بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٠٥
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

الخلق أنه لا يجب (١) أن يأتي أهله وهو جنب ولا سكران ، ولا إذا كانت امرءته حائضا.

والعلة في قضاء المرءة الصوم ولا تقضي الصلاة أن الصلاة في كل يوم وليلة خمس مرات والصوم في السنة شهر واحد.

أقول : قد مر من العلل في باب أحكام الجنب ما يدل على حكم اللبث في المسجد والقراءة ، وأنغشيان المرءة في أيام حيضها يوجب البرص ، ومنعها عن غسل الجنابة في أيام حيضها.

____________________

(١) لا يحب خ ل.

١٢١

٥

* ( باب ) *

* « ( فضل غسل الجمعة وآدابها واحكامها ) » *

١ ـ قرب الاسناد : عن محمد بن الوليد ، عن ابن بكير ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : قلت له في أغسال ليالي شهر رمضان ، فان نام بعد الغسل؟ قال : فقال أليس هو مثل غسل الجمعة ، اذا اغتسلت بعد الفجر كفاك (١).

بيان : قال في المنتهى : غسل الجمعة مستحب لليوم ، خلافا لابي يوسف فلو احدث بعد الغسل لم يبطل غسله ، وكفاه الوضوء ، ثم نسب إلى بعض العامة القول باعادة الغسل بعد الحدث ، واستدل على نفيها بهذا الخبر.

٢ ـ الخصال : عن ابن الوليد ، عن الصفار ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن ابي نجران والحسين بن سعيد. عن حماد ، عن حريز ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : الغسل في الجمعة واجب تمام الخبر (٢).

بيان : المشهور بين الاصحاب استحباب غسل الجمعة ، وذهب الصدوقان إلى الوجوب فمن قال بالاستحباب يحمل الوجوب على تأكده ، لعدم العلم بكون الوجوب حقيقة في المعنى المصطلح ، بل الظاهر من الاخبار عدمه ، ومن قال بالوجوب يحمل السنة على ما يقابل الفرض أي ما ثبت وجوبه بالسنة لا بالقرآن ، وهذا ايضا يستفاد من الاخبار ، والاحتياط عدم الترك.

٣ ـ الخصال : عن أحمد بن الحسن القطان ، عن الحسن بن علي السكري عن محمد بن زكريا البصري ، عن جعفر بن محمد بن عمارة ، عن أبيه ، عن جابر الجعفي عن ابي جعفر عليه‌السلام قال : ليس على المرءة غسل الجمعة في السفر ويجوز لها تركه

____________________

(١) قرب الاسناد ص ٧٨.

(٢) الخصال ج ٢ ص ٤٦.

١٢٢

في الحضر (١).

٤ ـ العلل:عن ابيه ، عن سعد بن عبدالله ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن علي ابن معبد ، عن الحسين بن خالد قال : سألت أبا الحسن الاول عليه‌السلام كيف صار غسل الجمعة واجبا؟ قال : فقال : إن الله تبارك وتعالى أتم صلاة الفريضة بصلاة النافلة وأتم صيام الفريضة بصيام النافلة ، وأتم وضوء الفريضة بغسل يوم الجمعة ، فيما كان من ذلك من سهو أو تقصير أو نسيان (٢).

المحاسن : عن ابي سمينة ، عن محمد بن أسلم ، عن الحسين بن خالد مثله (٣).

بيان : ربما يجعل الخبر مؤيدا للاستحباب ، لكون نظائره كذلك وفي الكافي (٤) ما كان في ذلك ، وفي التهذيب (٥) ماكان من ذلك.

٥ ـ العلل عن محمد بن الحسن ، عن محمد بن يحيى العطار ، عن محمد بن أحمد عن إبراهيم بن إسحاق ، عن عبدالله بن حماد الانصاري ، عن صباح المزني ، عن الحارث ، عن الاصبغ بن نباتة قال : كان علي عليه‌السلام إذا أراد أن يوبخ الرجل يقول له : أنت أعجز من التارك الغسل ليوم الجمعة ، فانه لا يزال في هم إلى الجمعة الاخرى (٦).

٦ ـ المقنعة : مرسلا مثله ، وفيه لا يزال في طهر إلى الجمعة الاخرى (٧).

بيان : في الكافي (٨) والتهذيب (٩) كما في المقنعة ، فالضمير راجع إلى المغتسل

____________________

(١) الخصال ج ٢ ص ١٤٢ في حديث.

(٢) علل الشرايع ج ١ ص ٢٧٠.

(٣) المحاسن ص ٣١٣.

(٤) الكافى ج ٣ ص ٤٢.

(٥) التهذيب ج ١ ص ٣١.

(٦) علل الشرايع ج ١ ص ٢٧٠.

(٧) المقنعة ص ٢٦.

(٨) الكافى ج ٣ ص ٤٢.

(٩) التهذيب ج ١ ص ٢٤٨.

١٢٣

وعلى ما في العلل إلى التارك.

٧ ـ العلل عن أبيه ، عن سعد بن عبدالله ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن عثمان بن عيسى ، عن محمد بن عبدالله ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : كانت الانصار تعمل في نواضحها وأموالها ، فاذا كان يوم الجمعة جاؤا ، فتأذى الناس بأرواح آباطهم و أجسادهم ، فأمرهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالغسل يوم الجمعة ، فجرت بذلك السنة (١).

الهداية : مرسلا مثله (٢).

٨ ـ العلل عن أبيه ، عن محمد بن يحيى العطار ، عن محمد بن أحمد بن يحيى رفعه قال : غسل يوم الجمعه واجب على الرجال والنساء ، في السفر والحضر ، إلا أنه رخص للنساء في السفر لقلة الماء (٣).

