بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٠٥
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

عليه‌السلام : إن عطا قد رجع ، قال : ولم؟ قلت : كان كذا وكذا ، قال : امض بنا فلو أنا إذا رأينا شيئا من الباطل تركنا الحق لم نقض حق مسلم.

فلما صلى على الجنازة ، قال وليها لابي جعفر عليه‌السلام : انصرف مأجورا رحمك الله [ فانك لا تقدر على المشي ] فأبى أن يرجع قال : فقلت : قد أذن لك في الرجوع ولي حاجة أريد أن أسألك عنها ، فقال امضه ، فليس باذنه جئنا ، ولا باذنه نرجع ، إنما هو فضل طلبناه ، فبقدر ما يتبع الرجل يؤجر على ذلك.

ايضاح : رواه في الكافي (١) بسند حسن ، وعطاء هو ابن أبي رباح ، و كان بنو أمية يعظمونه جدا حتى أمروا المنادي ينادي ، لا يفتي الناس إلا عطاء ، وإن لم يكن فعبد الله بن أبي نجيح ، وكان عطا أعور أفطس أعرج شديد السواد ذكره ابن الجوزي في تاريخه وفي القاموس الصرخة الصيحة الشديدة ، وكغراب الصوت أو شديده ، والصارخ المغيث والمستغيث ضد انتهى أي صاحت بالنوح و الجزع امرأة.

وقال الشيخ البهائي قدس الله روحه : يستفاد من هذا الحديث أمور :

الاول تأكد كراهة الصراخ على الميت ، حيث جعله عليه‌السلام من الباطل ، ولعل ذلك بالنسبة إلى المرأة إذا سمع صوتها الاجانب إن لم نجعل مطلق إسماع المرأة صوتها الاجانب محرما ، بل مع خوف الفتنة لا بدونه ، كما ذكره بعض علمائنا.

الثاني أن رؤية الامور الباطلة وسماعها لا ينهض عذرا في التقاعد عن قضاء حقوق الاخوان.

الثالث أن موافقتهم بامتثال ما يستدعونه من الاقتصار على اليسير من الاكرام وتأدية الحقوق ليس أفضل من مخالفتهم في ذلك ، بل الامر بالعكس.

الرابع أن تعجيل قضاء حاجة المؤمن ليس أهم من تشييع الجنازة ، بل

____________________

(١) الكافى ج ٣ ص ١٧١ و ١٧٢.

٢٨١

الامر بالعكس ، ولعل عدم سؤال زرارة حاجته من الامام عليه‌السلام في ذلك المجمع وإرادته أن يرجع ليسأله عنها ، لانها كانت مسألة دينية لا يمكنه إظهارها في ذلك الوقت لحضور جماعة من المخالفين ، فأراد أن يرجع عليه‌السلام ليخلو به ويسأله عنها انتهى كلامه رفع مقامه.

وقال العلامة في المنتهى : لو رأى منكرا مع الجنازة أو سمعه ، فان قدر على إنكاره وإزالته فعل وأزاله ، وإن لم يقدر على إزالته استحب له التشييع ، ولا يرجع لذلك خلافا لاحمد.

٣٩ ـ المسلسلات : للشيخ جعفر بن أحمد القمي قال : حدثنا إسماعيل بن عباد بن العباس الوزير قال : حدثني سليمان بن أحمد ، عن أحمد بن أبي يحيى الحضرمي ، عن محمد بن داود بن أبي ناجية ، عن سفيان بن عيينة ، قال الزهري حدثنيه ومعمر أثبتنيه أخذته من فلق فيه يعيده ويبديه ، عن سالم ، عن أبيه أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأبا بكر وعمر كانوا يمشون أمام السرير.

٤٠ ـ دعائم الاسلام : رويناعن جعفر بن محمد ، عن أبيه عليهما‌السلام أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أسر إلى فاطمة عليها‌السلام أنها أولى من يلحق به من أهل بيته ، فلما قبض ونالها من القوم ما نالها ، لزمت الفراش ، ونحل جسمها ، وذاب لحمها ، وصارت كالخيال ، وعاشت بعد رسول الله صلوات الله عليهما سبعين يوما ، فلما احتضرت قالت لاسماء بنت عميس : كيف أحمل على رقاب الرجال مكشوفة ، وقد صرت (١) كالخيال ، وجف جلدي على عظمي؟ قالت أسماء : يا بنت رسول الله! إن قضى الله عليك بأمر فسوف أصنع لك شيئا رأيته في بلد الحبشة ، قالت : وما هو؟ قالت النعش يجعلونه من فوق السرير على الميت يستره ، قالت لها : افعلي ، فلما قبضت صلوات الله عليها صنعته لها اسماء فكان أول نعش عمل للنساء في الاسلام (٢).

____________________

(١) في المصدر المطبوع : وقد صرت عظما ليس عليه الا جلدة ، وكيف ينظر الرجال إلى جثتى على السرير اذا حملت قالت لها اسماء الخ.

(٢) دعائم الاسلام ج ١ ص ٢٣٢.

٢٨٢

وعن علي عليه‌السلام أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نهى أن يوضع الحنوط على النعش (١).

وعنه عليه‌السلام أنه نظر إلى نعش ربطت عليه حلتان حمراء وصفراء زين بهما فأمر عليه‌السلام بهما فنزعتا وقال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : أول عدل الآخرة القبور لا يعرف فيها غني من فقير (٢).

وعنه عليه‌السلام أنه نظر إلى قوم مرت بهم جنازة ، فقاموا قياما على أقدامهم فأشار إليهم أن اجلسوا (٣).

وعن الحسن بن علي عليهما‌السلام أنه مشى مع جنازة فمر على قوم فذهبوا ليقوموا فنهاهم ، فلما انتهى إلى القبر وقف يتحدث مع أبي هريرة وابن الزبير حتى وضعت الجنازة ، فلما وضعت جلس وجلسوا (٤).

وعن علي عليه‌السلام أنه سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول في جنازة : ما ادري أيهم أعظم ذنبا الذي يمشي مع الجنازة بغير رداء؟ أم الذي يقول ارفقوا رفق الله بكم؟ أم الذي يقول : استغفروا له غفر الله لكم (٥).

