بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٠٠
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

الطوفان بقي على وجه الارض مائة وخمسين يوما ، وأن الذين كانوا معه في السفينة مز الانس بنوه الثلاثة : سام وحام ويافث ونساؤهم ، وأن جميع أيام حياة نوح تسعمائة وخمسين سنة ، (١) وأن حياته بعد الطوفان كانت ثلاث مائة وخمسين سنة.

وروى من كتاب القصص لمحمد بن جرير الطبري أن الله تعالى أكرم نوحا بطاعته العزلة لعبادته ، وكان طوله ثلاثمائة وستين ذراعا بذراع زمانه ، وكان لباسه الصوف ، ولباس إدريس قبله الشعر ، وكان يسكن في الجبال ويأكل من نبات الارض ، فجاءه جبرئيل (ع) بالرسالة وقد بلغ عمر نوح أربعمائة سنة وستين سنة ، فقال له : ما بالك معتزلا؟ قال : لان قومي لا يعرفون الله غاعتزلت عنهم ، فقال له جبرئيل : فجاهدهم ، فقال نوح : لا طاقة لي بهم ولو عرفوني لقتلوني ، فقال له : فإن اعطيت القوة كنت تجاهدهم؟ قال : واشوقاه إلى ذلك ، فقال له نوح : من أنت؟ قال : فصاح جبرئيل صيحة واحدة تداعت فأجابته الملائكة بالتلبية ورجت الارض وقالت : لبيك لبيك يا رسول رب العالمين ، قال : فبقي نوح مرعوبا فقال له جبرئيل : أنا صاحب أبويك آدم وإدريس ، والرحمن يقرؤك السلام ، وقد أتيتك بالبشارة ، وهذا ثوب الصبر وثوب اليقين وثب النصرة وثوب الرسالة والنبوة وآمرك أن تتزوج بعمورة بنت ضمران بن اخنوخ (٢) فإنها أول من تؤمن بك ، فمضى نوح يوم عاشورا إلى قومه وفي يده عصا بيضاء وكانت العصا يخبره بما يكن به قومه (٣) وكان رؤساؤهم سبعين ألف جبار عند أصنامهم في يوم عيدهم ، فنادى لا إله إلا الله ، آدم المصطفى وإدريس الرفيع وإبراهيم الخليل وموسى الكليم وعيسى المسيح خلق من روح القدس

ـــــــــــــــ

(١) تقدم الخلاف في ذلك وأن فيه أقوالا متعددة ، وان ذلك كان مدة دعوته قومه ، وتقدم عن المسعودى انه عاش بعد خروجه من السفينة خمسمائة سنه ، وقال اليعقوبى : ثلاثمائة وستين سنة.

(٢) قال اليعقوبي : وأوحى الله عزوجل إلى نوح في أيام جده اخنوخ وهو ادريس النبى وقبل أن يرفع الله ادريس ، وأمره أن ينذر قومه وينهاهم عن المعاصى التى كانوا يرتكبونها ويحذرهم العذاب ، فأقام على عبادة الله تعالى والدعاء لقومه وحبس نفسه على عبادة الله تعالى والدعاء لقومه لا ينكح النساء خمسمائة عام ، ثم أوحى الله إليه أن ينكح هيكل بنت ناموسابن اخنوخ اه.

(٣) كن الشئ : ستره في كنه وغطاه وأخفاه. كن العلم وغيره في نفسه : أسره.

٣٤١

ومحمد المصطفى آخر الانبياء هو شهيدي عليكم أني قد بلغت الرسالة ، فارتجت الاصنام ، وخمدت النيران ، وأخذهم الخوف ، وقال الجبارون : من هذا؟ فقال نوح : أنا عبدالله و ابن عبده ، بعثني رسولا إليكم ، ورفع صوته بالبكاء ، وقال : إني لكم نذير مبين. قال : وسمعت عمورة كلام نوحا فآمنت به فعاتبها أبوها وقال : أيؤثر فيك قول نوح في يوم واحد؟ وأخاف أن يعرف الملك بك فيقتك ، فقالت عمورة : يا أبت أين عقلك وفضلك وحلمك؟ نوح رجل وحيد ضعيف يصيح فيكم تلك الصيحة فيجري عليكم ما يجري ، فتوعدها فلم ينفع ، فأشار عليه أهل بيته بحبسها ومنعها الطعام فحبسها وبقيت في الحبس سنة وهم يسمعون كلامها فأخرجها بعد سنة وقد صار عليها نور عظيم وهي في أحسن حال ، فتعجبوا من حياتها بغير طعام فسألوها فقالت : إنها استغاثت برب نوح عليه‌السلام وإن نوحا (ع) كان يحضر عندها بما تحتاج إليه ، ثم ذكر تزويجه بها وأنها ولدت له سام بن نوح ، لان الرواية في غير هذا الكتاب تضمنت أنه كان لنوح عليه‌السلام امرأتان : اسم واحدة رابعا وهي الكافرة فهلكت ، وحمل نوح معه في السفينة امرأته المسلمة ، وقيل : إن اسم المسلمة هيكل ، وقيل ما ذكره الطبري ، ويمكن أن يكون عمورة اسمها ، وهيكل صفتها بالزهد. (١)

٨٠ ـ أقول : روى الشيخ أحمد بن فهد في المهذب وغيره بأسانيدهم إلى المعلى بن خنيس ، (٢) عن الصادق (ع) أنه قال : يوم النيروز هو اليوم الذي استوت فيه سفينة نوح (ع) على الجودي. الخبر.

٨١ ـ نوادر الراوندى : بإسناده عن موسى بن جعفر ، عن آبائه (ع) قال : قال علي (ع) : صلى نبي الله نوح (ع) ومن معه ستة أشهر قعودا لان السفينة كانت تنكفئ بهم. (٣)

٨٢ ـ دعوات الراوندى : قال : لما ركب نوح عليه‌السلام في السفينة أبى أن يحمل العقرب معه ، فقال : عاهدتك أن لا ألسع أحدا يقول : سلام على محمد وآل محمد ، وعلى نوح في العالمين. (٤)

ـــــــــــــــ

(١) سعد السعود : ٤٠ ـ ٤١. م

(٢) بالتصغير.

(٣) نوادر الراوندى : ٥١. م

(٤) دعوات الراوندى : مخطوط. م

٣٤٢

( باب ٤ )

* ( قصة هود عليه‌السلام وقومه عاد ) *

الايات : الاعراف : « ٧ » وإلى عاد أخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره أفلا تتقون * قال الملا الذين كفروا من قومه إنا لنريك في سفاهة وإنا لنظنك من الكاذبين * قال يا قوم ليس بي سفاهة ولكني رسول الله من رب العالمين * ابلغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح أمين * أو عجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بصطة (١) فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون * قالوا أجئتنا لنعبدالله وحده ونذر ما كان يعبد آباؤنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين * قال قد وقع عليكم من ربكم رجس وغضب أتجادلونني في أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما نزل الله بها من سلطان فانتظروا إني معكم من المنتظرين * فأنجيناه والذين معه برحمة منا وقطعنا دابر الذين كذبوا بآياتنا وما كانوا مؤمنين ٦٥ ـ ٧٢.

