بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٩١
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

١٢ ـ وعن خالد بن مرة (١) أن رجلا قال لعلي (ع) : ما البيت المعمور؟ قال : بيت في السماء يقال له « الضراح » وهو بحيال الكعبه (٢) حرمته في السماء كحرمة البيت في الارض ، يصلي فيه كل يوم سبعون ألفا من الملائكة لا يودون إليه أبدا (٣).

١٣ ـ وعن أبي الطفيل أن ابن الكواء سأل عليا عليه السلام عن البيت المعمور ما هو؟ قال : ذاك الضراح بيت فوق سبع سماوات تحت العرش يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ثوم لا يعودون إليه إلى يوم القيامة (٤).

١٤ ـ وعن ابن عباس ، قال : هو بيت حذاء العرش تعمره الملائكة يصلي فيه كل ليلة سبعون ألفا من الملائكة ثم لايعودون إليه (٥).

١٥ ـ وعن الضحاك قال : انزل من الجنة وكان يعمر بمكة ، فلما كان الغرق رفعه الله فهو في السماء السادسة ، يدخله كل يوم سبعون ألف ملك (٦).

بيان : مقتضى الجمع بين الاخبار مع صحة جميعها القول بتحقق البيت في جميع تلك المواضع وسيأتي كثير من الاخبار المتعلقة بالباب في باب الملائكة.

٨

(باب)

* (السماوات وكيفياتها وعددها ، والنجوم وأعدادها وصفاتها والمجرة) *

الآيات :

الانعام : وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر قد فصلنا الآيات لقوم يعلمون (٧).

____________________

(١) في المصدر : خالد بن عرعرة.

(٢) في المصدر : الكعبة من فوقها.

(٣ و ٥) الدر المنثور : ج ٦ ، ص ١١٧.

(٦) الدر المنثور : ج ٦ ، ص ١١٧.

(٧) الانعام : ٩٧.

٦١

الاعراف : إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء (١).

الرعد : الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها ثم استوى على العرش و سخر الشمس والقمر كل يجري لاجل مسمى يدبر الامر يفصل الآيات لعلكم بلقاء ربكم توقنون (٢).

الحجر : ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون إلى قوله تعالى ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين وحفظناها من كل شيطان رجيم إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين (٣).

النحل : خلق السماوات والارض بالحق تعالى عما يشركون (٤).

وقال : وعلامات وبالنجم هم يهتدون (٥).

طه : تنزيلا ممن خلق الارض والسماوات العلى (٦).

الانبياء : وجعلنا السماء سقفا محفوظا وهم عن آياتها معرضون (٧).

وقال تعالى : يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب (٨).

الحج : ويمسك السماء أن تقع على الارض إلا باذنه (٩)

المؤمنون : ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق وما كنا عن الخلق غافلين (١٠).

____________________

(١) الاعراف : ٤٠.

(٢) الرعد : ٢.

(٣) الحجر : ١٨١٤.

(٤) النحل : ٢.

(٥) النحل : ١٦.

(٦) طه : ٢.

(٧) الانبياء : ٢٢.

(٨) الانبياء : ١٠٤.

(٩) الحج : ٦٣.

(١٠) المؤمنون : ١٦.

٦٢

وقال تعالى : قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم سيقولون لله قل أفلا تتقون (١).

الفرقان : تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا (٢).

العنكبوت : خلق الله السماوات والارض بالحق إن في ذلك لآية للمؤمنين (٣).

الروم : ومن آياته أن تقوم السماء والارض بأمره (٤).

لقمان : خلق السماوات بغير عمد ترونها (٥).

الصافات : ورب المشارق إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب وحفظا من كل شيطان ما رد إلى قوله تعالى فأتبعه شهاب ثاقب (٦).

المؤمن : الله الذي جعل لكم الارض قرارا والسماء بناء (٧).

السجدة : ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللارض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين فقضيهن سبع سماوات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم (٨).

ق : أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها ومالها من فروج (٩).

الذاريات : والسماء ذات الحبك (١٠). وقال تعالى : وفي السماء رزقكم و

____________________

(١) المؤمنون : ٨٦.

(٢) الفرقان : ٦١.

(٣) العنكبوت : ٤٤.

(٤) الروم : ٢٥.

(٥) لقمان : ١٠.

(٦) الصافات : ١٠٦.

(٧) المؤمن : ٦٤.

(٨) فصلت : ١١ و ١٢.

(٩) ق : ٦.

(١٠) الذاريات : ٧.

٦٣

ما توعدون (١) وقال : والسماء بنيناءا بأيد وإنا لموسعون (٢).

الطور : والسقف المرفوع (٣). وقال تعالى : يوم تمور السماء مورا (٤).

النجم : والنجم إذا هوى (٥). وقال تعالى : وأنه هو رب الشعرى (٦).

القمر : اقتربت الساعة وانشق القمر (٧).

الرحمن : الشمس والقمر بحسبان والنجم والشجر يسجدان والسماء رفعها (٨) وقال : فإذا انشقعت السماء فكانت وردة كالدهان (٩).

الواقعة : فلا اقسم بمواقع النجوم وإنه لقسم لو تعلمون عظيم (١٠).

الملك : الذي خلق سبع سماوات طباقا ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين وأعتدنا لهم عذاب السعير (١١).

الحاقة : وانشقت السماء فهي يومئذ واهية (١٢).

المعارج : يوم تكون السماء كالمهل (١٣).

____________________

(١) الذاريات : ٢٢.

(٢) الذاريات : ٤٨.

(٣) الظور : ٥.

(٤) الطور : ٩.

(٥) النجم ، ١.

(٦) النجم : ٤٩.

(٧) القمر : ١.

(٨) الرحمن : ٥٧.

(٩) الرحمن : ٣٧.

(١٠) الواقعة : ٧٦.

(١١) الملك : ٥٣.

(١٢) الحاقة : ١٦.