وعن علي صلوات الله عليه أنه قال : أسرعوا بالجنائز ، ولا تدبوا بها (٦).

وعنه عليه‌السلام أنه سئل عن حمل الجنازة أواجب هو على من شهدها؟ قال : لا ولكنه خير من شاء أخذ ومن شاء ترك (٧).

وعنه عليه‌السلام أنه رخص في حمل الجنازة على الدابة هذا إذا لم يوجد من يحملها ، أو من عذر ، فأما السنة أن يحملها الرجال (٨).

وعنه عليه‌السلام أنه كان يستحب لمن بداله أن يعين في حمل الجنازة أن يبدأ بياسرة السرير فيأخذها ممن هي في يديه بيمينه ، ثم يدور بالجوانب الاربعة (٩).

____________________

(١ ـ ٢) دعائم الاسلام ج ١ ص ٢٣٣.

(٣) المصدر نفسه وزاد بعده : هذا في القوم تمر عليهم الجنازة ولا يريدون اتباعها فأما من اراد ذلك قام ومشى ولم يجلس حتى يوضع السرير.

(٤ ـ ٩) دعائم الاسلام ج ١ ص ٢٣٣.

٢٨٣

وعنه عليه‌السلام أنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : اتبعوا الجنازة ولا تتبعكم ، خالفوا أهل الكتاب ، وإن رجلا قال له : كيف أصبحت يا رسول الله؟ قال : خير من رجل لم يمش وراء جنازة ، ولم يعد مريضا (١).

وعن علي عليه‌السلام أن أبا سعيد الخدري سأله عن المشي مع الجنازة أي ذلك افضل أمامها أم خلفها؟ فقال عليه‌السلام له : مثلك يسال عن هذا؟ قال : إي والله لمثلي يسأل عنه ، قال علي : إن فضل الماشي خلفها على الماشي أمامها كفضل صلاة المكتوبة على التطوع ، فقال أبوسعيد : أعن نفسك تقول هذا أم سمعته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ قال : بل سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقوله (٢).

وعنه صلوات الله عليه أنه كان يمشي خلف الجنازة حافيا يبتغي بذلك الفضل (٣).

وعنه أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مشى مع جنازة فنظر إلى امرأة تتبعها فوقف و قال : ردوا المرءة فردت ، ووقف حتى قيل قد توارت بجدر المدينة يا رسول الله فمضى صلى‌الله‌عليه‌وآله (٤).

وعن جعفر بن محمد ، عن آبائه عليهم‌السلام أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : إذا دعيتم إلى الجنائز فأسرعوا فانها تذكركم الآخرة (٥).

وعن ابي جعفر عليه‌السلام أنه سئل عن الرجل يدعى إلى جنازة ووليمة أيهما يجيب؟ قال : يجيب الجنازة فانحضور الجنازة يذكر الموت والآخرة ، وحضور الولائم يلهي عن ذلك (٦).

بيان : قال في القاموس : الخيال والخيالة ما تشبه لك في اليقظة والحلم من صورة ، وكساء أسود ينصب على عود يخيل به للبهايم والطير فيظنه إنسانا.

____________________

(١ ـ ٣) دعائم الاسلام ج ١ ص ٢٣٤.

(٤ ـ ٦) دعائم الاسلام ج ١ ص ٢٢٠ و ٢٢١.

٢٨٤

٨

* ( باب ) *

* « ( وجوب غسل الميت وعلله وآدابه وأحكامه ) » *

١ ـ العلل عن أبيه ، عن أحمد بن إدريس ، عن محمد بن أحمد بن يحيى الاشعري ، عن حمدان بن سليمان قال : وحدثنا عبدالواحد بن محمد بن عبدوس النيسابوري ، عن علي بن محمد بن قتيبة ، عن حمدان بن سليمان ، عن الحسن بن علي ابن فضال ، عن هارون بن حمزة ، عن بعض أصحابنا ، عن علي بن الحسين عليه‌السلام قال : إن المخلوق لا يموت حتى تخرج منه النطفة التي خلقه الله عزوجل منها من فيه أو من غيره (١).

٢ ـ ومنه : عن علي بن حاتم ، عن القاسم بن محمد ، عن إبراهيم بن مخلد عن إبراهيم بن محمد بن بشير ، عن محمد بن سنان ، عن أبي عبدالله القزويني قال : سألت ابا جعفر محمد بن علي عليهما‌السلام عن غسل الميت لاي علة يغسل؟ ولاي علة يغتسل الغاسل؟ قال : يغسل الميت لانه جنب ، ولتلاقيه الملائكة وهو طاهر ، و كذلك الغاسل لتلاقيه المؤمنين (٢).

٣ ـ ومنه : باسناده ، عن محمد بن عمر بن أبي عمير ، عن محمد بن عمار البصري عن عباد بن صهيب ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه عليهما‌السلام أنه سئل ما بال الميت يغسل؟ قال : النطفة التي خلق منها يرمي بها (٣).

٤ ـ ومنه : عن الحسين بن أحمد ، عن أبيه ، عن أحمد بن محمد بن عيسى عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن عبدالرحمن بن حماد قال : سألت أبا إبراهيم عليه‌السلام ، عن الميت لم يغسل غسل الجنابة؟ قال : إن الله تعالى أعلى وأخلص

____________________

(١ ـ ٢) علل الشرائع ج ١ ص ٢٨٣.

(٣) علل الشرايع ج ١ ص ٢٨٤.

٢٨٥

من أن يبعث الاشياء بيده ، إن لله تبارك وتعالى ملكين (١) خلاقين ، فاذا اراد أن يخلق خلقا أمر أولئك الخلاقين فأخذوا من التربة التي قال الله عزوجل : في كتابه « منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى » (٢) فعجنوها بالنطفة المسكنة في الرحم ، فاذا عجنت النطفة بالتربة ، قالا : يا رب ما تخلق؟ قال : فيوحي الله تبارك وتعالى ما يريد من ذلك ذكرا أو أنثى مؤمنا أو كافرا أسود أو أبيض ، شقيا أو سعيدا فان مات سالت منه تلك النطفة بعينها لا غيرها ، فمن ثم صار الميت يغسل غسل الجنابة (٣).

