بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٩١
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

عن أبيه ، عن جده [ عن ] علي بن أبيطالب عليهم السلام قال : إن الله تبارك وتعالى خلق نور محمد (ص) قبل أن خلق السماوات والارض والعرش والكرسي واللوح والقلم والجنة والنار ، وقبل أن خلق آدم ونوحا وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب وموسى وعيسى وداود وسليمان وكل من قال الله عزوجل في قوله « ووهبنا له إسحاق ويعقوب إلى قوله وهديناهم إلى صراط مستقيم » (١) وقبل أن خلق الانبياء كلهم بأربعمائة ألف وأربع وعشرين ألف سنة ، وخلق عزوجل معه اثني عشر حجابا : حجاب القدرة ، وحجاب العظمة وحجاب المنة ، وحجاب الرحمة ، وحجاب السعادة ، وحجاب الكرامة ، وحجاب المنزلة ، وحجاب الهداية ، وحجاب النبوة ، و حجاب الرفعة ، وحجاب الهيبة ، وحجاب الشفاعة ، ثم حبس نور محمد (ص) في حجاب القدرة اثني عشر ألف سنة وهو يقول « سبحان ربي الاعلى » وفي حجاب العظمة أحد عشر ألف سنة وهو يقول سبحان عالم السر [ وأخفى ] وفي حجاب المنة عشرة آلاف سنة وهو يقول « سبحان من هو قائم لايلهو » وفي حجاب الرحمة تسعة آلاف سنة وهو يقول « سبحان الرفيع الاعلى » وفي حجاب السعادة ثمانية آلاف سنة وهو يقول « سبحان من هو دائم لا يسهو » وفي حجاب الكرامة سبعة آلاف سنة وهو يقول « سبحان من هو غني لا يفتقر » وفي حجاب المنزله ستة آلاف سنة وهو يقول « سبحان ربي العلي الكريم » وفي حجاب الهداية خمسة آلاف سنة وهو يقول « سبحان ذي (٢) العرش العظيم » وفي حجاب النبوة أربعة آلاف سنة وهو يقول « سبحان رب العزة عما يصفون » وفي حجاب الرفعة ثلاثة آلاف سنة وهو يقول « سبحان ذي الملك

____________________

جعفر محمد بن على الباقر عليهما السلام ، قد اتيتك مسترقا مستعبدا ، فقال : قد قبلت ، واعتقه وكتب له عهدا ، حكى الدميرى انه استعار قلما من الشام فعرض له سفر فسار إلى انطاكية وكان قدنسى القلم معه ، فذكره هناك ، فرجع من انطاكية إلى الشام ماشيا حتى رد القلم إلى صاحبه وعاد ولد سنة « ١١٨ » بمرو وتوفى سنة « ١٨١ » بهيت وهى بكسر الهاء مدينة على الفرات فوق الانبار من اعمال العراق.

(١) الانعام : ٨٧.

(٢) في الحصال : رب العرش.

٤١

والملكوت » وفي حجاب الهيبة ألفي سنة وهو يقول « سبحان الله وبحمده » وفي حجاب الشفاعة ألف سنة وهو يقول « سبحان ربي العظيم وبحمده » ثم أظهر عزوجل اسمه على اللوح فكان على اللوح منورا أربعة آلاف سنة ، ثم أظهره على العرش فكان على ساق العرش مثبتا سبعة آلاف سنة ، إلى أن وضعه الله عزوجل في صلب آدم عليه السلام إلى آخر ما مر في المجلد السادس (١).

٣ ـ تفسير على بن ابراهيم : عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : قال رسول الله (ص) : قال جبرئيل في ليلة المعراج : إن بين الله وبين خلقه تسعين ألف حجاب ، وأقرب الخلق إلى الله أنا وإسرافيل وبيننا وبينه أربعة حجب : حجاب من نور ، وحجاب من ظلمة ، وحجاب من الغمام وحجاب من ماء « الخبر » (٢).

٤ ـ المجالس للصدوق : عن أبيه ، عن سعد بن عبدالله ، عن أحمد بن أبي عبدالله البرقي ، عن أبيه ، عن خلف بن حماد ، عن أبي الحسن العبدي ، عن الاعمش (٣)

____________________

(١) الخصال : ٨١٨٢ المعانى : ٣٠٦ ٣٠٨.

(٢) تفسيرعلى بن ابراهيم : ٣٧٣.

(٣) هو ابومحمد سليمان بن مهران الاسدى مولاهم الكوفى معروف بالفضل والثقة و الجلالة والتشيع والاستقامة ، والعامة أيضا يثنون عليه ، مطبقون على فضله وثقته ، مقرون بجلالته مع اعترافهم بتشيعه ، وقرنوه بالزهرى ونقلوا منه نوادر كثيرة ، وصنف « ابن طولون » كتابا في نوادره سماه « الزهر الانعش في نوادر الاعمش » وذكر ابن خلكان انه كان ثقة عالما فاضلا وكان ابوه من « دماوند » من رساتيق الرى ، ولقى كبار التابعين ، وروى عنه سفيان الثورى وشعبة بن الحجاج وحفص بن غياث وخلق كثير من اجلة العلماء وكان لطيف الخلق مزاحا ، و ذكره الخطيب في تاريخ بغداد واثنى عليه كثيرا ثم قال : كان محدث اهل الكوفة في زمانه ، يقال انه ظهر له اربعة آلاف حديث ولم يكن له كتاب ، وكان يقرء القرآن ورأس فيه ، قرأعلى « يحيى بن وثاب » وكان فصيحا ولم يكن في زمانه من طبقته اكثر حديثا منه وكان فيه تشيع وروى عن هشيم انه قال : ما رأيت بالكوفة احدا اقرأ لكتاب الله من الاعمش ولا اجود حديثا ولا افهم ولا اسرع اجابة لما يسأل عنه ، توفى سنة « ١٤٨ ».

