تحرّفوا الآيات بعوض الأمتعة الدّنيئة والهدايا القليلة ، وفي التوصيف بالقلّة إشعار بأنّ جميع ما يأخذون من الأثمان ولو كان كثيرا في جنب النعم الأخرويّة قليل غايته.
عن الباقر عليهالسلام : « إنّ حيي بن أخطب ، وكعب بن الأشرف وآخرين من اليهود كان لهم مأكلة على اليهود في كلّ سنة ، فكرهوا بطلانها ، فحرّفوا لذلك آيات من التّوراة فيها صفته وذكره ، فذلك الثّمن الذي أريد به في الآية » (١) .
﴿وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ﴾ في كتمان أمر محمّد صلىاللهعليهوآله ووصيّه عليهالسلام.
قيل : الفرق بين الرّهبة والاتّقاء ، أنّ الرّهبة : الخوف في معرض الضّرر وعند إمكان وقوعه ، والاتّقاء : في مورد تيقّن الضّرر.
﴿وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَ﴾ المنزل في التّوراة ﴿بِالْباطِلِ﴾ الذي تخترعونه ، أو المراد : لا تلبسوا نبوّة محمّد صلىاللهعليهوآله ودلائلها بالشّبهات الباطلة الّتي تلقونها بين النّاس ﴿وَ﴾ لا ﴿تَكْتُمُوا الْحَقَ﴾ بالسّعي في أن لا يطّلع أحد على دلائله ﴿وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ بأنّ ما تفعلونه كتمان للحقّ ومكابرة لعقولكم ، أو تعلمون ما في إضلال الخلق من الضّرر العظيم ، وفعل القبيح مع العلم بقبحه أقبح.
عن أمير المؤمنين عليهالسلام : « من كتم علما وهو يقدر على إظهاره ولا يمنعه التقيّة ، الجم يوم القيامة بلجام من النّار » (٢) .
﴿وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (٤٣)﴾
ثمّ بعد ما دعاهم إلى الإيمان بالنبيّ صلىاللهعليهوآله دعاهم إلى العمل بشريعته ، بقوله : ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ﴾ المكتوبة في دين محمّد صلىاللهعليهوآله ﴿وَآتُوا الزَّكاةَ﴾ زكاة المال والنّفس والفطرة ﴿وَارْكَعُوا﴾ وتواضعوا لعظمة الله ﴿مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾ المتواضعين له. والمراد : صلّوا مع المصلّين جماعة والتعبير عن الصّلاة بالرّكوع لاختصاصه بشريعة الإسلام دون اليهود والنّصارى.
﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَ فَلا تَعْقِلُونَ (٤٤)﴾
__________________
(١) مجمع البيان ١ : ٢١٠.
(٢) بحار الأنوار ٧ : ٢١٧ / ١٢٠.