هود « ١١ » وإلى عاد أخاهم هودا قال ياقوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره إن أنتم إلا مفترون * يا قوم لا أسألكم عليه أجرا إن أجري إلا علي الذي فطرني أفلا تعقلون * ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى قوتكم ولا تتولوا مجرمين * قالوا يا هود ما جئتنا ببينة وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين * إن نقول إلا عتريك بعض آلهتنا بسوء قال إني اشهد الله واشهدوا أني برئ مما تشركون من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون * إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم * فإن تولوا فقد أبلغتكم ما ارسلت به إليكم ويستخلف ربي قوما غيركم ولا تضرونه شيئا إن ربي على كل شئ حفيظ * ولما جاء أمرنا نجينا هودا والذين آمنوا معه برحمة منا ونجيناهم من عذاب غليظ * وتلك عاد جحدوا بآيات ربهم وعصوا رسله واتبعوا أمر كل جبار عنيد * واتبعوا في

ـــــــــــــــ

(١) اتفق المصاحف على كتابة « بصطة » هنا بالصاد ، بخلاف ما في سورة البقرة فانها بالسين ، واختلف القراء في قراءتها بالسين أو الصاد في الموضعين.

٣٤٣

هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة ألا إن عادا كفروا ربهم ألا بعدا لعاد قوم هود ٥٠ ـ ٦٠.

المؤمنين « ٢٣ » ثم أنشأنا من بعدهم قرنا آخرين * فأرسلنا فيهم رسولا منهم أن اعبدوا الله مالكم من إله غيره أفلا تتقون * وقال الملا من قومه الذين كفروا وكذبوا بلقاء الآخرة وأترفناهم في الحياة الدنيا ما هذا إلا بشر مثلكم يأكل مما تأكلون منه و يشرب مما تشربون * ولئن أطعتم بشرا مثلكم إنكم إذا لخاسرون * أيعدكم أنكم إذ متم وكنتم ترابا وعظاما إنكم مخرجون * هيهات هيهات لما توعدون * إن هي إلا حيوتنا الدنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين * إن هو إلا رجل افترى على الله كذبا وما نحن له بمؤمنين * قال رب انصرني بما كذبون * قال عما قليل ليصبحن نادمين * فأخذتهم الصيحة بالحق فجعلناهم غثاء فبعدا للقوم الظالمين * ثم أنشأنا من بعدهم قرونا آخرين * ما تسبق من امة أجلها وما يستأخرون * ثم أرسلنا رسلنا تترى كلما جاء امة رسولها كذبوه فأتبعنا بعضهم بعضا وجلهناهم أحاديث فبعدا لقوم لا يؤمنون ٣١ ـ ٤٤.

أقول : على بعض التفاسير تناسب تلك الآيات قصة صالح عليه‌السلام.

الشعراء « ٢٦ » كذبت عاد المرسلين * إذ قال لهم أخوهم هود ألا تتقون * إني لكم رسول أمين * فاتقوا الله وأطيعون * وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين * أتبنون بكل ريع آية تعبثون * وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون * وإذا بطشتم بطشتم جبارين * فاتقوا الله وأطيعون * واتقوا أمدكم بما تعلمون * أمدكم بأنعام وبنين * وجنات وعيون * إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم * قالوا سواء علينا أو عظت أم لم تكن من الواعظين * إن هذا إلا خلق الاولين * وما نحن بمعذبين * فكذبوه فأهلكناهم إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين * وإن ربك لهوالعزيز الرحيم ١٢٣ ـ ١٤٠.

السجدة « ٤١ » فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقه عاد وثمود * إذ جاءتهم الرسل من بين أيديهم ومن خلفهم ألا تعبدوا إلا الله قالوا لوشاء ربنا لانزل ملائكة فإنا بما ارسلتم به كافرون * فأما عاد فاستكبروا في الارض بغير الحق و قالوا من أشد منا قوة أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بآياتنا

٣٤٤

يجحدون * فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا في أيام نحسات لنذيقهم عذاب الخزي في الحيوة الدنيا ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون ١٣ ـ ١٦.

الاحقاف « ٤٦ » واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالاحقاف وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه ألا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم * قالوا أجئتنا لتأفكنا عن آلهتنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين * قال إنما العلم عندالله وابلغكم ما ارسلت به ولكني أريكم قوما تجهلون * فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو به ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم * تدمر كل شئ بأمر ربها فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم كذلك نجزي القوم المجرمين * ولقد مكناهم فيها إن مكناكم فيه وجعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شئ إذ كانوا يجحدون بآيات الله وحاق بهم ما كانوا به يستهزءون ٢١ ـ ٢٦.

الذاريات « ٥١ » وفي عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم * ما تذر من شئ أتت عليه إلا جعلته كالرميم ٤١ ـ ٤٢.

القمر « ٥٤ » كذبت عاد فكيف كان عذابي ونذر * إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا في يوم نحس مستمر * تنزع الناس كأنهم أعجاز نخل منقعر * فكيف كان عذابي ونذر * ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر ١٨ ـ ٢٢.

الحاقة « ٦٩ » كذبت ثمود وعاد بالقارعة * فأما ثمود فاهلكوا بالطاغية * و أما عاد فاهلكوا بريح صرصر عاتية * سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية * فهل ترى لهم من باقية ٤ ـ ٨.

تفسير : قال الطبرسي رحمه‌الله في قوله تعالى : « وإلى عاد » : هو عاد بن عوص بن آدم (١) بن سام بن نوح « أخاهم » يعني في النسب « هودا » هو هود بن شالح بن (٢) أرفخشد بن

ـــــــــــــــ

(١) هكذا في النسخ. وفى المصدر وتاريخ اليعقوبي : عاد بن عوص بن ارم ، وفى العرائس : عاد بن عوض بن ارم.

(٢) الصحيح كما في المصدر وإثبات الوصية وتاريخ اليعقوبى وغيرها : « شالخ » بالخاء المعجة.

٣٤٥

سام بن نوح ، عن محمد بن إسحاق ، وقيل : هود بن عبدالله بن رباح حلوث (١) بن عاد بن عوص بن آدم بن سام بن نوح ، وكذا هو في كتاب النبوة (٢) « في سفاهة » أي جهالة « أمين » أي ثقة مأمون في تبليغ الرسالة فلا أكذب ولا اغير ، أو كنت مأمونا فيكم فكيف تكذبونني؟ « إذ جعلكم خلفاء » أي جعلكم سكان الارض « من بعد قوم نوح » وهلاكهم بالعصاين « وزادكم في الخلق بصطة » أي طولا وقوة ، عن ابن عباس ، قال الكلبي : كان أطولهم مائة ذراع وأقصرهم ستين ذراعا ، وقيل : كان أقصرهم اثني عشر ذرعا ، وقال أبوجعفر الباقر (ع) : كانوا كأنهم النخل الطوال ، فكان الرجل منهم ينحو الجبل بيده فيهدم منه قطعة ، وقيل : كانوا أطول من غيرهم بمقدار أن يمد الانسان يده فوق رأسه باسطا « بما تعدنا » أي من العذاب « إن كنت من الصادقين » في أنك رسول الله إلينا ، وفي نزول العذاب بنا لولم نترك عبادة الاصنام « قد وقع عليكم » أي وجب عليكم وحل بكم لا محالة فهو كالواقع « من ربكم رجس » أي عذاب « وغضب » إرادة عقاب « أتجادلونني » أي تخاصمونني « في أسماء » أي في أصنام صنعتموها « أنتم وآباؤكم » واخترعتم لها أسماء فسميتموها آلهة ، وقيل : معناه : تسميتهم لبعضها أنه يسقيهم المطر ، والآخرة أنه يأتيهم بالرزق ، والآخر أنه يشفي المرضى ، والآخر أنه يصبحهم في السفر « من سلطان » أي حجة وبرهان « فانتظروا » عذاب الله « وقطعنا » أي استأصلناهم فلم يبق لهم نسل ولا ذرية. (٣)

