بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٢٧
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

رسول الله (ص) من وراء الحجرات أن اخرج إلينا يامحمد ، فآذى ذلك رسول الله (ص) ، فخرج إليهم فقالوا : جئناك لنفاخرك ، فأذن لشاعرنا وخطيبنا ، قال : أذنت ، فقام عطارد بن حاجب وقال :

الحمد لله الذي جعلنا ملوكا الذى له الفضل علينا ، والذي وهب لنا أموالا عظاما نفعل بها المعروف ، وجعلنا أعز أهل المشرق ، وأكثر عددا وعدة ، فمن مثلنا في الناس؟ فمن فاخرنا فليعد مثل ما عددنا ، ولو شئنا لاكثرنا من الكلام ، ولكنا نستحيي من الاكثار.

ثم جلس ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لثابت بن قيس بن شماس : قم فأجبه ، فقام فقال :

الحمد لله الذي خلق السماوات والارض خلقة ، وقضى فيه أمره (١) ، ووسع كرسيه علمه ، ولم يكن شئ قط إلا من فضله ، ثم كان من فضله ، أن جعلنا ملوكا ، واصطفى من خير خلقه رسولا أكرمه نسبا (٢) ، وأصدقه حديثا ، وأفضله حسبا ، فأنزل عليه كتابا وائتمنه على خلقه ، فكان خيرة الله على العالمين ، ثم دعا الناس إلى الايمان بالله فآمن به المهاجرون من قومه ، وذوي رحمه ، أكرم الناس أحسابا ، وأحسنهم وجوها ، فكان (٣) أول الخلق إجابة ، واستجاب لله حين دعاه رسول الله (ص) (٤) ، فنحن أنصار رسول الله وردؤه ، نقاتل الناس حتى يؤمنوا ، فمن آمن بالله ورسوله منع ماله ودمه ، ومن نكث جاهدناه في الله أبدا ، وكان قتله علينا يسيرا ، أقول : هذا وأستغفر الله للمؤمنين والمؤمنات ، والسلام عليكم.

ثم قام الزبرقان بن بدر ينشد وأجابه حسان بن ثابت ، فلما فرغ حسان من قوله قال الاقرع : إن هذا الرجل خطيبه أخطب من خطيبنا ، وشاعره أشعر من شاعرنا ، و

___________________

(١) في المصدر : قضى فيهن أمره.

(٢) في المصدر : أكرمهم نسبا ، وأصدقهم حديثا ، وأفضلهم حسبا.

(٣) أى فكان ذو رحمه ، والمراد به على عليه‌السلام.

(٤) في المصدر : حين دعاه رسول الله (ص) نحن ، فنحن. أقول فيه اضطراب.

٢١

أصواتهم أعلى من أصواتنا ، فلما فرغوا أجازهم (١) رسول الله (ص) فأحسن جوائزهم و أسلموا عن ابن إسحاق ، وقيل : إنهم ناس من بني العنبر كان النبي (ص) أصاب من ذراريهم ، فأقبلوا في فدائهم فقدموا المدينة ، ودخلوا المسجد ، وعجلوا أن يخرج إليهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فجعلوا يقولون : يامحمد اخرج إلينا ، عن أبي حمزة الثمالي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس

« بين يدي الله ورسوله » بين اليدين عبارة عن الامام ، ومعناه لا تقطعوا أمرا دون الله ورسوله ، ولا تعجلوا به ، وقدم هاهنا بمعنى تقدم وهو لازم ، وقيل : معناه لا تمكنوا أحدا يمشي أمام رسول الله (ص) ، بل كونوا تبعا له وأخروا أقوالكم وأفعالكم عن قوله و فعله ، وقال الحسن : نزل في قوم ذبحوا الاضحية قبل العيد فأمرهم رسول الله (ص) بالاعادة ، وقال ابن عباس : نهوا أن يتكلموا قبل كلامه ، أي إذا كنتم جالسين في مجلس رسول الله (ص) فسئل عن مسألة فلا تسبقوه بالجواب حتى يجيب النبي (ص) أولا ، وقيل : معناه لا تسبقوه بقول ولا فعل حتى يأمركم به ، والاولى حمل الآية على الجميع « لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي » لان فيه أحد شيئين : إما نوع استخفاف به فهو الكفر ، وإما سوء الادب فهو خلاف التعظيم المأمور به « ولا تجهروا له بالقول » أي غضوا أصواتكم عند مخاطبتكم إياه وفي مجلسه ، فإنه ليس مثلكم إذ يجب تعظيمه وتوقيره من كل وجه ، وقيل : معناه لا تقولوا له : يامحمد كما يخاطب بعضكم بعضا ، بل خاطبوه بالتعظيم والتبجيل ، وقولوا : يارسول الله « أن تحبط أعمالكم » أي كراهة أن تحبط ، أو لئلا تحبط « وأنتم لا تشعرون » أنكم أحبطتم أعمالكم بجهر صوتكم على صوته ، وترك تعظيمه « إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله » أي يخفضون أصواتهم في مجلسه إجلالا له ، « اولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى » أي اختبرها فأخلصها للتقوى وقيل : معناه إنه علم خلوص نياتهم ، وقيل : معناه عاملهم معاملة المختبر بما تعبدهم به من هذه العبادة فخلصوا على الاختبار كما يخلص جيد الذهب بالنار « لهم مغفرة » من الله لذنوبهم « وأجر عظيم » على طاعاتهم « إن الذين ينادوتك من وراء الحجرات » ، وهم

___________________

(١) أى أعطاهم الجائزة.

٢٢

الجفاة من بني تميم لم يعلموا في أي حجرة هو فكانوا يطوفون على الحجرات وينادونه « أكثرهم لا يعقلون » إذ لم يعرفوا مقدار النبي (ص) ولا ما استحقه من التوقير ، فهم بمنزلة البهائم « ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم » من أن ينادوك من وراء الحجرات (١).

