بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٠٠
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

فسألته بعزة الله أن لا يأخذ منها شيئا حتى تتضرع إلى الله تعالى وتضرعت فأمره الله تعالى بالانصراف عنها ، فأمر الله ميكائيل فاقشعرت وتضرعت وسألت فأمره الله تعالى بالانصراف عنها ، فأمر الله إسرافيل بذلك فاقشعرت وسألت وتضرعت فأمره الله بالانصراف عنها ، فأمر عزرائيل فاقشعرت وتضرعت فقال : قد أمرني ربي بأمر أنا ماض له ، سرك ذاك أم ساءك ، فقبض منها كما أمر الله ، ثم صعدبها إلى موقفه فقال الله له : كما وليت قبضها من الارض وهي كارهة كذلك تلي قبض أرواح كل من عليها وكل ما قضيت عليه الموت من اليوم إلى يوم القيامة ، فلما كان صباح يوم الاحد الثاني اليوم الثامن من خلق الدنيا فأمر الله ملكا فعجن طينة آدم فخلط بعضها ببعض ، ثم خمرها أربعين سنة ، ثم جعلها لازبا ، (١) ثم جعلها حمأ مسنونا أربعين سنة ، ثم جعلها صلصالا (٢) كالفخار أربعين سنة ، ثم قال للملائكة بعد عشرين ومائة سنة مذخمر طينة آدم : « إنى خالق بشرا من طين فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين » فقالوا : نعم ، فقال في الصحف ما هذا لفظه : فخلق الله آدم على صورته التي صورها في اللوح المحفوظ.

يقول علي بن طاوس : فأسقط بعض المسلمين بعض هذا الكلام وقال : « إن الله خلق آدم على صورته » فاعتقد الجسم ، فاحتاج المسلمون إلى تأويلات الحديث.

وقال في الصف : ثم جعلها جسدا ملقى على طريق الملائكة التي « الذي خ ل » تصعد فيه إلى السماء أربعين سنه. ثم ذكر تناسل الجن وفسادهم ، وهرب إبليس منهم إلى الله وسؤاله أن يكون مع الملائكة وإجابة سؤاله ، وما وقع من الجن حتى أمر الله إبليس أن ينزل مع الملائكة لطرد الجن فنزل وطردهم عن الارض التي أفسدوا فيها ، وشرح كيفية خلق الروح في أعضاء آدم واستوائه جالسا ، وأمر الله الملائكة بالسجود فسجدوا له إلا إبليس كان من الجن فلم يسجد له. فعطس آدم فقال الله : يا آدم قل : الحمد لله رب العالمين فقال : الحمد لله رب العالمين ، قال الله : رحمك الله ، لهذا خلقتك لتوحدني وتعبدني وتحمدني وتؤمن بي ، ولا تكفربي ولا تشرك بي شيئا. (٣)

اقول : تمامه في كتاب السماء والعالم.

ـــــــــــــــ

(١) اللازب : اللاصق اى الطين الملتزج المتماسك الذى يلزم بعضه بعضا.

(٢) تقدم قريبا معنى الصلصال وغيره.

(٣) سعد السعود ٣٣ ـ ٣٤

١٢١

٥٦ ـ نهج : في صفة خلق آدم : ثم جمع سبحانه من حزن الارض وسهلها وعذبها وسبخها تربة سنها بالماء حتى خلصت ، (١) ولاطها بالبلة حتى لزبت ، فجبل منها صورة ذات أحناء ووصول وأعضاء وفضول ، أجمدها حتى استمسكت ، وأصلدها حتى صلصلت ، لوقت معدود ، وأجل معلوم ، (٢) ثم نفخ فيها من روحه فمثلت إنسانا ذا أذهان يجيلها ، (٣) وفكر يتصرف بها ، (٤) وجوارح يختدمها ، وأدوات يقلبها ، (٥) ومعرفة يفرق بها بين الحق والباطل ، والاذواق والمشام والالوان والاجناس معجونا بطينة الالوان المختلفة ، والاشباة المؤتلفة ، والاضداد المتعادية ، والاخلاط المتباينة ، من الحر والبرد ، البلة والجمود و المساءة والسرور ، واستأدى الله سبحانه وتعالى الملائكة وديعته لديهم ، (٦) وعهد وصيته إليهم في الاذعان بالسجود له ، والخنوع لتكرمته ، (٧) فقال سبحانه وتعالى : استجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس وقبيله اعترتهم الحمية ، وغلبت عليهم الشقوة ، وتعز زوا بخلقة النار ، واستوهنوا خلق الصلصال ، فأعطاه الله النظرة استحقاقا للسخطة ، واستتماما للبلية ، وإنجازا للعدة ، فقال : « إنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم » ثم أسكن سبحانه آدم دارا أرغد فيها عيشه (٨) وآمن فيها محلته ، وحذره إبليس وعداوته ، فاغتره عدوه نفاسة عليه بدار المقام ، ومرافقة الابرار ، فباع اليقين بشكه ، والعزيمة بوهنه ، واستبدل بالجدل وجلا ، وبالاغترار ندما ، ثم بسط الله سبحانه له في توبته ، ولقاه كلمة رحمته ، (٩) و

ـــــــــــــــ

(١) في نسخة : حتى خضلت.

(٢) في المصدر : وأمد معلوم.

(٣) أى يتحركها في المعقولات.

(٤) في نسخة : وفكر يتصرف فيها.

(٥) الادوات : الالات : وتقليبها : تحريكها وتصرفها في العمل بها فيما احتاج إليه.

(٦) أى طلب منهم أداءها ، والوديعة هى عهده إليهم بقوله : إنى خالق بشرا من طين فاذا سويته ونفخت فيه من روحى فقعوا له ساجدين.

(٧) في نسخة : والخشوع لتكرمته.

(٨) في نسخة : أرغد فيها عيشته.

(٩) قال ابن ميثم : قال القفال : أصل التلقى في قوله تعالى : فتلقى آدم من ربه كلمات و قوله : ولقاء كلمة رحمته هو التعرض للقادم ، وضع موضع الاستقبال للمسئ والجانى ثم وضع موضع القبول والاخذ ، قال تعالى : وانك لتلقى القرآن أى تلقنه ، ويقال : تلقينا الحاج أى استقبلناهم ، وتلقيت هذه الكلمة من فلان أى اخذتها منه ، وإذا كان هذا اصل الكلمة وكان من*

١٢٢

وعده المرد إلى جنته ، فأهبطه إلى دار البلية ، وتناسل الذرية. إلى آخر الخطبة. (١)

بيان : الحزن بالفتح : المكان الغليظ الخشن. والسهل ضده. وسن الماء صبه من غير تفريق. وخلصت أي صارت طينة خالصة ، وفي بعض النسخ « خضلت » بالخاء المعجمة والضاد المعجمة المكسورة أى ابتلت. ولاطها بالبلة أي جعلها ملتصقا بعضها ببعض بسبب البلة. ولزبت بالفتح أي لصقت كما قال تعالى : « إنا خلقناهم من طين لازب » وجبل بالفتح أي خلق. والاحناء : الاطراف جمع حنو بالكسر. (٢) والوصول هي الفصول ، والاعتبار مختلف. وأجمدها أي جعلهاجامدة. وأصلدها أي صيرها صلبة. وصلصلت أي صارت صلصالا. واللام في قوله (ع) : « لوقت » إما متعلق بجبل ، أي خلقها لوقت نفخ الصور ، أو ليوم القيامة أو بمحذوف أي كائنة لوقت فينفخ حينئذ روحه فيه ، ويحتمل أن يكون الوقت مدة الحياة : والاجل منتهاها ، أو يوم القيامة ، ومثلت بضم الثاء وفتحها أي قامت منتصبا. وإنسانا منصوب بالحالية. ويختدمها أي يستخدمها. وقوله (ع) : « معجونا » صفة لقوله : « إنسانا » أو حال عنه. وطينة الانسان خلقته وجبلته : ولعل المراد بالالوان الانواع. واستأدى وديعته ، أي طلب أداءها. والخنوع : الذل والخضوع.