٤٢

عن عباية بن ربعي ، عن ابن عباس ، في ذكر خبر المعراج قال : فعبر رسول الله صلى الله عليه وآله حتى انتهى إلى الحجب ، والحجب خمسمائة حجاب من الحجاب إلى الحجاب مسيرة خمسمائة عام « الخبر ».

٥ ـ التوحيد : عن الحسين بن أحمد بن إدريس ، عن أبيه ، عن محمد بن عبدالجبار عن صفوان عن عاصم بن حميد ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : الشمس جزء من سبعين جزءمن نور الكرسي ، والكرسي جزء من سبعين جزء من نور العرش ، والعرش جزء من سبعين جزء من نور الحجاب ، والحجاب جزء من سبعين جزء من نور الستر « الخبر » (١).

٦ ـ المتهجد : في تعقيب صلاة أميرالمؤمنين عليه السلام : وأسألك بنور اسمك الذي خلقت به نور حجابك النور إلى قوله عليه السلام وأسألك باسمك الزكي الطاهر المكتوب في كنه حجبك ، المخزون في علم الغيب عندك على سدرة المنتهى ، وأسألك باسمك المكتوب على سرادق السرائر إلى قوله باسمك الذي كتبته على حجاب عرشك ، وبكل اسم هولك في اللوح المحفوظ.

٧ ـ الاقبال : في تعقيبات نوافل شهر رمضان ، روي عن أبي عبدالله عليه السلام : اللهم إني أسألك باسمك المكتوب في سرادق المجد ، وأسألك باسمك المكتوب في سرادق البهاء ، وأسألك باسمك المكتوب في سرادق العظمة ، وأسألك باسمك المكتوب في سرادق الجلال ، وأسألك باسمك المكتوب في سرادق العزة ، وأسألك باسمك المكتوب في سرادق السرائر ، السابق الفائق الحسن النضير ، ورب الملائكة الثمانية ورب العرش العظيم (٢) « الدعاء ».

٨ ـ الدر المنثور للسيوطى : نقلا من عدة كتب عن ابن عباس قال بين السماء السابعة إلى كرسيه سبعة آلاف نور (٣).

____________________

(١) قد مر الحديث بعينه في باب العرش والكرسى تحت الرقم « ٤٥ ».

(٢) لم يوجد هذا الدعاء في تعقيبات النوافل.

(٣) لم يود في المصدر.

٤٣

٩ ـ وعن أنس ، عن النبي (ص) قال : قال جبرئيل : إن بيني وبين الرب لسبعين حجابا من نار أو نور ، لو رأيت أدناها لاحترقت (١).

١٠ ـ وعن أبي هريرة أن رجلا من اليهود أتي النبي (ص) فقال : يا رسول الله هل احتجب الله من خلقه بشئ غير السموات؟ قال : نعم ، بينه وبين الملائكة الذين حول العرش سبعون حجابا من نور ، وسبعون حجابا من ظلمة ، وسبعون حجابا من رفارف الاستبرق ، وسبعون حجابا من رفارف السندس ، وسبعون حجابا من در أبيض ، وسبعون حجابا من در أحمر ، وسبعون حجابا من در أصفر ، وسبعون حجابا من در أخضر ، وسبعون حجابا من ضياء ، وسبعون حجابا من ثلج ، وسبعون حجابا من ماء ، وسبعون حجابا من برد ، وسبعون حجابا من عظمته التي لا توصف. قال : فأخبرني عن ملك الله الذي يليه. فقال النبي (ص) : إن الملك الذي يليه إسرافيل ، ثم ثم جبرئيل ، ثم ميكائيل ، ثم ملك الموت عليهم السلام (٢).

١١ ـ وعن مجاهد ، قال : بين الملائكة وبين العرش سبعون حجابا ، حجابا (٣) من نور ، وحجابا (٤) من ظلمة.

١٢ ـ وعن سهل بن سعد ، وعبدالله بن عمرو قالا : قال رسول الله (ص) : دون الله سبعون ألف حجاب من نور وظلمة لايسمع (٥) من نفس [ من حس ] تلك الحجب إلا زهقت نفسه.

١٣ ـ شرح النهج للكيدري : عن النبي صلى الله عليه وآله في حديث المعراج قال : فخرجت من سدرة المنتهى حتى وصلت إلى حجاب من حجب العزة ، ثم إلى حجاب آخر حتى قطعت سبعين حجابا وأنا على البراق ، وبين كل حجاب وحجاب مسيرة

____________________

(١) الدر المنثور : ج ١ص٩٣ وفيه : قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله لجبرئيل : هل ترى ربك؟ قال : ان بينى.

(٢) الدر المنثور : ج ١ ، ص ٩٣.

(٣ و ٤) حجاب ( خ )

(٥) في المخطوطة : ما يسمع.

٤٤

خمسمائة سنة إلى أن قال ورأيت في عليين بحارا وأنوارا وحجبا وغيرها لولا تلك لاحترق كل ما تحت العرش من نور العرش. قال : وفي الحديث أن جبرئيل عليه السلام قال : لله دون العرش سبعون حجابا لودنونا من أحدها لاحرقتنا سبحات وجه ربنا.