قوله تعالى : « من نجوى ثلاثة » قال البيضاوي : ما يقع من تناجي ثلاثة ، ويجوز أن يقدر مضاف ، أو يأول نجوى بمتناجين ويجعل ثلاثة صفة لها « إلا هو رابعهم » إلا أن الله يجعلهم أربعة من حيث أنه يشاركهم في الاطلاع عليها « ولا خمسة » ولا نجوى خمسة « إلا هو سادسهم » وتخصيص العددين إما لخصوص الواقعة فإن الآية نزلت في تناجي المنافقين ، أو لان الله وتر يحب الوتر ، والثلاثة أول الاوتار ، أو لان التشاور لابد له من اثنين يكونان كالمتنازعين ، وثالث يتوسط بينهما « ولا أدنى من ذلك » ولا أقل مما ذكر كالواحد والاثنين « ولا أكثر إلا هو معهم » يعلم ما يجري بينهم « أينما كانوا » فإن علمه بالاشياء ليس لقرب مكاني حتى يتفاوت باختلاف الامكنة « ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة » تفضيحا لهم وتقريرا لما يستحقونه من الجزاء (٢).

وقال الطبرسي رحمه‌الله في قوله : « ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى » : نزلت في اليهود و المنافقين ، إنهم كانوا يتناجون فيما بينهم دون المؤمنين ، وينظرون إلى المؤمنين ويتغامزون بأعينهم ، فإذا رأى المؤمنون نجواهم قالوا : ما نراهم إلا وقد بلغهم عن أقربائنا وإخواننا الذين خرجوا في السرايا قتل أو مصيبة أو هزيمة فيقع ذلك في قلوبهم ويحزنهم ، فلما طال ذلك شكوا إلى رسول الله (ص) فأمرهم أن لا يتناجوا دون المسلمين ، فلم ينتهوا عن ذلك وعادوا إلى مناجاتهم ، فنزلت الآية « ويتناجون بالاثم والعدوان » في مخالفة الرسول وهو قوله : « ومعصية الرسول » وذلك أنه نهاهم عن النجوى فعصوه (٣) ، أو يوصي بعضهم بعضا بترك أمر الرسول والمعصية له « وإذا جاؤك حيوك بما لم يحيك به الله » وذلك أن اليهود كانوا يأتون

___________________

(١) مجمع البيان ٩ : ١٢٩ ـ ١٣١.

(٢) أنوار التنزيل ٢ : ٥٠٤.

(٣) في المصدرهنازيادةهى : ويجوز أن يكون الاثم والعدوان ذلك السر الذى يجرى بينهم لانه شئ يسوء المسلمين.

٢٣

النبي (ص) فيقولون : السام عليك ، والسام : الموت ، وهم يوهمونه أنهم يقولون : السلام عليك ، وكان النبي (ص) يرد على من قال ذلك ويقول : وعليك « ويقولون في أنفسهم » أي يقول بعضهم لبعض « لولا يعذبنا الله بما نقول » أي لو كان هذا نبيا فهلا يعذبنا الله ولا يستجيب له فينا قوله : عليكم (١) « حسبهم » أي كافيهم « جهنم يصلونها » يوم القيامة ويحترقون فيها « فبئس المصير » أي فبئس المرجع والمال جهنم « وتناجوا بالبر والتقوى » أي بأفعال الخير والطاعة واتقاء معاصي (٢) الله « إنما النجوى من الشيطان » يعني نجوى المنافقين والكفار « ليحزن الذين آمنوا » بتوهمهم أنها في نكبة أصابتهم « وليس » الشيطان أو التناجي « بضارهم »، أى المؤمنين (٣) « شيئا إلا باذن الله » أي بعلم الله ، و قيل : بأمر الله ، لان سببه بأمره وهو الجهاد « إذا قيل لكم تفسحوا » قال قتاده : كانوا يتنافسون في مجلس رسول الله (ص) ، فإذا رأوا من جاءهم مقبلا ضنوا بمجالسهم عند رسول الله ، فأمرهم الله أن يفسح بعضهم لبعض ، وقال المقاتلان : كان رسول الله (ص) في الصفة ، وفي المكان ضيق ، وذلك يوم الجمعة ، وكان رسول الله (ص) يكرم أهل بدر من المهاجرين ، والانصار ، فجاء أناس من أهل بدر وفيهم ثابت بن قيس بن شماس ، وقد سبقوا في المجلس فقاموا حيال النبي (ص) فقالوا : السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، فرد عليهم النبي (ص) ، ثم سلموا على القوم بعد ذلك فردوا عليهم ، فقاموا على أرجلهم ينظرون إلى القوم فلم يفسحوا لهم (٤) ، فشق ذلك على النبي (ص) فقال لمن حوله من المهاجرين والانصار من غير أهل بدر : قم يافلان ، قم يافلان بقدر النفر الذين كانوا بين يديه من أهل بدر ، فشق ذلك على من أقيم من مجلسه ، وعرف الكراهية في وجوههم ، وقال المنافقون للمسلمين : ألستم تزعمون أن صاحبكم يعدل بين الناس ، فوالله ما عدل على هؤلاء ، إن

___________________

(١) في المصدر : وعليكم يعني السام وهو الموت ، فقال سبحانه.

(٢) في المصدر : والطاعة والخوف من عذاب الله واتقاء معاصى الله.

(٣) المنقول هنا من قوله : (ليحزن) إلى هنا يخالف المصدر ، نعم يوافق ما في البيضاوي ،

والظاهر أنه وهم في النسبة.

(٤) في المصدر : ينتظرون أن يوسع لهم فلم يفسحوا لهم.

٢٤

قوما أخذوا مجالسهم ، وأحبوا القرب من نبيهم فأقامهم وأجلس من أبطأ عنه مقامهم ، فنزلت الآية ، والتفسح : التوسع في المجالس ، هو مجلس النبي (ص) ، وقيل : مجالس الذكر كلها « فافسحوا يفسح الله لكم » أي فتوسعوا يوسع الله مجالسكم في الجنة « وإذا قيل انشزوا » ارتفعوا وقوموا ووسعوا على إخوانكم « فانشزوا » أي فافعلوا ذلك ، وقيل : معناه وإذا قيل لكم : انهضوا إلى الصلاة والجهاد وعمل الخير « فانشزوا » ولا تقصروا ، وإذا قيل لكم ارتفعوا في المجلس وتوسعوا للداخل فاقعلوا ، أو إذا نودي للصلاة فانهضوا ، و قيل : وردت في قوم كانوا يطلبون (١) المكث عنده (ص) فيكون كل واحد منهم يحب أن يكون آخر خارج ، فأمرهم الله أن يقوموا إذا قيل لهم : انشزوا « يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين اتوا العلم درجات » قال ابن عباس : يرفع الله الذين اوتوا العلم من المؤمنين على الذين لم يؤتوا العلم درجات ، وقيل : معناه لكي يرفع الله الذين آمنوا منكم بطاعتهم لرسول الله (ص) درجة ، والذين اوتوا العلم بفضل علمهم وسابقتهم درجات في الجنة ، و قيل : درجات في مجلس رسول الله (ص) فأمره الله سبحانه أن يقرب العلماء من نفسه فوق المؤمنين الذين لا يعلمون ليتبين (٢) فضل العلماء على غيرهم « إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة » أي إذا ساررتم الرسول فقدموا قبل أن تساروه صدقة ، وأراد بذلك تعظيم النبي (ص) وأن يكون ذلك سببا لان يتصدقوا فيوجروا ، وتخفيفا عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال المفسرون : فلما نهوا عن المناجاة حتى يتصدقوا ضن (٣) كثير من الناس فكفوا عن المسألة (٤) فلم يناجه أحد إلا علي بن أبي طالب (ع) ، قال مجاهد وما كان إلا ساعة ، وقال مقاتل : كان ذلك ليال عشرا (٥) ، ثم نسخت بما بعدها ، وكانت الصدقة مفوضة إليهم غير مقدرة (٦).