والمراد بقوله عليه‌السلام : « وقبيله » إما ذريته بأن يكون له في السماء نسل وذرية وهو خلاف ظواهر الآثر ، أو طائفة خلقها الله في السماء غير الملائكة ، أو يكون الاسناد إلى القبيل مجازيا لرضاهم بعد ذلك بفعله. واعترتهم أي غشيتهم. والشقوة بالكسر : نقيض السعادة. والتعز زالتكبر. والنظرة بكسر الظاء : التأخير والامهال. والبلية : الابتلاء. وإنجاز عدته : إعطاؤه ما وعده من الثواب على عبادته ، وقيل : قد وعده الله الابقاء. وأرغد عيشته أي جعلها رغدا ، والرغد من العيش. الواسع الطيب. والمحلة : مصدر قولك حل بالمكان والاسناد مجازي. واغتره أي طلب غفلته وأتاه على غرة وغفلة منه. و نفست عليه الشئ وبالشئ ـ بالكسر ـ نفاسة إذا لم تره له أهلا. ونفست به ـ بالكسر أيضا ـ

ـــــــــــــــ

* تلقى رجلا فتلاقيا لقى كل واحد منهما صاحبه واضيف بالاجتماع إليهما معافصلح أن يشتركا في الوصف بذلك فكل ما تلقيته فقد تلقاك فجاز أن يقال : تلقى آدم من ربه كلمات أى أخذها ورعاها و استقبلها بالقبول ولقاه الله اياها أى ارسلها إليه وواجهه بها.

(١) نهج البلاغة : القسم الاول : ٢٢ ـ ٢٥.

(٢) أو كل ما فيه اعوجاج من البدن كالضلع.

١٢٣

أي بخلت به. والمقام بالضم : الاقامة. وقيل في بيع اليقين بالشك وجوه :

الاول : أن معيشة آدم في الجنة كانت على حال يعلمها يقينا ، وما كان يعلم كيف يكون معاشه بعد مفارقتها.

الثاني : أن ما أخبره الله من عداوة إبليس بقوله : « إن هذا عدو لك ولزوجك » كان يقينا فباعه باشك في نصح إبليس إذ قال : « إني لكما لمن الناصحين. »

الثالث : أن هذا مثل قديم للعرب لمن عمل عملا لا ينفعه وترك ما ينبغي له أن يفعله.

الرابع : أن كونه في الجنة كان يقينا فباعه بأن أكل من الشجرة فاهبط إلى دار التكليف التي من شأنها الشك في أن المصير منها إلى الجنة أو إلى النار.

وجذل كفرح لفظا ومعنى ، وسيتضح لك ما تضمنته الخطبة في الابواب الآتية.

بسط مقال لرفع شبهة واشكال

اعلم أنه أجمعت الفرقة المحقة وأكثر المخالفين على عصمة الملائكة صلوات الله عليهم أجمعين من صغائر الذنوب وكبائرها ، وسيأتي الكلام في ذلك في كتاب السماء والعالم ، وطعن فيهم بعض الحشوية بأنهم قالوا : « أتجعل » والاعتراض على الله من أعظم الذنوب وأيضا نسبوا بني آدم إلى القتل والفساد وهذا غيبة وهي من الكبائر ، ومدحوا أنفسهم بقولهم : « ونحن نسبح بحمدك » وهو عجب ، وأيضا قولهم : « لا علم لنا إلا ما علمتنا » اعتذار والعذر دليل الذنب ، وأيضا قوله : « إن كنتم صادقين » دل على أنهم كانوا كاذبين فيما قالوه ، وأيضا قوله : « ألم أقل لكم » يدل على أنهم كانوا مرتابين في علمه تعالى بكل المعلومات ، وأيضا علمهم بالافساد وسفك الدماء إما بالوحي وهو بعيد وإلا لم يكن لاعادة الكلام فائدة ، وإما بالاستنباط والظن وهو منهي عنه.

واجيب عن اعتراضهم على الله بأن غرضهم من ذلك السؤال لم يكن هو الانكار و لا تنبيه الله على شئ لا يعلمه ، وإنما المقصود من ذلك امور :

منها : أن الانسان إذا كان قاطعا بحكمة غيره ثم رآه يفعل فعلا لا يهتدي ذلك الانسان إلى وجه الحكمة فيه استفهم عن ذلك متعجبا ، فكأنهم قالوا : إعطاء هذا النعم

١٢٤

العظام من يفسد ويفسك لا تفعله إلا لوجه دقيق وسر غامض ، فما أبلغ حكمتك!.

ومنها : أن إبداء الاشكال طلبا للجواب غير محظور ، فكأنه قيل : إلهنا أنت الحكيم الذي لا تفعل السفه البتة ، وتمكين السفيه من السفه قبيح من الحكيم ، فكيف يمكن الجمع بين الامرين؟ أو أن الخيرات في هذا العالم غالبة على شرورها ، وترك الخير الكثير لاجل الشر القليل شر كثير ، فالملائكة نظروا إلى الشرور ، فأجابهم الله تعالى بقوله : « إني أعلم مالا تعلمون » أي من الخيرات الكثيرة التي لا يتركها الحكيم لاجل الشرور القليلة.

ومنها : أن سؤالهم كان على وجه المبالغة في إعظام الله تعالى ، فإن العبد المخلص لشدة حبه لمولاه يكره أن يكون له عبد يعصيه.

ومنها : أن قولهم : « أتجعل » مسألة منهم أن يجعل الارض أو بعضها لهم إن كان ذلك صلاحا ، ونحو قول موسى : « اتهلكنا بما فعل السفهاء منا » أي لا تهلك ، فقال تعالى : « إني أعلم مالا تعلمون » من صلاحكم وصلاح هؤلاء ، فبين أنه اختار لهم السماء ولهؤلاء الارض ليرضى كل فريق بما اختار الله له.

ومنها : أن هذا الاستفهام خارج مخرج الايجاب كقول جرير : « ألستم خير من ركب المطايا » أي أنتم كذلك وإلا لم يكن مدحا : فكأنهم قالوا : إنك تفعل ذلك و نحن مع هذا نسبح بحمدك ، لانا نعلم في الجملة أنك لا تفعل إلا الصواب والحكمة ، فقال تعالى : « إني أعلم مالا تعلمون » فأنتم علمتم ظاهرهم وهو الفساد والقتل ، وأنا أعلم ظاهرهم ومافي باطنهم من الاسرار الخفية التي يقتضي اتخاذهم.