فذلكة : اعلم أنه قد تظافرت الاخبار العامية والخاصية في وجود الحجب والسرادقات وكثرتها ، وفي القاموس : السرادق الذي يمد فوق صحن البيت ، و الجمع سرادقات ، والبيت من الكرسف ، وبيت مسردق أعلاه وأسفله مشدود كله (١). وفي النهاية : السرادق كل ما أحاط بشئ من حائط أو مضرب أو خباء (٢) « انتهى » وظاهر أكثر الاخبار أنها تحت العرش ويلوح من بعضها أنها فوقه ، ولا تنافي بينها ، وروي من طرق المخالفين عن النبي صلى الله عليه وآله أن لله تبارك وتعالى سبعين ألف حجاب من نور وظلمة لو كشفت لاحرقت سبحات وجهه مادونه. وقال الجزري : فيه أن جبرئيل قال : لله دون العرش سبعون حجابا لودنونا من أحدها لاحرقتنا سبحات وجهه (٣). وفي حديث آخر : حجابه النور أو النار لو كشفه لاحرقت سبحات وجهه كل شئ أدركه بصره. سبحات الله : جلاله وعظمته ، وهي في الاصل جمع « سبحة » وقيل : أضواء وجهه ، وقيل : سبحات الوجه محاسنه ، لانك إذا رأيت الحسن الوجه قلت سبحان الله ، وقيل : معناه تنزيه له ، أي سبحانه وجهه ، وقيل : إن سبحات وجهه كلام معترض بين الفعل والمفعول ، أي لو كشفها لاحرقت كل شئ بصره كما تقول لو دخلت الملك البلد لقتل العياذ بالله كل من فيه ، و أقرب من هذا كله أن المعنى : لو انكشف من أنوار الله التي تحجب العباد عنه شئ لاهلك كل من وقع عليه ذلك النور كما خر موسى صعقا ، وتقطع الجبال دكا لما تجلى الله سبحانه وتعالى (٤). وقال النووي في شرح صحيح مسلم : سبحات

____________________

(١) القاموس : ج ٣ ، ص ٢٤٤.

(٢) النهاية : ج ٢ ، ص ١٥٧.

(٣) في المصدر ، وجه ربنا.

(٤) النهاية : ج ٢ ، ص ١٤١.

٤٥

بضم السين والباء أي نوره ، وأراد بالوجه الذات ، وبما انتهى إليه بصره جميع المخلوقات ، لان بصره محيط بجميعها ، أي لو أزال المانع من رؤية أنواره لاحرق جلاله جميعهم.

والتحقيق أن لتلك الاخبار ظهرا وبطنا وكلاهما حق فأما ظهرها فانه سبحانه كما خلق العرش والكرسي مع عدم احتياجه إليهما كذلك خلق عندهما أستارا وحجبا وسرادقات ، وحشاها من أنواره الغريبة المخلوقة له ليظهر لمن يشاهدها من الملائكة وبعض النبيين ولمن يسمعها من غيرهم عظمة قدرته وجلال هيبته وسعة فيضه ورحمته ولعل اختلاف الاعداد باعتبار أن في بعض الاطلاقات اعتبرت الانواع وفي بعضها الاصناف وفي بعضها الاشخاص أو ضم بعضها إلى بعض في بعض التعبيرات ، أو أكتفي بذكر بعضها في بعض الروايات وأما بطنها فلان الحجب المانعة عن وصول الخلق إلى معرفة كنه ذاته وصفاته امور كثيرة ، منها ما يرجع إلى نقص المخلوق وقواه ومداركه بسبب الامكان والافتقار والاحتياج والحدوث وما يتبع ذلك من جهات النقص والعجز ، وهي الحجب الظلمانية. ومنها ما يرجع إلى نوريته وتجرده وتقدسه ووجوب وجوده وكماله وعظمته وجلاله وسائر ما يتبع ذلك وهي الحجب النورانية ، وارتفاع تلك الحجب بنوعيه محال ، فلو ارتفعت لم يبق بغير ذات الحق شئ ، أو المراد بكشفها رفعها في الجملة بالتخلي عن الصفات الشهوانية والاخلاق الحيوانية ، والتخلق بالاخلاق الربانية بكثرة العبادات والرياضات والمجاهدات وممارسة العلوم الحقة ، فترتفع الحجب بينه وبين ربه سبحانه في الجملة ، فيحرق ما يظهر عليهم من أنوار جلاله تعيناتهم وإراداتهم وشهواتهم ، فيرون بعين اليقين كماله سبحانه ونقصهم ، وبقاءه وفناءهم وذلهم ، وغناه وافتقارهم ، بل يرون وجودهم المستعار في جنب وجوده الكامل عدما ، وقدرتهم الناقصة في جنب قدرته الكاملة عجزا بل يتخلون عن إرادتهم وعلمهم وقدرتهم ، فيتصرف فيهم إرادته وقدرته وعلمه سبحانه ، فلا يشاؤون إلا أن يشاء الله ، ولا يريدون سوى ما أراد الله ، ويتصرفون في الاشياء بقدرة الله ، فيحيون الموتى ، ويردون الشمس ، ويشقون القمر ، كما

٤٦

قال أميرالمؤمنين عليه السلام : « ما قلعت باب خيبر بقوة جسمانية بل بقوة ربانية » والمعنى الذي يمكن فهمه ولا ينافي اصول الدين من الفناء في الله والبقاء بالله هو هذا المعنى (١). وبعبارة اخرى : الحجب النورانية الموانع التي للعبد عن الوصول إلى قربه وغاية ما يمكنه من معرفته سبحانه من جهة العبادات كالرئاء والعجب والسمعة والمراء وأشباهها ، والظلمانية ما يحجبه من المعاصي عن الوصول إليه ، فإذا ارتفعت تلك الحجب تجلى الله لى في قلبه ، وأحرق محبة ما سواه حتى نفسه عن نفسه وسيأتي تمام القول في ذلك في كتاب الايمان والكفر إنشاء الله تعالى ، وكل ذلك لا يوجب عدم وجوب الايمان بظواهرها إلا بمعارضة نصوص صحيحة صريحة صارفة عنها وأول الالحاد سلوك التأويل من غير دليل ، والله الهادي إلى سواء السبيل.

____________________

(١) الطريق الذى سلكه العلامة المؤلف رضوان الله عليه في كلامه هذا أشبه بطرق أهل الذوق وبياناتهم فلا بأس بالاشارة إلى طريق اهل البحث والنظر ليكون النفع أعم والفائدة أتم والله المستعان.