(١٣) المعارج : ٨.

٦٤

نوح : ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقا وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا (١).

الجن : وإنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا وإنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا (٢).

المرسلات : فإذا النجوم طمست وإذا السماء فرجت (٣).

النبأ : وبنينا فوقكم سبعا شدادا وجعلنا سراجا وهاجا (٤).

التكوير : وإذا السماء كشطت إلى قوله تعالى فلا اقسم بالخنس الجوار الكنس (٥).

الانفطار : إذا السماء انفطرت وإذا الكواكب انتثرت (٦).

الانشقاق : إذا السماء انشقت وأذنت لربها وحقت (٧).

البروج : والسماء ذات البروج (٨).

الطارق : والسماء والطارق وما أدريك ما الطارق النجم الثاقب إلى قوله تعالى والسماء ذات الرجع (٩).

الغاشية : وإلى السماء كيف رفعت (١٠).

الشمس : والسماء وما بنيها (١١).

____________________

(١) نوح : ١٥ و ١٦.

(٢) الجن : ٨ و ٩.

(٣) المرسلات : ٨.

(٤) النبأ : ١٢ و ١٣.

(٥) التكوير : ١٦١١

(٦) الانفطار : ١ و ٢.

(٧) الانشقاق : ١ و ٢.

(٨) البروج : ١.

(٩) الطارق : ١١١.

(١٠) الغاشية : ١٨.

(١١) الشمس : ٥.

٦٥

تفسير : « جعل لكم النجوم » أي خلقها لمنافعكم « لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر » قيل : أي في ظلمات الليل في البر والبحر ، وإضافتها إليهما للملابسة أو في مشتبهات الطرق سماها ظلمات على الاستعارة وهو إفراد لبعض منافعها بالذكر بعد أن أجملها بقوله « لكم » واولت النجوم في الاخبار بالائمة الاخيار عليهم السلام فإنهم الهداة في ظلمات الفتن والشبهات ولا ينافي الظاهر. « قد فصلنا الآيات » بيناها فصلا فصلا « لقوم يعلمون » فانهم المنتفعون به.

« لا تفتح لهم أبواب السماء » أي لادعيتهم وأعمالهم ، أولارواحهم كما تفتح لاعمال المؤمنين وأرواحهم ، ويدل على أن للسماء أبوابا ، وربما يحمل على المجاز. « بغير عمد ترونها » قال الرازي : في قوله « ترونها » أقوال : الاول أنه كلام مستأنف والمعنى : رفع السماوات بغير عمد ، ثم قال ترونها أي وأنتم ترونها أنها مرفوعة بلا عماد الثانى قال الحسن : في الآية (١) تقديم وتأخير ، تقديره : رفع السماوات ترونها بغير عمد. الثالث أن قوله « ترونها » صفة للعمد ، والمعنى : بغير عمد مرئية أي للسماوات عمد ولكنا لانراها ، قالوا : ولها عمد على جبل قاف وهو جبل من زبرجد محيط بالدنيا ولنكم لاترونه ، وهذا التأويل في غاية السقوط لانه تعالى إنما ذكر هذا الكلام ليكون حجة على وجود الاله القادر ولو كان المراد ما ذكروه ما تمت (٢) الحجة ، لانه يقال : إن السماوات لما كانت مستقرة على جبل (٣) فأى دلالة [ تبقى ] فيها على وجود الاله؟

وعندي فيه وجه آخر أحسن من الكل ، وهو أن العماد ما يعتمد عليه وقد دللنا على أن هذه الاجسام إنما بقيت واقفة في الجو العالي بقدرة الله فحينئذ يكون عمدها هو قدرة الله تعالى فصح أن يقال رفع السماوات بغير عمد ترونها أي

____________________

(١) في المصدر : في تقدير الاية.

(٢) في المصدر : لما ثبتت الحجة.

(٣) في المصدر : على جبل قاف.

٦٦

لها عمد في الحقيقة إلا أن تلك العمد هي إمساك (١) الله تعالى وحفظه وتدبيره و إبقاؤه إياها في الجو العالي وأنتم لا (٢) ترون ذلك التدبير ولا تعرفون كيفية ذلك الامساك (٣) « انتهى ».

واقول : هذا الوجه الاخير الذي يتبجح به ونسبه إلى نفسه أورده شيخنا الطبرسي ره في مجمع البيان راويا عن ابن عباس ومجاهد.

« وسخر الشمس والقمر » فيه أنواع من الدلالة على وجود الاله الحق وحكمته وقدرته ، إذ أصل تلك الحركات السريعة واستمرارها وكونها على أقدار مخصوصة وكون بعضها مشرقية وبعضها مغربية وبعضها مائلة إلى الشمال وبعضها مائلة إلى الجنوب مما يدل دلالة قطعية على وجود قادر قاهر كامل في العلم والحكمة و اللطف والرحمة. « كل يجري لاجل مسمى » قال الرازي : فيه قولان : الاول قال ابن عباس : للشمس مائة وثمانون منزلا كل يوم لها منزل وذلك في (٤) ستة أشهر ، ثم إنها تعود مرة اخرى إلى واحد واحد منها في ستة أشهر مرة اخرى وكذلك القمر له ثمانية وعشرون منزلا ، فالمراد بقوله « كل يجري لاجل مسمى » هذا ، وتحقيقه أنه تعالى قدر لكل واحد من هذه الكواكب سيرا خاصا إلى جهة خاصة بمقدار خاص من السرعة والبطء ، ومتى كان الامر كذلك لزم أن يكون لها بحسب كل لحظة ولمحة حال اخرى ما كانت حاصلة قبل ذلك. والثانى المراد كونهما متحركين إلى يوم القيامة ، وعند مجيئ ذلك اليوم تنقطع هذه الحركات كقوله (٥) تعالى « إذا الشمس كورت ، وإذا النجوم انكدرت ، وإذا السماء انشقت وإذا السماء انفطرت ، وجمع الشمس والقمر » (٦).