والجواب عن الغيبة أن من أراد إيراد السؤال وجب أن يتعرض لمحل الاشكال ، فلذلك ذكروا الفساد والسفك ، مع أن المراد أن مثل تلك الافعال يصدر عن بعضهم ، ومثل هذا لا يعد غيبة ، ولو سلم فلا نسلم ذلك في حق من لم يوجد بعد ، ولو سلم فيكون غيبة للفساق وهي مجوزة ، ولو سلم فلا نسلم أن ذكر مثل ذلك لعلام الغيوب يكون محرما ، لا سيما من الملائكة الذين جماعة منهم مأمورون بتفتيش أحوال الخلائق وإثباتها في الصحف وعرضها على الباري جل اسمه.

١٢٥

وعن العجب بأن مدح النفس غير ممنوع منه مطلقا ، كما قال تعالى : « وأما بنعمة ربك فحدث » على أنهم إنما ذكروه لتتمة تقرير الشبهة.

وعن الاعتذار بأنه لا يستلزم الذنب بل قد يكون لترك الاولى.

ثم إن العلماء ذكروا في إخبار الملائكة عن الفساد والسفك وجوها.

منها : أنهم قالوا ذلك ظنا لما رأوا من حال الجن الذين كانوا قبل آدم عليه‌السلام في الارض ، وهو المروي عن ابن عباس والكلبي ، ويؤيده ما رويناه عن تفسير الامام عليه‌السلام سابقا ، أو أنهم عرفوا خلقته وعلموا أنه مركب من الاركان المتخالفة والاخلاط المتنافية الموجبة للشهوة التي منها الفساد والغضب الذي منه سفك الدماء.

ومنها أنهم قالوا ذلك على اليقين ، لما يروى عن ابن مسعود وغيره أنه تعالى لما قال للملائكة : « إني جاعل في الارض خليفة » قالوا ربنا : وما يكون الخليفة؟ قال : تكون له ذرية يفسدون في الارض ، ويتحاسدون ، ويقتل بعضهم بعضا ، فعند ذلك قالوا : ربنا أتجعل فيها ، أو أنه تعالى كان قد أعلم الملائكة أنه إذا كان في الارض خلق عظيم أفسدوا فيها ، ويسفك الدماء ، (١) أو أنه لما كتب القلم في اللوح ما هو كائن إلى يوم القيامة فلعلهم طالعوا اللوح فعرفوا ذلك ، أو لان معنى الخليفة إذا كان النائب عن الله في الحكم والقضاء ، والاحتياج (٢) إنما يكون عند التنازع والتظالم ، كأن الاخبار عن وجود الخليفة إخبار عن وقوع الفساد والشر بطريق الالتزام ، وقيل : لما خلق الله النار خافت الملائكة خوفا شديدا فقالوا : لم خلقت هذه النار؟ قال : لمن عصاني من خلقي ، ولم يكن يومئذلله خلق إلا الملائكة ، فلما قال : « إني جاعل في الارض خليفة » عرفوا أن المعصية منهم ، وجملة القول في ذلك أنه لما ثبت بالنصوص وإجماع الفرقة المحقة عصمة الملائكة لابد من تأويل ما يوهم صدور المعصية منهم على نحو مامر في عصمة الانبياء عليهم‌السلام.

٥٧ ـ ص : بالاسناد إلى الصدوق بإسناده عن ابن محبوب ، عن مقاتل بن سليمان (٣)

ـــــــــــــــ

(١) في المطبوع : وأسفكوا الدماء.

(٢) أى والاحتياج بوجود الخليفة.

(٣) الحديث ضعيف بمقاتل بن سليمان ، والرجل هو مقاتل بن سليمان بن بشير الازدى الخراسانى ابوالحسن البلخى المفسر نزيل مرو ، يقال له ابن دوال دوز ، عدوه أصحابنا في كتبهم الرجالية من البترية ومن العامة ، ورماه العامة ، ورماه العامة بالكذب والتجسيم ، راجع تقريب ابن حجر ص ٥٠٥

١٢٦

قال : سألت أبا عبدالله عليه‌السلام : كم كان طول آدم على نبينا وآله وعليه السلام حين هبط به إلى الارض وكم كانت طول حواء؟ قال : وجدنا في كتاب علي عليه‌السلام أن الله عزوجل لما أهبط آدم وزوجته حواء على الارض كانت رجلاه على ثنية الصفا ، (١) ورأسه دون افق السماء وأنه شكا إلى الله ما يصيبه من حر الشمس فصير طوله سبعين ذارعا بذراعه ، وجعل طول حواء خمسة وثلاثين ذراعا بذراعها. (٢)

كا : علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن محبوب مثله إلى قوله : من حر الشمس ، فأوحى الله عزوجل إلى جبرئيل عليه‌السلام : أن آدم قد شكا ما يصيبه من حر الشمس ، فأغمزه غمزة (٣) وصير طوله سبعين ذراعا بذراعه ، وأغمز حواء وأغمزة فصير طولها خمسة و ثلاثين ذراعا بذراعها. (٤)

ايضاح : اعلم أن هذا الخبر من مشكلات الاخبار ومعضلات الآثار ، والاعضال فيه من وجهين : (٥)

أحدهما : أن طول القامة كيف يصير سببا للتأذي بحر الشمس؟ والثاني أن كونه (ع) سبعين ذراعا بذراعه يستلزم عدم استواء خلقته على نبينا وآله وعليه السلام ، وأن يتعسر بل يتعذر عليه كثير من الاعمال الضرورية.

والجواب عن الاول بوجهين : الاول : أنه يمكن أن يكون للشمس حرارة من غير جهة الانعكاس أيضا ، ويكون قامته طويلة جدا بحيث تتجاوز الطبقة الزمهريرية ويتأذى من تلك الحرارة ، ويؤيده ما اشتهر من قصة عوج بن عناق أنه كان يرفع السمك إلى عين الشمس ليشويه بحرارتها.

والثاني : أنه لطول قامته كان لا يمكنه الاستظلال ببناء ولا جبل ولا شجر ، فكان يتأذى من حرارة الشمس لذلك.

وأما الثاني فقد اجيب عنه بوجوه : الاول : ما ذكره بعض الافاضل أن استواء

ـــــــــــــــ

(١) أى منعطفه ، وهو منحناه ومنعرجه ،

(٢) قصص الانبياء مخطوط. م

(٣) غمزه : جسه وكبسه بيده أى مسه بيده ولينه.

(٤) الروضة : ٢٣٣. م

(٥) بل من ثلاثة أوجه ، والوجه الثالث أن قامته كيف صار قصيرا وما كان غمز جبرئيل.

١٢٧

الخلقة ليس منحصرا فيما هو معهود الآن ، فإن الله تعالى قادر على خلق الانسان على هيئات اخر كل منها فيه استواء الخلقة ، وذراع آدم على نبينا وآله وعليه السلام يمكن أن يكون قصيرا مع طول العضد ، وجعله ذامفاصل ، أولينا بحيث يحصل الارتفاق به والحركة كيف شاء.