بيان : يحتمل كونه علة للسقوط راسا في السفر عنهن ، أو تقييدا للسقوط بقلة الماء ، قال في المنتهى : غسل الجمعة مستحب للرجال والنساء الحاضرين والمسافرين والعبيد والاحرار سواء في ذلك ، وقال أحمد : لا يستحب لمن لا يأتي الجمعة ، فليس على النساء غسل ، وعلى قياسهن الصبيان والمسافر والمريض كذلك ثم استدل بما رواه الشيخ في الحسن (٤) عن علي بن يقطين قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن النساء عليهن غسل الجمعة؟ قال : نعم.

٩ ـ مجالس ابن الشيخ : عن أبيه ، عن المفيد ، عن محمد بن مخلد ، عن الحارث بن محمد ، عن يزيد بن هارون ، عن محمد بن إسحاق ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : من جاء إلى الجمعة فليغتسل (٥).

____________________

(١) علل الشرايع ج ١ ص ٢٧٠.

(٢) الهداية ص ٢٣ ، وفيه كما في التهذيب ج ١ ص ١٠٤ ، والفقيه ج ١ ص ٦٢ « حضروا المسجد ».

(٣) علل الشرايع ج ١ ص ٢٧٠ و ٢٧١.

(٤) التهذيب ج ١ ص ٣١.

(٥) أمالى الطوسى ج ١ ص ٣٩٢.

١٢٤

وبالاسناد عن ابن مخلد ، عن عمر بن الحسن الشيباني ، عن موسوى بن سهل الوشاء عن إسماعيل بن علية ، عن ايوب ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله مثله (١).

١٠ ـ فقه الرضا : قال : واعلم أن غسل الجمعة سنة واجبة لا تدعها في السفر ولا في الحضر ، ويجزيك إذا اغتسلت بعد طلوع الفجر ، وكلما قرب من الزوال فهو أفضل ، فاذا فرغت منه فقل : « اللهم طهرني وطهر قلبي ، وأنق غسلي ، وأجر على لساني ذكرك ، وذكر نبيك محمد ، واجلعني من التوابين والمتطهرين » (٢).

وإن نسيت الغسل ثم ذكرت وقت العصر أو من الغد فاغتسل (٣).

وقال عليه‌السلام : وعليكم بالسنن يوم الجمعة ، وهي سبعة : إتيان النساء ، وغسل الرأس واللحية بالخطمي ، وأخذ الشارب ، وتقليم الاظافير ، وتغيير الثياب ، ومس الطيب ، فمن أتى بواحدة من هذه السنن نابت عنهن ، وهي الغسل ، وأفضل أوقاته قبل الزوال ، ولا تدع في سفر ولا حضر ، وان كنت مسافرا وتخوفت عدم الماء يوم الجمعة ، اغتسل يوم الخميس ، فان فاتك الغسل يوم الجمعة قضيت يوم السبت أو بعده من أيام الجمعة ، وإنما سن الغسل يوم الجمعة تتميما لما يلحق الطهور في سائر الايام من النقصان (٤).

بيان : يدل على أن أول وقت الاداء طلوع الفجر ، ولا خلاف فيه ، وآخره الزوال على المشهور ، بل نقل المحقق الاجماع على اختصاص الاستحباب بما قبل الزوال ، وقال الشيخ في موضع من الخلاف : وقته إلى أن يصلي الجمعة ، ويظهر من بعض الاخبار امتداد وقته إلى آخر اليوم ، ولو لم ينو بعد الزوال الاداء والقضاء كانأحسن.

____________________

(١) أمالى الطوسى ج ١ ص ٣٩٢.

(٢) قال الصدوق ره في الفقيه : يقول المغتسل للجمعة : « اللهم طهرنى وطهر قلبى وانق غسلى [ غلى ] وأجر على لسانى محبة منك » منه ، كذا بخطه رحمه‌الله في هامش الاصل.

(٣) فقه الرضا ص

(٤) المصدر ص ١١.

١٢٥

وقوله « كلما قرب من الزوال كان افضل » ذكره الصدوق في الفقيه (١) أيضا وحكم به أكثر الاصحاب ، وتوقف فيه بعض المتأخرين ، لعدم النص ، ولعل هذا الخبر مع الشهرة بين القدماء يكفي لذلك.

وأما القضاء بعد الزوال ويوم السبت فهو المشهور بين الاصحاب ، وظاهر الاكثر عدم الفرق بين كون الفوات عمدا أونسيانا لعذر أوغيره وظاهر الصدوق في الفقيه اشتراطه بالنسيان أوالعذر وظاهر صدر هذه الرواية اشتراطه بالنسيان ، كمرسلة حريز (٢) عن بعض أصحابه ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : لا بد من غسل يوم الجمعة في السفر والحضر ، ومن نسي فليعد من الغد.

وقال الكليني بعد إيراد تلك الرواية : وروي فيه رخصة للعليل ، فظاهره اختيار مذهب الصدوق ، وعدم الاشتراط لعله أقوى ، لاطلاق سائر الروايات المعتبرة ثم إن ظاهر الاكثر استحباب القضاء ليلة السبت أيضا ، والاخبار خالية عنه وإن أمكن أن يراد بيوم السبت ما يشمل الليل ، لكن لا يمكن الاستدلال به ، والاولوية ممنوعة لاحتمال اشتراط المماثلة ، وما ورد في هذا الخبر من القضاء في سائر أيام الاسبوع فلم اربه قائلا ، ولا رواية غيرها.