__________________

(١) في المصدر : يطيلون المكث.

(٢) ليبين خ ل ، وهو الموجود في المصدر.

(٣) ضن بالشئ ، : بخل.

(٤) في المصدر : فكفوا عن المساوة.

(٥) في المصدر : ليالى عشرا.

(٦) مجمع البيان ٩ : ٢٤٩ ـ ٢٥٣.

٢٥

وقال البيضاوي : عن علي (ع) أن في كتاب الله آية ما عمل بها أحد غيري ، كان لي دينار فصرفته فكنت إذا ناجيته تصدقت بدرهم « ذلك » أي التصدق « خير لكم و أطهر » أي لانفسكم من الريبة وحب المال ، وهو يشعر بالندبية ، لكن قوله : « فإن لم تجدوا فإن الله غفور رحيم » أي لمن لم يجد حيث رخص لنفي المناجات بلا تصدق أدل على الوجوب « ءأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات » أخفتم الفقر من تقديم الصدقة؟ أو أخفتم التقديم لما يعدكم الشيطان عليه من الفقر؟ « فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم » بأن رخص لكم أن لا تفعلوه ، وفيه إشعار بأن إشفاقهم ذنب تجاوز الله عنه لما رأى منهم مما قام مقام توبتهم و (إذ) على بابها ، وقيل بمعنى (إذا) أو (إن) (١).

١ ـ فس : قال علي بن إبراهيم في قوله تعالى ، « إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله » إلى قوله : « حتى يستأذنوه » فإنها نزلت في قوم كانوا إذا جمعهم رسول الله (ص) لامر من الامور في بعث يبعثه ، أو حرب قد حضرت يتفرقون بغير إذنه ، فنهاهم الله عزو جل عن ذلك ، وقوله : « فإذا استأذنوك لبعض شأنهم » قال نزلت في حنظلة بن أبي عامر ، وذلك أنه تزوج في الليلة التي كان في صبحها (٢) حرب احد ، فاستأذن رسول الله (ص) أن يقيم عند أهله ، فأنزل الله هذه الآية (٣) فأقام عند أهله ، ثم أصبح وهو جنب فحضر القتال فاستشهد (٤) ، فقال رسول الله (ص) : رأيت الملائكة تغسل حنظلة بماء المزن في صحاف فضة بين السماء والارض ، فكان يسمي غسيل الملائكة ، قوله : « لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا » قال : لا تدعوا رسول الله كما يدعو بعضكم بعضا ، ثم قال : « فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة » يعني بلية « أو يصيبهم عذاب أليم » قال : القتل ، وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر (ع) في قوله : « لا تجعلوا دعاء

___________________

(١) أنوار التنزيل ٢ : ٥٠٥ و ٥٠٦.

(٢) صبيحتها خ ل ، وهو الموجود في المصدر.

(٣) في المصدر : فأنزل الله هذه الاية : « فأذن لمن شئت منهم » أقول : هو موجود أيضا في غير نسخة المصنف.

(٤) واستشهد خ ل ، وهو الموجود : في المصدر.

٢٦

الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا » يقول : لا تقولوا : يامحمد ، ولا يا أبا القاسم،ولكن قولوا يانبي الله ، ويارسول الله ، قال الله : « فليحذر الذين يخالفون عن أمره » أي يعصون أمره (١).

٢ ـ فس : قوله : « يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه » فإنه لما تزوج (٢) رسول الله (ص) بزينب بنت جحش وكان يحبها فأولم ودعا أصحابه ، وكان أصحابه إذا أكلوا كانوا يحبون أن يتحدثوا عند رسول الله (ص) وكان يحب أن يخلو مع زينب ، فأنزل الله : « يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم » وذلك أنهم كانوا يدخلون بلا إذن ، فقال عزو جل : « إلا أن يؤذن لكم » إلى قوله : « من وراء حجاب ».

قوله : « وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله » الآية ، فإنه كان سبب نزولها أنه لما أنزل الله « النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه امهاتهم » وحرم الله نساء النبي على المسلمين غضب طلحة فقال : يحرم محمد علينا نسائه ، ويتزوج هو بنسائنا ، لئن أمات الله محمدا لنركضن بين خلاخيل نسائه ، كما ركض بين خلاخيل نسائنا ، فأنزل الله : « وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا » إلى قوله : « كان بكل شئ عليما » ثم رخص لقوم معروفين الدخول عليهن بغير إذن ، فقال : « لا جناح عليهن » إلى قوله : « على كل شئ شهيدا » ثم ذكر ما فضل الله نبيه فقال : « إن الله وملائكته يصلون على النبي » إلى قوله : « تسليما » قال عليه‌السلام : صلوات الله عليه تزكية له وثناء عليه ، وصلواة الملائكة مدحهم له ، وصلاة الناس دعاؤهم له ، والتصديق والاقرار بفضله ، وقوله : « وسلموا تسليما » يعني سلموا له بالولاية وبما جاء به ، قوله : « إن الذين يؤذون الله ورسوله » قال : نزلت فيمن غصب أمير المؤمنين (ع) حقه ، وأخذ حق فاطمة (ع) (٣) وآذاها وقد قال النبي (ص) : من آذاها في حياتي كمن آذاها بعد موتي ، ومن آذاها بعد موتي كمن آذاها في حياتي ، ومن آذاها فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله (٤) ، وهو

___________________

(١) تفسير القمي : ٤٦٢.