العالم المادى عالم الحركة والتكامل ، والنفس ايضا لتعلقها بالبدن المادى بل اتحادها به محكوم بهذا الحكم فهى لا تزال تسير في منازل السير وتعرج على مدارج الكمال وتقترب إلى الحق المتعال حتى تصل إلى ثغور الامكان والوجوب فعندئذ ينتهى السير ويقف الحركة « وان إلى ربك المنتهى » ومنازل السيرهى المراتب المتوسطة بين المادة وبين اشرف مراتب الوجود وهى بوحه ينقسم إلى مادية وغير مادية والاولى هى المراحل التى تقطعها حتى تصل إلى حد التجرد والثانية هى المراتب الكمالية العالية التى فوق ذلك وحيث إن نسبة كل مرتبة عالية بالنسبة إلى ما تحته نسبة العلة إلى المعلول والمعنى الاسمى إلى الحرفى والمستقل إلى غير المستقل كانت المرتبة العالية مشتملة على كمالات المرتبة الدانية من غير عكس فكلما أخذ قوس الوجود في النزول ضعفت المراتب وكثرت الحدود العدمية ، وكلما أخذ في الصعود اشتدت المراتب وقلت الحدود إلى ان تصل إلى وجود لاحد له أصلا ووصول النفس إلى كل مرتبة عبارة عن تعلقها بتلك المرتبة ، وبعبارة اخرى بمشاهدة ارتباطها بها بحيث لاترى لنفسها استقلا لابالنسبة إليها ، وإن شئت قلت : بفنائها عن ذاتها وخروجها عماله من الحدود بالنسبة اليها.

وبعد هذه المقدمة نقول : الحدود اللازمة لكل مرتبة العارضة لحقيقة وجود الشئ

٤٧

٦

(باب)

* (سدرة المنتهى ومعنى عليين وسجين) *

الآيات :

النجم : ولقد رآه نزلة اخرى * عند سدرة المنتهى * عندها جنة الماوى *

____________________

الذى في تلك المرتبة هى التى تحجب ذلك الشئ من الوصول إلى المرتبة العالية وإدراك مالها من الكمال والعظمة فاذا خرج الشئ عن هذه الحدود وخلع تلك القيود أمكنه الترقى إلى درجة ما فوقه فيرى عندئد ذاته متعلقة به غير مستقلة عنه ويعرف ماله من البهاء والشرف والكمال والعظمة ، فتلك الحدود هى الحاجبة عن حقيقة الوجود المطلقة عن كل قيد فالنفس الوالهة إلى اللذائذ المادية هى المتوغلة في ظلمات الحدود وغواشى القيود ، وهى ابعد النفوس عن الحق تعالى ، فكلما انخلعت من القيود المادية وقطعت تعلقها عن زخارف هذه الدنيا الدنية اقتربت من عالم النور والسرور والبهاء والحبور ، حتى تتجرد تجردا ساميا فتشاهد نفسها جوهرا مجردا عن المادة والصورة وعند ذلك خرجت عن الحجب الظلمانية ، وهى حقيقة الذنوب والمعاصى والاخلاق الذميمة ، ورأسها حب الدنيا والاخلاد إلى أرض الطبيعة ، وقد روى الفريقان عن النبى صلى الله عليه وآله « حب الدنيا رأس كل خطيئة » لكنها بعد محتجبة بالحجب النورانية وهى ألطف وأرق ولذا كان تشخيصها أصعب ، ومعرفتها إلى الدقة والحذاقة أحوج ، فرب سالك في هذه المسالك لما شاهد بعض المراتب الدانية زعم أنه وصل إلى أقصى الكمالات وأرفع الدرجات ، وصار ذلك سببا لتوقفه في تلك المرتبة واحتجابه بها ، ونعم ماقيل :

رق الزجاج ورقت الخمر

فتشابها وتشابه الامر

فكأنها خمر ولا قدح

وكأنها قدح ولا خمر

فمن شمله عناية الحق وساعده التوفيق فخصه الله بعبادته ، وهيم قلبه لارادته ، وفرغ فؤاده لمحبته ، وأزال محبة الاغيار عن قلبه ، وأشرق له نوره ، وكشف له سبحات وجهه ، ورفع عنه حجب كبريائه وسرادقات عزه وجلاله ، وتجلى له في سره ، ثم وفقه للاستقامة في أمره والتمكن في مقامه فارتفع عنه كل حجاب ، وتعلق بعز قدس رب الارباب فقد هنأ عيشه وطاب حياته

٤٨

إذ يغشى السدرة ما يغشى (١).

المطففين : كلا إن كتاب الفجار لفي سجين * وما أدريك ما سجين إلى قوله تعالى كلا إن كتاب الابرار لفي عليين * وما أدريك ما عليون * كتاب مرقوم يشهده المقربون (٢).

تفسير : قال الطبرسي : ره : « ولقد رآه » أي جبرئيل (٣) في صورته التي خلق عليها نازلا من السماء « نزلة اخرى » وذلك أنه رآه مرتين على صورته « عند سدرة المتهى » هى شجرة عن يمين العرش فوق السماء السابعة ، انتهى إليها علم كل ملك عن الكلبي ومقاتل ، وقيل : إليها ينتهي ما يعرج إلى السماء وما يهبط من فوقها من أمر الله عن ابن مسعود والضحاك ، وقيل : إليها ينتهي أرواح الشهداء وقيل : إليها ينتهي ما يهبط به من فوقها فيقبض منها ، وإليها ينتهي ما يعرج من الارواح فيقبض منها والمنتهى موضع الانتهاء ، وهذه الشجرة حيث تنتهي إليه الملائكة فاضيفت إليه ، وقيل : هي شجرة طوبى عن مقاتل ، والسدرة هي شجرة النبق « عندها جنة المأوى » أي جنة المقام وهي جنة الخلد ، وهي في السماء السابعة ، وقيل في السماء السادسة ، وقيل هي الجنة التي كان أوى إليها آدم وتصير إليها أرواح الشهداء عن الجبائي وقتادة ، وقيل : هي التي تصير إليها أهل الجنة عن الحسن ، وقيل : هي التي يأوي إليها جبرئيل والملائكة عن عطاء عن ابن عباس « إذ يغشى السدرة ما يغشى » قيل : يغشيها الملائكة أمثال الغربان حتى يقعن على الشجرة عن الحسن ومقاتل ، وروي أن النبي صلى الله عليه وآله قال : رأيت على كل ورقة من أوراقها ملكا

____________________

فطوبى له ثم طوبى له. وقد ظهر مما ذكرنا أن معنى ارتفاع الحجاب مشاهدة عدم استقلال النفس فلا يوجب ارتفاع الحجب كلا انعدام العالم رأسا بل انما يوجب معاينة ما سوى الله تعالى متعلقا به غير مستقل بنفسه فلا يلزم منه محال ولا ينافى شيئا من اصول الدين والله الهادى والمعين.