وروى أبوحمزة الثمالي ، عن سالم ، عن أبي جعفر (ع) قال : إن لله تبارك وتعالى بيت ريح مقفل عليه لو فتح لاذرت ما بين السماء والارض ما أرسل على قوم عاد إلا قدر الخاتم. وكان هود و صالح وشعيب وإسماعيل ونبينا صلى الله عليهم يتكلمون بالعربية. (٤) « يرسل السماء » أي المطر « عليكم مدرارا » أي متتابعا متواترا دارا ، قيل : إنهم كانوا قد أجدبوا فوعدهم هود أنهم إن تابوا أخصبت بلادهم أمرعت وأمرعت وهادهم ، (٥) وأثمرت أشجارهم ، وزكت ثمارهم

ـــــــــــــــ

(١) في المصدر وفيها يأتى عن القصص « الجلوث » بالجيم.

(٢) وكذا في تاريخ اليعقوبى الا انه قال : الخلود بن عاد ، وسيأتى كلامه في ذلك.

(٣) مجمع البيان ٤ : ٤٣٦ ـ ٤٣٨. م

(٤) مجمع البيان ٤ : ٤٣٩. م

(٥) أمرعت أى أخصبت وكثر فيه العشب. والوهاد جمع الوهدة : الارض المنخفضة. الهوة في الارض.

٣٤٦

بنزول الغيث « ويزدكم قوة إلى قوتكم » فسرت القوة ههنا بالمال والولد والشدة ، وقيل : قوة في إيمانكم إلى قوة في أبدانكم « ولا تتولوا » عما أدعوكم إليه « مجرمين » أي كافرين « ببينة » أي بحجة ومعجزة « عن قولك » أي بقولك ، وإنما نفوا البينة عنادا وتقليدا « إن نقول إلا اعتريك » أي لسنا نقول فيك إلا أنه أصابك بعض « آلهتنا بسوء » فخبل عقلك لسبك إياها « فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون » أي فاحتالوا واجتهدوا أنتم وآلهتكم في إنزال مكروه بي ثم لا تمهلوني ، وهذا من أعظم الآيات أن يكون الرسل وحده و امته متعاونة عليه فلا يستطيع واحد منهم ضره « إلا هو آخذ بناصيتها » كناية عن القهر والقدرة ، لان من أخذ بناصية غيره فقد قهره وأذله « إن ربي على صراط مستقيم » أي على عدل فيها يعامل به عباده وفي تدبير عباده على طريق مستقيم لا عوج فيه « ويستخلف ربي قوما غيركم » أي يهلككم ربي بكفركم ويستبدل بكم قوما غيركم يوحدونه « ولا تضرونه » إذا استخلف غيركم ، أو لا تضرونه بتوليكم وإعراضكم « شيئا » ولا ضرر عليه في إهلاككم لانه لم يخلقكم لحاجة منه إليكم « والذين آمنوا معه » قيل : كانوا أربعة آلاف « برحمة منا » أي بما أريناهم من الهدى تعلق بآمنوا ، أو بنعمة إن تعلق بأنجينا « من عذاب غليظ » أي عذاب الآخرة أو الدينا ، والغليظ : الثقيل العظيم « واتبعوا » أي بعد إهلاكهم في الدنيا بالابعاد عن الرحمة ، فإن الله أبعدهم من رحمته وتعبد المؤمنين باللعن عليهم. (١)

« من بعدهم » أي من بعد قوم نوح « قرنا آخرين » القرن : أهل العصر ، يعني قوم هود ، وقيل : ثمود لانهم اهلكوا بالصيحة « وأترفناهم » أي نعمناهم بضروب الملاذ « عما قليل » أي عن قليل من الزمان ، و « م » مزيدة ، أي عند نزول العذاب « فأخذتهم الصيحة » صاح بهم جبرئيل عليه‌السلام صيحة واحدة ماتوا عن آخرهم « بالحق » باستحقاقهم العقاب « فجعلناهم غثاء » هو ما جاء به السيل من نبات قد يبس أي فجعلناهم هلكى قد يبسوا كما يبس الغثاء وهمدوا (٢) « فبعدا » أي ألزم الله بعدا من الرحمة « للقوم الظالمين » المشركين « تترى » أى متواترة يتبع بعضها بعضا « أحاديث » أي يتحدث بهم على طريق المثل في الشر. (٣)

ـــــــــــــــ

(١) مجمع البيان ٥ : ١٧٠ ـ ١٧١. م

(٢) همدالقوم : ماتوا. همد شجر الارض : بلى وذهب.

(٣) مجمع البيان ٧ : ١٠٦ ـ ١٠٨. م

٣٤٧

« بكل ريع » أي بكل مكان مرتفع ، أو بكل طريق « آية تعبثون » أي بناء لا تحتاجون إليه لسكناكم ، وقيل : إنهم كانوا يبنون بالمواضع المرتفعة ليشرفوا على المارة والسابلة (١) فيسخروا منهم ويعبثوا بهم ، وقيل : إن هذا في بنيان الحمام أنكر هود عليهم اتخاذهم بروجا للحمام عبثا « وتتخذون مصانع » أي حصونا وقصورا مشيدة ، وقيل : مأخذ الماء تحت الرض « لعلكم تخلدون » أي كأنكم تخلدون فيها « وإذا بطشتم » البطش : الاخذ باليد ، أي إذا بطشتم بأحد تريدون إنزال عقوبة به عاقبتموه عقوبة من يريد التجبر بارتكاب العظائم ، وقيل : أي إذا عاقبتم قتلتم « أمدكم » الامداد : إتباع الثاني بما قبله شيئا بعد شئ على انتظام « إن هذا إلا خلق الاولين » أي كذب الاولين الذين ادعوا النبوة ، أو هذا الذي نحن عليه مما ذكرت عادة الاولين من قبلنا. (٢)

« في أيام نحسات » أي نكدات مشومات ، (٣) وقيل : ذوات غبار وتراب حتى لا يكاد يبصر بعضهم بعضا ، وقيل : باردات ، والعرب يسمي البرد نحسا. (٤)

« لتأفكنا » أي لتصرفنا « إنما العلم عندالله » إي هو يعلم متى يأتيكم العذاب « عارضا » أي سحابا يعرض في ناحية السماء ثم يطبق السماء « مستقبل أوديتهم » قالوا : كانت عاد قد حبس عنهم المطر أياما فساق الله إليهم سحابة سوداء أخرجت عليهم من واد لهم يقال له المغيث « فلما رأوه » استبشروا « وقالوا هذا عارض ممطرنا » فقال هود : « بل هو ما استعجلتم به » من العذاب « تدمر » أي تهلك كل شئ مرت به من الناس والدواب والاموال ، واعتزل هود ومن معه في حظيرة من تلك الريح إلا ماتلين على الجلود وتلتذ به الانفس وإنما لتمر على عاد بالظعن ما بين السماء والارض حتى ترى الظعينة كأنها جرادة « فيما إن مكناهم فيه » أي في الذي ما مكناكم فيه من قوة الابدان وبسطة الاجسام وطول العمر

ـــــــــــــــ

(١) السابلة : الطريق المسلوكة ، المارون عليه.

