النبي (ص) فقال : يارسول الله اتخذت طعاما فأتني أنت ومن أحببت ، فشبك أصابعه في يده ، ثم نادى ألا إن جابرا يدعوكم إلى طعامه ، فأتى أهله مذعورا خجلا فقال لها : هي الفضيحة قد جفل (٤) بها أجمعين ، فقالت : أنت دعوتهم أم هو قال : هو ، قالت : فهو أعلم بهم ، فلما رآنا أمر بالانطاع (٥) ، فبسطت على الشوارع ، وأمره

___________________

(١) في المصدر : وأتيت به.

(٢) فغرفت خ ل وهو الموجود في المصدر أيضا.

(٣) أى وهم جياع.

(٤) حفل خ ل وكذا في المصدر ، وفى نسخة منه : فدخل

(٥) الانطاع جمع النطع : بساط من الجلد يفرش تحت المحكوم عليه بالعذاب أو بقطع الرأس.

٢٣٢

أن يجمع (١) التوارى ـ يعني قصاعا كانت من خشب ـ والجفان ، ثم قال : ما عندكم من الطعام؟ فأعلمته ، فقال : غطوا السدانة (٢) والبرمة والتنور واغرفوا ، وأخرجوا الخبز و اللحم وغطوا ، فما زالوا يغرفون وينقلون ولا يرونه ينقص شيئا حتى شبع القوم وهم ثلاثة آلاف ، ثم أكل جابر وأهله وأهدوا وبقي عندهم أياما.

ومن ذلك أن سعد بن عبادة الانصاري أتاه عشية وهو صائم فدعاه إلى طعامه ، و دعا معه على بن أبي طالب (ع) ، فلما أكلوا قال النبي (ص) : نبي ووصي أياسعد (٣) أكل طعامك الابرار ، وأفطر عندك الصائمون ، وصلت عليكم الملائكة ، فحمله سعد على حمار قطوف ، وألقى عليه قطيفة ، فرجع الحمار وإنه لهملاج ما يساير.

ومن ذلك أنه أقبل من الحديبية وفي الطريق ماء يخرج من وشل بقدر ما يروي الراكب والراكبين ، فقال : من سبقنا إلى الماء فلا يستقين منه ، فلما انتهى إليه دعا بقدح فتمضمض فيه ثم صبه في الماء ، ففاض الماء فشربوا وملا وا أداواهم ومياضيهم وتوضؤوا ، فقال النبي (ص) : لان بقيتم وبقى (٤) منكم ليسقين (٥) بهذا الوادي يسقى ما بين يديه من كثرة مائه ، فوجدوا ذلك كما قال.

ومن ذلك إخباره عن الغيوب وما كان وما يكون فوجدوا ذلك موافقا لما يقول.

ومن ذلك أنه أخبر صبيحة الليلة التي اسري به بما رأى في سفره ، فانكر ذلك بعض وصدقه بعض ، فأخبرهم بما رأى من المارة والممتارة ، وهيأتهم ومنازلهم وما معهم من الامتعة وأنه رأى عيرا أمامها بعير أورق ، وأنه يطلع يوم كذا من العقبة مع طلوع الشمس ، فعدوا يطلبون تكذيبه للوقت الذي وقته لهم ، فلما كانوا هناك طلعت الشمس ، فقال بعضهم : كذب الساحر ، وبصر آخرون بالعير قد أقبلت يقدمها الاورق فقالوا : صدق ، هذه ، نعم قد أقبلت.

__________________

(١) أمرنا أن نجمع خ ل.

(٢) السدانة : ستر الباب والمراد غطوا الباب بالستر وكذلك غطوا البرمة والتنور لئلا

يرون الناس ما فيها.

(٣) ياسعد خ ل. وهو الموجود في المصدر.

(٤) أو بقى.

(٥) ليسمعن.