(١) النجم : ١٣١٦.

(٢) المطففين : ٧٢١.

(٣) في المصدر : أى رأى جبرئيل.

٤٩

قائما يسبح الله تعالى ، وقيل : يغشيها من النور والبهاء والحسن والصفاء الذي يروق الابصار ما ليس لوصفه منتهى عن الحسن ، وقيل : يغشيها فراش من ذهب عن ابن عباس ومجاهد ، وكأنها ملائكة على صورة الفراش يعبدون الله تعالى والمعنى أنه رأى جبرئيل على صورته في الحال التي يغشى فيها السدرة من أمر الله ومن العجائب المنبهة على كمال قدرة الله تعالى ما يغشيها ، وإنما أبهم الامر فيما يغشى لتعظيم ذلك وتفخيمه (١).

« إن كتاب الفجار لفي سجين » يعنى : كتابهم الذي فيه تثبت أعمالهم من الفجور والمعاصي عن الحسن ، وقيل : معناه أنه كتب في كتابهم أنهم يكونون في سجين ، وهي في الارض السابعة السفلى عن ابن عباس ومجاهد وقتادة وضحاك وعن البراء بن عازب قال : قال رسول الله (ص) : سجين أسفل سبع أرضين ، وقال شمر بن عطية : جاء ابن عباس إلى كعب الاحبار فقال : أخبرني عن قول الله تعالى « إن كتاب الفجار لفي سجين » قال : إن روح الفاجر يصعد بها إلى السماء فتأبى السماء أن تقبلها ثم يهبط بها إلى الارض فتأبى الارض أن تقبلها فتدخل تحت سبع أرضيبن حتى ينتهى بها إلى سجين وهو موزضع جند إبليس ، والمعنى في الآية أن كتاب عملهم يوضع هناك. وقيل : إن سجين جب في جهنم مفتوح والفلق جب في جنهم مغطى ، رواه أبوهريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وقيل : إن السجين اسم كتابهم وهو ظاهر التلاوة أي ما كتبه الله على الكفار بمعنى أوجبه عليهم من الجزاء في هذا الكتاب المسمى سجينا ، ويكون لفظه من السجن الذي هو الشدة عن أبي مسلم (٢).

وقال : « لفي عليين » أي مراتب عالية محفوفة بالجلالة ، وقيل : في السماء السابعة وفيها أرواح المؤمنين ، وقيل : في سدرة المنتهي التي إليها ينتهي كل شئ من أمر الله تعالى ، وقيل : عليون الجنة عن ابن عباس ، وقال الفراء : في ارتفاع

____________________

(١) مجمع البيان : ج ٩ ، ص ١٧٥.

(٢) مجمع البيان : ج ١٠ ، ص ٤٥٢.

٥٠

بعد ارتفاع لا غاية له ، وقيل : هو لوح من زبر جدة خضراء معلق تحت العرش أعمالهم مكتوبة فيها عن ابن عباس في رواية اخرى ، وعن البراء بن عازب عن النبي (ص) قال في عليين : في السماء السابعة تحت العرش. وقال ابن عمر : إن أهل عليين لينظرون إلى أهل الجنة من كذا ، فإذا أشرف رجل منهم أشرقت الجنة وقالوا : قد اطلع رجل من أهل عليين (١).

١ ـ العلل : عن محمد بن موسى ، عن عبدالله بن جعفر الحميري ، عن أحمد ابن محمد ، عن ابن محبوب ، عن مالك بن عطية ، عن حبيب السجستاني ، قال : قال أبوجعفر عليه السلام : إنما سميت سدرة المنتهى لان أعمال أهل الارض تصعد بها الملائكة الحفظة إلى محل السدرة ، قال : والحفظة الكرام البررة دون السدرة يكتبون ما يرفعه إليهم الملائكة من أعمال العباد في الارض فينتهى (٢) بها إلى محل السدرة (٣).

المحاسن : عن ابن محبوب مثله (٤).

٢ ـ تفسير على بن ابراهيم : عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام ، عن أبي عبدالله (ع) قال : قال رسول الله (ص) لما اسري بي إلى السماء انتهيت إلى محل سدرة المنتهى ، وإذا الورقة منها تظل امة من الامم ، فكنت من ربي كقاب (٥) قوسين أو أدنى « الخبر » (٦).

٣ ـ ومنه : قال : سدرة المنتهى في السماء السابعة ، وجنة المأوى عندها (٧).

٤ ـ ومنه : في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام قال : السجين الارض

____________________

(١) مجمع البيان : ج ١٠ ، صث ٤٥٥ ٤٥٦.

(٢) في المحاسن : وينتهون.

(٣) العلل : ج ١ ، ص ٢٦٣.

(٤) المحاسن : ٣٣٤.

(٥) في المصدر : فكنت منها كما قال الله « كقاب قوسين أو أدنى ».

(٦) تفسير على بن ابراهيم : ٣٧٤.

(٧) المصدر ص ٦٥٢.

٥١

السابعة ، وعليون السماء السابعة (١).