الثاني : ما ذكره أيضا وهو أن يكون المراد بالسبعين سبعين قدما أو شبرا ، وترك ذكرهما لشيوعهما ، والمراد الاقدام والاشبار المعهودة في ذلك الزمان ، فيكون قوله : ذراعا بدلا من السبعين ، بمعنى أن طوله الآن وهو السبعون بقدر ذراعه قبل ذلك ، وفائدته معرفة طوله أولا فيصير أشد مطابقة للسؤال كما لا يخفى. وأما مارد في حواء عليه‌السلام فالمعنى أنه جعل طولها خمسة وثلاثين قدما بالاقدام المعهودة ، وهي ذراع بذراعها الاول ، فيظهر أنها كانت على النصف من آدم.

الثالث : ما ذكره أيضا وهو أن يكون سبعين بضم السين تثنية سبع أي صير طوله بحيث صار سبعي الطول الاول ، والسبعان ذراع ، فيكون الذراع بدلا أو مفعولا بتقدير أعني ، وكذا في حواء حعل طولها خمسه بضم الخاء ، أي خمس ذلك الطول ، وثلثين تثنية ثلث ، أي ثلثي الخمس ، فصارت خمسا وثلثي خمس ، وحينئذ التفاوت بينهما قليل إن كان الطولان الاولان متساويين ، وإلا فقد لا يحصل تفاوت ، ويحتمل بعيدا عود ضمير خمسه وثلثيه إلى آدم ، والمعنى أنها صارت خمس آدم الاول وثلثيه ، فتكون أطول منه ، أو بعد القصر فتكون أقصر ، وفيه أن الخمس وثلثي الخمس يرجع إلى الثلث ، ونسبة التعبير عن الثلث بتلك العبارة إلى أفصح الفصحاء بعيد عن العلماء.

الرابع : ما يروى عن شيخنا البهائي قدس الله روحه من أن في الكلام استخداما بأن يكون المراد بآدم حين إرجاع الضمير إليه آدم ذلك الزمان من أولاده ، ولا يخفى بعده عن استعمالات العرب ومحاوراتهم ، مع أنه لا يجري في حواء إلا بتكلف ركيك ، ولعل الراواية غير صحيحة.

الخامس : ما خطر بالبال بأن تكون إضافة الذراع إليهما على التوسعة والمجاز ، بأن نسب ذراع صنف آدم (ع) إليه ، وصنف حواء إليهما ، أو يكون الضميران راجعين إلى الرجل والمرأة بقرينة المقام.

١٢٨

السادس : ما حل ببالي أيضا وهو أن يكون المراد الذراع الذي وضعه عليه‌السلام لمساحة الاشياء وهذا يحتمل وجهين : أحدهما : أن يكون الذراع الذي عمله آدم على نبينا و آله وعليه السلام للرجال غير الذي وضعته حواء للنساء. وثانيهما : أن يكون الذراع واحدا ، لكن نسب في بيان طول منهما إليه لقرب المرجع.

السابع : ما سمحت به قريحتي أيضا وإن أتت ببعيد عن الافهام ، وهو أن يكون العمعنى ، اجعل طول قامته بحيث يكون بعد تناسب الاعضاء طوله الاول سبعين ذراعا بالذراع الذي حصل له بعد الغمز ، فيكون المراد بطوله الاول ونسبة التسيير إليه باعتبار أن كونه سبعين ذراعا إنما يكون بعد حصول ذلك الذراع ، فيكون في الكلام شبة قلب ، أي اجعل ذراعه بحيث يصير جزء من سبعين جزء من قامته قبل الغمز ، ومثل هذا قد يكون في المحاورات وليس تكلغه أكثر من بعض الوجوه التي تقدم ذكرها ، وبه تظهر النسبة بين القامتين ، إذ طول قامة مستوي الخلقة ثلاثة أذرع ونصف تقريبا ، فإذا كان طول قامته الاولى سبعين بذلك الذراع تكون النسبة بينهما نصف العشر ، وينطبق الجواب على السؤال ، إذ الظاهر منه أن أن غرض السائل استعلام قامته الاولى ، فلعله كان يعرف طول القامة الثانية بما اشتهربين أهل الكتاب ، أو بما روت العامة من ستين ذراعا.

الثامن : أن يكون الباء في قوله : « بذراعه » للملابسة ، أي كما قصرمن طوله قصر من ذراعه لتناسب أعضائه ، وإنما خص بذراعه لان جميع الاعضاء داخلة في الطول بخلاف الذراع ، والمراد حينئذ بالذراع في قوله عليه‌السلام : سبعين « ذراعا » إما ذراع من كان في زمن آدم على نبينا وآله وعليه السلام ، أو من كان في زمان من صدر عنه الخبر ، وهذا وجه قريب.

التاسع : أن يكون الضمير في قوله : « بذراعه » راجعا إلى جبرئيل عليه‌السلام ، ولا يخفى بعده وركاكته من وجوه شتى لاسيما بالنظر إلى ما في الكافي. ثم اعلم أن الغمز يمكن أن يكون باندماج الاجزاء وتكاثفها ، أو بالزيادة في العرض ، أو بتحلل بعض الاجزاء بإذنه تعالى ، أو بالجميع ، وقد بسطنا الكلام في ذلك في المجلد الآخر من كتاب مرآة العقول.

١٢٩

( باب ٢ )

* ( سجود الملائكة ومعناه ومدة مكثه عليه‌السلام في الجنة ، ) *

* ( وأنها أية جنة كانت ، ومعنى تعليمه الاسماء ) *

الايات ، البقرة « ٢ » وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين ٣٤.

الاعرف « ٧ » ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين * قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين * قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيهما فاخرج إنك من الصاغرين * قال أنظرني إلى يوم يبعثون * قال إنك من المنظرين * قال فبما أغويتني لاقعدن لهم صراطك المستقيم * ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم و عن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين * قال اخرج منها مذءوما مدحورا لمن تبعك منهم لاملان جهنم منكم أجمعين ١١ ـ ١٨.

الحجر « ١٥ » ولقد خلقنا الانسان من صلصال من حمأمسنون * والجان خلقناه من قبل من نار السموم * وإذا قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حمأ مسنون فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين * فسجد الملائكة كلهم أجمعون* إلا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين * قال يا إبليس مالك ألا تكون مع الساجدين* قال لم أكن لاسجد لبشر خلقته من صلصال من حمأمسنون * قال فاخرج منها فإنك رجيم* وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين * قال رب فأنظرني إلي يوم يبعثون * قال فإنك من المنظرين * إلى يوم الوقت المعلوم * قال رب بما أغويتني لازينن لهم في الارض ولا غوينهم أجمعين * إلا عبادك منهم المخلصين * قال هذا صراط علي مستقيم * إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين ٢٦ ـ ٤٢

١٣٠

الاسرى « ١٧ » وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس قالءأسجد لمن خلقت طينا * قال أرأيتك هذا الذي كرمت علي لئن أخرتن إلى يوم القيمة لاحتنكن ذريته إلا قليلا * قال اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفورا* واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الاموال والاولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا * إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلا ٦١ ـ ٦٥.