وأما التقديم يوم الخميس لمن خاف عوز الماء يوم الجمعة فهو المشهور بين الاصحاب ، ووردت به روايتان أخريان (٣) والشيخ عمم الحكم لخائف فوت الاداء مطلقا ، وتبعه بعض المتأخرين ، ومستنده غير واضح ، والوجه عدم التعدى عن المنصوص ، وقيل : الظاهر أن ليلة الجمعة كيوم الخميس ، وبه قطع الشيخ في الخلاف مدعيا عليه الاجماع ، وفيه إشكال ، إذ المذكور في الرواية يوم الخميس فالتعدي منه إلى غيره يحتاج إلى دليل ، والاولوية ممنوعة كماعرفت ، ولو تمكن من قدم غسله يوم الخميس من الغسل يوم الجمعة استحب له ذلك ، لعموم الادلة

____________________

(١) الفقيه ج ١ ص ٦١.

(٢) الكافى ج ٣ ص ٤٣.

(٣) راجع التهذيب ج ١ ص ١٠٤.

١٢٦

وبه صرح الصدوق وغيره.

١١ ـ المقنعة : قال : روي عن أبي عبدالله عليه‌السلام أنه قال : غسل الجمعة والفطر سنة في السفر والحضر (١).

وعن العبد الصالح عليه‌السلام أنه قال : يحب غسل الجمعة على كل ذكر وأنثى ، من حر أو عبد (٢).

١٢ ـ قرب الاسناد : عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن الرضا عليه‌السلام قال : كان أبي يغتسل للجمعة عند الرواح (٣).

بيان : الرواح العشي أو من الزوال إلى الليل ، ذكره الفيروز آبادي.

١٣ ـ رسالة أعمال الجمعة للشهيد الثاني : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : من اغتسل يوم الجمعة ومس من طيب امرأته إن كان لها ، ولبس من صالح ثيابه ، ثم لم يتخط رقاب الناس ، ولم يلغ عند الموعظة ، كان كفارة لما بينهما الخبر.

وروي عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : من جاء منكم الجمعة فليغتسل.

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : من اغتسل يوم الجمعة محيت ذنوبه وخطاياه.

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : الغسل يوم الجمعة واجب على كل مسلم.

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا يغتسل رجل يوم الجمعة ، ويتطهر ما استطاع من طهر ، ويتدهن بدهن من دهنه ، ويمس من طيب بيته ، ويخرج فلا يفرق بين اثنين ، ثم يصلي ما كتب له ، ثم ينصت إذا تكلم الامام إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الاخرى.

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنما قرب بدنة الخبر.

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : من اغتسل يوم الجمعة ثم بكر وابتكر ، ومشى ولم يركب ، ودنا من الامام واستمع ولم يلغ ، كان له بكل خطوة عمل سنة أجر صيامها وقيامها.

١٤ ـ الهداية : قال الصادق عليه‌السلام : غسل يوم الجمعة سنة واجبة على الرجال

____________________

(١ و ٢) المقنعة ص ٢٦.

(٣) قرب الاسناد ص ١٥٨ ط حجر.

١٢٧

والنساء ، في السفر والحضر.

وروي أنه رخص في تركه للنساء في السفر لقلة الماء ، والوضوء فيه قبل الغسل.

وقال الصادق عليه‌السلام : إن نسيت الغسل أو فاتك لعلة فاغتسل بعد العصر أو يوم السبت.

وقال عليه‌السلام : إذا اغتسل أحدكم يوم الجمعة فليقل « اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين ».

وقال الصادق عليه‌السلام : غسل يوم الجمعة طهور وكفارة لما بينهما من الذنوب ، من الجمعة إلى الجمعة (١).

١٥ ـ البلد الامين : قال : رأيت في كتاب الاغسال لابي العباس أحمد بن محمد ابن أبي عياش سبعة أحاديث عن الصادق عليه‌السلام أن غسل الجمعة واجب على الرجال والنساء ، وذكر في روايات منها وجوبه على الرجال والنساء في السفر والحضر.

ومن الكتاب المذكور أن عليا عليه‌السلام كان إذا وبخ الرجل قال له : والله لانت أعجز من تارك غسل الجمعة ، فانه لا يزال في طهر إلى الجمعة الاخرى.

ويقول بعد غسله « أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، اللهم صل على محمد وآل محمد ، واجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين والحمد لله رب العالمين » فهو طهر له من الجمعة إلى الجمعة (٢).

مصباح الشيخ : إذا أراد الغسل فليقل وذكر الدعاء.

أقول : رواه الشيخ في التهذيب (٣) بسنده عن ابي ولاد ، عن ابي عبدالله عليه‌السلام قال : من اغتسل يوم الجمعة فقال : إلى قوله « من المتطهرين » كان طهرا له من الجمعة إلى الجمعة.

____________________

(١) الهداية ص ٢٢ و ٢٣.

(٢) البلد الامين ص.

(٣) التهذيب ج ١ ص ٢٤٨.

١٢٨

١٦ ـ العلل : لمحمد بن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن جده إبراهيم ابن هاشم ، عن علي بن معبد ، عن الحسين بن خالد قال : قلت للرضا عليه‌السلام : كيف صار غسل يوم الجمعة واجبا على كل حر وعبد ، وذكر وأنثى؟ قال : فقال : إن الله تبارك وتعالى تمم صلوات الفرائض بصلوات النوافل ، وتمم صيام شهر رمضان بصيام النوافل ، وتمم الحج بالعمرة ، وتمم الزكاة بالصدقة ، وتمم الوضوء بغسل يوم الجمعة.