بيان : قال في النهاية : فيه « إن أهل الجنة ليتراؤون أهل عليين كما ترون الكوكب الدري في افق السماء » عليون اسم للسماء السابعة ، وقيل : هو اسم لديوان الملائكة الحفظة ترفع إليه أعمال الصالحين من العباد ، وقيل : أراد أعلى الامكنة وأشرف المراتب وأقربها من الله تعالى في الدار الآخرة ، ويعرب بالحروف والحركات كقنسرين وأشباهها على أنها جمع أو واحد (٢) وقال : سدرة المنتهى شجرة في أقصى الجنة إليها ينتهي علم الاولين والآخرين ولا يتعداها (٣).

٥ ـ الدر المنثور : عن ابن عباس ، سأل كعب الاحبار عن قوله « كلا إن كتاب الفجار لفي سجين » قال : إن روح الفاجر يصعد بها إلى السماء فتأبى السماء أن تقبلها فيهبط بها إلى الارض فتأبى الارض أن تقبلها فيدخل بها تحت سبع أرضين حتى ينتهى بها إلى سجين وهو (٤) موضع جند (٥) إبليس ، فخيرج لها من تحت جند (٦) إبليس رق لهلا كه للحساب ، فذلك قوله « وما أدريك ما سجين كتاب مرقوم » وقوله « كلا إن كتاب الابرار لفي عليين » قال : إن روح المؤمن إذا قبضت عرج بها إلى السماء فتفتح [ لها ] أبواب السماء وتلقيها الملائكة بالبشرى حتى ينتهى بها إلى العرش ، وتعرج الملائكة فيخرج لها من تحت العرش رق فيرقم ويختم ويوضع تحت العرش لمعرفة النجاة لحساب (٧) يوم الدين ، وتشهد الملائكة المقربون ، فذلك قوله « وما أدريك ما عليون كتاب مرقوم (٨) ».

____________________

(١) المصدر ص ٧١٦.

(٢) النهاية : ج ٣ ، ص ١٢٥.

(٣) النهاية : ج ٢ ص ١٥٤

(٤) وهو خد ابليس ( خ ).

(٥) الخد : الطريق والجماعة والحفرة المستطيلة في الارض كالخدة بالضم « القاموس ».

(٦) في المصدر : فيخرج لها من تحت خد إبليس كتابا فيختم ويوضع تحت خد إبليس لهلاكه.

(٧) في المصدر : للحساب يوم القيامة.

(٨) الدر المنثور : ج ٦ ، ص ٣٢٤.

٥٢

٦ ـ وعن سعيد بن المسيب قال : التقى سلمان وعبدالله بن سلام فقال أحدهما لصاحبه : إن مت قبلي فالقني فأخبرني ما صنع بك ربك ، وإن أنامت قبلك لقيتك فأخبرتك. فقال عبدالله بن سلام : كيف هذا (١)؟ أو يكون هذا؟! قال : نعم ، إن أرواح المؤمنين في برزخ من الارض تذهب حيث شاءت ، ونفس الكافر في سجين (٢).

٧ ـ وعن قتادة « كلا إن كتاب الابرار لفي عليين » قال : عليون فوق السماء السابعة عند قائمة العرش اليمنى « كتاب مرقوم » قال : رقم لهم بخير « يشهده المقربون » قال : المقربون من ملائكة الله (٣).

وعن الضحاك قال : إذا قبضح روح (٤) المؤمن عرج به إلى السماء الدنيا فينطلق معه المقربون إلى السماء الثانية قال الاجلح : فقلت : وما المقربون؟ قال : أقربهم إلى السماء الثانية ، ثم الثالثة ، ثم الرابعة ، ثم الخامسة ، ثم السادسة ثم السابعة ، حتى ينتهى به إلى سدرة المنتهى. قال الاجلح : قلت ، للضحاك : ولم تسمى سدرة المنتهى؟ قال : لانه ينتهي إليه كل شئ من أمر الله لا يعدوها فيقولون : رب عبيدك فلان وهو أعلم به منهم فيبعث إليهم بصك مختوم بأمنه (٥) من العذاب ، وذلك قوله « كلا إن كتاب الابرار لفي عليين وما أدريك ما عليون كتاب مرقوم يشهده المقربون (٦) ».

وعن ابن عباس ، سأل كعبا عن قوله تعالى « كلا إن كتاب الابرار لفي عليين » الآية قال : إن المؤمن يحضره الموت ويحضره رسل ربه فلاهم يستطيعون أن يؤخروه ساعة ، ولا يعجلوه حتى تجئ ساعته ، فإذا جاءت ساعته قبضوا نفسه

____________________

(١) في المصدر : كيف يكون هذا؟

(٢) الدر المنثور : ج ٦ ، ص ٣٢٥.

(٣) الدر المنثور : ج ٦ ، ص ٣٢٦.

(٤) في المصدر : روح العبد المؤمن.

(٥) في المصدر : يأمنه.

(٦) الدر المنثور : ج ٦ ، ص ٣٢٦.

٥٣

فدفعوه إلى ملائكة الرحمة ، فأروه ما شاء الله أن يروه من الخير ، ثم عرجوا بروحه إلى السماء فيشيعه من كل سماء مقربوها حتى ينتهوا به إلى السماء السابعة فيضعونه بين أيديهم لاينتظرون به صلاتكم عليه ، فيقولون : اللهم هذا عبدك فلان قبضنا نفسه فيدعون له بما شاء الله أن يدعو فنحن نحب أن تشهدنا اليوم كتابه. فينشر كتابه من تحت العرش ، فيثبتون اسمه فيه وهم شهود ، فذلك قوله « كتاب مرقوم يشهده المقربون » وسأله عن قوله « إن كتاب الفجار لفي سبحين » الآية قال : إن العبد الكافر يحضره الموت ويحضره رسل الله ، فإذا جاءت ساعته قبضوا نفسه فدفعوه إلى ملائكة العذاب ، فأروه ما شاء الله أن يروه من الشر ، ثم هبطوا به إلى الارض السفلى وهي سجين ، وهي آخر سلطان إبليس ، فأثبتوا كتابه فيها (١).