(٢) مجمع البيان ٧ : ١٩٨. م

(٣) النحس : نقيض السعد. الغبار في أقطار السماء. الريح الباردة اذا أوبرت. ويأتى تفسيره بالاول في الخبر الثامن.

(٤) مجمع البيان ٩ : ٨. وفيه : هذا قول ابى مسلم. م

٣٤٨

وكثرة الاموال ، وقيل : معناه : فيم مكناكم فيه ، « و » إن « مزيدة ، أي من الطاعات والايمان » وحاق بهم « أي حل بهم ». (١)

الريح العقيم « هي التي عقمت عن أن تأتي بخير » كالر ميم « أي كالشئ الهالك البالي وهو نبات الارض إذا يبس وديس ، وقيل : هو العظم البالي السحيق ». (٢)

« ونذر » أي وإنذاري إياهم « مستمر » أي دائم الشوم استمر عليهم بنحوسته « سبع ليال وثمانيه أيام » حتى أتت عليهم ، وقيل : إنه كان في يوم أربعاء في آخر الشهر لا يدور ، رواه العياشي بالاسناد عن أبي جعفر عليه‌السلام « تنزع الناس » أي تقتلع هذه الريح الناس ثم ترمي بهم على رؤوسهم فتدق رقابهم فيصرون « كأنهم أعجاز نخل منقعر » أي أسافل نخل منقلع لان رؤوسهم سقطت عن أبدانهم ، وقيل : معناه : تنزعهم من حفر حفروها ليمتنعوا بها عن الريح ، وقيل : تنزع أرواح الناس. (٣)

« بالقارعة » أي بيوم القيامة « عاتية » عتت على خزانها في شدة الهبوب ، وروى الزهري ، عن قبيصة بن ذؤيب أنه قال : ما يخرج من الريح شئ إلا عليها خزان يعلون قدرها وعددها وكيلها حتى كانت التي ارسلت على عاد فاندفق منها فهم لا يعلمون قدرها (٤) غضبالله فلذلك سميت عاتيه « سخرها عليهم » أي سلطها وأرسلها عليهم « سبع ليال و ثمانية أيام » قال وهب : وهي التي تسميها العرب أيام العجوز ذات برد ورياح شديدة وإنما نسبت إلى العجوز لان عجوزا دخلت سربا فتبعتها الريح فقتلتها اليوم الثامن من نزول العذاب وانقطع العذاب في اليوم الثامن « فترى القوم فيها » أي في تلك الايام و الليالي « صرعى » أي مصروعين هلكى « كأنهم أعجاز نخل خاوية » أي اصول نخل بالية نخرة ، وقيل : خالية الاجواف ، وقيل : ساقطة « من باقية » أي من نفس باقية ، وقيل : من بقاء. (٥)

ـــــــــــــــ

(١) مجمع البيان ٩ : ٩٠ ـ ٩١. م

(٢) : ١٥٩. م

(٣) : ١٨٩ ـ ١٩٠. م

(٤) قد تقدم عن ابى جعفر (ع) أنه ما ارسل على قوم عاد الا قدر الخاتم ويأتى عن القمى عنه (ع) مثل ذلك ، ويأتى وجه تسميتها عاتية.

(٥) مجمع البيان ١٠ : ٣٤٣ ـ ٣٤٤. م

٣٤٩

١ ـ ص : هو هود بن عبدالله بن رباح بن جلوث (١) بن عاد بن عوص بن ارم بن سام بن نوح. (٢)

أقول : كذا ذكره صاحب الكامل أيضا ثم قال : ومن الناس من يزعم أن هود هو عابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح. (٣)

٢ ـ فس : « وإلى عاد أخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره إن أنتم إلا مفترون * يا قوم لا أسألكم عليه أجرا إن أجري إلا على الذي فطرني أفلا تعقلون » قال : إن عادا كانت بلادهم في البادية من الشقوق (٤) إلى الاجفر أربعة منازل ، وكان لهم ذرع ونخل كثير ، ولهم أعمار طويلة وأجسام طويلة ، فعبدوا الاصنام ، وبعث الله إليهم هودا يدعوهم إلى الاسلام وخلع الانداد فأبوا ولم يؤمنوا بهود وآذوه ، فكف السماء عنهم سبع سنين حتى قحطوا ، وكان هود زراعا وكان يسقي الزرع فجاء قوم إلى بابه يريدونه ، فخرجت عليهم امرأته شمطاء عوراء فقالت : من أنتم؟ فقالوا : نحن من بلاد كذا وكذا ، أجدبت بلادنا فجئنا إلى هود نسأله أن يدعو الله لنا حتى تمطر وتخصب بلادنا ، فقالت : لو استجيب لهود لدعا لنفسه فقد احترق زرعه لقلة الماء ، قالوا : فأين هو؟ قالت : هو في موضع كذا وكذا ، فجاؤوا إليه فقالوا : يا نبي الله قد أجدبت بلادنا ولم نمطر فاسأل الله أن تخصب بلادنا ونمطر ، (٥) فتهيأ للصلاة وصلى ودعا لهم فقال لهم : ارجعوا فقد امطرتم

ـــــــــــــــ

(١) قد عرفت قبل ذلك أن اليعقوبى قال : الخلود بدل جلوث ، أورد ذلك في ترجمة ناحور بن ساروغ جد ابراهيم عليه‌السلام ، قال : وكان ناحور مكان أبيه ، فكثرت عبادة الاصنام في زمانه « إلى ان قال » : وكانت حياة ناحور مائة وثمانى أربعين سنة ، وكانت جبابرة ذلك العصر عاد بن عوص بن ارم بن سام بن نوح ، وكانوا قد انتشروا في البلاد ، وكانت منازلهم بين أعالى حضرموت إلى أودية نجران. فلما عاثوا وعتوا بعث الله تبارك وتعالى هود بن عبدالله بن رباح بن الخلود ابن عاد بن عوص بن ارم بن سام بن نوح فدعاهم إلى عبادة الله والعمل بطاعته واجتناب المحارم فكذبوه فقطع الله عنهم المطر ثلاث سنين اه. (٢) مخطوط.

(٣) كامل التواريخ ١. ٣٣ ـ ٣٤. وفيه : ومن الناس من يزعم انه هود ، وهو عابر اه. م

(٤) في نسخة : اشقق. الصحيح الشقوق بضم الشين ، قال ياقوت : هو منزل بطريق مكة بعد واقصة من الكوفة وبعدها تلقاء مكة بطان وقبر العبادى وهو لبنى سلامة من بنى اسد ، والشقوق ايضا من مياه ضبة بارض اليمامة.

(٥) في نسخة : وتمطر.