(٢) أن تزوج خ ل وفي المصدر : قال : لما تزوج.

(٣) أي الاية تشملهما باطلاقها ، وأنهما مصداقين لها.

(٤) قد أخرج البخاري نحوه في صحيحة وسيأتي التنصيص بألفاظة في محله.

٢٧

قول الله تعالى : « إن الذين يؤذون الله ورسوله » الآية (١).

٣ ـ فس : « يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا » الآية ، نزلت في وفد تميم (٢) كانوا إذا قدموا على رسول الله (ص) وقفوا على باب حجرته فنادوا : يامحمد اخرج إلينا ، وكانوا إذا خرج رسول الله (ص) تقدموه في المشي ، وكانوا إذا كلموه رفعوا أصواتهم فوق صوته ويقولون : يامحمد يامحمد ، ما تقول في كذا وكذا؟ كما يكلمون بعضهم بعضا ، فأنزل الله « يا أيها الذين آمنوا » إلى قوله : « إن الذين ينادونك » بنو تميم (٣).

٤ ـ فس : قال علي بن إبراهيم في قوله : « ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى ثم يعودون لما نهوا عنه » قال : كان أصحاب رسول الله (ص) يأتونه فيسألونه أن يسأل الله لهم وكانوا يسألون ما لا يحل لهم ، فأنزل الله « ويتناجون بالاثم والعدوان ومعصية الرسول » وقولهم له إذا أتوه : أنعم صباحا ، وأنعم مساء ، وهي تحية أهل الجاهلية ، فأنزل الله « وإذا جاؤك حيوك بما لم يحيك به الله » فقال لهم رسول الله (ص) : قد أبدلنا الله بخير من ذلك تحية أهل الجنة السلام عليكم.

قوله : « فافسحوا يفسح الله لكم » قال : كان رسول الله (ص) إذا دخل المسجد يقوم له الناس فنهاهم الله أن يقوموا له ، فقال : « فافسحوا » أي وسعوا له في المجلس « وإذا قيل انشزوا فانشزوا » يعني إذا قال : قوموا فقوموا.

قوله : « يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة » قال : إذا سألتم رسول الله (ص) حاجة فتصدقوا بين يدي حاجتكم ليكون أقضى لحوائجكم ، فلم يفعل ذلك أحد إلا أمير المؤمنين (ع) ، فإنه تصدق بدينار ، وناجي رسول الله (ص) بعشر نجوات (٤).

٥ ـ فس : أحمد بن زياد ، عن الحسن بن محمد بن سماعة ، عن صفوان ، عن ابن مسكان ، عن أبي بصير ،

___________________

(١) تفسير القمي : ٥٣٢ و ٥٣٣ ، وفيه : وهو قول الله تعالى : « والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات » يعني عليا عليه‌السلام وفاطمة عليها‌السلام « بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا » الاية.

(٢) في المصدر وغير نسخة المصنف : في وفد بني تميم.

(٣) تفسير القمي : ٦٣٨ و ٦٣٩.

(٤) تفسير القمي : ٤٦٨ ـ ٤٧٠.

٢٨

عن أبي جعفر (ع) قال : سألته عن قول الله تعالى : « إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة » قال : قدم علي بن أبي طالب (ع) بين يدي نجواه صدقة ، ثم نسختها قوله (١) : « ءأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات » (٢).

٦ ـ فس : عبدالرحمن بن محمد الحسني ، عن الحسين بن سعيد ، عن محمد بن مروان عن عبيد بن خنيس ، عن صباح ، عن ليث بن أبي سليم ، عن مجاهد قال : قال علي (ع) : إن في كتاب الله لآية ما عمل بها أحد قبلي ولا يعمل بها أحد بعدي آية النجوي ، إنه كان لي دينار فبعته بعشرة دراهم ، فجعلت اقدم بين يدي كل نجوة (٣) اناجيها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله درهما ، قال : فنسختها (٤) « ءأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات » إلى قوله : « والله خبير بما تعملون » (٥).

٧ ـ فس : أحمد بن إدريس ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن أبي بكر الحضرمي ، وبكر بن أبي بكر ، عن سليمان بن خالد قال : سألت أباجعفر (ع) عن قول الله : « إنما النجوى من الشيطان » قال : الثاني قوله : « ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم » قال : فلان وفلان وأبوفلان (٦) أمينهم حين اجتمعوا ، ودخلوا الكعبة فكتبوا بينهم كتابا إن مات محمد أن لا يرجع الامر فيهم أبدا (٧).

٨ ـ كا : الحسين بن محمد ، عن المعلي ، عن سليمان بن سماعة ، عن عمه عاصم الكوزي ، عن أبي عبدالله (ع) إن النبي (ص) قال : من ولد له أربعة أولاد لم يسم أحدهم باسمي فقد جفاني (٨).

___________________

(١) ثم نسخها بقوله خ ل. وفي المصدر : ثم نسخها قوله.

(٢) تفسير القمي : ٦٧٠.

(٣) نجوى خ ل ، وهو الموجود في المصدر.

(٤) فنسختها قوله خ ل.

(٥) تفسير القمي : ٦٧٠.

(٦) ابن فلان خ ل وهو الموجود في المصدر.

(٧) تفسير القمي : ٦٦٩.

(٨) فروع الكافي ٢ : ٨٦.

٢٩

٩ ـ كا : محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن سنان ، عن أبي هارون مولي آل جعدة قال : كنت جليسا لابي عبدالله عليه‌السلام بالمدينة ففقدني أياما ، ثم إني جئت إليه فقال : فقال لي : لم أرك منذ أيام يابا هارون ، فقلت : ولد لي غلام ، فقال : بارك الله لك فيه فما سميته؟ قلت : سميته محمدا ، فأقبل بخده نحو الارض وهو يقول : محمد محمد محمد ، حتى كاد يلصق خده بالارض ، ثم قال : بنفسي وبولدي وبامي (١) وبأبوي وبأهل الارض كلهم جميعا الفداء لرسول الله (ص) ، لا تسبه ولا تضربه ولا تسيئ إليه ، واعلم أنه ليس في الارض دار فيها اسم محمد إلا وهي تقدس كل يوم (٢).