١٠ ـ وعن عطاء بن يسار ، قال : لقيت رجلا من حمير كان (٢) علامة يقرأ الكتب فقلت له : الارض التي نحن عليها ما مكانها (٣)؟ قال : هي على صخرة خضراء تلك الصخرة على كف ملك ، ذلك الملك قائم على ظهر حوت (٤). قلت : الارض الثانية من سكانها؟ قال : ساكنها الريح العقيم ، لما أراد الله أن يهلك عادا أوحى إلى خزنتها أن افتحوا عليهم منها بابا ، قالوا : يا ربنا مثل منخر الثور؟ قال : إذا تتكفأ (٥) الارض ومن عليها ، فضيق ذلك حتى جعل مثل حلقة الخاتم ، فبلغت ما حدث الله. قلت : الارض الثالثة من سكانها (٦)؟ قال : فيها حجارة جهنم. قلت : الارض الرابعة من سكانها؟ قال : فيها كبريت جنهم ، قلت : الارض الخامسة من

____________________

(١) الدر المنثور : ج ٦ ، ص ٣٢٧.

(٢) في المصدر : كأنه.

(٣) في المصدر : « سكانها » والظاهر انه تصحيف.

(٤) في المصدر : حوت منطو بالسماوات والارض من تحت العرش.

(٥) في المصدر : تكفأ.

(٦) في المصدر : « ساكنها » وكذا في المواضع الاتية.

٥٤

سكانها؟ قال : فيها عقارب جنهم ، قلت : الارض السادسة من سكانها؟ قال : فيها حيات جنهم ، قلت : الارض السابعة من سكانها؟ قال : تلك سجين ، فيها إبليس موثوق (١) يد أمامه ويد خلفه ورجل أمامه ورجل خلفه ، كان يؤذي الملائكة فاستعدت عليه فسجن هنالك ، وله زمان يرسل فيه ، فإذا ارسل لم تكن فتنة الناس بأعيى عليهم من شئ (٢).

٧

(باب)

* (البت المعمور) *

الآيات :

الطور : والبيت المعمور (٣).

تفسير : قال الطبرسي : البيت المعمور هو بيت في السماء الرابعة بحيال الكعبة تعمره الملائكة بما يكون منها فيه من العبادة عن ابن عباس ومجاهد ، وروي أيضا عن أميرالمؤمنين عليه السلام قال : ويدخله كل يوم سبعون ألف ملك ثم لا يعودون إليه أبدا ، وعن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله قال : البيت المعمور في السماء الدنيا ، وفي السماء الرابعة نهر يقال له « الحيوان » يدخل فيه جبرئيل كل يوم طلعت فيه الشمس وإذا خرج انتفض انتفاضة جرت منه سبعون ألف قطرة يخلق الله من كل قطرة ملكا يؤمرون أن يأتوا البيت المعمور فيصلوا فيه فيفعلون ثم لايعودون إليه أبدا ، وعن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : البيت الذي في السماء (٤) يقال له « الضراح » وهو بفناء البيت الحرام لو سقط سقط عليه ، يدخله

____________________

(١) في المصدر : موثق.

(٢) الدر المنثور : ج ٦ ، ص ٣٢٧.

(٣) الطور : ٤.

(٤) في المصدر : في السماء الدنيا.

٥٥

كل يوم ألف ملك لايعودون إليه أبدا ، وقيل : البيت المعمور هو الكعبة البيت الحرام معمور بالحج والعمرة عن الحسن ، وهو أول مسجد وضع للعبادة في الارض (١).

١ ـ محاسبة النفس للسيد علي بن طاوس ره نقلا من كتاب خطب أميرالمؤمنين عليه السلام لعبد العزيز الجلودي بإسناده قال : سأل ابن الكواء (٢) أميرالمؤمنين عليه السلام عن البيت المعمور والسقف المرفوع ، قال عليه السلام : ويلك ذلك الضراح بيت في السماء الرابعة حيال الكعبة من لؤلؤة واحدة ، يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لايعودون إليه إلى يوم القيمة ، فيه كتاب أهل الجنة عن يمين الباب يكتبون أعمال أهل الجنة ، وفيه كتاب أهل النار عن يسار الباب يكتبون أعمال أهل النار بأقلام سود ، فإذا كان مقدار العشاء ارتفع الملكان فيسمعون منهماما عمل الرجل ، فذلك قوله تعالى « هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون » (٣).

بيان : « فيسمعون » أي الملائكة الذين عن يمين الباب ويساره « منهما » أي من الملكين الكاتبين « هذا كتابنا » قال الطبرسي ره : يعني ديوان الحفظة

____________________

(١) مجمع البيان ، ج ٩ ، ص ١٦٣.

(٢) هو عبدالله بن الكواء كان من رؤوس الخوارج وله اخبار كثيرة مع على عليه السلام وكان يلزمه ويعيينه في الاسئلة ، قال ابن حجر في لسان الميزان « ج ٣ص ٣٢٩ » : قد رجع عن مذهب الخوارج وعاود صحبة على عليه السلام وذكر يعقوب بن شيبة ان اهل الشام لما رفعوا المصاحف يوم صفين واتفقوا على التحكيم غضبت الخوارج وقالت « لا حكم إلا الله » قال فأخبرنى خلف بن سالم عن وهب بن جرير قال : خرجوا مع ابن الكواء وهو رجل من « بنى يشكر » فنزلوا « حروراء » فبعث إليهم ابن عباس وصعصعة بن صوحان فقال لهم صعصعة : انما يكون القضية من قابل فكونوا على ما انتم حتى تنظروا القضبة كيف تكون قالوا انا نخاف ان يحدث ابوموسى شيئا يكون كفرا. قال فلا تكفروا العام مخافة عام قابل. فلما قام صعصعة قال لهم ابن الكواء ، أى قوم! الستم تعلمون أنى دعوتكم إلى هذا الامر؟ قالوا : بلى ، قال : فان هذا ناصح فاطيعوه « انتهى ».