١٧ ـ كتاب العروس : للشيخ جعفر بن أحمد القمي ، عن ابي عبدالله عليه‌السلام قال : اغتسل يوم الجمعة إلا أن تكون مريضا تخاف على نفسك.

وقال عليه‌السلام : لا يترك غسل الجمعة إلا فاسق ، ومن فاته غسل يوم الجمعة فليقضه يوم السبت.

١٨ ـ جمال الاسبوع : نقلنا من خط ابي الفرج بن ابي قرة ، عن أحمد ابن محمد الجندي ، عن عثمان بن أحمد السماك ، عن أبي نصر السمرقندي ، عن حسين بن حميد ، عن زهير بن عباد ، عن محمد بن عباد ، عن ابي البختري ، عن جعفر،عن أبيه،عن جده عليهم‌السلام عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال لعلي عليه‌السلام في وصيته له : يا علي على الناس كل سبعة أيام الغسل ، فاغتسل في كل جمعة ، ولو أنك تشترى الماء بقوت يومك وتطويه ، فانه ليس شئ من التطوع أعظم منه (١).

وباسناده الصحيح عن هشام بن الحكم قال : قال أبوعبدالله عليه‌السلام : ليتزين أحدكم يوم الجمعة : يغتسل ويتطيب الخبر (٢).

١٩ ـ غرر الدرر : للسيد حيدر عن البني : صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : من جاء إلى الجمعة فليغتسل (٢).

٢٠ ـ كتاب محمد بن المثنى : عن جعفر بن محمد بن شريح ، عن ذريح المحاربي قال : قلت لابي عبدالله عليه‌السلام : أيقضي الرجل غسل الجمعة؟ قال : لا.

بيان : لعله محمول على عدم تأكد الاستحباب أو على أنه لا يؤخر حتى

____________________

(١ ـ ٢) جمال الاسبوع ص.

١٢٩

يصير قضاء.

٢١ ـ كتاب النوادر : لعلي بن بابويه أو غيره : عن محمد بن الحسن بن الوليد عن الصفار ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن جعفر بن محمد ، عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم.

٢٢ ـ الكافى : عن العدة ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن بعض أصحابنا قال : تقول في غسل الجمعة اللهم طهر قلبي من كل آفة تمحق بها ديني وتبطل بها عملي (١).

____________________

(١) الكافى ج ٣ ص ٤٣.

١٣٠

٦

* (باب) *

* « ( التيمم وآدابه وأحكامه ) » *

الايات : النساء : يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلوة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فيتمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم إن الله كانعفوا غفورا (١).

المائدة : يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلوة فاغسلوا وجوهكم و أيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤسكم وأرجلكم إلى الكعبين وإن كنتم جنبا فاطهروا وإن كنتم مرضى أوعلى سفر أوجاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فيتمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم ولعلكم تشكرون (٢).

تفسير : قد تقدم الكلام في صدري الآيتين الكريمتين في مبحثي الوضوء والغسل ، ولنذكر هنا ما يتعلق منهما بالتيمم.

اعلم أنه سبحانه قدم في الآيتين حكم الواجدين للماء القادرين على استعماله ثم أتبع ذلك بأصحاب الاعذار فقال تعالى : « وإن كنتم مرضى » وحمله الاصحاب على المرض الذي يضر معه استعمال الماء ، والذي يوجب العجز عن السعي إليه أو عن استعماله وظاهر الآية يشمل كل ما يصدق عليه اسم المرض (٣) لكن علماؤنا رضي‌الله‌عنهم مختلفون في اليسير ، ومثلوه بالصداع ووجع الضرس ، ولعله للشك

____________________

(١) النساء : ٤٣.

(٢) المائدة : ٦.

(٣) بل الظاهر لا ينعقد بملاحظة لفظ المرض فقط وانما ينعقد بعد ملاحظة القرائن ،

١٣١

في تسمية مثل ذلك مرضا عرفا ، فذهب المحقق والعلامة إلى أنه غير مبيح للتيمم ، وبعض المتأخرين على إيجابه له ، ولعله أقوى ، فانه اشد من الشين (١) وقد أطبقوا على إيجابه التيمم.

« أوعلى سفر » أي متلبسين به (٢) إذ الغالب عدم وجود الماء في أكثر الصحاري « أو جاء أحد منكم من الغائط » هو كناية عن الحدث ، إذ الغائط المكان المنخفض من الارض ، وكانوا يقصدونه للحدث لتغيب فيه أشخاصهم عن الرائين

____________________

والقرينة هنا قائمة على أن المراد المرض الذي يضر به استعمال الماء لتناسب الحكم والموضوع ، حتى أن في المحدث بالحدث الاصغر يراد بمرضه ما يضر به استعمال الماءلغسل الوجه واليدين فقط سواء كان هو الصداع أو وجع الضرس أو الحمى أو كان هوشين الوجه واليدين وتشويه خلقها وجلدها بالكزة ونحوها ، وفي المحدث بالحدث الاكبر يراد بمرضه ما يضر به استعمال الماء لغسل جسده اي عضو كان.

ألا ترى أن المريض في قوله تعالى في آية الصوم البقرة : ١٨٤ و ١٨٥ « ومن كان مريضا أو على سفر » ليس يراد به كل مرض ، فان من به قرحة الاثنا عشر مريض يضر به الصوم ، ولا يضر به استعمال الماء لا للوضوء ولا للاغتسال ، وهكذا المريض في آية الكفارة البقرة : ١٩٦ « فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أونسك » فالمريض انما هو بالنسبة إلى من لا يتحمل وفرة الشعر لقرحة في راسه يسيل منه اللعاب ويتلبد به الشعر أو صداع أو غير ذلك. كيف وقد كلف بالصوم كفارة لحلق الرأس ، والمريض لا يصح منه الصوم؟ فالمريض في كمل باب انما يعرف المراد به بعد ملاحظة القرائن لا مطلقا.