٢٣٣

ومن ذلك أنه أقبل من تبوك فجهدوا عطشا وبادر الناس إليه يقولون : الماء الماء يارسول الله ، فقال لابي هريرة : هل معك من الماء شئ؟ قال : كقدر قدح في ميضاتي قال : هلم ميضاتك ، فصب ما فيه في قدح ودعا وأوعاه (١) وقال : ناد من أراد الماء. فأقبلوا يقولون : الماء يارسول الله ، فما زال يسكب وأبوهريرة يسقي حتى روي القوم أجمعون ، و ملاوا ما معهم ، ثم قال لابي هريرة : اشرب ، فقال : بل آخركم شربا ، فشرب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وشرب.

ومن ذلك أن اخت عبدالله بن رواحة الانصاري مرت به أيام حفرهم الخندق فقال لها : أين تريدين (٢)؟ قالت : إلى عبدالله بهذه التمرات ، فقال : هاتيهن فنثرت في كفه ، ثم دعا بالانطاع وفرقها عليها وغطاها بالازر ، وقام وصلى ففاض التمر على الانطاع ، ثم نادى هلموا وكلوا ، فأكلوا وشبعوا وحملوا معهم ودفع ما بقي إليها.

ومن ذلك أنه كان في سفر فأجهدوا جوعا ، فقال : من كان معه زاد فليأتنا به فأتاه نفر منهم بمقدار صاع ، فدعا بالازر والانطاع ثم صب (٣) التمر عليها (٤) ، ودعا ربه فأكثر الله ذلك التمر حتى كان أزوادهم إلى المدينة.

ومن ذلك أنه أقبل من بعض أسفاره فأتاه قوم فقالوا : يارسول الله إن لنا بئرا إذا كان القيظ (٥) اجتمعنا عليها ، وإذا كان الشتاء تفرقنا على مياه حولنا ، وقد صار من حولنا عدوا لنا فادع الله في بئرنا فتفل (ص) في بئرهم ففاضت المياه المغيبة ، وكانوا لا يقدرون أن ينظروا إلى قعرها بعد من كثرة مائها ، فبلغ ذلك مسيلمة الكذاب فحاول مثله من قليب قليل ماؤه فتفل الانكد في القليب فغار ماؤه ، وصار كالجبوب.

ومن ذلك أن سراقة بن جعشم حين وجهه قريش في طلبه ناوله نبلا من كنانته و قال له : ستمر برعاتي فإذا وصلت إليهم فهذا علامتي ، اطعم عندهم واشرب ، فلما انتهى

___________________

(١) ووعاه خ ل وأعاده خ ل صح ، والمصدر مثل الاخير. ومعنى دعا واوعاه : دعا بالبركة و

الوفور ثم ستر القدح لئلا يرونه.

(٢) إلى أين تريد بن خ ل. وهو الموجود في المصدر.

(٣) ضعف خ ل.

(٤) عليهما خ ل.

(٥) القيض ح ل.

٢٣٤

إليهم أتوه بعنز حايل (١) فمسح (ص) ضرعها فصارت حاملا ودرت حتى ملاوا الاناء وارتووا.

ومن ذلك أنه نزل بام شريك فأتته بعكة فيها سمن يسير ، فأكل هو أصحابه ، ثم دعا لها بالبركة فلم تزل العكة تصب سمنا أيام حياتها.

ومن ذلك أن ام جميل امرأة أبي لهب أتته حين نزلت سورة تبت ومع النبي (ص) أبوبكر بن أبي قحافة ، فقال : يارسول الله هذه ام جميل محفظة ، أي مغضبة تريدك ، ومعها حجر تريد أن ترميك به ، فقال : إنها لا تراني ، فقالت لابي بكر : أين صاحبك؟ قال : حيث شاء الله ، قالت : لقد جئته ولو أراه لرميته فإنه هجاني ، واللات والعزى إني لشاعرة فقال أبوبكر : يارسول الله لم ترك؟ قال : لا ، ضرب الله بيني وبينها حجابا.