____________________

(١) في المصدر : قدرة الله تعالى.

(٢) في المصدر : وانهم لا يرون ذلك التدبير ولا يعرفون.

(٣) مفاتيح الغيب : ج ٥ ، ص ٢٦٠.

(٤) في المصدر : وذلك يتم في

(٥) في المصدر : كما وصف الله تعالى ذلك في قوله.

(٦) مفاتيح الغيب : ج ٥ : ص ٢٦١.

٦٧

« يدبر الامر » قال البيضاوي : أي أمر ملكوته من الايجاد والاعدام و الاحياء والامامة وغير ذلك « يفصل الآيات » ينزلها ويبينها مفصلة ، أو يحدث الدلائل بواحد (١) بعد واحد « لعلكم بلقاء ربكم توقنون » لكي تتفكروا فيها و تتحققوا كمال قدرته فتعلموا أن من قدر على خلق هذه الاشياء وتدبيرها قدر على الاعادة والجزاء (٢).

قوله تعالى « ولو فتحنا عليهم بابا » ظاهره جواز الخرق على الافلاك وإن أمكن أن يكون من قبيل التعليق على المحال « وقد جعلنا في السماء بروجا » أكثر المفسرين حملوه على البروح الاثني عشر المعروفة ، وقيل هي الكواكب. قال الطبرسي ره : أي منازل للشمس والقمر « وزيناها للناظرين » بالكواكب النيرة عن أبي عبدالله عليه السلام وقيل : البروج النجوم عن ابن عباس والحسن وقتادة « وحفظناها » أي السماء « من كل شيطان رجيم » أي مرجوم مرمي بالشهاب ، و قيل : ملعون مشؤم ، وحفظ المساء من الشيطان بالمنع حتى لا يدخلها ولا يبلغ إلى موضع يتمكن فيه من استراق السمع بما اعد له من الشهاب « إلا من استرق السمع » المراد بالسمع المسموع ، والمعنى : إلا من حاول أخذ مسموع من السماء في خفية « فأتبعه » أي لحقه « شهاب مبين » أي شعلة نار ظاهر لاهل الارض بين لمن رآه ونحن في رأي العين نرى كأنهم يرمون بالنجوم ، والشهاب عمود من نور يضيئ ضياء النار لشدة ضيائه ، وروى عن ابن عباس أنه [ قال : ] كان في الجاهلية كهنة ومع كل واحد شيطان ، فكان يقعد من السماء مقاعد للسمع ، فيستمع من الملائكة ما هو كائن في الارض فينزل ويخبر به الكاهن ، فيفشيه الكاهن إلى الناس ، فلما بعث الله عيسى (ع) منعوا من ثلاث سماوات ، ولما بعث محمد (ص) منعوا من السماوات كلها وحرست السماء بالنجوم ، والشهاب (٣) من معجزات نبينا (ص) لانه لم ير

____________________

(١) في المصدر : واحدا بعد واحد.

(٢) انوار التنزيل : ج ١ ، ص ٦١٤.

(٣) في المصدر : فالشهاب.

٦٨

قبل زمانه. وقيل : إن الشهاب يقتل الشياطين ، وقيل : لا يقتلهم (١).

« خلق السماوات والارض بالحق » أي لامر حق هو العبادة والمعرفة ، أو على مقدار وشكل وأوضاع وصفات مختلفة قدرها وخصصها بحكمته « تعالى عما يشركون » منها أو مما يفتقر في وجوده أو بقائه إليها ومما لا يقدر على خلقها. « وعلامات » عطف على قوله « رواسي » في قوله « وألقي في الارض رواسي » أي ألقى في الارض وجعل فيها معالم تستدل به السابلة من جبل ومنهل وريح ونحو ذلك « وبالنجم هم يهتدون » بالليل في البراري والبحار ، والمراد بالنجم الجنس ، و قيل : الثريا والفرقدان وبنات النعش والجدي ، قيل : ولعل الضمير لقريش لانهم كانوا كثير الاسفار للتجارة مشهورين بالاهتداء في مسائرهم بالنجوم ، وفي كثير من الروايات أن العلامات الائمة عليهم السلام والنجم رسول الله (ص) وضمير « هم » راجع إلى العلامات باعتبار المعنى. والعلى جمع العليا تأنيث الاعلى ، أي السماوات الرفيعة العالية.

« وجعلنا السماء سقفا محفوظا » أي عن الوقوع بقدرته ، أو عن الفساد و الانحلال إلى الوقت المعلوم بمشيته ، أو عن استراق السمع بالشهب « وهم عن آياتها » أي أحوالها الدالة على وجود الصانع ووحدته وكمال قدرته وتناهي حكمته « معرضون » غير متفكرين.

« يوم نطوى السماء » قال الطبرسي ره : المراد بالطي هنا هو الطي المعروف ، فإن الله سبحانه يطوي السماء بقدرته ، وقيل : إن طي السماء ذهابها عن الحسن « كطي السجل للكتب » [ السجل ] صحيفة فيها الكتب ، وقيل : ملك يكتب أعمال العباد ، وقيل : اسم كاتب كان للبني صلى الله عليه وآله انتهى (٢).

وأقول : تدل الآية على حدوث السماوات وإمكان خرقها وزوالها وتغير أحوالها ردا على الحكماء المنكرين لجميع ذلك.

____________________

(١) مجمع البيان : ج ٦ ، ص ٣٣١.

(٢) مجمع البيان ج ٧ ، ص ٦٦.

٦٩

« أن تقع على الارض » قال البيضاوي : من أن تقع أو كراهة أن تقع بأن خلقها على صورة متداعية إلى الاستمساك « إلا باذنه » أي إلا بمشيته ، وذلك يوم القيامة ، وفيه رد لاستمساكها بذاتها فإنها مساوية لسائر الاجسام في الجسمية فتكون قابلة للميل الهابط قبول غيرها (١) « انتهى ».