بيان : قال الوالد قدس الله روحه : لا يستبعد أن يكون النطفة أو بعضها محفوظة ، أو المراد بالنطفة الروح الحيواني ، والمراد أنه لما خرج منه صار نجسا فيجب تطهيره بالغسل ، أو أنه لما كان إنسانا بالروح النفيسة اللطيفة ، فلما فارقت البدن وجب تداركه بالغسل ، حتى يصير قابلا للصلاة عليه وقربه من رحمة الله.

أقول : الاظهر أن المراد أن الماء الغليظ الذي يخرج من عينه لما كان شبيها بالنطفة ، فلذا يغسل غسل الجنابة (٤) وقد مضى بعض الاخبار في باب علل

____________________

(١) الملائكة خ ل.

(٢) طه : ٥٥.

(٣) علل الشرايع ج ١ ص ٢٨٤.

(٤) أما في يومنا هذا فقد ظهر بالابحاث العلمية بل ورئى بالمكبرات أن المنى الذي يدفقه الرجل في كل مرة من جنابته مركب من ملايين نطفة ذات حياة تسمى كل واحدة منها عند الاصطلاح الجديد ابرماتوزئيد وأما المرءة فليس في منيها شئ من هذه النطف ولا من غير جنسها ، والذي تدفقه المرءة حين وصالها انما هو مايع غليظ كالمنى الذي يدفقه الرجل العقيم من دون أن يكون فيها نطفة ذات حياة ، ولكن المرءة تجود بيضتاها في كل شهر متناوبا بنطفة واحدة تسمى في اصطلاحهم اول ليس في داخل غشائها الاماء الحياة التي سموها بروتوبلاسم وهي التي تلاقيها نطفة واحدة من ملايين نطف الموجودة في منى الرجل فيخلق من لقاحهما واجتماعهما علقة صغيرة تكون أصل الجنين.

٢٨٦

الاغسال.

٥ ـ ثواب الاعمال (١) ومجالس الصدوق : عن أبيه ، عن سعد بن عبدالله ، عن الهيثم بن ابي مسروق النهدي ، عن الحسن بن محبوب ، عن عبدالله بن غالب ، عن سعد الاسكاف ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : أيما مؤمن غسل مؤمنا فقال إذا قلبه « اللهم هذا بدن عبدك المؤمن ، وقد أخرجت روحه منه ، وفرقت بينهما فعفوك عفوك » غفر الله له ذنوب سنة إلا الكباير (٢).

بيان : الضمير في « له » راجع إلى الغاسل ، وإرجاعه إلى الميت بعيد ، وسنة بالفتح والتخفيف وربما يقرء بالكسر والتشديد اي عمره ، وهو مخالف للظاهر والمضبوط في النسخ.

٦ ـ مجالس الصدوق : عن أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني ، عن علي ابن إبراهيم ، عن أبيه ، عن إسماعيل بن مرار ، عن يونس بن عبدالرحمن ، عن عبدالله بن سنان ، عن ابي عبدالله الصادق عليه‌السلام قال : من غسل ميتا مؤمنا فأدى

____________________

فشخصية الجنين وحقيقة نفسيته من النطفة التي يدفقها الرجل وادامة حياته مما في نطفة المرءة من ماء الحياة ، والى ذلك تشير قوله تعالى « الم يك نطفة من منى يمنى * ثم كان علقة فخلق فسوى * فجعل منه الزوجين الذكر والانثى » القيامة : ٣٩٣٧.

وهي التي تسمى في الايات والروايات بالنفس ، فاذا نام الانسان قبضها الله وتوفاها عارية ناقصة ، ثم اذا مات قبضها وتوفاها كاملة بتة. واليه يشير قوله تعالى « الله يتوفى الانفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الاخرى إلى أجل مسمى أن في ذلك لايات لقوم يتفكرون » ، الزمر : ٣٢.

فكما أن الجنابة تحصل بخروج واحدة من تلك الانفس الكثيرة عند الجماع والاحتلام مثلا ، كذلك تحصل بخروج نفسه عند الموت الا ان الحى يغتسل من جنابته بنفسه ، والميت يغسله وليه المسلم.

(١) ثواب الاعمال ص ١٧٧.

(٢) امالى الصدوق ص ٣٢٢.

٢٨٧

فيه الامانة غفر له ، قيل : وكيف يؤدي فيه الامانة؟ قال : لا يخبر بما يرى (١).

ثواب الاعمال : عن محمد بن علي ماجيلويه عن علي بن إبراهيم مثله (٢).

المقنع والهداية : مرسلا مثله (٣).

بيان : الرواية هكذا في الكافي والتهذيب (٤) أيضا ، وزاد في الفقيه (٥).  « وحده إلى أن يدفن الميت » وكأنها من الصدوق أو أخذها من خبر آخر ، وعلى تقديره يحتمل التشديد أي حد الاخفاء إلى الدفن ، أو حد الرؤية أي ينبغي أن لا يخبر بكل ما رآه منه إلى الدفن ، من العيوب والامور التي توجب شينه ويحتمل التخفيف أيضا أي كلما كان من عيوبه مستورا ورآه وحده ولم يره معه غيره ، سواء كان حال الغسل ، أو قبله بأن كان مشهورا به ، فأما ما كان كذلك فان ذكره لا ينافي الامانة.

٧ ـ قرب الاسناد : عن عبدالله بن الحسن ، عن جده علي بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه‌السلام قال : سألته عن الميت يغسل في الفضاء؟ قال : لا بأس ، وإن سترته فهو أحب إلي (٦).

بيان : وإن سترته أي من السماء ، بان يكون تحت سقف أو خيمة كما فهمه الاصحاب ، أو سترت عورته أو جسده بثوب ، والاول اظهر ، قال في الذكرى : استحباب غسله تحت سقف اتفاق علمائنا ، وقال المحقق في المعتبر ، ولعل الحكمة كراهة أن يقابل السماء بعورته.