ومن ذلك كتابه المهيمن الباهر لعقول الناظرين ، مع ما أعطي من الخلال (٢) التي إن ذكرناها لطالت.

فقالت اليهود : وكيف لنا بأن (٣) نعلم أن هذا كما وصفت؟ فقال لهم موسى (ع). وكيف لنا بأن (٤) نعلم أن ما تذكرون من آيات موسى صلى الله عليه على ما تصفون؟ قالوا : علمنا ذلك بنقل البررة الصادقين ، قال لهم : فاعلموا صدق ما أتيناكم (٥) به بخبر طفل (٦) لقنه الله من غير تلقين ولا معرفة عن الناقلين ، فقالوا : نشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، وأنكم الائمة والقادة والحجج من عند الله على خلقه ، فوثب أبوعبدالله (ع) فقبل بين عيني ، ثم قال : أنت القائم من بعدي ـ فلهذا قالت الواقفة : إنه حي ، وإنه القائم ـ ثم كساهم أبوعبدالله عليه‌السلام ووهب لهم وانصرفوا مسلمين (٧).

__________________

(١) من حال الانثى : لم تحمل.

(٢) الخلال : الخصال.

(٣ و ٤) أن نعلم خ ل ، وهو الموجود في المصدر.

(٥) أنبأتكم خ ل وهو الموجود في المصدر.

(٦) أراد عليه‌السلام نفسه.

(٧) قرب الاسناد : ١٣٢ ـ ١٤٠.

٢٣٥

توضيح : قال الفيروزآبادي : غلام خماسي : طوله خمسة أشبار ، وقال : رقبه : انتظره ، والشئ : حرسه.

قوله : ذمة نبيكم ، أي عهده ، أو حرمته والعنت محركة : الفساد والاثم و الهلاك ، ودخول المشقة على الانسان.

قوله عليه‌السلام : فمنعت في أوان رسالته ، لعله محمول على المنع الشديد ، أو المراد بأوان الرسالة ما تقدمها أيضا إلى الولادة ، لئلا ينافي ما سبق من أن ظهور ذلك كان عند ولادته صلى‌الله‌عليه‌وآله. وأيفع الغلام ، أي ارتفع. (١)

وقوله (ع) : وهذا بعد ما أخبره سيف بن ذي يزن ، خلاف ما هو المشهور من أن قصة الفيل كانت في سنة ولادته (ص) أو قبله كما مر (٢) ، وهذا أوثق لصحة الخبر ، ويمكن أن يتكلف بحمل هذا الخبر من سيف على خبر آخر غير ما سبق ، أو بحمل قوله : بأن هذه الصفة في محمد ، على أن المراد الصفة من حيث الاب والام والآثار بأن يكون قبل مولده ، ولا يخفى بعدهما. والذود من الابل : ما بين الثلاث إلى العشر.

قوله : أعدوني ، أي انصروني ، ولواه بحقه أي مطله.

قوله : فساخت أي دخلت وغابت.

قوله : وما انثنى ، أي لم ينعطف ولم يرجع إلى النبي (ص) ، أو عن ذلك العهد.

قوله : حال ، كذا في أكثر النسخ بالحاء المهملة ، ولعله أمر من حالى يحالي ، يقال : حاليته ، أي طايبته ، وفي بعضها بالمعجمة ، ولعله بتشديد اللام من المخالة بمعنى المصادقة ، أي كن صديقي وخليلي.

قوله : لا يخبر شيئا ، كذا في أكثر النسخ بالخاء المعجمة ، والباء الموحدة ، فيحتمل أن يكون بضم الباء أي لا يعلم شيئا ، ولا يبعد أن يكون في الاصل لا يحير بالحاء المهملة والياء المثناة من قولهم : طحنت فما أحارت شيئا ، أي ما ردت شيئا من الدقيق ، ذكره

___________________

(١) أيفع الغلام : ترعرع وناهز البلوغ.