(١) يعنى شين الجلد وتشويه خلقة الاصابع باصابة البرد أو الكزة.

(٢) يستظهر من لفظ « على » أن المراد به من كان على جناح السفر سواء كان على ظهر مركوبه به أو طريقه يضرب ويسعى مع القافلة ، أو كان في المنزل لكن القافلة ( كالقطار ) مستعجلة للركوب ، فلا يمكنه استعمال الماء لغسل الجنابة ، والحال هذه وينطبق على هذا المعنى قوله تعالى « الا عابرى سبيل » حيث عبر عن ذلك بالعبور في السبيل ، فالتلبس بالمسير هو الذي يجوز التيمم للجنب.

١٣٢

فكنى عن الحدث بالمجئ من مكانه ، وتسمية الفقهاء العذرة بالغائط من تسمية الحال باسم المحل ، وقيل إن لفظة « أو » ههنا بمعنى الواو (١) والمراد والله أعلم أو كنتم مسافرين وجاء أحد منكم من الغائط.

« أو لامستم النساء » المراد جماعهن كما في قوله تعالى « وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن » واللمس والمس بمعنى كما قاله اللغويون ، وسيأتي الاخبار في تفسير اللمس بالوطي ، وقد نقل الخاص والعام عن ابن عباس أنه كان يقول : إن الله سبحانه حيي كريم يعبر عن مباشرة النساء بملامستهن ، وذهب الشافعي إلى أن المراد مطلق اللمس لغير محرم ، وخصه مالك بما كان عن شهوة وأما أبوحنيفة فقال : المراد الوطي لا المس.

وقوله تعالى « فلم تجدوا ماء » يشمل ما لو وجد ماء لا يكفيه للغسل وهو جنب أو للوضوء وهو محدث حدثا أصغر ، فعند علمائنا يترك الماء وينتقل فرضه إلى التيمم وقول بعض العامة يجب عليه أن يستعمله في بعض أعضائه ثم يتيمم لانه واجد للماء ضعيف إذ وجوده على هذا التقدير كعدمه ، ولو صدق عليه أنه واجد للماء لما جاز له التيمم كذا قيل.

وقال الشيخ البهائي قدس الله سره : للبحث فيه مجال ، فقوله سبحانه « فلم تجدوا ماء » يراد به والله أعلم ما يكفي الطهارة ، ومما يؤيد ذلك قوله تعالى في كفارة اليمين « فمن لم يجد فصيام ثلاثة ايام » (٢) اي فمن لم يجد إطعام عشرة مساكين ففرضه الصيام ، وقد حكم الكل بأنه لو وجد إطعام اقل من عشرة لم يجب عليه ذلك ، و انتقل فرضه إلى الصوم انتهى.

وقال الشهيد الثاني : ربما حكي عن الشيخ في بعض أقواله التبعيض ، واحتمل العلامة في النهاية وجوب صرف الماء إلى بعض أعضاء الجنب ، لجواز وجود ما يكمل طهارته

____________________

(١) سيجئ الكلام فيه.

(٢) المائدة : ٨٩.

١٣٣

وسقوط الموالات بخلاف المحدث (١) والمعتمد ما ذكره في التذكرة والمنتهى من عدم الفرق مسندا ذلك إلى الاصحاب ، لعدم التمكن من الطهارة المائية ، فتكون ساقطة.

ولا يخفى أن البحث إنما هو فيمن هو مكلف بطهارة واحدة ، أعني الجنب وذا الحدث الاصغر المذكورين في الآية ، أما الحايض مثلا فانها لو وجدت مالا يكفي لغسلها ووضوئها معا فانها تستعمله فيما يكفيه وتتيمم عن الآخر.

ثم لا يخفى أن المتبارد من قوله سبحانه « فلم تجدوا ماء » كون المكلف غير واجد للماء ، بأن يكون في موضع لا ماء فيه ، فيكون ترخيص من وجد الماء ولم يتمكن من استعماله في التيمم لمرض ونحوه مستفادا من السنة المطهرة ويكون المرضى غير داخلين في خطاب « فلم تجدوا » لانهم يتيممون وإن وجدوا الماء (٢). كذا في كلام بعض المفسرين ، ويمكن أن يراد بعدم وجدان الماء عدم التمكن من استعماله وإن كان موجودا ، فيدخل المرضى في خطاب لم تجدوا ، ويسرى الحكم إلى كل من لا يتمكن من استعماله كفاقد الثمن أو الآلة ، والخائف من لص أو سبع ونحوهم ، وهذا التفسير وإن كان فيه تجوز إلا أنه هو المستفاد من كلام محققي المفسرين من الخاصة والعامة كالشيخ الطبرسي وصاحب الكشاف ، وايضا فهو غير مستلزم لما هو خلاف الظاهر من تخصيص خطاب « فلم تجدوا » بغير المرضى مع ذكر الاربعة على نسق واحد.

واعلم أن الفقهاء اختلفوا فيمن وجد من الماء ما لا يكفيه للطهارة إلا

____________________

(١) وهذا هو الصحيح ، فان الوضوء أمر واحد ذى أجزاء بحيث لو أخل بأحد أجزائه بطل ، فالذى يغسل وجهه واحدى يديه ، يكون كالعابث ، مع أنه قد اسرف باهراق هذا الماء ، بخلاف الجنب ، فانه يتطهر منه ما غسله من الاعضاء بالشرائط وهو الغسل : الاعلى فالاعلى ، وهو ظاهر.