٨ ـ فقه الرضا : قال عليه‌السلام : وغسل الميت مثل غسل الحي من الجنابة إلا

____________________

(١) أمالى الصدوق ص ٣٢٣.

(٢) ثواب الاعمال : ١٧٧ و ١٧٨.

(٣) المقنع ١٩ ، الهداية : ٢٤ ط الاسلامية.

(٤) الكافى ج ٣ ص ١٦٤ ، التهذيب ج ١ ص ١٢٧.

(٥) الفقيه ج ١ ص ٨٥ ط نجف.

(٦) قرب الاسناد ص ٨٥ ط حجر ص ١١١ ط نجف.

٢٨٨

أن غسل الحي مرة واحدة بتلك الصفات ، وغسل الميت ثلاث مرات ، على تلك الصفات ، تبتدئ بغسل اليدين إلى نصف المرفقين ، ثلاثا ثلاثا ثم الفرج ثلاثا ثم الراس ثلاثا ، ثم الجانب الايمن ثلاثا ، ثم الجانب الايسر ثلاثا بالماء و السدر ، ثم تغسله مرة أخرى بالماء والكافور على هذه الصفة ، ثم بالماء القراح مرة ثالثة ، فيكون الغسل ثلاث مرات كل مرة خمسة عشر صبة ، ولا تقطع الماء إذا ابتدأت بالجانبين من الرأس إلى القدمين.

فان كان الاناء يكبر عن ذلك ، وكان الماء قليلا صببت في الاول مرة واحدة على اليدين ، ومرة على الفرج ، ومرة على الرأس ، ومرة على الجنب الايمن ، ومرة على الجنب الايسر بافاضة لا يقطع الماء من أول الجانبين إلى القدمين ، ثم عملت ذلك في ساير الغسل ، فيكون غسل كل عضو مرة واحدة على ما وصفناه ، ويكون الغاسل على يديه خرقة ، ويغسل الميت من وراء ثوب أو يستر عورته بخرقة (١).

٩ ـ وقال في موضع آخر : ثم ضعه على مغتسله من قبل أن تنزع قميصه أو تضع على فرجه خرقة ، ولين مفاصله ، ثم تقعده فتغمز بطنه غمزا رفيقا و وتقول وأنت تمسحه : « اللهم إني سلكت حب محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله في بطنه فاسلك به سبيل رحمتك » ويكون مستقبل القبلة ويغسله أولى الناس به ، أو من يأمره الولي بذلك وتجعل باطن رجليه إلى القبلة وهو على المغتسل ، وتنزع قميصه من تحته أو تتركه عليه إلى أن تفرغ من غسله لتستر به عورته.

وإن لم يكن عليه القميص ألقيت على عورته شيئا مما تستر به عورته ، وتلين أصابعه ومفاصله ما قدرت بالرفق ، وإن كان يصعب عليك فدعها ، وتبدء بغسل كفيه ، ثم تطهر ما خرج من بطنه ، ويلف غاسله على يديه خرقة ويصب غيره الماء من فوق سرته ، ثم تضجعه.

ويكون غسله من وراء ثوبه إن استطعت ذلك ، وتدخل يدك تحت الثوب ، وتغسل

____________________

(١) فقه الرضا ص ١٧.

٢٨٩

قبله ودبره بثلاث حميديات (١) ولا تقطع الماء عنه ثم تغسل رأسه ولحيته برغوة السدر ، وتتبعه بثلاث حميديات ولا تقعده إن صعب عليك ، ثم اقلبه على جنبه الايسر ليبد ولك الايمن ، ومد يده اليمنى على جنبه الايمن إلى حيث يبلغ ثم اغسله بثلاث حميديات من قرنه إلى قدمه ، فاذا بلغت وركه فأكثر من صب الماء ، وإياك أن تتركه ، ثم اقلبه إلى جنبه الايمن ليبدو لك الايسر ، وضع بيدك اليسرى (٢) على جنبه الايسر واغسله بثلاث حميديات من قرنه إلى قدمه ، ولا تقطع الماء عنه ، ثم اقلبه إلى ظهره ، وامسح بطنه مسحا رفيقا ، واغسله مرة أخرى بماء وشئ من الكافور ، واطرح فيه شيئا من الحنوط مثل غسله الاول ثم خضخض الاواني التي فيها الماء ، واغسله الثالثة بماء قراح ، ولا تمسح بطنه في ثالثة وقل وأنت تغسله « عفوك عفوك » فانه من قالها عفى الله عنه.

وعليك باداء الامانة فانه روي عن أبي عبدالله عليه‌السلام أنه من غسل ميتا مؤمنا فادى إليه الامانة غفر له ، قيل : وكيف يؤدي الامانة؟ قال : لا يخبر بما يرى.

فاذا فرغت من الغسلة الثالثة ، فاغسل يديك من المرفقين إلى أطراف أصابعك وألق عليه ثوبا ينشف به الماء عنه ، ولا يجوز أن يدخل الماء ما ينصب عن الميت من غسله في كنيف ، ولكن يجوز أن يدخل في بلاليع لا يبال فيها ، أو في حفيرة.

ولا تقلمن أظافيره ، ولا تقص شاربه ، ولا شيئا من شعره ، فان سقط منه شئ من جلده فاجعله معه في أكفانه ، ولا تسخن له ماء إلا أن يكون باردا جدا فتوقي الميت مما توقي منه نفسك ، ولا يكون الماء حارا شديدا وليكن فاترا.

قال : ولا بأس أن تغسله في فضاء ، وإن سترت بشئ أحب إلي ، وإن

____________________

(١) كان اناء كبيرا ، ينسب إلى حميد ، ولعله كان رجلا فخارا يصنع الاناء الكبير ، أو صانعا من الصناع. (٢) ومديده اليسرى خ ل.