(٢) تقدمت قصة الفيل ، ووفد قريش مع عبدالمطلب على سيف بن ذى يزن ، وتقدم هناك خبر يدل على أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله كان ولد حين الوفود راجع ج ١٥ : ١٨٦ وأما قصة الفيل فكانت قبل ولادته صلى‌الله‌عليه‌وآله.

٢٣٦

على سبيل المثل ، أو بالجيم والزاء المعجمة ، أي ما يجيز القتل ، أو بالجيم والسين المهملة أي لا يجترئ عليه وهو أظهر ، والفتك : أن يأتي الرجل صاحبه وهو غار (١) غافل حتى يشد عليه فيقتله.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : فسح لي على المجهول ، أي وسع لي ورفعت الحجب عني.

قوله : فصار لها ميسما ، أي هذا الاخذ صار لها بمنزلة الميسم حيث أثر فيها.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : الغيب لا يعلمه إلا الله ، أقول : يحتمل وجوها :

الاول : أن عدم إخباري أولا إنما كان لعدم علمي به ، ولم يخبرني الله به ، و إنما أخبرني في هذا الوقت.

الثاني : أن يكون المراد بيان أن ما أخبره (ص) من قبل الله ليكون دليلا على نبوته.

الثالث : التبري عن أن ينسبوه إلى أنه يعلم الغيب بنفسه ، والاوسط أظهر.

وبصبص الكلب وتبصبص : حرك ذنبه ، والتبصبص : التملق ، ورغا البعير : صاح ، والخرخرة ، صوت النمر ، وصوت السنور ، استعير هنا لصوت البعير.

قوله (ص) : اللهم اشدد وطأتك ، قال الجزري : الوطأة في الاصل : الدوس بالقدم ، فسمي به الغزو والقتل ، لان من يطأ الشئ برجله فقد استقصى في إهلاكه وإهانته ، ومنه الحديث اللهم اشدد وطأتك على مضر ، أي خذهم أخذا شديدا ، وقال : السنة : الجدب ، وقال : في حديث الاستسقاء ما يخطر لنا جمل ، أي ما يحرك ذنبه هزالا ، لشدة ، القحط والجدب ، يقال : خطر البعير بذنبه يخطر : إذا رفعه وحطه. انتهى.

قوله رائح ، أي حيوان يأتينا عند الرواح بالبركة ، أو ماش من قولهم : راح : إذا مشى وذهب ، قوله (ص) : مغيثا ، من الاغاثة بمعنى الاعانة عند الاضطرار ، أو يأتي بعده بغيث آخر أو معشبا ، فإن الغيث يطلق على الكلاء ينبت بماء السماء ، وقال الجزري : في حديث الاستسقاء اسقنا غيثا مريئا مريعا ، يقال : مرئ الطعام وأمرأني : إذا لم يثقل على المعدة وانحدر عنها طيبا ، والمريع : المخصب الناجع ، وغيث طبق ، أي عام واسع ، ويقال : سجلت الماء

___________________

(١) غار الرجل : نام في نصف النهار ، والمراد هنا شدة الغفلة.

٢٣٧

سجلا : إذا صببته صبا متصلا ، وقال : غير رائث ، أي غير بطئ متأخر ، من راث : إذا أبطأ ، وقال فيه : اللهم حوالينا ولا علينا ، يقال : رأيت الناس حوله وحواليه ، أي مطيفين به من جوانبه ، يريد اللهم أنزل الغيث في مواضع النبات ، لا مواضع الابنية ، وفيه : فانجاب السحاب عن المدينة ، أي انجمع وتقبض بعضه إلى بعض وانكشف عنها. انتهى.

قوله عليه‌السلام : فأمر : أي بطعام والصنديد بالكسر : السيد الشجاع ، ويقال : ألب على كذا : إذا لم يفارقه ، أو هو من التأليب وهو التحريض والافساد ، قوله : وصدروا : أي رجعوا ، والبرمة بالضم : قدر من حجارة. والكراع كغراب : مستدق الساق. قوله : وهم خماص بالكسر ، أي جياع.