١٠ ـ كا : محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن صفوان قال ، كنت عند الرضا (ع) فعطس فقلت له : صلى الله عليك ثم عطس ، فقلت : صلى الله عليك ، ثم عطس ، فقلت : صلى الله عليك ، وقلت له : جعلت فداك إذا عطس مثلك نقول له كما يقول بعضنا لبعض : يرحمك الله ، أو كما نقول ، قال : نعم ، أليس تقول : صلى الله على محمد وآل محمد؟ قلت : بلي قال : ارحم محمدا وآل محمد ، قال : بلى وقد صلى عليه (٣) ورحمه ، وإنما صلواتنا عليه رحمة لنا وقربة (٤).

١١ ـ كا : العدة ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن إسماعيل بن مهران ، عن الحسن ابن علي بن أبي حمزة ، عن أبيه ، وحسين بن أبي العلاء ، عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله (ع) قال : إذا ذكر النبي (ص) فأكثروا الصلاة عليه ، فإنه من صلى على النبي (ص) صلاة واحدة صلى الله عليه ألف صلاة في ألف صف من الملائكة ، ولم يبق شئ مما خلقه الله إلا صلى على العبد لصلاة الله عليه وصلاة ملائكته ، فمن لمن يرغب في هذا فهو جاهل مغرور

___________________

(١) في المصدر : بأهلي.

(٢) فروع الكافي ٢ : ٩٢.

(٣) في المصدر : وقد صلي الله. أقول : الكلام لا يخلو عن سقط ولعل الصحيح هكذا : قال : أليس تقول : ارحم محمدا وآل محمد؟ قلت : بلى « قال : وقد صلى الله.

(٤) اصول الكافي ٢ : ٦٥٣ و ٦٥٤.

٣٠

قد برأ الله منه ورسوله وأهل بيته (١).

١٢ ـ كا : أبوعلي الاشعري ، عن الحسن بن علي ، عن عبيس بن هشام ، عن ثابت ، عن أبى بصير ، عن أبي عبدالله (ع) قال : قال رسول الله (ص) : من ذكرت عنده فنسي أن يصلي علي خطا (٢) الله به طريق الجنة (٣).

١٣ ـ كا : محمد بن الحسن وعلي بن محمد ، عن سهل ، عن محمد بن سليمان ، عن هارون ابن الجهم ، عن محمد بن مسلم ، عن أبى جعفر(ع) في حديث طويل في ذكر وفاة الحسن بن على صلوات الله عليهما قال : فلما أن صلى عليه حمل فادخل المسجد فلما أوقف على قبر رسول الله (ص) بلغ عايشة الخبر ، وقيل لها : إنهم قد أقبلوا بالحسن بن علي عليهما‌السلام ليدفن مع رسول الله (ص) ، فخرجت مبادرة على بغل بسرج ، فكانت أول امرأة ركبت في الاسلام سرجا ، فوقفت فقالت : نحوا ابنكم عن بيتي ، فإنه لا يدفن فيه شئ ، ولا يهتك على رسول الله (ص) حجابه ، فقال لها الحسين بن علي (ع) : قديما هتكت أنت وأبوك حجاب رسول الله (ص) ، وأدخلت بيته من لا يحب رسول الله (ص) قربه. وإن الله سائلك عن ذلك ياعايشة ، إن أخي أمرني أن أقربه من أبيه رسول الله (ص) ليحدث به عهدا ، واعلمي أن أخي أعلم الناس بالله ورسوله ، وأعلم بتأويل كتابه من أن يهتك على رسول الله (ص) ستره ، لان الله تبارك وتعالى يقول : « يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم » وقد أدخلت أنت بيت رسول الله (ص) الرجال بغير إذنه ، وقد قال الله عزوجل : « يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي » ولعمري لقد ضربت أنت لابيك وفاروقه عند اذن رسول الله (ص) المعاول ، وقال الله عزوجل : « إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله (ص) اولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوي (٤) » ولعمري لقد أدخل أبوك و فاروقه على رسول الله (ص) بقربهما منه الاذي ، وما رعيا من حقه ما أمرهما الله به على لسان رسول الله (ص) ، إن الله حرم من المؤمنين أمواتا ما حرم منهم أحياء ، وتالله ياعايشة

___________________

(١) اصول الكافي ٢ : ٤٩٢.

(٢) يدل على التأكيد في الاهتمام بالصلاة عليه والتحفظ عن النسيان عنها.

(٣) اصول الكافي ٢ : ٤٩٥.

(٤) تقدم ذكر موضع الاية وغيرها في صدر الباب.

٣١

لو كان هذا الذي كرهتيه من دفن الحسن (ع) عند أبيه صلوات الله عليهما جائزا فيما بيننا وبين الله لعلمت أنه سيدفن وإن رغم معطسك (١).

أقول : سيأتي أخبار الصلاة عليه (ص) في كتاب الدعاء وآداب الزيارة في كتاب المزار ، وعدم الاشراف على قبره (ص) ، وسائر الاداب في سائر أبواب الكتاب لا سيما في أحوال زوجاته صلى‌الله‌عليه‌وآله.

١٤ ـ وقال القاضي في الشفاء في ذكر عادة الصحابة في توقيره (ص) قال : روى اسامة ابن شريك أتيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأصحابه حوله كأنما على رؤوسهم الطير.

وقال عروة بن مسعود حين وجهته قريش عام القضية إلى رسول الله (ص) ورأي من تعظيم أصحابه له ، وإنه لا يتوضأ إلا ابتدروا وضوءه وكادوا يقتلون عليه ، ولا يبصق بصاقا ولا يتنخم نخامة إلا تلقوها بأكفهم فدلكوابها وجوهم وأجسادهم ، ولا تسقط منه شعرة إلا ابتدروها ، وإذا أمرهم بأمر ابتدروا أمره ، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده ، وما يحدون النظر إليه تعظيما له ، فلما رجع إلى قريش قال : يامعشر قريش إنى أتيت كسرى في ملكه ، وقيصر في ملكه ، والنجاشي في ملكه ، وإني والله ما رأيت ملكا في قوم قط مثل محمد في أصحابه.

وعن أنس لقد رأيت رسول الله (ص) والحلاق يحلقه وأطاف به أصحابه ، فما يريدون أن يقع شعره إلا في يد رجل.