« سبع طرائق » قال الرازي : أى سبع سماوات ، وإنما قيل طرائق لتطارقها بمعنى كون بعضها فوق بعض ، يقال طارق الرجل نعليه إذا طبق (٢) نعلا على نعل وطارق بين ثوبين إذا لبس ثوبا على (٣) ثوب ، هذا قيل الخليل والزجاج (٤) و قال الزجاج : هو قوله « سبع سماوات طباقا » وقال علي بن عيسى سميت بذلك لانها طرائق الملائكة في العروج والهبوط والطيران وقال آخرون : لانها طرائق الكواكب فيها مسيرها والوجه في إنعامه علينا بذلك أنه تعالى جعلها موضعا لارزاقنا بإنزال الماء منها ، وجعلها مقرا للملائكة ، وأنها موضع الثواب ، و لانها مكان إرسال الانبياء ونزول الوحي. وأما قوله « وما كنا عن الخلق غافلين » ففيه وجوه : أحدها ما كنا غافلين بل كنا للخلق حافظين من أن تسقط عليهم السبع الطرائق (٥) فتهلكهم ، وثانيها إنما خلقناها فوقهم لتنزل عليهم الارزاق والبركات منها ، وثالثها أنا خلقنا هذه الاشياء فدل خلقنا لها على كمال قدرتنا ثم بين كمال العلم بقوله « وما كنا عن الخلق غافلين » يعني عن أعمالهم وأقوالهم وضمائرهم ، وذلك يفيد نهاية الزجر ، ورابعها وما كنا عن خلق السماوات غافلين بل نحن لها حافظون ، لئلا تخرج عن التقدير الذي أردنا كونها عليه ، كقوله تعالى « ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت (٦) » « انتهى ».

____________________

(١) انوار التنزيل : ج ، ٢ص ١١٠.

(٢) في المصدر : اطبق.

(٣) في المصدر : فوق ثوب.

(٤) وزاد في المصدر الفراء.

(٥) في المصدر : الطرائق السبع.

(٦) مفاتيح الغيب : ج ٧ ، ص ٦٢٠.

٧٠

« تبارك الذي جعل في السماء بروجا » قال الرازي : البروج هي القصور العالية ، سميت بروج الكواكب به لانها لهذه الكواكب كالمنازل لسكانها ، و اشتقاق البرج من التبرج لظهوره ، وفيه قول آخر عن ابن عباس أن البروج هي الكواكب العظام ، والاول أولى. والسراج الشمس (١) « انتهى » « بأمره » أي بمحض إرادته « ورب المشارق » قيل : أي مشارق الكواكب ، أو مشارق الشمس في السنة ، وهي ثلثمائة وستون يشرق كل يوم في واحد وبحسبها تختلف المغارب ولذلك اكتفى بذكرها مع أن الشروق أدل على القدرة وأبلغ في النعمة « إنا زينا السماء الدنيا » أي القربى منكم « بزينة الكواكب » أي بزينة هي الكواكب بالاضافة البيانية أو البدلية على القراءتين « وحفظا » منصوب بإضمار فعله ، أو العطف على « زينة » باعتبار المعنى كأنه قال : إنا خلقنا الكواكب زينة للسماء و حفظا من كل شيطان « مارد » خارج من الطاعة يرمى بالشهب (٢).

« قرارا » أي مستقرا تستقرون عليه « والسماء بناء » أي وجعل السماء بناء مرتفعا فوقها ، ولو جعلهما رتقا لما أمكن الخلق الانتفاع بما بينهما « كيف بنيناها » أي رفعناها بلا عمد وزيناها بالكواكب « ومالها من فروج » أي فتوق كسائر الابنية المبنية من الاحجار واللبنات ، بل خلقها ملساء متصلة ، أو ليس لها فروج ظاهرة مرئية فلا ينافي الابواب الكائنة فيها ، وقال الكسائي : معناه ليس فيها تفاوت واختلاف قال الرازي : قالت الفلاسفة : الآية دالة على أن السماء لاتقبل الخرق ، وكذلك قالوا في قوله « هل ترى من فطور » وقوله « سبعا شدادا » وتعسفوا فيه لان قوله تعالى « مالها من فروج » صريح في عدم ذلك ، والاخبار عن عدم شئ لا يكون إخبارا عن عدم إمكانه ، فإن من قال « من لفلان مال » لا يدل على نفي إمكانه ، ثم إنه تعالى بين خلاف قولهم بقوله « وإذا السماء فرجت » وقوله (٣) « إذا السماء انفطرت » وقوله (٤) « فهي يومئذ واهية » في مقابلة قوله

____________________

(١) مفاتيح الغيب : ج ٦ ، ص ٤٩٥.

(٢) بالشهاب ( خ ).

(٣ و ٤) في المصدر : وقال.

٧١

« سبعا شدادا » قال (١) « فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان » إلى غير ذلك والكل في الرد عليهم صريح ، وماذكروه في الدلالة ليس بظاهر بل وليس له دلالة خفية أيضا ، وأما دليلهم المعقول فأضعف وأسخف من تمسكهم بالمنقول (٢).

« ذات الحبك » قال البيضاوي : ذات الطرائق ، والمراد إما الطرائق المحسوسة التي هي مسيرالكواكب ، أو المعقولة التي يسلكها النظار ويتوصل بها إلى المعارف ، أو النجوم فإن لها طرائق ، أو إنها تزينها كما تزين الموشي طرائق الوشي ، جمع « حبيكة » كطريقة وطرق ، أو « حباك » كمثال ومثل (٣). قال الطبرسي ره : أي ذات الطرائق الحسنة ، لكنا لا نرى تلك الحبك لبعدها عنا وقيل : ذات الخلق الحسن المستوي ، وقيل : ذات الحسن والزينة عن علي عليه السلام (٤) « انتهى ».

وأقول : سيأتي تأويل آخر في الرواية عن الرضا عليه السلام.