الكهف « ١٨ » وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليسر كان من الجن ففسق عن أمر ربه ٥.

ص « ٣٨ » إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين * فسجد الملائكة كلهم أجمعون * إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين * قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت أم كنت من العالين * قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين * قال فاخرج منها فإنك رجيم* وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين * قال رب فأنظرني إلي يوم يبعثون * قال فإنك من المنظرين * إلى يوم الوقت المعلوم * قال فبعزتك لا غوينهم أجمعين * إلا عبادك منهم المخلصين * قال فالحق والحق أقول * لاملان جهنم منك وممن بتعك منهم أجمعين ٧١ ـ ٨٥.

تفسير : قال الطبرسي رحمة الله في قوله تعالى : « وإذ قلنا للملائكة » بعد ذكر ما سيأتي من الخلاف في معنى السجود حقيقه إبليس وأن المأمورين هل كانوا كل الملائكة أو بعضهم واختار الاول : روي عن ابن عباس أن الملائكة كانت تقابل الجن فسبي إبليس وكان صغيرا وكان مع الملائكة فتعبد معها بالامر بالسجود لآدم فسجدوا وأبى إبليس فلذلك قال الله تعالى : « إلا إبليس كان من الجن »

وروى مجاهد وطاوس عنه أيضا أنه كان إبليس قبل أن يرتكب المعصية ملكا من الملائكة اسمه عزازيل ، وكان من سكان الارض ، وكان سكان الأرض من الملائكة يسمون الجن ، ولم يكن من الملائكة أشد اجتهادا وأكثر علما منه ، فلما تكبر على الله وأبى

١٣١

للسجود لآدم وعصاه لعنه وجعله شيطانا وسماه إبليس (١) « وكان الكافرين » أي كان كافرا في الاصل ، أو كان في علمه تعالى منهم ، أو صار منهم. (٢)

« ولقد خلقناكم ثم صورناكم » أي خلقنا أباكم وصورناه ، وقيل : خلقنا آدم ثم صورناكم في ظهره ، وقيل : إن الترتيب وقع في الاخبار ، أي ثم نخبركم أنا قلنا للملائكة اسجدوا « مامنعك أن لا تسجد » لا زائدة ، أو المعنى : ما دعاك إلى أن لا تسجد؟ « خلقتني من نار » قال ابن عباس : أول من قاس إبليس فأخطأ القياس ، فمن قاس الدين بشئ من رأيه قرنه الله بإبليس ، ووجه دخول الشبهة على إبليس أنه ظن أن النار إذا كانت أشرف من الطين لم يجز أن يسجد الاشرف للادون ، وهذا خطأ ، (٣) لان ذلك تابع لما يعلم الله سبحانه من مصالح العباد ، وقد قيل أيضا : إن الطين خير من النار ، لانه أكثر منافع للخلق من حيث إن الارض مستقر الخلق وفيها معائشهم ومنها تخرج أنواع أرزاقهم ، والخيرية إنما يراد بها كثرة المنافع « فاهبط » أي انزل وانحدر « منها » أي من السماء ، وقيل : من الجنة ، وقيل : انزل عما أنت عليه من الدرجة الرفيعة إلى الدرجة الدنية التي هي درجة العاصين « فما يكون لك أن تتكبر » عن أمر الله « فيها » أي الجنة أو في السماء ، فإنها ليست بموضع المتكبرين « فاخرج » من المكان الذي أنت فيه ، أو المنزلة التي أنت عليها « إنك من الصاغرين » أي من الاذلاء بالمعصية ، وهذا الكلام إنما صدر من الله سبحانه على لسان بعض الملائكة ، وقيل : إن إبليس رأى معجزة تدله على أن ذلك كلام الله « قال أنظرني » أي أخرني في الاجل « إلى يوم يبعثون » أي من قبورهم للجزاء ، قال الكلبي : أراد الخبيث أن لا يذوق الموت في النفخة الاولى ، واجيب بالانظار إلى يوم الوقت المعلوم ، وهي النفخة الاولى (٤) ليذوق

ـــــــــــــــ

(١) قال الراغب : الابلاس : الحزن المعترض من شدة اليأس ، يقال : أبلس ، ومنه اشتق إبليس فيما قيل.

(٢) مجمع البيان ١ : ٨٣. م

(٣) وأخطأ أيضا حيث ظن أن الفضيلة تكون بواسطة المادة فقال : خلقتنى من نار وخلقته من طين ، مع أن الفضيلة تكون بما هو منشأ للاثار ومصدر والامور والافعال ، وإليه أشارالله تعالى بقوله : « وإذا نقخت فيه من روحى فقعوا له ساجدين » أضاف الروح إلى نفسه تشريفا وتعظيما له ، وإيعازا إلى أنه الموجب لاستحقاق السجود والتعظيم.

(٤) أو ظهور المهدى عليه‌السلام على ماروى.

١٣٢

الموت بين النفختين وهو أربعون سنة « فبما أغويتني » أي بما خيبتني من رحمتك و جنتك ، أو امتحنتني بالسجود لآدم فغويت عنده ، أو حكمت بغوايتي ، أو أهلكتني بلعنك إياي ، ولا يبعد أن يكون إبليس اعتقد أن الله يغوي الخلق ويكون ذلك من جملة ما كان اعتقده من الشر « لاقعدن لهم » أي لاولاد آدم « صراطك المستقيم » أي على طريقك المستوي لاصدهم عنه بالاغواء.

« ثم لآتينهم من بين أيديهم » الآية فيه أقوال : أحدها أن المعنى : من قبل دنياهم وآخرتهم ، ومن جهة حسناتهم وسيئاتهم ، أي ازين لهم الدينا ، واشككهم في الآخرة ، واثبطهم عن الحسنات ، (١) واحبب إليهم السيئات.

وثانيها : أن معنى « من بين أيديهم وعن أيمانهم » من حيث يبصرون ، و « من خلفهم و عن شمائلهم » من حيث لا يبصرون.

وثالثها : ما روي عن أبي جعفر (ع) قال : « ثم لآتينهم من بين أيديهم » معناه : اهون عليهم أمر الآخرة « ومن خلفهم » آمرهم بجمع الاموال والبخل بها عن الحقوق لتبقى لورثتهم « وعن أيمانهم » افسد عليهم أمر دينهم بتزئين الضلالة وتحسين الشبهة « وعن شمائلهم » بتحبيب اللذات إليهم وتغليب الشهوات على قلوبهم « ولا تجد أكثرهم شاكرين » إما أن يكون قال ذلك من جهة الملائكة بإخبار الله إياهم ، وإما عن ظن منه كما قال سبحانه : « ولقد صدق عليهم إبليس ظنه » (٢) فإنه لما استزل آدم ظن أن ذريته أيضا سيجيبونه لكونهم أضعف منه « مذءوما » أي مذموما ، أو معيبا ، أو مهانا لعينا « مدحورا » أي مطرودا « لاملان جهنهم منكم » أي منك ومن ذريتك وكفار بني آدم « أجمعين » (٣)

« ولقد خلقنا الانسان » يعني آدم « من صلصال » أي من طين يابس تسمع له عند النقر صلصلة أي صوت ، وقيل : طين صلب يخالطه الكثيب ، وقيل : منتن « من حمأ » أي

ـــــــــــــــ

(١) أى أحبسهم وأمنعهم عن الحسنات ، يقال : ثبطه المرض وأثبطه : إذا منعه ولم يكد يفارقه.