وفى حديث قيلة : فلما رأيت رسول الله (ص) جالسا القرفصاء ارعدت من الفرق هيبة له وتعظيما.

وفي حديث المغيرة : كان أصحاب رسول الله (ص) يقرعون بابه بالاظافير.

وقال البراء بن عازب : لقد كنت اريد أن أسأل رسول الله (ص) عن الامر فاؤخره سنين من هيبته ، ثم قال : واعلم أن حرمة النبي (ص) بعد موته وتوقيره وتعظيمه لازم كما كان حال حياته ، وذلك عند ذكره (ص) ، وذكر حديثه وسنته وسماع اسمه وسيرته ومعاملة آله وعترته وتعظيم أهل بيته وصحابته.

وعن ابن حميد قال : ناظر أبوجعفر المنصور مالكا في مسجد رسول الله (ص) ، فقال

___________________

(١) اصول الكافي ١ : ٣٠٢ و ٣٠٣.

٣٢

له مالك : يا أمير المؤمنين لا ترفع صوتك في هذا المسجد ، فإن الله عزوجل أدب قوما فقال : « لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي » الآية ، ومدح قوما فقال : « إن الذين يغضون أصواتهم » الآية ، وذم قوما فقال : « إن الذين ينادونك من وراء الحجرات (١) » وإن حرمته ميتا كحرمته حيا.

وقال مصعب بن عبدالله : قال مالك : ولقد كنت أرى جعفر بن محمد (ع) وكان كثير الدعابة والتبسم ، فإذا ذكر عنده النبي (ص) اصفر ، وما رأيت يحدث عن رسول الله (ص) إلا على طهارة ، وقد كنت اختلف (٢) إليه زمانا فما كنت أراه إلا على ثلاث خصال : إما مصليا ، وإما صامتا ، وإما يقرأ القرآن ، ولا يتكلم فيما لا يعنيه ، وكان من العلماء و العباد الذين يخشون الله عزوجل (٣).

١٥ ـ ن : بالاسناد إلى دارم (٤) ، عن الرضا (ع) قال : سمعت أبي يحدث عن أبيه ، عن جده (ع) ، عن جابر بن عبدالله قال : كان رسول الله في قبة ، من ادم وقد رأيت بلالا الحبشي وقد خرج من عنده ومعه فضل وضوء رسول الله (ص) فابتدره الناس ، فمن أصاب منه شيئا تمسح به وجهه ، ومن لم يصب منه شيئا أخذ من يدي صاحبه فمسح به وجهه ، وكذلك فعل بفضل وضوء أمير المؤمنين عليه‌السلام (٥).

١٦ ـ طب : محمد بن الحسين ، عن فضالة ، عن إسماعيل ، عن أبي عبدالله ، عن أبيه عليهما‌السلام قال : ما اشتكى رسول الله (ص) وجعا قط إلا كان مفزعه إلى الحجامة.

وقال أبوظبية : حجمت رسول الله (ص) وأعطاني دينارا وشربت دمه ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أشربت (٦)؟ قلت : نعم ، قال : وما حملك على ذلك؟ قلت : أتبرك به قال : أخذت أمانا من الاوجاع والاسقام والفقر والفاقة ، والله ما تمسك النار أبدا (٧).

___________________

(١) تقدم ذكر موضع الايات في صدر الباب.

(٢) اختلف إلى المكان : تردد.

(٣) شرح الشفاء ١ : ٦٧ ـ ٧٢.

(٤) تقدم إسناد دارم في ج ١ : ٥٢ راجعه.

(٥) عيون أخبار الرضا : ٢٢٧.

(٦) في المصدر : أشربته؟.

(٧) طب الائمة : ٦٩ و ٧٠.

٣٣

( باب ١٥ )

* ( عصمته وتأويل بعض ما يوهم خلاف ذلك ) *

الايات : البقرة « ٢ » : ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير ١٢٠.

وقال تعالى : ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذا لمن الظالمين ١٤٥.

وقال تعالى : الحق من ربك فلا تكونن من الممترين ١٤٧.

آل عمران « ٣ » : الحق من ربك فلا تكن من الممترين ٦٠.

وقال تعالى : ليس لك من الامر شئ أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون ١٢٨.

النساء « ٤ » : إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما * واستغفر الله إن الله كان غفورا رحيما * ولا تجادل عن الذين يختانون انفسهم إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما ١٠٥ ـ ١٠٧.

إلى قوله تعالى : ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شئ وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما ١١٢.

الانعام « ٦ » : وإن كان كبر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الارض أو سلما في السماء فتأتيهم بآية ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين ٣٥.

وقال تعالى : ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغدوة والعشى يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شئ وما من حسابك عليهم من شئ فتطردهم فتكون من الظالمين * وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين ٥٢ و ٥٣.

٣٤

الاعراف « ٧ » : وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم ٢٠٠.

الانفال « ٨ » : ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الارض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم * لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم ٦٧ و ٦٨.

التوبة « ٩ » : عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين ٤٣.

يونس « ١٠ » : فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرؤن الكتاب من قبلك لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين * ولا تكونن من الذين كذبوا بآيات الله فتكون من الخاسرين ٩٤ و ٩٥.

هود « ١١ » : فلاتك في مرية مما يعبد هؤلاء ما يعبدون إلا كما يعبد آباؤهم من قبل وإنا لموفوهم نصيبهم غير منقوص ١٠٩ ـ إلى قوله ـ : فاستقم كما امرت ومن تاب معك ولا تطغوا إنه بما تعملون بصير ١١٢.

الرعد « ١٣ » : ولئن اتبعت أهوائهم بعد ما جاءك من العلم مالك من الله من ولي ولا واق ٣٧.

الاسرى « ١٧ » : لا تجعل مع الله إلها آخر فتقعد مذموما مخذولا ٢٢.

وقال تعالى : ولا تجعل مع الله إلها آخر فتلقى في جهنم ملوما مدحورا ٣٩.

وقال سبحانه : وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذا لاتخذوك خليلا * ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا * وإذا لاذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيرا ٧٣ ـ ٧٥.

وقال تعالى : ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك ثم لا تجد لك به علينا وكيلا * إلا رحمة من ربك إن فضله كان عليك كبيرا ٨٦ و ٨٧.