٣٥٠

فأخصبت بلادكم ، فقالوا : يا نبي الله إنا رأينا عجبا ، قال : وما رأيتم؟ قالوا : رأينا في منزلك امرأة شمطاء عوراء ، قالت لنا : من أنتم؟ ومن تريدون؟ قلنا : جئنا إلى نبي الله هود ليدعو الله لنا فنمطر ، فقالت : لو كان هود داسيا لدعا لنفسه فإن زرعه قد احترق ، فقال هود : ذلك امرأتي (١) وأنا أدعو الله لها بطول البقاء ، فقالوا : فكيف ذلك؟ قال : لانه ما خلق الله مؤمنا إلا وله عدو يؤذبه وهي عدوتي ، فلئن يكون عدوي ممن أملكه خير من أن يكون عدوي ممن يملكني ، فبقي هود في قومه يدعوهم إلى الله وينهاهم عن عبادة الاصنام حتى تخصب بلادهم وأنزل الله عليهم (٢) المطر وهو قوله عزوجل : « ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى قوتكم ولا تتولوا مجرمين » فقالوا كما حكى الله عزوجل : « يا هود ما جئتنا ببينة وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين » إلى آخر الآية ، فلما لم يؤمنوا أرسل الله عليهم الريح الصرصر يعني الباردة وهو قوله في سورة القمر : « كذبت عاد فكيف كان عذابي و نذر * إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا في يوم نحس مستمر » وحكى في سورة الحاقة فقال : « وأما عاد فاهلكوا بريح صرصر عاتية * سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما » قال : كان القمر منحوسا بزحل سبع ليال وثمانية أيام ، فحدثني أبي عن ابن أبي عمير عن عبدالله بن سنان ، عن معروف بن خربوذ ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : الريح العقب تخرج من تحت الارضين السبع وما خرج منها شئ قط إلا على قوم عاد حين غضب عليهم ، فأمر الخزان أن يخرجوا منها مثل سعة الخاتم فعصت على الخزنة فخرج منها مثل مقدار منخر الثور تغيظا منها على قوم عاد ، فضج الخزنة إلى الله من ذلك وقالوا : يا ربنا إنها قد عتت (٣) علينا ونحن نخاف أن يهلك من لم يعصك من خلقك وعمار بلادك فبعث الله جبرئيل فردها بجناحه وقال لها : اخرجي على امرت به ، فرجعت وخرجت على ما امرت به فاهلكت قوم عاد ومن كان بحضرتهم. (٤)

ـــــــــــــــ

(١) في المصدر : ذلك اهلى. م

(٢) في نسخة : وينزل الله عليهم.

(٣) في المصدر : قد عصت. م

(٤) تفسير القمى : ٣٠٥ ـ ٣٠٦. م

٣٥١

بيان : الاجفر موضع بين الخزيمة وفيد. (١)

وقال الطبرسي رحمه‌الله في قوله تعالى : « صرصرا » : أي شديدة الهبوب ، عن ابن زيد وقيل : باردة ، عن ابن عباس وقتادة ، من الصر وهو البرد. (٢)

وقال في قوله تعالى : « حسوما » : أي ولاء متتابعة ليست لها فترة ، عن ابن عباس وابن مسعود والحسن ومجاهد وقتادة ، كأنه تتابع عليهم الشر حتى استأصلهم ، وقيل : دائمة ، عن الكلبي ومقاتل ، وقيل : قاطعة قطعتهم قطعا حتى أهلكتهم ، عن الخليل ، وقيل : مشائيم نكدا قليلة الخير حسمت الخير عن أهلها ، عن عطية انتهى. (٣)

أقول : لعل الخبر مبني على القول الاخير إن كان تفسير القوله تعالى : « حسوما » كما هو الظاهر.

٣ ـ كا : محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن عبدالله بن سنان ، عن معروف بن خربوذ ، (٤) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : إن لله تعالى رياح رحمة ورياح عذاب ، فإن شاءالله أن يجعل العذاب من الرياح رحمة فعل ، قال : ولن يجعل الرحمة من الريح عذابا ، قال : وذلك أنه لم يرحم قوما قط أطاعوه وكانت طاعتهم إياه وبالا عليهم إلا من بعد تحولهم من طاعته ، قال : وكذلك فعل بقوم يونس لما آمنوا رحمهم الله بعد ما قد كان قدر عليهم العذاب وقضاه ، ثم تداركهم برحمته فجعل العذاب المقدر عليهم رحمة فصرفه عنهم وقد أنزله عليهم وغشيهم ، وذالك لما آمنوا به وتضرعوا إليه ، قال : و أما الريح العقيم فإنها ريح عذاب لا تلقح شيئا من الارحام ولا شيئا من النبات ، وهي ريح تخرج من تحت الارضين السبع وما خرجت منها ريح قط إلا على قوم عاد. وساق الحديث إلى آخر مامر. (٥)

ـــــــــــــــ

(١) الاجفر بضم الفاء. وقال ياقوت : لخزيمية تصغير خزيمة وهو منزل من منازل الحاج بعد الثعلبية من الكوفة وقبل الاجفر. وقال قوم : بينه وبين الثعلبية اثنان وثلاثون ميلا ، وقيل : انه بالحاء. وفيد بالفتح ثم السكون : منزل بطريق مكة.

(٢) مجمع البيان ٩ : ١٨٩ ـ ١٩٠. م

(٣) « « ١٠ : ٣٤٤. م

(٤) بفتح الخاء وتشديد الراء وضم الباء.

(٥) الروضة : ٩٢. م

٣٥٢

٤ ـ فس : « واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالاحقاف » والاحقاف من بلاد عاد من الشوقق إلى الاجفر وهي أربعة منازل ، قال : حدثني أبي قال : أمر المعتصم أن يحفر بالبطاينة بئر ، فحفروا ثلاث مائة قامة فلم يظهر الماء فتركه ولم يحفره ، فلما ولى المتوكل أمر أن يحفر ذلك البئر أبدا حتى يبلغ الماء فحفروا حتى وضعوا في كل مائة قامة بكرة حتى انتهوا إلى صخرة فضربوها بالمعول فانكسرت فخرج عليهم منها ريح باردة فمات من كان بقربها ، فأخبروا المتوكل بذلك فلم يعلم ما ذاك فقالوا : سل ابن الرضا عن ذلك و هو أبوالحسن علي بن محمد العسكري عليه‌السلام ، فكتب إليه يسأله عن ذلك ، فقال أبوالحسن : تلك بلاد الاحقاف وهم قوم عاد الذين أهلكهم الله بالريح الصرصر ، ثم حكى الله قول قوم عاد : « قالوا أجئتنا لتأفكنا » أي تزيلنا بكذبك « عما كان يعبد آباؤنا فأتنا بما تعدنا » من العذاب « إن كنت من الصادقين » وكان نبيهم هود ، وكانت بلادهم كثيره الخير خصبة فحبس الله عنهم المطر سبع سنين حتى أجدبوا ، وذهب خيرهم من بلادهم وكان هود يقول لهم ما حكى الله : « استغفروا ربكم ثم توبوا إليه » إلى قوله : « ولا تتولوا مجرمين » فلم يؤمنوا وعتوا ، فأوحى الله إلى هود أنه يأتيهم العذاب في وقت كذا وكذا ريح فيها عذاب أليم ، فلما كان ذلك الوقت نظروا إلى سحاب قد أقبلت ففرحوا فقالوا : « هذا عارض ممطرنا » الساعة يمطر ، (١) فقال لهم هود (ع) : « بل هو ما استعجلتم به » في قوله : « ائتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين » « ريح فيها عذاب أليم * تدمر كل شئ بأمر ربها » فلفظه عام ومعناه خاص لانها تركت أشياء كثيرة لم تدمره ، وإنما دمرت مالهم كله ، فكان كما قال الله : « فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم » وكل هذه الاخبار من هلاك الامم تخويف وتحذير لامة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله .

وأما قوله : « وقد مكناهم » الآية ، أي قد أعطيناهم فكفروا فنزل بهم العذاب فاحذروا أن ينزل بكم ما نزل بهم. (٢)

٥ ـ يه : قال علي (ع) : الرياح خمسة منها العقيم فنعوذ بالله من شرها. (٣)

ـــــــــــــــ

(١) في المصدر : الساعة نمطر. م

(٢) تفسير القمى : ٦٢٢ ـ ٦٢٣. م

(٣) لم نجده. م

٣٥٣

وقال رسول الله (ص) : ما خرجت ريح قط إلا بمكيال إلا زمن عاد فإنها عتت على خزانها فخرجت في مثل خرق الابرة فأهلكت قوم عاد. (١)

٦ ـ كا : محمد بن يحيى ، عن ابن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب وهاشم بن سالم ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : إن لله جنودا من الرياح يعذب بها من يشاء ممن عصاه ، ولكن ريح منها ملك موكل بها ، فإذا أراد الله أن يعذب قوما بنوع من العذاب أوحى إلى الملك الموكل بذلك النوع من الريح التي يريد أن يعذبهم بها ، قال : فيأمر بها الملك فتهيج كما يهيج الاسد المغضب ، قال : ولكل ريح منهن اسم ، أما تسمع قوله تعالى : « كذبت عاد فكيف كان عذابي ونذر * إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا في يوم نحس مستمر » وقال تعالى : « الريح العقيم » وقال : « ريح فيها عذاب أليم » وقال : « وأصابها إعصار فيه نار فاحترقت » وما ذكر من الرياح التي يعذب الله بها من عصاه ، الخبر. (٢)

٧ ـ فس : « وإذا بطشتم جبارين » قال : تقتلون بالغضب من غير استحقاق. (٣)

٨ ـ فس : « إذ جاءتهم الرسل من بين أيديهم » يعني نوحا وإبراهيم وموسى و عيسى والنبيون « ومن خلفهم » أنت « فقالوا لوشاء ربنا لانزل ملائكة » لم يبعث بشرا مثلنا. وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه‌السلام في قوله تعالى : « فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا » والصرصر : الريح الباردة « في أيام نحسات » أيام مشائيم. (٤)

٩ ـ فس : « إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم » وهي التي لا تلقح الشجر ولا تنبت النبات. (٥)

١٠ ـ فس : « إن أرسلنا عليهم ريحا صرصرا » أي باردة. (٦)

ـــــــــــــــ

(١) لم نجده. م

(٢) الروضة : ٩١. وللخبر صدر لم يذكره المصنف. م

(٣) تفسير القمى : ٤٧٣ ـ ٤٧٤. م

(٤) « : ٥٩١. م

(٥) « : ٤٤٨. م

(٦) « : ٦٥٧. م

٣٥٤

١١ ـ فس : « بريح صرصر » أي باردة « عاتية » قال : خرجت أكثر مما امرت به « حسوما » قال : كان القمر منحوسا بزحل سبع ليال وثمانيه أيام حتى هلكوا. (١)

١٢ ـ ع : بالاسناد عن وهب قال : إن الريح العقيم تحت هذه الارض التي نحن عليها قد زمت بسبعين ألف زمان من حديد ، قدو كل بكل زمام سبعون ألف ملك ، فلما سلطها الله عزوجل على عاد استأذنب خزنه الريح ربها عزوجل أن تخرج منها مثل منخري الثور ، ولو أذن الله عزوجل لها ما تركت شيئا على ظهر الارض إلا أحرقته فأوحى الله عزوجل إلى خزنة الريح أن أخرجوا منها مثل ثقب الخاتم فاهلكوا بها ، وبها ينسف الله عزوجل الجبال نسفا والتلال والآكام والمدائن والقصور يوم القيامة ، وذلك قوله عزوجل : « ويسئلونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا * فيذرها قاعا صفصفا * لا ترى فيها عوجا ولا أمتا » والقاع : الذي لا نبات فيه. والصفصف : الذي لا عوج فيه : والامت : المرتفع : وإنما سميت العقيم لانها تلقحت بالعذاب وتعقمت عن الرحمة كتعقم الرجل إذا كان دقيما لا يولد له ، وطحنت تلك القصور والحصون والمدائن والمصانع حتى عاد ذلك كلما دملا دقيقا تسفيه الريح ، فذلك قوله عزوجل : « ما تذر من شئ أتت عليه إلا جعلته كالرميم » وإنما كثر الرمل في تلك البلاد لان الريح طحنت تلك البلاد ، عصفت (٢) عليهم « سبع ليال وثمانية أيام حسوما فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية » والحسوم : الدائمة ، ويقال : المتنابعة الدائمة. وكانت ترفع الرجال والنساء فتهب بهم صعدا ثم ترمي بهم من الجو فيقعون على رؤوسهم منكبين ، (٣) تقلع الرجال والنساء من تحت أرجلهم ثم ترفعهم ، فذلك قوه عزوجل : « تنزع الناس كأنهم أعجاز نخل منقعر » والنزع : القلع ، وكانت الريح تعصف الجبل كما تعصف (٤) المساكن فتطحنها ثم تعود رملا دقيقا ، فمن هناك لا يرى في الرمل جبل ، وإنما سميت عاد إرم ذات العماد من أجل أنهم كانوا يسلخون العمد من الجبال فيجعلون طول العمد مثل طول الجبل الذي يسلخونه من أسفله إلى أعلاه

ـــــــــــــــ

(١) تفسير القمى : ٦٩٤. م

(٢) في المصدر : وعصفت. م

(٣) الظاهر أنه مصحف منكسين كما يأتى في الخبر ١٥.

(٤) في نسخة : « تقصف » في الموضعين.

٣٥٥

ثم ينقلون تلك العمد فينصبونها ، ثم يبنون القصور عليها فسميت ذات العماد لذلك (١)

١٣ ـ ج : روي عن علي بن يقطين أنه قال : أمر أبوجعفر الدوانيقي يقطين أن يحفر بئرا بقصر العبادي ، فلم يزل يقطين في حفرها حتى مات أبوجعفر ولم يستنبط منها الماء ، فأخبر المهدي بذلك فقال له : احفر أبدا حتى تستنبط الماء ولو أنفقت عليها جميع ما في بيت المال ، قال : فوجه يقطين أخاه أبا موسى في حفرها ، فلم يزل يحفر حتى ثقبوا ثقبا في أسفل الارض فخرجت منه الريح ، قال : فهالهم ذلك فأخبروا به أبا موسى فقال : انزلوني ، قال : وكان رأس البئلر أربعين ذارعا في أربعين ذراع ، فاجلس في شق محمل ودلي في البئر ، فلما صار في قعرها نظر إلى هول وسمع دوي الريح في أسفل ذلك ، فأمرهم أن يوسعوا الخرق فجعلوه شبه الباب العظيم ، ثم دلي فيه رجلان في شق محمل فقال : ائتوني بخبر هنا ماهو ، قال : فنزلا في شق محمل فمكثا مليا ثم حركا الحبل فاصعدا ، فقال لهما : ما رأيتما؟ امرا عظيما رجالا ونساء وبيوتا وآنية ومتاعا كله مسوخ من حجارة فأما الرجال والنساء فعليهم ثيابهم فمن بين قاعد ومضطجع ومتكئ ، فلما مسسناهم إذا ثيابهم تتفشى شبه الهباء ، ومنازل قائمة ، قال : فكتب بذلك أبوموسى إلى المهدي ، فكتب المهدي إلى المدينة إلى موسى بن جعفر عليه‌السلام يسأله أن يقدم عليه ، فقدم عليه فأخبره فبكى بكاء شديدا وقال : يا أميرالمؤمنين هؤلاء بقية قوم عاد غضب الله عليهم فساخت بهم منازلهم ، هؤلاء أصحاب الاحقاف ، قال : فقال له المهدي : يا أبا الحسن وما الاحقاف؟ قال : الرمل. (٢)