(٢) سباء : ٢٠.

(٣) مجمع البيان ٤ : ٤٠٠ ـ ٤٠٥. م

١٣٣

من طين متغير « مسنون » أي مصبوب. كأنه افرغ حتى صار صورة ، كما يصب الذهب و الفضة ، وقيل : إنه الرطب ، وقيل : مصور ، عن سيبويه قال : اخذ منه سنة الوجه « والجنان » أي إبليس ، أو هو أب الجن ، وقيل : هم الجن نسل إبليس « من قبل » خلق آدم « من نار السموم » أي من نار لها ريح حارة تقتل ، وقيل : نار لادخان لها والصواعق تكون منها ، وقيل : السموم : النار الملتهبة ، وأصل آدم كان من تراب وذلك قوله : « خلقه من تراب » ثم جعل التراب طينا ، وذلك قوله : « وخلقته من طين » ثم ترك ذلك الطين حتى تغير واسترخى وذلك قوله : « من حمأ مسنون » ثم ترك حتى جف وذلك قوله : « من صلصال » فهذه الاقوال لا تناقض فيها إذ هي إخبار عن حالاته المختلفة. « بشرا » يعني آدم وسمي بشرا لانه ظاهر الجلد لا يواريه شعر ولا صوف « فإذا سويته » بإكمال خلقه. (١)

« ونفخت فيه من روحي » قال البيضاوي : أصل النفخ إجراء الريح في تجويف جسم آخر ، ولما كان الروح يتعلق أولا بالبخار الطيف المنبعث من القلب ويفيض عليه القوة الحيوانية فيسري حاملا لها في تجاويف الشرايين إلى أعماق البدن جعل تعليقه بالبدن نفخا ، وإضافة الروح إلى نفسه للتشريف « فاخرج منها » أي من الجنة أو من السماء ، أو زمر الملائكة « فإنك رجيم » مطرود من الخير والكرامة ، أو شيطان يرجم بالشهب « وأن عليك اللعنة » هذا الطرد والابعاد « إلى يوم الدين » فإنه منتهى أمد اللعن ، لانه يناسب أيام التكليف ، وقيل : إنما حد اللعن به لانه أبعد غاية تضربها الناس ، أو لانه يعذب فيه بما ينسي اللعن معه فيصير كالزائل « إلى يوم الوقت المعلوم » المسمى فيه أجلك عندالله أو انقراض الناس كلهم وهو النفخة الاولى ، أو يوم القيامة « رب بما أغويتني » الباء للقسم ، وما مصدرية ، وجوابه « لازينن لهم في الارض » والمعنى : اقسم بإغوائك إياي الازينن لهم المعاصي في الدنيا التي هي دار الغرور ، وقيل : للسببية ، والمعتزلة أولوا الاغواء بالنسبة إلى الغي أو التسبب له بأمره إياه بالسجود ، أو بالاضلال عن طريق الجنة ، واعتذروا عن إمهال الله تعالى له وهو سبب لزيادة غيه وتسليطه له على بني آدم بأن الله علم منه وممن تبعه أنهم يموتون على الكفر أمهل أولم يمهل ، وإن في إمهاله

ـــــــــــــــ

(١) مجمع البيان ج ٦ : ٣٣٥ ـ ٣٤٣.

١٣٤

تعريضا لمن خالفه لاستحقاق مزيد الثواب. (١)

« هذا صراط علي مستقيم » قال الطبرسي فيه وجوه : أحدها : أنه على جهة التهديد له ، كما تقول لغيرك : افعل ما شئت وطريقك علي أي لا تفوتني. وثانيها : معناه أن ما تذكره من أمر المخلصين والغاوين طريق ممره علي ، أي ممر من سلكه مستقيم لا عدول فيه عني ، واجازي كلا من الفريقين بما عمل. وثالثها : هذا دين مستقيم علي بيانه والهداية إليه « ليس لك عليهم سلطان » أي قدرة على إكراههم على المعصية.

« إلا من اتبعك » لانه إذا قبل منه صار عليه سلطان بعدوله الهدى إلى ما يدعوه إليه ، وقيل : الاستثناء منقطع والمراد : ولكن من اتبعك من الغاوين جعل لك على نفسه سلطانا. (٢)

« ءأسجد لمن خلقت طينا » استفهام إنكار « هذا الذي كرمت » أي فضلته « علي » يعني آدم على نبينا وآله وعليه السلام « لا حتنكن » أي لا غوين « ذريته » وأقودنهم معي إلى المعاصي كما يقاد الدابة بحنكها إذا شد فيه حبل تجربه « إلا قليلا » وهم المخلصون ، وقيل : « لاحتنكنهم » أي لاستولين عليهم ، وقيل : لاستأصلتهم بالاغواء من احتناك الجراد الزرع ، وهو أن يأكله ويستأصله (٣) « واستفزز » الاستفزاز : الازعاج والاستنهاض على خفة وإسراع « بصوتك » أي ضلهم بدعائك ووسوستك ، من قولهنم : صوت فلان بفلان : إذا دعاه ، وهذا تهديد في صورة الامر ، وقيل : بصوتك أي بالغناء والمزامير والملاهي ، وقيل : كل صوت يدعى به إلى الفساد فهو من صوت الشياطين « وأجلب عليهم بخيلك ورجلك » الاجلاب : السوق بجلبة وهي شدة الصوت ، أي أجمع عليهم ما قدرت عليه من مكائدك وأتباعك و ذريتك وأعوانك ، فالباء مزيدة ، وكل راكب أو ماش في معصية الله من الانس والجن

ـــــــــــــــ

(١) أنوار التنزيل : ج ١ : ٢٥.

(٢) مجمع البيان ٦ : ٥٣٧ و ٥٣٨.

(٣) أضاف الرضى قدس‌سره في كتابه تلخيص البيان على هذه الوجوه وجوها اخر منها : أن المعنى : لا لقين في أحناكهم حلاوة المعاصى حتى يستلذوها ويرغبوا فيها ويطلبوها. ومنها : أن المراد بذلك : لا ضيقن عليهم مجارى الانفاس من أحناكهم بابطال الوسوسة لهم وتضاعف الاغواء عليهم ، يقال : احتنك فلان فلانا : إذا أخذ مجرى النفس من حنكه ، فكان كالشبا في مقتله والشجا في مسعله. واختار من الوجوه الوجه الاول المذكور في المتن.