« وفي السماء رزقكم » أي أسباب رزقكم أو تقديره ، وقيل : المراد بالسماء السحاب وبالرزق المطر فإنه سبب الاقوات « وما توعدون » من الثواب لان الجنة فوق السماء السابعة ، أو لان الاعمال وثوابها مكتوبة مقدرة في السماء « بأيد » أي بقوة « وإنا لموسعون » أي لقادرون من الوسع بمعنى الطاقة ، و الموسع : القادر على الانفاق ، أو لموسعون السماء ، أو ما بينها وبين الارض ، أو الرزق. وقيل : أي قادرون على خلق ما هو أعظم منها. « والسقف المرفوع » هو السماء عن علي عليه السلام ، « يوم تمور السماء مورا » أي تدور دورانا وتضطرب وتموج وتتحرك. « والنجم » المراد جنس النجم أو الثريا فإنه غلب فيه ، واول في بعض الاخبار بالرسول (ص) « إذا هوى » أي غرب ، أو انتثر يوم القيامة ، أو انقض

____________________

(١) في المصدر : وقال.

(٢) مفاتيح الغيب : ج ٧ ، ص ٦٢٠.

(٣) انوار التنزيل : ج ٢ص ٤٦٢.

(٤) مجمع البيان : ج ٩ ، ص ١٥٣.

٧٢

أو طلع فإنه يقال « هوي هويا » بالفتح إذا سقط على الارض ، أو إذا نمى وارتفع وعلى الاخير معراجه أو نزوله صلى الله عليه وآله. « وأنه هورب الشعرى » إنما خص بالذكر لان خزاعة كانت تعبدها.

« وانشق القمر » قال الرازي : المفسرون بأسرهم على أن المراد أن القمر انشق وحصل فيه الانشقاق ، ودلت الاخبار الصحاح عليه ، وإمكانه لايشك فيه وقد أخبر عنه الصادق فيجب اعتقاد وقوعه ، وحديث امتناع الخرق والالتئام حديث اللئام ، وقد ثبت جواز الخرق والتخريب على السماوات (١) « انتهى ».

« الشمس والقمر بحسبان » أي يجريان بحساب معلوم مقدر في بروجهما و منازلهما ، ويتسق بذلك امور الكائنات السفلية ، وتختلف الفصول والاوقات ويعلم السنون والحساب. « والنجم والشجر » المشهور أن المراد بالنجم النبات الذي ينجم أي يطلع من الارض ولا ساق له ، وبالشجر الذي له ساق ، وقيل : المراد بالنجم نجم السماء. « يسجدان » أي ينقادان لله فيما يريد بهما طبعا انقياد الساجد من المكلفين طوعا « والسماء رفعها » خلقها مرفوعة محلا ومرتبة ، فإنها منشأ أقضيته ، ومنزل أحكامه ، ومحل ملائكته.

« فإذا انشقت السماء » يعني يوم القيامة « فكانت وردة » أي فصارت حمراء ثم تجري « كالدهان » وهو جمع الدهن عند انقضاء الامر ، وقيل : هي كالدهان التي تصب بعضها بألوان مختلفة ، وقيل : الدهان الاديم الاحمر. « فلا اقسم » قيل : إذ الامر أوضح من أن يحتاج إلى قسم ، أو فاقسم « ولا » مزيدة للتأكيد ، أو فلانا اقسم فحذف المبتدأ واشبع فتحة لام الابتداء « بمواقع النجوم » أي بمساقطها وتخصيص المغارب لما في غروبها من زوال أثرها والدلالة على وجود مؤثر لايزول تأثيره ، أو بمنازلها ومجاريها ، وقيل : النجوم نجوم القرآن ، ومواقعها أوقات نزولها « وإنه لقسم لو تعلمون عظيم » لما في المقسم به من الدلالة على عظم القدرة وكمال الحكمة ، وفرط الرحمة ، « طباقا » أي مطابقة بعضها فوق بعض ، مصدر طابقت

____________________

(١) مفاتيح الغيب : ج ٧ ، ص ٧٧٩.

٧٣

النعل إذا خصفتها طبقا على طبق وصف به ، أو طوبقت طباقا ، أو ذات طباق جمع طبق كجبل وجبال ، وقيل : أراد بالمطابقة المشابهة أي يشبه بعضها بعضا في الاحكام والاتقان « ماترى في خلق الرحمن من تفاوت » أي اختلاف وتناقض من طريق الحكمة بل ترى أفعاله كلها سواء في الحكمة وإن كانت متفاوتة في الصور والهيئة ، وقيل : معناه ما ترى يا ابن آدم في خلق السماوات من عيب واعوجاج بل هي مستقيمة مستوية كلها مع عظمها « فارجع البصر » أي فرد البصر وأدرها في خلق الله واستقص في النظر مرة بعد اخرى ، والتقدير : انظر ثم ارجع النظر في السماء ، وقيل : أي قد نظرت إليها مرارا فانظر إليها مرة اخرى متأملا فيها لتعاين ما أخبرت به من تناسبها واستقامتها واستجماعها ما ينبغي لها « هل ترى من فطور » أي شقوق وفتوق ، وقيل : من وهي وخلل « ثم ارجع البصر كرتين » أي ثم كرر النظر مرتين لان من نظر في الشئ كرة بعد اخرى بان له ما لم يكن بائنا ، وقيل : المراد بالتثنية التكرير والتكثير كما في لبيك وسعديك ، ولذلك أجاب الامر بقوله « ينقلب إليك البصر خاسئا » أي بعيدا عن إصابة المطلوب كأنه طرد عنه طردا بالصغار « وهو حسير » كليل من طول المعاودة وكثرة المراجعة « ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح » أي بكواكب مضيئة إضاءة السراج.