بيان : قال الطبرسي قدس‌سره : الاحقاف جمع حقف وهو الرمل المستطيل العظيم لا يبلغ أن يكون جبلا ، قال المبرد : هو الرمل الكثير المكتنز غير العظيم وفيه اعوجاج ، ثم قال : هو واد بين عمان ومهرة (٣) عن ابن عباس ، وقيل : رمال فيما بين عمان إلى حضرموت

ـــــــــــــــ

(١) علل الشرائع : ٢٣. م

(٢) الاحتجاج : ٢١١. م

(٣) بالتحريك : بلاد تنسب إلى مهرة بن حيدان بن عمروبن الحاف بن قضاعة ، بينه وبين عمان نحو شهر وكذلك بينه وبين حضرموت. وحضرموت بالفتح فالسكون ثم الفتح فالضم : ناحية واسعة في شرقى عدن بقرب البحر ، وحولها رمال كثيرة تعرف بالاحقاف وبها قبر هود ، وبقربها بئر برهوت.

٣٥٦

عن ابن إسحاق ، وقيل : رمال مشرفة على البحر بالشجر (١) من اليمن ، عن قتادة ، وقيل : أرض خلالها رمال ، عن الحسن. (٢)

١٤ ـ مع : معنى هود إنه هدى إلى ما ضل عنه قومه وبعث ليهديهم من ضلالتهم ومعنى الريح العقيم التي أهلك الله عزوجل بها عادا أنها تلقحت بالعذاب وتعقمت عن الرحمة كتعقم الرجل إذا كان عقيما لا يولد له ، فطحنت تعلك القصور والحصون والمدائن والمصانع حتى عاد ذلك كله رملا دقيقا تسفيه الريح ، ومعنى ذات العماد أوتادا كانوا يسلخون العمد من الجبال فيجعلون طول العمد مثل طول الجبل الذي يسلخونه من أسفله إلى أعلاه ثم ينقلون تلك العمد فينصبونها ، ثم يبنون فوقها القصور ، فسميت ذات العماد لذلك. (٣)

١٥ ـ ص : بالاسناد إلى الصدوق بإسناده إلى وهب قال : كان من أمر عاد أن كل رمل على ظهر الارض وضعه الله لشئ من البلاد كان مساكن في زمانها وقد كان الرمل قبل ذلك في البلاد ولكن لم يكن كثير حتى كان زمان عاد وإن ذلك الرمل كانت قصورا مشيدة وحصونا ومدائن ومصانع ومنازل وبساتين ، وكانت بلاد عاد أخصب بلاد العرب وأكثرها أنهارا وجنانا ، فلما غضب الله عليهم وعتوا على الله تعالى وكانوا أصحاب الاوثان يعبدونها من دون الله فأرسل الله عليهم الريح العقيم ، وإنما سميت العقيم لانها تلقحت بالعذاب ، وعقمت عن الرحمة ، وطحنت تلك القصور والحصون والمدائن والمصانع حتى عاد ذلك كله رملا دقيقا تسفيه الريح ، وكانت تلك الريح ترفع الرجال والنساء فتهب بهم صعدا ثم ترمي بهم من الجو فيقعون على رؤوسهم منكسين ، وكانت عاد ثلاثة عشر قبيلة وكان هود (ع) في حسب عادو ثروتها ، وكان أشبه ولد آدم بآدم صلوات الله عليهما ، وكان رجلا آدم كثير الشعر حسن الوجه ولم يكن أحد من الناس أشبه بآدم منه إلا ما كان من يوسف بن يعقوب (ع). فلبث هود فيهم زمانا طويلا يدعوهم إلى الله وينهاهم عن الشرك

ـــــــــــــــ

(١) هكذا في النسخ ، والصحيح كما في المصدر ومعجم البلدان « الشحر » بالحاء ، وهو بالكسر ثم السكون : صقع على ساحل بحر الهند من ناحيه اليمن ، قال الاصمعى : هو بين عدن وعمان.

(٢) مجمع البيان ٩ : ٨٩. م

(٣) معانى الاخبار : ١٨ وفيه : ان عادا كانوا يسلخون اه. م

٣٥٧

بالله تعالى وظلم الناس ويخوفهم بالعذاب ، فلجوا (١) وكانوا يسكنون أحقاف الرمال ، وإنه لم يكن امة أكثر من عاد ولا أشد منهم بطشا ، فلما رأوا الريح قد أقبلت عليهم قالوا لهود : أتخوفنا بالريح؟ فجمعوا ذراريهم وأموالهم في شعب من تلك الشعاب ، ثم قاموا على باب ذلك الشعب يردون الريح عن أموالهم عن وأهاليهم ، فدخلت الريح من تحت أرجلهم بينهم وبين الارض حتى قلعتهم فهبت بهم صعدا ، ثم رمت بهم من الجو ، ثم رمت بهم الريح في البحر ، وسلط الله عليهم الذر فدخلت في مسامعهم ، وجاءهم من الذر مالا يطاق قبل أن يأخذم الريح ، فسيرهم من بلادهم وحال بينهم وبين موادهم حتى أتاهم الله ، فقد كان سخرلهم من قطع الجبال والصخور والعمد والقوة على ذلك والعمل به شيئا لم يستخره لاحد كان قبله ولا بعدهم ، وإنما سميت ذات العماد من أجل أنهم يسلخون العمد من الجبال فيجعلون طول العمد مثل طول الجبل الذي يسلخونه منه من أسفله إلى أعلاه ، ثم ينقلون تلك العمد فينصبونها ، ثم يبنون فوقها القصور ، وقد كانوا ينصبون تلك العمد أعلاما في الارض على قوارع الطريق : وكان كثرتهم بالدهناء ويبرين وعالج (٢) إلى اليمن إلى حضرموت.

وسئل وهب عن هود أكان أبا اليمن الذي ولدهم؟ فقال : لا ولكنه أخواليمن الذي في التوراة تنسب إلى نوح عليه‌السلام ، فلما كانت العصبية بين العرب وفخرت مضر بأبيها إسماعيل ادعت اليمن هودا أبا ليكون لهم أب ووالد من الانبياء ، وليس بأبيهم ولكنه أخوهم ، ولحق هود ومن آمن معه بمكة فلم يزالوا بها حتى ماتوا ، وكذلك فعل صالح عليه‌السلام بعده وقد سلك فج الروحاء (٣) سبعون ألف نبي حجاجا عليهم ثياب الصوف

ـــــــــــــــ

(١) أى تمادوا في العناد إلى الفعل المزجور عنه.