٢٩٠

حضرك قوم مخالفون فاجهد أن تغسله غسل المؤمن ، وأخف عنهم الجريدة ، فان خرج منه شئ بعد الغسل ، فلا تعد غسله ، ولكن اغسل ما اصاب من الكفن إلى أن تضعه في لحده ، فان خرج منه شئ في لحده لم تغسل كفنه ، ولكن قرضت من كفنه ما اصاب من الذي خرج منه ، ومددت أحد الثوبين على الآخر ، وإذا أردت ان تغسل ميتا وأنت جنب فتوضأ للصلاة ، ثم اغسله ، فاذا أردت الجماع بعد غسلك الميت من قبل أن تغتسل من غسله فتوضأ ثم جامع.

وإن مات ميت بين رجال نصارى ونسوة مسلمات ، غسله الرجال النصارى بعد ما يغتسلون ، وإن كان الميت امرأة مسلمة بين رجال مسلمين ، ونسوة نصرانية اغتسلت النصرانية وغسلتها.

وإن كان الميت مجدورا أو محترقا فخشيت إن مسسته سقط من جلوده شئ فلا تمسه ، ولكن صب عليه الماء صبا ، فان سقط منه شئ فاجمعه في أكفانه ، و إذا كان الميت محرما غسلته ، وغطيت وجهه ، وعملت به ما عمل بالحلال ، إلا أنه لا يقرب إليه كافور (١).

تبيين : قال في الدروس : يستحب غسل يدي الميت إلى نصف الذراع ثلاثا وقال في المعتبر : يبدء بغسل يديه قبل رأسه ثم يغسل رأسه يبدء بشقه الايمن ثم الايسر ، ويغسل كل عضو ثلاثا في كل غسلة ، وهو مذهب فقهائنا أجمع ، وأما غسل الفرج ثلاثا فقد روي الامر به في الاخبار ، وفي بعضها بماء السدر و الحرض (٢) ، وذكره الاكثر في المستحبات ، لكن نقلوا الاجماع على وجوب إزالة النجاسة العرضية عن بدنه قبل الغسل.

ثم المشهور بين الاصحاب أنه يجب تغسيل الميت ثلاثا بالسدر والكافور والقراح ، وحكي عن سلار أنه يجب مرة واحدة بالقراح ، والاول أظهر ، و الاشهر وجوب النية فيه ، وحكي عن المرتضى عدم الوجوب ، وأنه غسل لازالة

____________________

(١) فقه الرضا : ٢١.

(٢) الحرض بالضم : الاشنان.

٢٩١

الخبث ، وتردد في المعتبر ، وهل يعتبر في كل منها نية أم تكفي واحدة للجميع؟ قولان : والاحوط تقديم نية الجميع مع تخصيص غسل السدر ثم تجديد النية لخصوص غسل الكافور والقراح.

واختلف أيضا في أن الغاسل حقيقة هو الصاب أو المقلب ، والاشهر الاول ، وتظهر الفائدة في النية وغيرها ، والاحوط في النية إتيانهما جميعا بها.

ثم المشهور وجوب الترتيب بين الغسلات ، وحكى في الذكرى عليه الاجماع وكذا الترتيب بين الاغسال المشهور وجوبه ، وحكي عن ابن حمزة الاستحباب ، و ذكر جماعة الاكتفاء بالارتماس هنا وفيه إشكال ، والمشهور أنه يكفي في السدر والكافور مسماه ، ويحكى عن المفيد تقدير السدر برطل ، وعن ابن البراج رطل ونصف ، وعن بعضهم اعتبار سبع ورقات ، والظاهر الاكتفاء بالمسمى بحيث يطلق عليه أنه ماء سدر أو ماء كافور ، وهل يعتبر كون السدر مطحونا أو ممروسا؟ فيه قولان : اقربهما نعم ، ولو كان الخليط قليلا لا يصدق معه الاسم لم يجز.

ولو خرج بالخليط عن الاطلاق ففي جواز التغسيل به قولان : وظاهر أكثر الاخبار الجواز ، ونقل في الذكرى اتفاق الاصحاب على جواز ترغية السدر وهو مؤيد للجواز ، وهل المعتبر في القراح مجرد كونه مطلقا وإن كان فيه شئ من الخليطين أو يشترط فيه الخلو عنهما أم يعتبر فيه الخلو عن كل شئ حتى التراب ، فيه أقوال ، ولعل الاوسط اقوى ، ومع تعذر الخليطين يحتمل الواحدة والثلاث والثاني أحوط.

ولا خلاف في رجحان لف الغاسل خرقة على يده عند غسل فرج الميت ، وقال في الذكرى : وهل يجب؟ يحتمل ذلك ، لان المس كالنظر ، بل أقوى ومن ثم ينشر حرمة المصاهرة دون النظر ، أما باقي بدنه فلا يجب فيها الخرقة قطعا ، وهل يسحتب؟ كلام الصادق عليه‌السلام يشعر به ، وهل الافضل تجريده من

٢٩٢

القميص وتغسيله عاريا مستور العورة أو تغسيله في قميصه ، الاظهر من الاخبار الثاني ، وظاهرها طهارة القميص ، وإن لم يعصر ، كما صرح به جماعة ونقل في المعتبر الاجماع على استحباب تليين الاصابع ، وحكى عن ابن ابي عقيل القول بالمنع لقوله عليه‌السلام في خبر (١) طلحة بن زيد ولا تغمز له مفصلا ، ونزله الشيخ على ما بعد الغسل.

وقال في المعتبر : ويمسح بطنه أمام الغسلتين الاوليين ، إلا الحامل ، و المقصود بالمسح خروج ما لعله بقي مع الميت ، وإنما قصد ذلك لئلا يخرج بعد الغسل ما يؤذي ، ولا يمسح أمام الثالثة وهو إجماع فقهائنا ، والمشهور استحباب الاستقبال بالميت حالة الغسل ، بل قال في المعتبر : إنه اتفاق أهل العلم ، ونقل عن ظاهر الشيخ في المبسوط القول بالوجوب ، واختاره في المنتهى ، و رجحه المحقق الشيخ على وهو أحوط.

وأما أنه يغسله أولى الناس به ، فقد رواه الشيخ عن الصادق ، عن أبيه عن علي عليهم‌السلام (٢) وفسره الاكثر بالاولى بالميراث أي الوارث أولى من غير الوارث ، وقال بعض المتأخرين : ولا يبعد أن يراد أشد الناس به علاقة.