الحج « ٢٢ » : وما أسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في امنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم * ليجعل ما

٣٥

يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم وإن الظالين لفي شقاق بعيد * وليعلم الذين اوتوا العلم أنه الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم وإن الله لهاد الذين آمنوا إلى صراط مستقيم ٥٢ ـ ٥٤.

الشعراء « ٢٦ » : فلا تدع مع الله إلها آخر فتكون من المعذبين ٢١٣.

القصص « ٢٨ » : وما كنت ترجوا أن يلقى إليك الكتاب إلا رحمة من ربك فلا تكونن ظهيرا للكافرين * ولا يصدنك عن آيات الله بعد إذ انزلت إليك وادع إلى ربك ولا تكونن من المشركين * ولا تدع مع الله إلها آخر لا إله إلا هو ٨٦ ـ ٨٨.

الاحزاب « ٣٣ » : وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه ٣٧.

سبأ « ٣٤ » : قل إن ضللت فإنما أضل على نفسي وإن اهتديت فبما يوحى إلي ربي إنه سميع قريب ٥٠.

الزمر « ٣٩ » : ولقد اوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين ٦٥.

حمعسق « ٤٢ » : أم يقولون افترى على الله كذبا فإن يشأ الله يختم على قلبك ٢٤.

الزخرف « ٤٣ » : واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون ٤٥.

وقال تعالى : قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين ٨١.

الجاثية « ٤٥ » : ثم جعلناك على شريعة من الامر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يوقنون (١) * إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا ١٨ و ١٩.

الفتح « ٤٨ » : ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ٢.

النجم « ٥٣ » : وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى ٢ و ٣.

التحريم « ٦٦ » : يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك والله غفور رحيم ١.

___________________

(١) هكذا في النسخ ، والصحيح كما في المصحف الشريف : لا يعلمون.

٣٦

عبس « ٨٠ » : عبس وتولى * أن جاءه الاعمى * وما يدريك لعله يزكي * أو يذكر فتنفعه الذكرى * أما من استغنى * فأنت له تصدى * وما عليك ألا يزكى * وأما من جاءك يسعى * وهو يخشى * فأنت عنه تلهى * كلا إنها تذكرة * فمن شاء ذكره ١ ـ ١٢.

تفسير : قوله : « لئن اتبعت أهواءهم » هذه الشرطية لا تنافي عصمته (ص) ، فإنها تصدق مع استحالة المقدم أيضا ، والغرض منه يأسهم عن أن يتبعهم (ص) في أهوائهم الباطلة ، وقطع أطماعهم عن ذلك ، والتنبيه على سوء حالهم ، وشدة عذابهم ، لان النبي مع غاية قربه في جنابه تعالى إذا كان حاله على تقدير هذا الفعل كذلك فكيف يكون حال غيره ، كما ورد أنه نزل القرآن بإياك أعني واسمعي ياجارة.

قوله تعالى : « فلا تكونن من الممترين » قال البيضاوي : أي الشاكين في أنه هل من ربك ، أو في كتمانهم الحق عالمين به ، وليس المراد به نهي الرسول(ص) عن الشك فيه ، لانه غير متوقع منه ، وليس بقصد واختيار ، بل إما تحقيق الامر وأنه لا يشك فيه ناظر ، أو أمر الامة باكتساب المعارف المزيحة للشك على الوجه الابلغ (١).

وقال في قوله تعالى : « ليس لك من الامر شئ » اعتراض « أو يتوب عليهم أو يعذبهم » عطف على قوله : « أو يكبتهم » والمعني أن الله مالك أمرهم ، فإما يهلكهم ، أو يكبتكم ، أو يتوب عليهم إن أسلموا ، أو يعذبهم إن أصروا ، وليس لك من أمرهم شئ ، وإنما أنت عبد مأمور لانذارهم وجهادهم ، ويحتمل أن يكون معطوفا على الامر ، أو شئ بإضمار ( أن ) أي ليس لك من أمرهم أو من التوبة عليهم أو من تعذيبهم شئ ، أو ليس لك من أمرهم شئ ، أو التوبة عليهم أو تعذيبهم ، وأن تكون ( أو ) بمعني ( إلا أن ) أي ليس لك من أمرهم شئ إلا أن يتوب عليهم فتسر به ، أو يعذبهم فتشتفي منهم ، روي أن عتبة ابن أبي وقاص شجه يوم احد وكسر رباعيته ، فجعل يمسح الدم عن وجهه ويقول : كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم بالدم؟ فنزلت ، وقيل : هم أن يدعو عليهم فنهاه الله لعلمه بأن فيهم من يؤمن « فإنهم ظالمون » قد استحقوا التعذيب بظلمهم انتهى (٢).

___________________

(١) أنوار التنزيل ١ : ١٢٢

(٢) أنوار التنزيل ١ : ٢٣١.

٣٧

أقول : كون الامر في الاهلاك والتعذيب وقبول التوبة إلى الله تعالى لا ينافي عصمته (ص) بوجه ، وأما الخبر ان فغير ثابتين ، ومع ثبوتهما أيضا لا ينافي العصمة ، لان الدعاء عليهم لم يكن منهيا عنه قبل ذلك ، وإنما أمره تعالى بالكف لنوع من المصلحة ، وبعد النهي لم يدع عليهم ، وقد أثبتنا في باب وجوب طاعته (ص) الاخبار الواردة في تأويل تلك الآية.

قوله تعالى : « بما أراك الله » قال الرازي في تفسيره : أي بما أعلمك الله ، وسمي ذلك العلم بالرؤية لان العلم اليقيني المبرأ عن جهات الريب يكون جاريا مجرى الرؤية في القوة والظهور ، قال المحققون : هذه الآية تدل على أنه (ص) ما كان يحكم إلا بالوحي والنص ، واتفق المفسرون على أن أكثر الآيات في طعمة (١) سرق درعا ، فلما طلبت الدرع منه رمى واحدا من اليهود بتلك السرقة ، ولما اشتدت الخصومة بين قومه وبين قوم اليهود جاءوا إلى النبي (ص) وطلبوا منه أن يعينهم على هذا المقصود ، وأن يلحق هذه الخيانة باليهودي ، فهم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله بذلك فنزلت الآية.