واعلم أن ههنا إشكالا مشهورا وهو أنه اتفق أصحاب الهيئة على أنه ليس في السماء الاولى سوى القمر ، وسائر السيارات كل في فلك ، والثوابت كلها في الثامن ، والآية الكريمة تدل على أن كلها أو أكثرها في السماء الدنيا واجيب عنه بوجوه :

الاول : أن النسبة إليها أنه لما كانت ترى منها فكانت زينة لها كما أن السراج المرئي خلف الزجاج زينة لها ، أو لانه بحسب الحس لما كان يتوهم أنه فيها فكأنه زينة لها ، وهذا الوجه وإن كان أوفق باصولهم إلا أنه متضمن لتكلف كثير في الآيات.

الثاني : ما ذكره الرازي في تفسيره وهو أنه لا يبعد وجود كرة تحت كرة

٧٤

القمر وتكون في البطء مساوية لكرة الثوابت وتكون الكواكب المركوزة فيما يقارن القطبين مركوزة في هذه الكرة السفلية ، إذ لايبعد وجود كرتين مختلفتين بالصغر والكبر مع كونهما متشابهتين في الحركة ، وعلى هذا التقدير لا يمتنع أن تكون هذه المصابيح مركوزة في السماء الدنيا ، فثبت أن مذهب الفلاسفة في هذا الباب ضعيف (١) « انتهى ».

وأقول : جملة القول في ذلك أن الحكماء أثبتوا أفلاكا تسعة ، لانهم وجدوا أولا لجميع الكواكب حركة سريعة من المشرق إلى المغرب ، وهي التي بها يتحقق طلوعها وغروبها ، وبها يتحقق الليل والنهار ، وهي المسماة بالحركة اليومية وبالحركة الاولى وبحركة الكل ، فأثبتوا لها فلكا واحدا يشتمل على الجميع (٢) ، ثم وجدوا لكل [ واحد ] من الكواكب السبعة المعروفة بالسيارة

____________________

(١) مفاتيح الغيب : ج ٨ ، ص ٢٤٦.

(٢) الهيويون الاقدمون لاسيما شيعة بطلميوس كانوا يزعمون ان العالم الجسمانى كرات متداخلة مركزها الارض التى استوعب ثلاثة ارباع سطحها الماء ، وفوقها كرة الهواء ، وفوقها كرة النار ، ثم فلك القمر ، ثم عطارد ، ثم الزهرة ، ثم الشمس ، ثم المريخ ، ثم المشترى ثم زحل ثم فلك الثوابت ثم فلك الافلاك وهو غير م؟ ناه قطرا فلا يمكن تحديد سطحه المحدب بحد ولا يقاس بمقياس وكانوا يعدون الشمس والقمر من السيارات ويزعمون انها منحصرة في السبعة المذكورة وان لا حركة للثوابت سوى حركة غريبة بطيئة جدا وان الفلك جسم كروى بسيط شفاف لا يقبل الخرق والالتئام والتغير والفساد وان الكواكب اكر مركوزة في الافلاك إلى غير ذلك. وقد اختلفوا في عدد الافلاك حتى ادعى بعض المتأخرين وحدة الفلك الكلى وآخر أنهى الافلاك الجزئية إلى الثمانين! وكان لارهاط من الفلاسفة الاقدمين آراء اخرى احسنها راى فيثاغورس وكان يرى ان للارص؟ حركتين وان الحركة اليومية هي حركتها الوضعية كما ثبت في الهيئة الحديثة ونسب إلى بعض اتباعه القول بمركزية الشمس.

ثم ان فلاسفة الاسلام ارتضوا الفرضية البطلميوسية وبنوا عليها وشددوا مبانيها فاصبحت نظرية مرضية بل اصلا مسلما لا يختلف فيه ، ثم نزل جم غفير من علماء الاسلام ما ورد في لسان الشرع من لفظة « السماوات » على الافلاك السبعة « والكرسى » على الثامن و « العرش » على التاسع ، ومنهم من قال ان السماوات فوق الافلاك ، وقد تكلفوا لتطبيق الظواهر الشرعية

٧٥

حركة من المغرب إلى المشرق مخالفة لحركة آخر منها في السرعة والبطء ، فأثبتوا لكل واحدة منها فلكا ، ثم وجدوا لجميع الكواكب التي غير السبعة حركة واحدة غربية بطيئة جدا فأثبتوا لها فلكا عليحدة ، فحصلت تسعة أفلاك لتسعة حركات ، وهي المسماة بالافلاك الكلية. وأما ترتيب السيارات فالمشهور أن القمر في الفلك الذي هو أقرب إلينا ، ثم عطارد ، ثم الزهرة ، ثم الشمس ، ثم المريخ ثم المشتري ، ثم زحل ، ثم فلك الثوابت ، ثم الاطلس الذي هو غير مكوكب ، وما ورد في لسان الشرع بلفظ السماوات ينزلونها على أفلاك السيارات وبلفظ الكرسي على فلك البروج وهو الثامن وبلفظ العرش على التاسع. واستدلوا على الترتيب المذكور بأن زحل يكسف بعض الثوابت فيكون تحتها ، وينكسف بالمشتري فيكون فوقه ، و المشتري ينكسف بالمريخ فهو فوقه ، وهذه الثلاثة تسمى علوية ، وأما كون الشمس تحتها فلان لها اختلاف منظردون العلوية ، وأما الزهرة وعطارد فلا جزم بكونهما تحت الشمس أو فوقها إذ لا يكسفها غير القمر ولا يدرك كسفها لشئ من الكواكب لاحتراقها عند مقارنتها ، ولا يعرف لهما اختلاف منظر أيضا لانهما لا يبعدان عن الشمس كثيرا ولا يصلان إلى نصف النهار ، والآلة التي يعرف بها اختلاف المنظر

____________________

على اصول هذه الفرضية وفروعها ، كل ذلك لارتضائهم اياها واعجابهم بها واعتقادهم بانها اصل هيوى قويم وقاعدة فلكية مسلمة ، مع انها في الاصل فرضية افترضت لحل ما اشكل من المسائل الهيوية ولذلك كلما بدت مشكلة اخذوا في اصلاحها وتتميمها فزادوا في تعداد الافلاك ونقصوا وابرموا منا نسجوا ونقضوا ، حتى آل الامر إلى انكار كثرة الافلاك من جهة وانهائها إلى الثمانين من اخرى! واللبيب يأخذ عظته من عبر التاريخ ولا يتهاون بعد في تأويل حقائق الكتاب والسنة بما يعجبه من آراء العلماء وأوهام الحكماء مالم يستندوا إلى دليل قاطع وبرهان ساطع.