قوله : ومحرز ـ على بناء المفعول ـ إي شئ قليل أحرزته لعيالي ، ولعل فيه تصحيفا.

قوله : جفل بهم أي أسرع وذهب ، ويقال : انجفل القوم ، إي انقلعوا فمضوا ، وفي بعض النسخ بالحاء المهملة.

قال الفيروزآبادي : حفل الوادي بالسيل : جاء بملئ جنبيه ، والسماء : اشتد مطرها ، والدمع : كثر ، والقوم : اجتمعوا.

قوله : غطوا السدانة ، لم نعرف له معنى مناسبا ، ولعله كان في الاصل بالسدانة البرمة فصحف ، والسدان بالكسر : الستر ، ويقال : قطفت الدابة ، إي ضاق مشيها فهي قطوف ، والهملاج بالكسر : السريع السير ، الواسع الخطو. قوله : ما يساير ، أي لا تسير معه دابة ، ولا يسابق لسرعة سيره.

قال الجزري : في الحديث : إن رجلا من الانصار قال حملنا رسول الله (ص) على حمار لنا قطوف فنزل عنه فإذا هو فراغ لا يساير ، إي سريع المشي واسع الخطو. انتهى.

والوشل بالتحريك : الماء القليل ، ووشل الماء وشلا ، أي قطر ، والاداوى بفتح الواو جمع الادوات ، والمياضى جمع الميضاة وهي المطهرة.

قوله (ص) : يسقي ما بين يديه ، إي يسقي الاراضي التي عنده للزرع ، والامتيار جلب الميرة ، والعير بالكسر : الابل التي تحمل الميرة ، والاورق من الابل : الذي في لونه بياض إلى سواد ، قوله : ، إذا كان القيظ اجتمعنا عليها : العادة تقتضى عكس ذلك ، فإن في

٢٣٨

القيظ تنقص المياه ، وفي الشتاء تزيد ، ولعل المراد أن في الشتاء لنا مياه آخر ، فلا نحتاج إلى الاجتماع على هذا الماء ، وأما في الصيف قييبس تلك المياه فنجتمع عليها وهي لا تكفينا على حال ، أو المراد بالقيظ الربيع ، وفي بعض النسخ بالضاد يقال : بئر مقيضة ، أي كثير الماء ، والظاهر أن النساخ بدلوا فجعلوا القيظ مكان الشتاء وبالعكس ، والانكد : المشؤوم ، والجبوب : الارض ، أي غليظها أو وجهها ، أو التراب والعكة بالضم : آنية السمن أصغر من القربة.

وقال الجزري : في حديث حنين : أردت أن احفظ الناس ، وأن يقاتلوا عن أهليهم وأموالهم ، أي اغضبهم ، من الحفيظة : الغضب.

قوله : فلهذا ، أقول : هذا كلام الراوي أو الحميري ، والمعنى أنه (ع) قال : أنت القائم ، أي بأمر الامامة بعدي ، فتمسكت به الواقفة لعنهم الله ، وحملوه على أنه القائم صاحب الغيبة ، وآخر الائمة فأنكروا إمامة من بعده.

٢ ـ م : بالاسناد إلى أبي محمد العسكري عليه‌السلام أنه قال : قيل لامير المؤمنين (ع) : هل لمحمد (ص) آية مثل آية موسى (ع) في رفعه الجبل فوق رؤوس الممتنعين عن قبول ما امروا به؟ فقال أميرالمؤمنين عليه‌السلام : إي والذي بعثه بالحق نبيا ، ما من آية كانت لاحد من الانبياء من لدن آدم (ع) إلى أن انتهى إلى محمد (ص) إلا وقد كان لمحمد (ص) مثلها أو أفضل منها ، ولقد كان لمحمد (ص) نظير هذه الآية إلى آيات اخر ظهرت له ، وذلك أن رسول الله (ص) لما أظهر بمكة دعوته ، وأبان عن الله مراده رمته العرب عن قسي عداوتها بضروب إمكانهم (١) ، ولقد قصدته يوما لاني (٢) كنت أول الناس إسلاما ، بعث (٣) يوم الاثنين وصليت معه يوم الثلثاء ، وبقيت معه اصلي سبع سنين حتى دخل نفر في الاسلام ، وأيد الله تعالى دينه من بعد ، فجاءه قوم من المشركين فقالوا له : يامحمد تزعم أنك رسول رب العالمين ، ثم إنك لا ترضى بذلك حتى تزعم أنك

___________________

(١) في المصدر : بضروب مكانتهم.