« ولا تكن للخائنين خصيما » أي لا تكن لاجل الخائنين مخاصما لمن كان بريئا عن الذنب ، يعنى لا تخاصم اليهود لاجل المنافقين ، قال الطاعنون في عصمة الانبياء (ع) : دلت هذه الآية على صدور الذنب من الرسول (ص) ، فإنه لولا أن الرسول (ص) أراد أن يخاصم لاجل الخائن ويذب عنه لما ورد النهي عنه ، والجواب أنه (ص) كان لم يفعل ذلك وإلا لم يرد النهي عنه (١) ، بل ثبت في الرواية أن قوم طعمة لما التمسوا من الرسول (ص) أن يذب عن طعمة وأن يلحق السرقة باليهودي توقف وانتظر الوحي فنزلت هذه الآية ، وكان الغرض من هذا النهي تنبيه النبي (ص) على أن طعمة كذاب ، وأن اليهودي برئ عن ذلك الجرم.

فإن قيل : الدليل على أن ذلك الجرم قد وقع من النبي (ص) قوله بعد هذه الآية

___________________

(١) هو طعمة بن أبيرق بن عمرو بن حارثة بن ظفر بن الخزرج بن عمرو الانصارى.

(٢) الموجود في المصدر : والجواب أن النهى عن الشئ لا يقتضى كون المنهى فاعلا للمنهى عنه.

٣٨

« واستغفر الله إن الله كان غفورا رحيما » فلما أمره الله تعالى بالاستغفار دل على سبق الذنب

فالجواب من وجوه : الاول لعله مال طبعه إلى نصرة طعمة ، بسبب أنه كان ظاهرا من المسلمين ، فامر بالاستغفار لهذا القدر ، وحسنات الابرار سيئات المقربين.

الثاني : إن القوم لما شهدوا على سرقة اليهودي وعلى براءة طعمة من تلك السرقة ولم يظهر للرسول (ص) ما يوجب القدح في شهادتهم هم أن يقضي بالسرقة على اليهودي ، ثم لما اطلعه الله على كذب هؤلاء الشهود عرف أن ذلك القضاء لو وقع كان خطاء (١) ، و استغفاره كان بسبب أنه هم بذلك الحكم الذي لو وقع لكان خطاء في نفسه ، وإن كان معذورا عند الله فيه.

الثالث : قوله : « واستغفر الله » يحتمل أن يكون المراد واستغفر الله لاولئك الذين يذبون عن طعمة ، ويريدون أن يظهروا براءته عن السرقة (٢) ، والمراد بالذين يختانون أنفسهم طعمة ومن عاونه من قومه ممن علم كونه سارقا ، والاختيان : الخيانة ، وإنما قال : « يختانون أنفسهم» ، لان من أقدم على المعصية فقد حرم نفسه الثواب ، وأوصلها إلى العقاب ، فكان ذلك منه خيانة مع نفسه « من كان خوانا أثيما » أي طعمة ، حيث خان في الدرع ، وأثم في نسبة اليهودى إلى تلك السرقة (٢).

قوله تعالى : « ولولا فضل الله عليك ورحمته » أي لولا أن الله خصك بالفضل وهو النبوة وبالرحمة وهي العصمة « لهمت طائفة منهم أن يضلوك » أي يلقونك في الحكم الباطل الخطاء « وما يضلون إلا أنفسهم » بسبب تعاونهم على الاثم والعدوان ، وشهادتهم بالزور والبهتان « وما يضرونك من شئ » فيه وجهان : أحدهما ما يضرونك من شئ في المستقبل ، فوعده تعالى في هذه الآية إدامة العصمة لما يريدون (٤) من إيقاعه في الباطل.

___________________

(١) في المصدر : لكان خطاءا ، فكان استغفاره.

(٢) في المصدر : بعد ذلك : ثم قال تعالى : ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما.

(٣) مفاتيح الغيب ٣ : ٣٠٧ و ٣٠٨.

(٤) في المصدر : فوعده الله تعالى في هذه الاية بادامة العصمة له مما يريدون.

٣٩

والثاني : المعنى أنهم وإن سعوا في إلقائك في الباطل فأنت ما وقعت في الباطل لانك بنيت الامر على ظاهر الحال ، وأنت ما امرت إلا ببناء الاحكام على الظواهر « وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة » فعلى الاول المعنى لما انزل عليك الكتاب والحكمة وأمرك بتبليغ الشريعة إلى الخلق فكيف يليق بحكمته أن لا يعصمك عن الوقوع في الشبهات والضلالات؟ وعلى الثاني المعنى أنزل عليك الكتاب والحكمة ، وأوجب فيهما بناء أحكام الشرع على الظاهر ، فكيف يضرك بناء الامر على الظاهر « وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما » فيه وجهان : الاول أن يكون المراد ما يتعلق بالدين ، أي أنزل الله عليك الكتاب والحكمة واطلعك على سرائرهما (١) ، وأوقفك على حقائقهما ، مع أنك ما كنت قبل ذلك عالما بشئ منها ، فكذلك يفعل بك في مستأنف أيامك ما لا يقدر أحد من المنافقين على إضلالك وإزلالك (٢).

الثاني أن يكون المراد وعلمك ما لم تكن تعلم من أخبار الاولين ، فكذلك يعلمك من حيل المنافقين ، ووجوه كيدهم ما تقدر على الاحتراز عن وجوه كيدهم ومكرهم انتهى ملخص كلامه (٣) ، وسيأتي شرح تلك القصة في باب ما جرى بينه (ص) وبين المنافقين وأهل الكتاب.

وقال البيضاوي في قوله تعالى : « وإن كان كبر عليك » أي عظم وشق إعراضهم عنك وعن الايمان بما جئت به « فإن استطعت » إلى قوله : « بآية » أي منفذا تنفذ فيه إلى جوف الارض فتطلع لهم آية أو مصعدا تصعد إلى السماء فتنزل منها آية ، وجواب الشرط الثاني محذوف ، تقديره فافعل ، والجملة هو جواب الاول ، والمقصود بيان حرصه البالغ على إسلام قومه ، وإنه لو قدر أن يأتيهم بآية من تحت الارض أو من فوق السمآء لاتي بها رجآء إيمانهم « ولو شآء الله لجمعهم على الهدى » بأن يأتيهم بآية ملجئة ، ولكن لم يفعل لخروجه عن الحكمة « فلا تكونن من الجاهلين » بالحرص على ما لا يكون ، والجزع في

___________________

(١) في المصدر : على أسرارهما وهو الصحيح.

(٢) أزله أى حمله على الزلل.

(٣) مفاتيح الغيب ٣ : ٣١٠.

٤٠