وكيف كان فالهيئة الحديثة تنكر مركزية الارض ووحدة القمر وانحصار السيارات في النيرين والخمسة المتحيرة وكون الشمس من السيارات والفلك البسيط الذى لا يقبل الخرق والالتئام ، واكتشفت بالالات الهيوية الحديثة كواكب واقمارا اخرى ليس لها ذكر في الهيئة القديمة فاكتشفت من السيارات فلكان ، أورانوس ، نبتون وبيلوتون وعدة كواكب صغيرة بين المريخ والمشرتى تناهز الف سيارة. واكتشفت للمريخ قمران وللمشرتى احد عشر قمرا ولزحل تسعة اقمار ولاورانوس ستة اقمار إلى غير ذلك ، وسنشير إلى بعض ما ثبت في الهيئة الجديدة في موضع انسب ان شاء الله تعالى.

٧٦

إنما تنصب في سطح دائرة نصف النهار ، فحكموا بكونهما تحت الشمس استحسانا لتكون متوسطة بين الستة بمنزلة شمسة القلادة ، وأيدوا ذلك بمناسبات اخر. و ذكر الشيخ وبعض من تقدمه أنه رأى الزهرة كشامة على وجه الشمس ، وبعضهم ادعى أنه رآها وعطارد كشامتين عليها وسميا سفليين لذلك ، والزهرة منها فوق عطارد لانكسافها به ، والقمر تحت الكل لانكساف الكل به.

وأما خصوص عدد التسعة فجزم الاكثر بأنه لا أقل منها والمحقق الطوسي ره جوز كونها ثمانية حيث قال في التذكرة : وإسناد إحدى الحركتين الاوليين إلى المجموع لا إلى فلك خاص به لم يكن ممتنعا ، لكنهم لم يذهبوا إلى ذلك. وقال صاحب التحفة : إني سمعت من الاستاذ أن جواز إسناد إحدى الاوليين إلى المجموع لا إلى فلك خاص بها معلل بجواز اتصال نفس بالثمانية واخرى بالثامنة وتكون دوائر البروج والمنطقتان مفروضة على محدب الثامنة ، فقلت : فعلى هذا يمكن أن تكون الافلاك الكلية سبعة فقط بأن تفرض الثوابت مركوزة في ممثل زحل ودوائر البروج على محد به متحركة بالحركة السريعة دون البطيئة ، وتتعلق نفس واحدة بمجموع السبعة وتحركه الحركة الاولى ، ونفس اخرى تعلقت بممثل زحل وحده وتحركه الحركة البطيئة ، ونفس الثانية تعلقت بخارجه و تحركه الحركة الخاصة ، وباقي الافلاك الستة على حالها. فاستحسنه وأثنى علي « انتهى ».

وقال المحقق الدواني : يجوز أن تكون الافلاك الكلية اثنين ، بأن تفرض الافلاك الخارجة المراكز كلها سوى خارج القمر في ثخن ممثل واحد بحيث لا تكون السطوح التي يثبتونها بين الممثلات إلابين ذلك الممثل وممثل القمر ، فتنحصر الافلاك الكلية فيهما « انتهى » هذا هو الكلام في جانب القلة ، وأما في جانب الكثرة فلا قطع ، لاحتمال أن يكون كل من الثوابت أو كل طائفة منها في فلك عليحدة وأن يكون أفلاكا كثيرة غير مكوكبة. هذا ما ذكروه في هذا الباب ، ولنرجع إلى ما يناسب الكتاب فنقول :

٧٧

يمكن أن يكون أكثر الكواكب الثابتة وهي التي لم تكن في ممر السيارات في فلك من الافلاك الجزئية للقمر مساوية حركته لحركة الثوابت ، فإنهم أثبتوا كلا من تلك الافلاك الجزئية لدواعي دعتهم إلى ذلك ، مع أنه تلزمهم على ذلك إشكالات لم يمكنهم حلها ، فلا مانع من إثبات فلك آخر لتصحيح ما في الآيات و الاخبار ، بحيث لايخالف قواعدهم المبنية على الظن والتخمين ، وبالقيد المذكور لا مانع من جهة الانكساف أيضا.

الثالث : ما خطر بالبال القاصر ، وهو أن يكون جميع الافلاك الثمانية التي أثبتوها لجميع الكواكب فلكا واحدا مسمى بالسماء الدنيا ، وتكون غيرها ستة سماوات اخر غير مكوكبة ، كما أنهم يثبتون لكل من الكواكب أفلاكا كثيرة جزئية ويعدون الكل فلكا واحدا كليا ، فلا ينافي شيئا من اصولهم ، وإنما يخالف مصطلحهم ولا عبرة بمخالفة الاصطلاح. وقد ذهب بعض قدماء الحكماء أيضا إلى أن الثوابت في فلك القمر. قال بليناس الحكيم في كتاب « علل الاشياء » : هي سبعة أفلاك بعضها في جوف بعض ، وصارت الافلاك في كل منها كوكب غير فلك القمر ، فإن الكواكب تبددت فيه وتقطعت لاختلاطها بكثرة الرياح الصاعدة إليه من قرب الارض. وقال في موضع آخر : وأما سماء الدنيا فإنها تبددت كواكبها من قبل حبكها وتدرجها ، فتقبلت الكواكب فصارت متعلقة بتلك الدرج وقال عند ذكر الملائكة : سكان فلك القمر من الروحانيين كثيرة رحمتهم ، قليلة شرورهم ، متعطفين على الحيوان ، مصلحين للنبات ، دائبين في مسرة بني آدم متصلين بهم ، فلاتصالهم ربما ظهروا لهم وكلموهم بلاهيبة منهم بالرحمة لحم وبالفة وهم مسلطون على السماء ، يحرسون السماء من شيطانك وولده أن يسترقوا السمع من الملائكة الاعلين الروحانيين المتصلين بفلك الشمس ، وإن الروحانيين الموكلين بالشمس إذا طلعت الشمس من مشرقها كان عندهم الاحداث التي تحدث في العالم في ذلك اليوم كله ، فشيطانك وولده يسترقون ما اوحي إلى اولئك الملائكة فالملائكة الذين في فلك القمر يجملون النجوم حتى يصير نارا ، ثم يرجمونهم بها