أقول : ويحتمل أن يكون المراد الاولوية من جهة المذهب.

وذكر الاكثر ان الرجال في كل مرتبة من مراتب الارث أولى من النساء في تلك المرتبة ، من غير فرق بين أن يكون الميت رجلا أو امرأة ، و ذكروا أن الميت لو كان امرءة لا يمكن للولي الذكر مباشرة تغسيلها اذن للمماثل ، فلا يصح بدون ذلك ، وقيل باختصاص الحكم بالرجال ، وأما النساء فالنساء أولى بغسلهن ، وذكروا أن الزوج اولى بزوجته من جميع اقاربها في كل أحكام الميت لروايه إسحاق (٣).

وما ذكره من كيفية الاغسال الثلاثة مطابق لما ذكره الصدوق في

____________________

(١) راجع الكافى ج ٣ ص ١٥٦ ، التهذيب ج ١ ص ٩٢.

(٢) التهذيب ج ١ ص ١٢٢ ، ورواه في الفقيه ج ١ ص ٨٦.

(٣) التهذيب ج ١ ص ٩٣.

٢٩٣

الفقيه (١) وقال في الذكرى : يستحب تقديم غسل يديه وفرجيه ، مع كل غسلة كما في الخبر ، وفتوى الاصحاب ، وتثليث غسل أعضائه كلها من اليدين والفرجين والرأس والجنبين بالاجماع ، وحصرها الجعفي في كل غسلة خمس عشرة صبة لا تنقطع ، وابن الجنيد والشيخ قالا بعدم الانقطاع أيضا حتى يستوفي العضو ، والصدوق ذكر ثلاث حميديات ، وكأنه إناء كبير ، ولهذا مثل ابن البراج الاناء الكبير بالابريق الحميدي انتهى.

ثم اعلم أن المشهور بين الاصحاب أن غسل رأسه أولا برغوة السدر مستحب قبل الشروع في غسل السدر ، وليس داخلا فيه ، والظاهر من أكثر الاخبار أنه محسوب من غسل السدر الواجب ، ورغوة اللبن مثلثة زبده.

وقوله : « من قرنه إلى قدمه » موافق لعبارة الفقيه ويدل كبعض الاخبار على إعادة غسل شقي الرأس مع شقي البدن ، الا أن يأول بأن المراد من منتهى قرنه أو بعض قرنه من باب المقدمة أو من أول قرنه استحبابا لزيادة التنظيف.

والمشهور بين الاصحاب كراهة إقعاد الميت ، ونقل الشيخ في الخلاف إجماع الفرقة عليه ، وقد ورد الامر بالاقعاد في عدة روايات ، وحملها الشيخ على التقية ، والمحقق مال إلى العمل بمضمونها ، والخضخضة تحريك الماء ونحوه.

وأما غسل الغاسل يديه وتنشيف بدن الميت وساير ما يأتي بعد ذلك ، ذكره الصدوق رحمه‌الله في الفقيه ، وقال في المعتبر : يستحب أن يغتسل الغاسل أمام التكفين أو يتوضأ وضوء الصلاة ، ذكره الشيخ ، وإن اقتتصر على غسل يديه إلى ذراعيه جاز ويستحب إذا فرغ الغاسل أن ينشف الميت بثوب لئلا يبل أكفانه ، ويكره إرسال ماء الغسل في الكنيف ولا باس بالبالوعة انتهى وظاهر الفقه كالفقيه حرمة الاخير ، وحمل على الكراهة.

وأما النهي عن تقليم الاظافير وجز الشعر فهو محمول عند الاكثر على الكراهية ، فقالوا يكره حلق رأسه وعانته وتسريح لحيته وقلم اظفاره ، وحكم

____________________

(١) الفقيه ج ١ ص ٩٠ و ٩١.

٢٩٤

ابن حمزة بالتحريم ، وهو مقتضى ظاهر النهي ، ونقل الشيخ الاجماع على أنه لا يجوز قص اظفاره ، ولا تنظيفها من الوسخ بالخلال ، ولا تسريح لحيته ، وربما حمل كلامه على تأكد الكراهة ، وأما جعل ما يسقط في كفنه فاجماعي كما نقله في التذكرة.

وأما تسخين الماء للميت فقد حكي في المنتهى الاجماع على كراهته ، و قال الشيخ : ولو خشي الغاسل من البرد انتفت الكراهة ، وقيده المفيد بالقلة ، فقال : يسخن قليلا وتبعهمافي الاستثناء جمع من الاصحاب والصدوقان أيضا استثنيا حالة شدة البرد ، لكن الظاهر من كلامهما أن ذلك لرعاية حال الميت لا الغاسل.

قال في الفقيه (١) قال أبوجعفر عليه‌السلام : لا يسخن الماء للميت ، وروي في حديث آخر : إلا أن يكون شتاء باردا فتوقى الميت مما توقي منه نفسك انتهى ولم ار هذه الرواية إلا في الفقه ، ويمكن حمل الرواية على ان المراد به : توقى نفسك ، وتوقي الميت بتبعية توقي نفسك ، لا أن الميت يتضرر بذلك و توقيه منه.

ولو خرج منه نجاسة بعد الغسل فلاقت بدنه فالمشهور أنه يغسل ، ولا يجب إعادة الغسل ، وقال ابن ابي عقيل بوجوب إعادة الغسل.

وإن خرج منه شئ ، واصاب الكفن فذهب الاكثر إلى أنه يجب غسله ما لم يطرح في القبر وقرضه بعده ، ونقل عن الشيخ أنه اطلق وجوب قرض المحل والاخبار بعضها يدل على الغسل مطلقا وبعضها على القرض مطلقا ، ولا يدل على التفصيل رواية إلا عبارة الفقه ، ونقلها الصدوق في الفقيه (٢) وتبعه الاصحاب ولا بأس به ، إذ مثل هذا يكفي مرجحا للجمع بين الاخبار ، وربما يجمع بينها بالقول بالتخيير مطلقا.

قوله : ومددت احد الثوبين ، أي بعد قرض الكفن لستر ما انكشف بسببه من

____________________

(١) الفقيه ج ١ ص ٨٦.