١٣٥

فهو من خليل إبليس ورجله ، وقيل : هو من أجلب القوم وجلبوا أي صاحوا ، أي صح بخيلك ورجلك فاحشرهم عليهم بالاغواء « وشاركهم في الاموال والاولاد » وهو كل مال اصيب من حرام ، وكل ولدزنا عن ابن عباس ، وقيل : مشاركته في الاموال أنه أمرهم أن يجعلوها سائبة وبحيرة ونحو ذلك ، وفي الاولاد أنه هودهم ونصرهم ومجسهم ، وقيل : إن المراد بالاولاد تسميتهم عبد شمس وعبدالحارث ونحو هما ، وقيل : قتل الموؤودة من أولادهم « وعدهم » ومنهم البقاء (١) وطول الامل وأنهم لا يبعثون ، وكل هذا زجر وتهديد في صورة الامر « وكفى بربك وكيلا » أي حافظا لعباده من الشرك. (٢)

« كان من الجن » هذا دليل من قال : إنه ليس من الملائكة ، وقال الآخرون : أي كان من الذين يستترون عن الابصار من الجن وهو الستر. (٣)

« لما خلقت بيدي » أي توليت خلقه بنفسي من غير واسطة ، وذكر اليدين لتحقيق الاضافة لخلقه إلى نفسه ، وقيل : أي خلقته بقدرتي « أستكبرت أم كنت من العالين » أي أرفعت نفسك فوق قدرك وتعظمت عن امتثال أمري أم كنت من الذين تعلو أقدارهم عن السجود فتعاليت عنه. (٤)

١ ـ م ، ج : بالاسناد إلى أبي محمد العسكري عليه‌السلام في خبر طويل يذكر فيه أمر العقبة : إن المنافقين قالوا لرسول الله (ص) : أخبرنا عن علي عليه‌السلام أهو أفضل أم ملائكة الله المقربون؟ فقال رسول الله (ص) : وهل شرفت ملائكة الله إلا بحبها لمحمد وعلي ، وقبولها لولا يتهما؟ إنه لا أحد من محبي علي عليه‌السلام نظف قلبه من قذرالغش والدغل والغل ونجاسة الذنوب إلا لكان أطهر وأفضل من الملائكة ، وهل أمر الله الملائكة بالسجود لآدم إلا لما كانوا قد وضعوه في نفوسهم أنه لا يصير في الدنيا خلق بعدهم إذارفعوا عنها (٥) إلا وهم ـ يعنون أنفسهم ـ أفضل منهم في الدين فضلا ، وأعلم بالله وبدينه علما ، (٦)

ـــــــــــــــ

(١) من منى الرجل الشئ وبالشئ : جعله يتمناه.

(٢) مجمع البيان ج ٢ : ٤٢٥ ـ ٤٢٦. م

(٣) « « « : ص ٤٧٥.

(٤) « « « : ٤٨٥. م

(٥) في نسخة : إذا رفعوهم عنها.

(٦) في نسخة : وأعلم بالله وبنيه علما.

١٣٦

فأراد الله أن يعرفهم أنهم قد أخطؤوا في ظنونهم واعتقاداتهم ، فخلق آدم وعلمه الاسماء كلها ثم عرضها عليهم فعجزوا عن معرفتها ، فأمر آدم أن ينبئهم بها وعرفهم فضله في العلم عليهم.

ثم أخرج من صلب آدم ذرية (١) منهم الانبياء والرسل والخيار من عبادالله أفضلهم محمد ثم آل محمد ، ومن الخيار الفاضلين منهم أصحاب محمد وخيار امة محمد ، وعرف الملائكة بذلك أنهم أفضل من الملائكة إذا احتملوا ما حملوه من الاثقال (٢) وقاسوا ماهم فيه من تعرض أعوان الشياطين ، (٣) ومجاهدة النفوس واحتمال أذى ثقل العيال والاجتهاد في طلب الحلال ومعاناة مخاطرة الخوف من الاعداء (٤) من لصوص مخوفين ، ومن سلاطين جورة قاهرين ، وصعوبة في المسالك في المضائق والمخائق والمخاوف والاجزاع والجبال والتلال لتحصيل أقوات الانفس والعيال من الطيب الحلال ، عرفهم الله عزوجل أن خيار المؤمنين يحتملون هذه البلايا ويتخلصون منها ، ويتحاربون الشياطين ويهزمونهم (٥) ويجاهدون أنفسهم بدفعها عن شهواتها ، ويغلبونها مع ما ركب فيه من شهوة الفحولة وحب اللباس والطعام ، والعز والرئاسة والفخر والخيلاء ، ومقاساة العناء والبلاء من إبليس لعنه الله وعفاريته ، و خواطرهم وإغوائهم واستهوائهم ، ودفع ما يكيدونه (٦) من ألم الصبر على سماع الطعن من أعداء الله ، وسماع الملاهي والشتم لاولياء الله ، ومع ما يقاسونه في أسفارهم لطلب أقواتهم ، والهرب من أعداء دينهم ، أوالطلب لما يألمون معاملته (٧) من مخالفيهم في دينهم ، قال الله عزوجل : يا ملائكتي وأنتم من جميع ذلك بمعزل : لا شهوات الفحولة تزعجكم ، (٨) ولا

ـــــــــــــــ

(١) في نسخة : ثم أخرج من صلب آدم ذريته.

(٢) « : إذا احتملوا ما حملوا من الاثقال.

(٣) في الاحتجاج : وقاسوا ماهم فيه بعرض يعرض من أعوان الشياطين.

(٤) في نسخة : ومعاناة مقامات الخوف من الاعداء.

(٥) في نسخة : ويحاربون الشياطين ويعرفونهم ، وفى النسخة المخطوطة ويحزمونهم بالحاء ولعله ـ لولم يكن مصحفا ـ من حزم الفرس : شد حزامه ، والحزام : مايشد به وسط الدابة.

(٦) في نسخة وفى الاحتجاج : ما يكابدونه أى ما يقاسونه ويتحملون من المشاق.

(٧) في نسخة وفى الاحتجاج : لمن يأملون معاملته. وفى نسخة : معاملتهم.

(٨) زعجه : أقلقه وقلعه من مكانه.

١٣٧

شهوة الطعام تحفزكم ، ولا خوف من أعداء دينكم ودنياكم ينخب في قلوبكم ، ولا لابليس في ملكوت سماواتي وأرضي شغل على إغواء ملائكتي الذين قد عصمتهم منهم ، يا ملائكتي فمن أطاعني منهم وسلم دينه من هذه الآفات والنكبات فقد احتمل في جنب محبتي ما لم تحتملوا ، واكسب من القربات إلي مالم تكتسبوا ، فلما عرف الله ملائكته فضل خيار امة محمد (ص) وشيعة علي وخلفائه عليهم‌السلام عليهم ، واحتمالهم في جنب محبة ربهم مالا يحتمله الملائكة أبان بني آدم الخيار المتقين بالفضل عليهم.

ثم قال : فلذلك فاسجدوا لآدم (١) لما كان مشتملا على أنوار هذه الخلائق الافضلين ، ولم يكن سجودهم لآدم ، إنما كان آدم قبلة لهم يسجدون نحوه لله عزوجل وكان بذلك معظما مبجلا له ، ولا ينبغي لاحد من دون الله ، يخضع له خضوعه لله ، ويعظمه بالسجود له كتعظيمه لله ، ولو أمرت أحدا أن يسجد هكذالغير الله لامرت ضعفاء شيعتنا وسائر المكلفين من شيعتنا (٢) أن يسجدوا لمن توسط في علوم رسول الله (ص) ، و محض وداد خير خلق الله علي بعد محمد رسول الله ، واحتمل المكاره والبلايا في التصريح بإظهار حقوق الله ، ولم ينكر علي حقا ارقبه عليه قد كان جهله أو أغفله. (٣) الخبر.