٧٨

فيهربون منها « إلى آخر ما قال ».

الرابع : أن يكون المراد بالكواكب في الآية الكريمة الشهب المنقضة قريبا منها ، ولما كانت ترى حسا على سطلح السماء فهي زينة لها ، وتؤيده تتمة الآية كما ستعرف.

الخامس : أن يكون المراد بالدنيا الدنو من الناحية العليا والعرش الاعلى فالمراد بها الفلك الثامن على سياق قوله تعالى « دنى فتدلى » فإن ترتيب الافلاك قد يبتدأ مما يلينا فيكون فلك القمر أو لها وأدناها ، وقد يبتدأ به من الجانب الاعلى ففلك الثوابت أول الافلاك المكوكبة وأدناها من العرش. ويرد عليه أن في لسان الشرع يعبر عنه بالكرسي كما مر.

« وجعلناها رجوما للشياطين » قال البيضاوي : وجعلنا لها فائدة اخرى هي رجم أعدائكم بانقضاض الشهب المسسبة عنها ، وقيل : معناها : رجوما وظنونا لشياطين الانس وهم المنجمون فالرجوم (١) جمع « رجم » بالفتح وهو مصدر سمي به ما يرجم به « وأعتدنا لهم عذاب السعير » في الآخرة بعد الاحراق بالشهب في الدنيا (٢) « انتهى » وأقول : على الاحتمال الرابع لاتحتاج إلى تكلف في ذلك.

« وانشقت السماء » قال الرازي : لنزول الملائكة « فهي يومئد واهية » أي مسترخية ساقطة القوة كالعهن المنفوش بعد ما كانت محكمة شديدة (٣). « كالمهل » قيل : كدردي الزيت ، وقيل : كعكر القطران. « سبع سماوات طباقا » قال الرازي : هذا يقتضي كون بعضها مطبقا (٤) على البعض ، وهذا يقتضي أن لا يكون ههنا (٥) فرج فالملائكة كيف يسكنون؟ والجواب أن الملائكة أرواح ، وأيضا

____________________

(١) في المصدر « والرجوم ».

(٢) انوار التنزيل : ج ٢ ، ص ٥٣٣.

(٣) مفاتيح الغيب : ج ٨ ، ص ٢٨٣.

(٤) في المصدر : منطبقا.

(٥) في المصدر : بينها.

٧٩

المراد من كونها طباقا كونها موازية لا أنها متماسة (١). و « جعل القمر فيهن نورا » قال البيضاوي : أي في السماوات وهو في السماء الدنيا وإنما نسب إليهن لما بينهن من الملابسة. « وجعل الشمس سراجا » مثلها به لانها تزيل ظلمة الليل عن وجه الارض كما يزيلها السراج عما حوله (٢). « وإنا لمسنا السماء » أي طلبنا بلوغ السماء أو خبرها ، واللمس مستعار من المس للطلب كالجس « حرسا » أي حراسا اسم جمع كالخدم « شديدا » قويا وهم الملائكة الذين يمنعونهم عنها « و شهبا » جمع شهاب وهو المضئ المتولد من النار « وإنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع » أي مقاعد خالية عن الحرس والشهب أو صالحة للرصد والاستماع ، و « للسمع » صلة لنقعد أو صفةلمقاعد « شهابا رصدا » أي شهاباراصدا له ولاجله يمنعه عن الاستماع بالرجم ، أو ذوي شهاب راصدين على أنه اسم جمع للراصد.

« طمست » أي محقت وأذهب نورها « فرجت » أي شقت « سبعا شدادا » أي سبع سماوات أقوياء محكمات لايؤثر فيها مرور الدهور « وجعلنا سارجا وهاجا » متلالئا وقادا ، أو بالغا في الحرارة والمراد الشمس « وإذا النجوم النكدرت » أي انقضت أو أظلمت « وإذا السماء كشطت » أي قلعت وازيلت كما يكشط الاهاب عن الذبيحة « فلا اقسم بالخنس الجوار الكنس » قال الرازي : فيه قولان الاول وهو المشهور الظاهر أنها النجوم ، الخنس جمع « خانس » والخنوس الانقباض و الاستخفاء ، تقول : خنس بين القوم وانخنس ، والكنس جمع « كانس » و « كانسة » يقال : كنس إذا دخل الكناس وهو مقر الوحش يقال : كنست الظباء في كناسها وتكنست المرأة إذا دخلت هودجها تشبه بالظبي إذا دخل الكناس ، ثم اختلفوا في خنوس النجوم وكنوسها على ثلاثة أوجه ، فالقول الاظهر أن ذلك إشارة إلى رجوع الكواكب الخمسة السيارة واستقامتها ، فرجوعها هو الخنوس ، وكنوسها اختفاؤها تحت ضوء الشمس ، ولا شك أن هذه حالة عجيبة وفيها أسرار عظيمة

____________________

(١) مفاتيح الغيب : ج ٨ ، ص ٣٠٦

(٢) انوار التنزيل : ج ٢ ، ص ٥٥٢.

٨٠