(٢) الفقيه ج ١ ص ٩٢.

٢٩٥

البدن ، قوله عليه‌السلام « وإذا أردت » أورد هذا الحكم والذي بعده إلى قوله : ثم جامع ، الصدوق في الفقيه (١) ويدل على الحكمين حسنة شهاب ابن عبد ربه المذكورة في الكافي والتهذيب (٢) عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : سألته ، عن الجنب يغسل الميت أو من غسل ميتا له أن يأتي أهله ، ثم يغتسل؟ فقال : سواء لا بأس بذلك ، إذا كان جنبا غسل يده وتوضأ وغسل الميت ، وإن غسل ميتا توضأ ثم أتى أهله ، ويجزيه غسل واحد لهما.

ولا يخفى أن ظاهر الخبر استحباب الوضوء لمريد غسل الميت إذا كان جنبا ولمن عليه غسل المس إذا أراد الجماع قبله ، وإن لم يكن جنبا كما يدل عليه عبارة الفقيه والفقه.

وقال السيد في المدارك في سياق ما يستحب من الوضوء : وجماع عاسل الميت ولما يغتسل ، إذا كان الغاسل جنبا وتبعه بعض من تأخر عنه ، ولا يخفى ما فيه من الغفلة ، ويدل على جواز مباشرة الجنب غسل الميت ، ومنع الجعفي من مباشرة الجنب والحائض للغسل كما ذكره في الدروس ، وقال : وهو نادر.

وأما تغسيل النصراني والنصرانية المسلم والمسلمة ، مع فقد المماثل المسلم فرواه الشيخ في الموثق عن عمار (٣) وعمل بها الشيخان وأتباعهما ، وقال في الذكرى لا اعلم لذلك مخالفا من الاصحاب إلا المحقق في المعتبر في المعتبر محتجا بتعذر النية من الكافر مع ضعف السند ، وجوابه منع النية هنا والاكتفاء بنية الكافر كالعتق والضعف منجبر بالعمل ، وللتوقف فيه مجال لنجاسة الكافر في المشهور فكيف يفيد غيره الطهارة انتهى ، ولا يخفى أن هذا مما يؤيد طهارة أهل الكتاب.

قوله : « فلا تمسه » يوهم وجوب الدلك حال الاختيار ، كما نسب إلى ابن الجنيد ، وقال في المعتبر : ولو خيف من تغسيله تناثر جلده يمم ، ويستحب إمراريد

____________________

(١) الفقيه ج ١ ص ٩٨.

(٢) الكافى ج ٣ ص ٢٥٠ ، التهذيب ج ١ ص ١٢٧.

(٣) التهذيب ج ١ ص ٩٧.

٢٩٦

الغاسل على جسد الميت ، فان خيف من ذلك لكونه مجدورا ، أو محترقا اقتصر الغاسل على صب الماء من غير إمرار ، ولو خيف من الصب لم يغسل ، ويمم ، ذكر ذلك الشيخان وابن الجنيد ، وقال في الذكرى : يلوح من الاكتفاء بالصب الاجتزاء بالقراح ، لان الآخرين لا تتم فايدتهما بدون الدلك غالبا وحينئذ الظاهر الاجتزاء بالمرة لان الامر لا يدل على التكرار.

قوله عليه‌السلام « إلا أنه لا يقرب إليه كافور » أي لا في غسل ولا حنوط كما ذكره الاصحاب ، فيغسل بالسدر وبقراح واحد ، وقيل بقراحين ، والمشهور أنه يغطي رأسه ووجهه ، وقال ابن ابي عقيل : لا يغطي راسه ووجهه ، ولا فرق في عدم تقريب الطيب بين الاحرامين ، ولا بين موته قبل الحلق أو التقصير ، أو بعده قبل طواف الزيارة ، ويحتمل اختصاص الحكم بالاول ، لخروج الثاني عن صورة المحرمين بلبسه وأكله ما لا يلبسه ويأكله المحرم ، ولو مات بعد الطواف ففي تحريم الطيب نظر.

١٠ ـ العيون (١) والعلل : في علل محمد بن سنان ، عن الرضا عليه‌السلام علة غسل الميت أنه يغسل ليطهر وينظف من ادناس أمراضه ، ولما اصابه من صنوف علله لانه يلقى الملائكة ، ويباشر أهل الآخرة ، فيستحب إذا ورد على الله عز وجل ولقي أهل الطهارة ويماسونه ويماسهم أن يكون طاهرا نظيفا موجها به إلى الله عزوجل ليطلب وجهه ، وليشفع له. وعلة أخرى أنه يخرج منه المني الذي منه خلق فيجنب فيكون غسله له (٢).

١١ ـ المختلف : نقلا عن ابن أبي عقيل أنه قال : تواترت الاخبار عنهم عليهم‌السلام أن عليا عليه‌السلام غسل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في قميصه ثلاث غسلات (٣).

١٢ ـ ثواب الاعمال : عن محمد بن الحسن ، عن الصفار ، عن أحمد بن محمد

____________________

(١) عيون الاخبار ج ٢ ص ٨٩.

(٢) علل الشرايع ج ١ ص ٢٨٣.

(٣) المختلف ص ٤٤.

٢٩٧

محمد بن عن سنان ، عن أبي الجارود ، عن ابي جعفر عليه‌السلام قال : كان فيما ناجى به موسى ربه قال : يا رب ما لمن غسل الموتى؟ فقال : أغسله من ذنوبه كما ولدته أمه (١).

١٣ ـ ومنه : باسناده ، عن ابي هريرة ، عن ابن عباس في خطبة طويلة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : من غسل ميتا فادى فيه الامانة ، كان له بكل شعرة منه عتق رقبة ، ورفع له مائة درجة ، قيل : يا رسول الله وكيف يؤدي فيه الامانه؟ قال يستر عورته ، ويستر شينه ، وإن لم يستر عورته ويستر شينه حبط أجره ، وكشفت عورته في الدنيا والآخرة (٢).