(٢) بل قد عرفت أن المرض ، والاشتغال بالسفر كل واحد منهما عذر في حد نفسه ، كما أن اعواز الماء عذر بنفسه.

١٣٤

بمزجه بالمضاف ، بحيث لا يخرج من الاطلاق ، هل يجب عليه عليه المزج والطهارة به أم يجوزله ترك المزج واختيار التيمم؟ فجماعة من المتأخرين كالعلامة وأتباعه على الاول ، وجمع من المتقدمين كالشيخ وأتباعه على الثاني ، ولعل ابتناء القولين على التفسيرين السابقين ، فالاول على الثاني ، والثاني على الاول ، إذ يصدق على من هذا حاله أنه غير واجد لما يكفيه للطهارة على الاول ، فيندرج تحت قوله سبحانه « فلم تجدوا ماء » بخلاف الثاني فانه متمكن منه.

وبعض المحققين بنى القول الاول على كون الطهارة بالماء واجبا مطلقا فيجب المزج إذ ما لا يتم الواجب المطلق إلا به وهو مقدور واجب ، والثاني على أنها واجب مشروط بوجود الماء وتحصيل مقدمة الواجب المشروط غير واجب.

واعلم أن ههنا إشكالا مشهورا وهو أنه سبحانه جمع بين هذه الاشياء في الشرط المرتب عليه جزاء واحد هو الامر بالتيمم : مع أن سببية الاولين للترخص بالتيمم والثالث والرابع لوجوب الطهارة عاطفا بينها بأو : المقتضية لاستقلال كل واحد منها في ترتب الجزاء ، مع أنه ليس كذلك إذ متى لم يجتمع أحد الآخرين مع واحد من الاولين ، لم يترتب الجزاء وهو وجوب التيمم (١).

____________________

(١) هذا الاشكال وهكذا سائر الاشكالات التي تورد على الايات الكريمة وبالخصوص آيات الاحكام انما ينشأ من حمل ألفاظ القرآن على عرف الشرع مع أن عرف الشرع انما تحقق بعد نزول الايات واستنباط الحكم منها. فالقرآن الكريم نزل بلسان عربى مبين : يبين بنفسه ما تضمنه من الاحكام وغيرها واللازم أن تحمل ألفاظها على حقيقة معانيها من دون تصرف فيها.

فكما أشرنا قبل ذلك ، المريض في باب الطهارة هو الذي يضر به الماء وعابر السبيل ومن كان على سفر : هو الذي تلبس بالضرب في الارض وهو بعد على ظهر الطريق والجنابة هي الحالة التي تتعقب انزال المنى سواء كان بالاحتلام أو الاستمناء أو الجماع ، والذي جاء من الغائط هو الذي راح إلى البراز فبال أو خرء أو أخرج الفسوة من معائه ، واللامس للنساء هو الذى باشر زوجته في القبل بالجماع أنزل أولم ينزل ، بمعنى أن

١٣٥

وأجيب عنه بوجوه : الاول ما أومأنا إليه سابقا من أن أو في قوله تعالى

____________________

الانزال خارج عن مفهوم الملامسة.

فمعنى آية النساء : يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلوة ( ولا الصلوات بمعنى المساجد على ما عرفت فيما سبق ) وأنتم سكارى ، ولا جنبا حتى تغتسلوا وتتطهروا الا حالكونكم عابرى سبيل على ظهر الطريق لا يمكنكم التخلف عن القافلة لاستعمال الماء ( ومثله من يسافر في السكك الحديدية ) فيجوز لكم الدخول في الصلواة ( بكلا المعنيين ) الا أنه يجب عليكم حينئذ التيمم كما سنبينه بعدئذ.

« وان كنتم مرضى » أى هذا الذى ذكرنا من حكم الاغتسال والتطهر مخصوص بحال الاختيار ، واما ان كنتم حين الجنابة مرضى يضر بكم استعمال الماء « أو على سفر » لا يمهلكم الاستعجال لتخلون وتغتسلون.

« أو جاء أحد منكم من الغائط » أو هنا يفيد بقرينة المقام الاضراب ، حيث ان المجيئ من الغائط وهو الحدث الاصغر يقابل الجنابة وهى الحديث الاكبر ، فكأنه اضرب واستأنف عنوان المحدث بالحدث الاصغر وقال : أو لم تكونوا جنبا ، بل جاء أحد منكم من الغائط  « أو لامستم النساء » بالمباشرة والتقاء الختانين فلم تجدوا ماء للتطهير والوضوء فتيمموا صعيدا طيبا.

ومثلها آية المائدة لكنها أوضح من آية النساء ، والمعنى : يا أيها الذين آمنوا اذا قمتم إلى الصلاة فتوضأوا وان كنتم جنبا فاطهروا ، فيفيد بالمقابلة أن الوضوء انما يجب على من لم يكن جنبا ، بل كان محدثا بالحدث الاصغر ، كما يفهم من ذيل الاية الكريمة مع ما تقدم من نزول آية النساء.

ثم ان كنتم حين الجنابة مرضى أو على سفر إلى آخر ما مر من ذيل آية النساء.