(٢) في المصدر : وإنى : وفى نسخة منه : ولقد قصدوه يوما وإنى.

(٣) بايعت خ ل ، وفى المصدر ، بايعته ، بعث يوم الاثنين.

٢٣٩

سيدهم وأفضلهم ، فإن كنت نبيا فأتنا بآية كما تذكره عن الانبياء قبلك مثال (١) نوح الذي جاء بالغرق ، ونجا في سفينته مع المؤمنين ، وإبراهيم الذي ذكرت أن النار جعلت عليه بردا وسلاما ، وموسى الذي زعمت أن الجبل رفع فوق رؤوس أصحابه حتى انقادوا لما دعاهم إليه صاغرين داخرين (٢) ، وعيسى الذي كان ينبئهم بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم ، وصار هؤلاء المشركون فرقا أربع ، هذه تقول : أظهر لنا آية نوح ، وهذه تقول : أظهر لنا آية موسى ، وهذه تقول : أظهر لنا آية إبراهيم ، وهذه تقول : أظهر لنا آية عيسى فقال رسول الله (ص) : إنما أنا (٣) نذير مبين ، آتيتكم بآية مبينة : هذا القرآن الذي تعجزون أنتم والامم وسائر العرب عن معارضته ، وهو بلغتكم (٤) فهو حجة الله وحجة نبيه عليكم (٥) ، وما بعد ذلك فليس لي الاقتراح على ربي ، وما على الرسول إلا البلاغ المبين إلى المقرين بحجة صدقه ، وآية حقه ، وليس عليه أن يقترح (٦) بعد قيام الحجة على ربه ما يقترحه عليه المقترحون الذين لا يعلمون هل الصلاح أو الفساد فيما يقترحون؟ فجاء (٧) جبرئيل (ع) فقال : يامحمد إن العلي الاعلى يقرأ عليك السلام ، ويقول : إني ساظهر لهم هذه الآيات ، وإنهم يكفرون بها إلا من أعصمه منهم ، ولكني اريهم (٨) زيادة في الاعذار (٩) ، والايضاح لحججك ، فقل لهؤلاء المقترحين لآية نوح (ع) : امضوا إلى جبل أبي قبيس فإذا بلغتم سفحه (١٠) فسترون آية نوح (ع) ، فإذا غشيكم الهلاك فاعتصموا بهذا وبطفلين يكونان بين يديه ، وقل للفريق الثاني المقترحين لآية إبراهيم

___________________

(١) من قبلك مثل نوح خ ل.

(٢) دخر : ذل وصغر.

(٣) انا لكم خ ل.

(٤) وقد بلغتكم خ ل.

(٥) فهو حجة بينة عليكم خ ل صح. وهو الموجود في المصدر والاحتجاج.

(٦) اقترح عليه كذا أو بكذا : تحكم وساله اياه بالعنف ومن غير روية.

(٧) في المصدر : فجاءه جبرئيل.

(٨) اريهم ذلك خ ل ، وهو الموجود في الاحتجاج.

(٩) الاعذار اما جمع العذر وهو : الغلبة والنجح يقال في الحرب : لمن العذراى الغلبة واما مصدر من باب أعذر : اى رفع عنه اللوم والعذر.

(١٠) سفح الجبل : أصله وأسفله. عرضه ومضجعه الذى يسفح أى ينصب فيه الماء.

٢٤٠