١٤ ـ المعتبر : نقلا من شرح الرسالة للسيد المرتضى أنه روي فيه عن يحيى بن عمار ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام النهي عن تغسيل المسلم قرابته الذمي و المشرك ، وأن يكفنه ويصلي عليه (٣) ويلوذ به.

ايضاح : قال في المعتبر : لا يغسل الكافر ولا يكفن ولا يدفن بين المسلمين وبه قال الثلاثة ، هذا إذا كان أجنبيا ، وأجازه الشافعي ولو كان ذا قرابة فعندنا لا يجوز لذي قرابته تغسيله ولا تكفينه ولا دفنه ، وقال علم الهدى في شرح الرسالة : فان لم يكن من يواريه جاز مواراته لئلا يضيع ، وبه قال مالك ، وقال ابوحنيفة والشافعي يغسله ويتبعه ويدفنه ولم يفصلا ، ثم ذكمر هذه الرواية في جملة ما احتج به.

١٥ ـ الاحتجاج : عن صالح بن كيسان أن معاوية قال للحسين : هل بلغك ما صنعنا بحجر بن عدي واصحابه شيعة أبيك؟ فقال عليه‌السلام : وما صنعت بهم؟ قال : قتلناهم وكفناهم وصلينا عليهم ، فضحك الحسين عليه‌السلام فقال : خصمك القوم يا معاوية ، لكنا لو قتلنا شيعتك لما كفناهم ، ولا غسلناهم ، ولا صلينا عليهم ، ولا

____________________

(١) ثواب الاعمال ص ١٧٦.

(٢) ثواب الاعمال ص ٢٦٠.

(٣) المعتبر ص ٨٩.

٢٩٨

دفناهم (١).

بيان : يدل على عدم وجوب تغسيل المخالف وعدم رجحانه ، والمشهور وجوب غسل من عدا الخوارج والغلاة والنواصب والمجسمة من فرق المسلمين وقال المفيد : لا يجوز لاحد من أهل الايمان أن يغسل مخالفا للحق في الولاية ، ولا يصلي عليه ، إلا أن يدعوه ضرورة إلى ذلك من جهة التقية ، وهو المنقول عن ابن البراج وظاهر ابن إدريس ، ويمكن ان يقال اصحاب معاوية كانوا من النواصب بل من الخوارج ، فهم خارجون عن محل النزاع.

١٦ ـ العلل عن أبيه ، عن أحمد بن إدريس ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن أحمد بن محمد بن ابي نصر ، عن عبدالرحمن بن سالم ، عن مفضل بن عمر قال : قلت لابي عبدالله عليه‌السلام : من غسل فاطمة عليها‌السلام؟ قال : ذاك أمير المؤمنين عليه‌السلام فكأنما استفظعت ذلك من قوله فقال لي : كأنك ضقت بما أخبرتك ، فقلت : قد كان ذلك جعلت فداك ، فقال : لا تضيقن فانها صديقة لم يكن يغسلها إلا صديق أم علمت أن مريم لم يغسلها إلا عيسى عليه‌السلام الحديث (٢).

المناقب : لابن شهر آشوب ، عن أبي الحسن الخزاز القمي باسناده إليه عليه‌السلام مثله (٣).

بيان : استفظعت الشئ اي وجدته فظيعا شنيعا ، وفي بعض النسخ استعظمت.

١٧ ـ قرب الاسناد : عن الحسين بن ظريف ، عن الحسين بن علوان ، عن جعفر بن محمد،عن أبيه أن عليا عليه‌السلام غسل امرأته فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٤).

١٨ ـ كشف الغمة : نقلا من كتاب أخبار فاطمة لابن بابويه ، عن الحسن

____________________

(١) الاحتجاج : ١٦١.

(٢) علل الشرائع ج ١ ص ١٧٦.

(٣) متاقب آل أبي طالب ج ٣ ص ٣٦٤.

(٤) قرب الاسناد ص ٤٣ ط حجر ، ٥٩ ط نجف.

٢٩٩

ابن علي عليهما‌السلام أن عليا غسل فاطمة عليهما‌السلام (١).

وعن اسماء بنت عميس قالت : أوصتني فاطمة أن لا يغسلها إلا أنا وعلي عليه‌السلام [ فغسلتها أنا وعلي ] (٢).

وعن أسماء في حديث أن عليا عليه‌السلام أمرها فاطمة عليها‌السلام وأمر الحسن والحسين يدخلان الماء ، ودفنها ليلا وسوى قبرها (٣).

قال : وروي أنها أوصت عليا واسماء بنت عميس أن يغسلاها (٤).

١٩ ـ فلاح السائل : وقد روينا باسنادنا إلى ابي جعفر محمد بن بابويه فيما ذكره في كتاب مدينة العلم باسناده إلى الصادق عليه‌السلام قال : ما من مؤمن يغسل ميتا مؤمنا فيقول وهو يغسله « رب عفوك عفوك » إلا عفى الله عنه (٥).

٢٠ ـ وجدت بخط الشيخ محمد بن علي الجبعي نقلا من خط الشهيد قدس الله روحهما قال : لما غسل علي فاطمة صلوات الله عليهما قال له ابن عباس : أغسلت فاطمة؟ قال : أما سمعت قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : هي زوجتك في الدنيا والآخرة.

قال الشهيد ره فذا التعليل يدلك على انقطاع العصمة بالموت ، فلا يجوز للزوج التغسيل.

بيان : اعلم أن الاصحاب اختلفوا في تغسيل كل من الزوجين الآخر ، فذهب الاكثر إلى جواز ذلك اختيارا فمنهم من لم يشترط كون التغسيل من وراء الثياب ، وهو المنقول عن السيد المرتضى في شرح الرسالة وابن الجنيد والجعفي وظاهر الشيخ في الخلاف والمبسوط ، ومنهم من اشترط ذلك ، وهو المنقول عن

____________________

(١) كشف الغمة ج ٢ ص ٦٦.

(٢) كشف الغمة ج ٢ ص ٦١.

(٣) كشف الغمة ج ٢ ص ٦٢.

(٤) كشف الغمة ج ٢ ص ٦٧.

(٥) فلاح السائل : ٧٨.

٣٠٠