وأما أن الجنابة غير الملامسة بمعنى التقاء الختانين فكما هو ظاهر مفهوم من اللفظ ، فهو مسلم من السياق حيث أن الجنابة عدت منفردة كما عدت الملامسة ، فلو كانت الملامسة بمعنى التقاء الختانين داخلة في مفهوم الجنابة وعنوانها ، لكان مستغنى عنها ، كيف وقد ذكرت في سياق الحدث الاصغر وهو المجيئ من الغائط ، معطوفة عليه بأو المقتضية لاستقلالها؟

١٣٦

« أو جاء » بمعنى الواو (١) كما قيل في قوله تعالى « وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون » (٢).

الثاني قال البيضاوي : وجه هذا التقسيم أن المترخص بالتيمم إما محدث أو جنب ، والحال المتقضية له في غالب الامر إما مرض أو سفر ، والجنب لما سبق

____________________

على أن الجنب كمايظهر من الاخبار كان يطلق في عرف العرب ولسانهم على من أنزل وصار قذرا بعيدا من الطهارة ، ولذلك كانوا يغتسلون منها اتباعا لسنة ابراهيم الخليل عليه‌السلام ، وأما المباشرة من دون انزال وأقله بالتقاء الختانين وغيبوبة الحشفة فلا يعدونها موجبة للقذارة ، ولذلك كانوا يختصمون ويقولون « انما الماء من الماء » ، فعلى هذا لا تكون الملامسة داخلة في مفهوم الجنابة لا لغة ومنطوقا ، ولا عرفا واطلاقا فوجب الفرق بينهما.

فحكم الملامسة في حال الاضطرار كالمجيئ من الغائط ، اذا لم يجدا ماء يجب عليهما التيمم ، واما في حال الاختيار ، فالاية الكريمة ساكتة عن ذلك غير أنها ملحقة بالجنابة بدليل السنة ، وسيجئ أخباره في الباب.

(١) وفيه أن مجيئ « أو » بمعنى الواو لم يثبت ، وما استدل به الكوفيون والاخفش والجرمى مدخول فيه ، على أن مجيئها بمعنى الواو في قوله تعالى « أو جاء أحد منكم » يدفعه السياق ، حيث ان لفظة « أو » تكررت في جملة واحدة ثلاث مرات ، والاولى منها والثالثة بمعنى الترديد والتقسيم وهو المعنى الاصلى ، فكيف تكون الثانية بينهما بمعنى الجمع ، وهل يكون ذلك الا الغازا وتعمية في حكم تكليفى توجه إلى عامة المؤمنين؟ (٢) الصافات ١٤٧ ، قال الطبرسى : وقيل في معنى قوله « أو يزيدون » وجوه : أحدها أنه على طريق الابهام على المخاطبين ، وثانيها أن أو للتخيير كأن الرائى خير بين أن يقول هم مائة ألف أو يزيدون ، عن سيبويه ، والمعنى أنهم كانوا عددا لو نظر اليهم الناظر لقال هم مائة ألف أو يزيدون ، وثالثها أن « أو » بمعنى الواو كأنه قال : « ويزيدون » عن بعض الكوفيين ، وقال بعضهم بل يزيدون.

وهذان القولان الاخيران غير مرضيين عند المحققين ، وأجود الاقوال الثاني ، انتهى.

١٣٧

ذكره اقتصر على بيان حاله ، والحدث لما لم يجرد ذكره ذكر من اسبابه ما يحدث بالذات وما يحدث بالعرض ، واستغنى عن تفصيل أحواله بتفصيل حال الجنب ، و بيان العذر مجملا ، وكأنه قيل : وإن كنتم جنبا مرضى أو على سفر او محدثين جئتم من الغائط ، أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء. وهذا الوجه لا يوافق ما ثبت عندنا من أن المراد بالملامسة الجماع (١).

الثالث قال في الكشاف جوابا عن هذا الاشكال ، قلت : أراد سبحانه أن يرخص للذين وجب عليهم التطروهم عادمون للماء في التيمم بالتراب ، فخص أولا من بينهم مرضاهم وسفرهم ، لانهم المتقدمون في استحقاق بيان الرخصة لهم ، لكثرة السفر والمرض ، وغلبتهما على سائر الاسباب الموجبة للرخصة ، ثم عم كل من وجب عليه التطهر وأعوزه الماء ، لخوف عدو أو سبع ، أو عدم آلة استقاء أو إزهاق في مكان لا ماء فيه أو غير ذلك مما لا يكثر كثرة المرض والسفر انتهى.

وقيل في توضيح كلامه : إن القصد إلى الترخيص في التيمم لكل من وجب عليه التطهر ، ولم يجد الماء ، فقيد عدم الوجدان راجع إلى الكل ، وقيد وجوب التطهر المكنى عنه بالمجئ من الغائط أو الملامسة اللذين هما من أغلب أسباب وجوب التطهر معتبر في الكل حتى المرضى والمسافرين ، وذكرهما تخصيص بعد التعميم ، بناء على زيادة استحقاقهما للترخيص ، وغلبة المرض والسفر على سائر أسباب الرخصة ، فكأنه قيل : إن جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء خصوصا المرضى والمسافرين فتيمموا ، ووجه سببية مضمون الشرط لمضمون الجزاء ظاهر.

هذا ، ولكن ينبغي أن يعتبر عدم وجدان الماء بعدم القدرة على استعماله ليفيد ترخيص المريض الواجد للماء العاجز عن الاستعمال ، ويصح أن المرض سبب من الاسباب الغالبة ، وإلا فهو باعتبار العجز عن الحركة والوصول إلى الماء

____________________

(١) لكنك قد عرفت أن هذا البيان هو الوجه في الاية ولا ينافى كون الملامسة بمعنى الجماع.

١٣٨

من الاسباب النادرة لا الغالبة.