بيان : المقاساة : المكابدة وتحمل الشدة في الامر ، والاجزاع جمع الجزع بالكسر وقد يفتح وهو منعطف الوادي ووسطه أو مفتتحه ، أو مكان بالوادي لا شجر فيه ، وربما كان رملا. والعفريت : الخبيث المنكر والنافذ في الامر المبالغ فيه دهاء. وخفزه أي دفعه من خلفه. والنخب : النزع ، ورجل نخب بكسر الخاء أي جبان لافؤادله ، ذكره الجوهري. وقوله عليه‌السلام : « ارقبه عليه » أي ارصده له وأنتظر رعايته منه ، أو من قولهم : رقبه أي جعل الحبل في رقبته.

٢ ـ ج : في جواب مسائل الزنديق عن أبي عبدالله عليه‌السلام أنه سأل أيصلح السجود لغير الله؟ قال : لا ، قال : فكيف أمر الله الملائكة بالسجود؟ فقال : إن من سجد بأمر الله فقد سجد الله فكان سجوده لله إذ كان عن أمر الله. ثم قال عليه‌السلام : فأما إبليس فعبد خلقه

ـــــــــــــــ

(١) في نسخة : فلذلك قال فاسجدوا لادم.

(٢) في نسخة : وسائر المكلفين من متبعينا.

(٣) الاحتجاج : ٣١ ـ ٣٢. وفيه : جهلة او غفلة. م

١٣٨

ليعبده ويوحده ، وقد علم حين خلقه ماهو وإلى ما يصير ، فلم يزل يعبده مع ملائكته حتى امتحنه بسجود آدم ، فامتنع من ذلك حسدا وشقاوة غلبت عليه فلعنه عند ذلك ، وأخرجه عن صفوف الملائكة ، وأنزله إلى الارض مدحورا ، فصار عدو آدم وولده بذلك السبب ، وماله من السلطنة على ولده إلا الوسوسة والدعاء إلى غير السبيل ، وقد أقر مع معصيته لربه بربوبيته. (١)

٣ ـ ص : بالاسناد عن الصدوق ، عن ابن المتوكل وما جيلويه معا ، عن محمد العطار ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سيف ، عن أخيه ، عن أبيه ، عن أبي بصير قال : قلت لابي عبدالله (ع) : سجدت الملائكة لآدم عليه‌السلام ووضعوا جباههم على الارض؟ قال : نعم تكرمة من الله تعالى. (٢)

٤ ـ ف : عن أبي الحسن الثالث عليه‌السلام قال : إن السجود من الملائكة لآدم لم يكن لآدم وإنما كان ذلك طاعة لله ومحبة منهم لآدم. (٣)

٥ ـ ج : عن موسى بن جعفر ، عن آبائه عليهم‌السلام أن يهوديا سأل أميرالمؤمنين (ع) عن معجزات النبي في مقابلة معجزات الانبياء ، فقال : هذا آدم أسجد الله له ملائكته ، فهل فعل بمحمد شيئا من هذا؟ فقال علي عليه‌السلام : لقد كان ذلك ، ولكن أسجد الله لآدم ملائكته ، فإن سجودهم لم يكن سجود طاعة إنهم عبدوا آدم من دون الله عزوجل ، ولكن اعترافا لآدم بالفضيلة ، ورحمة من الله له ، ومحمد (ص) اعطي ماهو أفضل من هذا ، إن الله جل وعلا صلى عليه في جبروته والملائكة بأجمعها ، وتعبد المؤمنون بالصلاة عليه ، فهذه زيادة له يا يهودي. (٤)

٦ ـ ن : الحسن بن محمد بن سعيد الهاشمي ، عن فرات بن إبراهيم ، عن محمد بن أحمد ابن علي الهمداني ، عن العباس بن عبدالله البخاري ، عن محمد بن القاسم بن إبراهيم ، عن أبي الصلت الهروي ، عن الرضا ، عن آبائه ، عن أميرالمؤمنين (ع) قال : قال رسول الله (ص)

ـــــــــــــــ

(١) الاحتجاج : ١٨٤ ـ ١٨٥. والسؤال عن ابليس واقع قبل السؤال عن السجود. م

(٢) قصص الانبياء مخطوط. م

(٣) تحف العقول : ٤٧٨. م

(٤) الاحتجاج : ١١١. م

١٣٩

إن الله فضل أنبياءه المرسلين على ملائكته المقربين ، وفضلني على جميع النبيين والمرسلين ، والفضل بعدي لك يا علي وللائمة من بعدك وساق الحديث إلى أن قال : ثم إن الله تبارك وتعالى خلق آدم فأودعنا صلبه ، وأمر الملائكة بالسجود له تعظيما لنا وإكراما وكان سجودهم لله عزوجل عبودية ولآدم إكراما وطاعة ، لكوننا في صلبه ، فكيف لا نكون أفضل من الملائكة وئقد سجدوا لآدم كلهم أجمعون؟ الخبر. (١)

تحقيق : اعلم أن المسلمين قد أجمعوا على أن ذلك السجود لم يكن سجود عبادة لانها لغير الله تعالى توجب الشرك ، ثم اختلفوا على ثلاثة أقوال :

الاول : أن ذلك السجود كان لله تعالى ، وآدم على نبينا وآله وعليه السلام كان قبلة ، وهو قول أبي علي الجبائي وأبي القاسم البلخي وجماعة.

والثاني : أن السجود في أصل اللغة هو الانقياد والخضوع ، قال الشاعر : ترى الاكم فيها سجدا للحوافر. أي الجبال الصغار والتلال كانت مذللة لحوافر الخيول ، ومنه قوله تعالى : « والنجم والشجر يسجدان (٢) » واورد عليه بأن المتبادر من السجود وضع الجهة على الارض فيجب الحمل عليه مالم يدل دليل على خلافه ، ويؤيده قوله تعالى : « فقعوا له ساجدين » (٣) ويدل على صريحا بعض الاخبار المتقدمة.

والثالث : أن السجود كان تعظيما لآدم على نبينا وآله وعليه السلام وتكرمة له ، وهو في الحقيقة عبادة لله تعالى لكونه بأمره ، وهو مختار جماعة من المفسرين ، وهو الاظهر من مجموع الاخبار التي أوردناها ، وإن كان الخبر الاول يؤيد الوجه الاول. (٤)

ثم اعلم أنه قد ظهر مما أوردنا من الاخبار أن السجود لا يجوز لغير الله مالم يكن عن أمره ، وأن المسجود له لا يكون معبودا مطلقا ، بل قد يكون السجود تحية لا عبادة وإن يجز إيقاعه إلا بأمره تعالى ، وأن أمره سبحانه للملائكة بالسجود لآدم على

ـــــــــــــــ

(١) عيون الاخبار : ١٤٥. م

(٢)الرحمن : ٦.

(٣)الحجر : ٢٩ وص : ٧٢.

(٤) فيه جمع بين القول الاول والثالث حيث قال عليه‌السلام : ولم يكن سجودهم لادم ، انما كان آدم قبل لهم يسجدون نحوه لله عزوجل وكان بذلك معظما مبجلا له أى لادم.

١٤٠