(٢) دهناء بالفتح ثم السكون تمد وتقصر من ديار بنى تميم معروفة ، وقيل : هى سبعة أجبل من الرمل في عرضها ، بين كل جبلين شقيقة ، وطولها من حزن ينسوعة إلى رمل يبرين. ويبرين بالفتح فالسكون وكسر الراء قيل : هو رمل لا تدرك أطرفه عن يمين مطلع الشمس من حجر اليمامة. و قيل : يبرين : باعلى بلاد بنى سعد. وقيل فيه غير ذلك راجع معجم البلدان. وعالج بكسر اللام : رملة بالبادية. رمال بين قيد والقريات وهو متصلة بالثعلبية على طريق مكة وهو مسير اربع ليال. وقيل : هو متصل بوبار.

(٣) الروحاء : موضع بين الحرمين على ثلاثين أو أربعين ميلامن المدينة.

٣٥٨

مخطمين إبلهم الصوف ، يلبون الله يتلبية شتى ، منهم هود وصالح وإبراهيم وموسى وشعيب ويونس صلوات الله عليهم ، وكان هود رجلا تاجرا. (١)

١٦ ـ ك : أبي وابن الوليد معا عن سعد ، عن ابن عيسى ، عن محمد بن سنان ، و إسماعيل بن جابر وكرام بن عمرو ، عن عبدالحميد بن أبي الديلم ، عن أبي عبدالله (ع) قال : لما بعث الله تعالى هودا أسلم له العقب من ولد سام ، وأما الآخرون فقالوا : من أشد منا قوة فاهلكوا بالريح العقيم ، وأوصاهم هود وبشرهم بصالح عليه‌السلام. (٢)

١٧ ـ ص : بإسناد عن ابن اورمة ، عن سعيد بن جناح ، عن أيوب بن راشد ، عمن ذكره ، عن أبي عبدالله (ع) قال : كانت أعمار قوم هود (ع) أربعمائة سنة ، وقد كانوا يعذبون بالقحط ثلاث سنين (٣) فلم يرجعوا عماهم عليه ، فلما رأوا ذلك بعثوا وفدا لهم إلى جبال مكة وكانوا لا يعرفون موضع الكعبة ، فمضوا واستسقوا فرفعت لهم ثلاث سحابات فقالوا : هذه حفا ، يعني التي ليس فيها ماء ، وسموا الثانية فاجيا ، واختاروا الثالثة التي فيها العذاب ، قال : والريح عصفت عليهم وكان رئيسهم يقال له الخلجان ، فقال : يا هود ما ترى الريح إذا أقبلت أقبل معها خلق كأمثال الاباعر أعمدة ، هم الذين يفعلون بنا الافاعيل ، فقال : اولئك الملائكة ، فقال : أترى ربك إن نحن آمنا به أن يديلنا (٤) منهم فقال لهم هود (ع) : إن الله تعالى لا يديل أهل المعاصي من أهل الطاعة ، فقال له الخلجان وكيف لي بالرجال الذين هلكوا؟ فقال له هود : يبدلك الله بهم من هو خير لك منهم ، فقال : لاخير في الحياة بعدهم ، فاختار اللحاق بقومه فأهلكه الله تعالى. (٥)

بيان : كأن قولهم : حفا من الحفو بمعنى المنع.

١٨ ـ ص : بالاسناد إلى الصدوق بإسناده إلى ابن طريف ، عن ابن نباتة قال : خرجنا مع أمير المؤمنين (ع) إلى نخيلة فإذا اناس من اليهود معهم ميت لهم ، فقال أميرالمؤمنين (ع)

ـــــــــــــــ

(١ و ٥) قصص الانبياء مخطوط.

(٢) كمال الدين : ٨١. م

(٣) في المطبوع : ثلاثين سنة. والظاهر انه مصحف ، نص على ما في المتن اليعقوبى في تاريخه و المسعودى في اثبات الوصية.

(٤) أدال الله بنى فلان من عدوهم : جعل الكرة لهم عليه.

٣٥٩

للحسن : انظر ما يقول هؤلاء في هذا القبر ، فقال : يقولون : هو هود (ع) ، فقال : كذبوا أنا أعلم به منهم ، هذا قبر يهودا بن يعقوب ، ثم قال : من ههنا من مهرة؟ فقال : شيخ كبير أنا منهم فقال لهم : أين منزلك؟ فقال : في مهرة على شاطئ البحر ، فقال : أين هو من الجبل الذي عليه المصومعة ، قال : قريب منه ، فقال : ما يقول قومك فيه؟ فقال : يقولون : قبر ساحر ، فقال : كذبوا أنا أعلم به منهم ذلك قبر هود عليه‌السلام وهذا قبر يهودا. (١)

بيان : اختلف في موضع قبره (ع) (٢) فقيل : إنه بغار بحضرموت ، وروى المؤرخون عن أميرالمؤمنين (ع) أن قبره على تل من رمل أحمر بحضرموت ، وقيل : إنه دفن في مكة في الحجر ، وسيأتي خبران في كتاب المزار يدلان على أنه عليه‌السلام دفن قريبا من أمير المؤمنين (ع) في الغري ، ويمكن الجمع بحمل هذا الخبر على الموضع الذي دفن فيه أولا ثم نقل إلى الغري كآدم عليه‌السلام.

١٩ ـ وروى أبوالفتح الكراجكي في كنز الفوائد عن الاصبغ بن نباتة في حديث رجل من حضرموت أتى أميرالمؤمين عليه‌السلام في أيام أبي بكر فأسلم على يده ، قال : فسأله أميرالمؤمنين (ع) يوما ونحن مجتمعون فقال : أعالم أنت بحضرموت؟ فقال الرجل : إن جهلتها لم أعلم شيئا ، قال : أفتعرف موضع الاحقاف؟ قال : كأنك تسأل عن قبر هود النبي (ع)؟ قال : لله درك ما أخطأت ، قال : نعم خرجت في عنفوان شبابي في علة من الحي (٣) ونحن نريد أن نأتي قبره لبعد صوته فينا (٤) وكثرة من يذكره ، فسرنا في بلاد الاحقاف أياما وفينا رجل قد عرف الموضع حتى انتهى بنا ذلك الرجل إلى كهف فدخلنا فامعنا فيه طويلا (٥) فانتهينا إلى حجرين قد اطبق أحدهما فوق الآخر وبينهما خلل

ـــــــــــــــ

(١) قصص الانبياء مخطوط. م

(٢) قال المسعودى في اثبات الوصية ص ٢٢ : ودفن فيما روى على شاطئ البحر تحت جبل على صومعته ، وروى انه صار إلى مكة هو وشيعته بعد أن أهلك الله قومه فاقام بها إلى ان مات.

(٣) هكذا في نسخ الكتاب ، وفى المصدر : « في غلمة من الحى » وفى المعجم : « في اغيلمة من الحى ».

(٤) في المعجم : لبعد صيته فينا.

(٥) في المعجم : ومعنا رجل قد عرف الموضع ، فانتهينا إلى كثيب أحمر فيه كهوف كثيرة ، فمضى الرجل إلى كهف منها فدخلناه فأمعنا فيه طويلا. أمعنا : أى بالغنا في الاستقصاء.

٣٦٠