وقيل جعل عدم الوجدان قيدا للجميع لا يخلو من شئ لانه اذا جمع بين الاشياء في سلك واحد ويكون شئ واحد وهو عدم الوجدان قيدا للجميع ، كان المناسب أن يكون لكل واحد منها مع قطع النظر عن القيد مناسبة ظاهرة مع الترخيص بالتيمم ، وذلك منتف في الاخيرين إلا عند جعل عدم الوجدان قيدا مختصا ، وكلام صاحب الكشاف غير آب عن ذلك ، فالاحسن أن يقال : قوله سبحانه « فلم تجدوا ماء » قيد للاخيرين مختص بهما لكنه في الاولين مراد بمعاونة المقام ، فانه سبحانه لما أمر بالوضوء والغسل ، كان ههنا مظنة سؤال يخطر بالبال فكأن سائلا يقول : إذا كان الانسان مسافرا لا يجد الماء أو مريضا يخاف من استعماله الضرر ، فما حكمه؟ فأجاب جل شانه ببيان حكمه ، وضم سائر المعذورين فكأنه قال : وإن كنتم في حال الحدث والجنابة مرضى تستضرون باستعمال الماء ، أو مسافرين غير واجدين للماء ، أو كنتم جنبا أو محدثين غير واجدين للماء وإن لم تكونوا مرضى أو على سفر فتيمموا صعيدا.

والتصريح بالجنابة والحدث ثانيا مع اعتبارهما في المريض والمسافر أيضا لئلا يتوهم اختصاص الحكم المذكور بالجنب ، لكونه بعده.

وقد يقال في قوله سبحانه أولامستم النساء في موقع كنتم جنبا مع التفنن والخروج عن التكرار تنبيه على أن الامر ههنا ليس مبنيا على استيفاء الموجب في ظاهر اللفظ فلا يتوهم أيضاحصر موجب الوضوء في المجئ من الغائط ، وعلى كل حال فيه تنبيه على أن كونهم محدثين ملحوظ في إيجاب الوضوء.

قوله جل وعلا « فتيمموا صعيدا [ طيبا » اي اقصدوا صعيدا ] واختلف كلام أهل اللغة في الصعيد (١) :

____________________

(١) الصعيد صفة مشبهة وهو فعيل بمعنى فاعل ومعناه الغبار وقد سمى العرب الطريق صعيدا لصعود الغبار منه حين مشى القوافل ، وهو المراد بقول بعضهم التراب كالجوهرى وابن فارس ، كما قد عبر عنه بالمرتفع من الارض وقيده بعضهم كابى عبيدة بما لم يخالطه رمل ولا سبخة لكنه مفاد الطيب كما يأتى وجهه.

١٣٩

فبعضهم كالجوهري قال : هو التراب ، ووافقه ابن فارس في المجمل ، و نقل ابن دريد في الجمهرة عن أبي عبيدة : أنه التراب الخالص الذي لا يخالطه سبخ ولا رمل ، ونقل الطبرسي عن الزجاج أن الصعيد ليس هو التراب ، إنما هو وجه الارض ، ترابا كان أو غيره ، سمى صعيدا لانه نهاية ما يصعد من باطن الارض ، و قريب منه مانقله الجوهري عن ثعلب ، وكذا مانقل المحقق في المعتبر عن الخليل عن ابن الاعرابي ، ولاختلاف أهل اللغة في الصعيد اختلف فقهاؤنا في التيمم بالحجر لمن تمكن من التراب ، فمنعه المفيد وأتباعه لعدم دخوله في اسم الصعيد ، وجوز

____________________

وقد يعبر عنه بما ارتفع من الارض ، فيشتبه على من لا دراية له في اللغة أن المراد به الموضع المرتفع كالربوة والاكمة ، مع أن المراد به الغبار المرتفع من الارض.

واما قول ثعلب ومن حذا حذوه بأن المراد بالصعيد مطلق وجه الارض لكونه نهاية ما يصعد من باطن الارض ، فهو مدخول كدليله ، فان باطن الارض لا يصعد إلى ظاهره وهو ظاهر ، ونقل الجوهري عنه استدلاله بقوله تعالى « فتصبح صعيدا زلقا » الكهف : ٤٠ وفيه أن المراد به الرماد الحاصل بعد احتراق الجنة بالصاعقة وظاهر أن الرماد صعيد كالتراب الا أن التراب صعيد طيب والرماد صعيد زلق أي غير طيب ، ومثله قوله تعالى « وانا لجاعلون ماعليها صعيدا جرزا » الكهف : ٨ ، حيث ان المراد بما عليها الاشجار والنباتات وسائر ما اتخذ منها من الجنان ، وان الله جاعلها قبل يوم القيامة كالسبخة التي لا تنبت الا الحشيش والاشواك ، ولا يرى عليها الا أثر النباتات واصول الاشجار المجروزة عن وجهها.

ولما قال تعالى « فتيمموا صعيدا طيبا » وكان معنى التيمم القصد والطلب للاخذ ، و الصعيد هو التراب بعد ارتفاعه من الارض ، لم يكن يقدر المكلف على طلب الغبار الا بأن يضرب باطن يديه على الصعيد وهو التراب المنتفش ليصعدذ الغبار منه ، فحينئذ ما يصعد من تحت يديه يعلق بباطن كفيه ، وما صعد من جوانب كفيه يصعد إلى الهواء ، ولذلك أمر أهل البيت عليهم الصلاة والسلام بأن يضرب المتيمم بباطن كفيه على الارض ، دون أن يمسح أو يأخذ منه بوجه آخر ، فافهم ذلك.

١٤٠