(٣) الجاثية : ٢٨.

٥٦

« ينطق عليكم بالحق » أي يشهد عليكم بالحق ، والمعني : يبينه بيانا شافيا حتى كأنه ناطق « إنا كانا نستنسخ ما كنتم تعملون » أي نستكتب الحفظة ما كنتم تعملون في دار الدنيا ، والاستنساخ : الامر بالنسخ مثل الاستكتاب ، وقيل : المراد بالكتاب اللوح المحفوظ يهشد بما قضى فيه من خير وشر ، وعلى هذا فيكون معنى « نستنسخ » أن الحفظة تستنسخ الخزنة ما هو مدون عندها من أعمال العباد وهو قول ابن عباس (١).

٢ ـ العلل : عن أبيه ، عن سعد بن عبدالله ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسن بن علي الوشاء ، عن أحمد بن عائذ ، عن أبي خديجة (٢) عن أبي عبدالله عليه السلام قال : قلت له : لم سمي البيت العتيق؟ قال : إن الله عزوجل أنزل الحجر الاسود لآدم من الجنة وكان البيت درة بيضاء ، فرفعه الله إلى السماء وبقي اسه ، فهو بحيال هذا البيت يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لايرجعون إليه أبدا ، فأمر الله إبراهيم وإسماعيل ببنيان (٣) البيت على القواعد ، وإنما سمي البيت العتيق لانه اعتق من الغرق (٤).

٣ ـ تفسير على بن ابراهيم : « والبيت المعمور » قال : هو في السماء الرابعة

____________________

(١) مجمع البيان : ج ٩ ، ص ٨٠.

(٢) هو أبوسلمة سالم بن مكرم بن عبدالله مولى بنى اسد كان من أصحاب ابى عبدالله عليه السلام وثقه النجاشى « ١٤٣ » وذكر في الخلاصة ان الشيخ وثقه في أحد قوليه وضعفه في الاخر ثم قال : الوجه التوقف في ما يرويه لتعارض الاقوال فيه وذكر الكشى انه كان اولا من اصحاب ابى الخطاب وكان في المسجد يوم بعث « عيسى بن موسى بن على » وكان عامل المنصور على الكوفة إلى ابى الخطاب لما بلغه أنهم قد اظهروا الاباحات ودعوا الناس إلى نبوة ابى الخطاب ، وانهم يجتمعون في المسجد ولزموا الاساطين يرون الناس انهم لزموها للعبادة وبعث إليهم فقتلهم جميعا لم يفلت منهم إلا رجل واحد فسقط بين القتلى فلما جنه الليل خرج من بينهم فتخلص وكان هو ابا خديجة. ثم ذكر انه تاب وكان ممن يروى الحديث.

(٣) « في بعض النسخ يبنيان » وكذا في المصدر.

(٤) العلل : ج ٢ ، ص ٨٥.

٥٧

وهو « الضراح » يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ثم لايعودون إليه أبدا (١).

٤ ـ اللعل : عن علي بن حاتم ، عن القاسم بن محمد ، عن حمدان بن الحسين عن الحسين بن الوليد ، عن أبى بكر ، عن حنان بن سدير ، عن أبي حمزة الثمالي عن علي بن الحسين عليهما السلام قال : قلت [ له ] : لم صار الطواف سبعة أشواط؟ قال : لان الله تبارك وتعالى قال للملائكة « إني جاعل في الارض خليفة » فردوا على الله تبارك وتعالى وقالوا « أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء » قال الله « إني أعلم ما لا تعلمون » وكان لا يحجبهم عن نوره فحجبهم عن نوره سبعة آلاف عام فلا ذوا بالعرش سبعة آلاف سنة ، فرحمهم وتاب عليهم وجعل لهم البيت المعمور الذي في السماء الرابعة فجعله مثابة وأمنا ، ووضع البيت الحرام تحت البيت المعمور فجعله مثابة للناس وأمنا ، فصار الطواف سبعة أشواط واجبا على العباد ، لكل ألف سنة شوطا واحدا (٢).

٥ ـ العلل : في علل ابن سنان عن الرضا عليه السلام : علة الطواف بالبيت أن الله تبارك وتعالى قال للملائكة « إني جاعل في الارض خليفة قالوا أتعجل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء » فردوا على الله تبارك وتعالى هذا الجواب ، فعلموا أنهم أذنبوا فندموا فلاذوا بالعرش واستغفروا ، فأحب الله عزوجل أن يتعبد بمثل ذلك العباد ، فوضع في السماء الرابعة بيتا بحذاء العرش يسمى « الضراح » ثم وضع في السماء الدنيا بيتا يسمى [ البيت ] المعمور بحذاء الضراح ، ثم وضع البيت بحذاء البيت المعمور ثم أمر آدم عليه السلام فطاف به فتاب الله عليه فجرى ذلك في ولده إلى يوم القيامة (٣).

٦ ـ الكفعمى والبرسى : بإسناديهما عن موسى بن جعفر عن آبائه عن أميرالمؤمنين عليهم السلام عن النبي (ص) قال : قال جبرئيل : والذي بعثك بالحق نبيا

____________________

(١) تفسير القمى : ٤٤٩.

(٢) العلل : ج ٢ ، ص ٩٢.

(٣) علل الشرائع : ج ٢ ، ٩١

٥٨

إن الله تعالى بنى في السماء الرابعة بيتا يقال له « البيت المعمور » يدخله في كل يوم سبعون ألف ملك ويخرجون منه ولا يعودون إليه إلى يوم القيامة « الخبر ».

٧ ـ الدرر المنثور : قال : أخرج الازرقي عن علي بن الحسين عليهما السلام أن رجلا سأله : ما بدء هذا الطواف بهذا البيت لم كان وحيث كان؟ فقال : أما بدء هذا الطواف بهذا البيت فإن الله قال للملائكة : إني جاعل في الارض خليفة ، فقالت الملائكة : أي رب أخليفة من غيرنا ممن يفسد فيها ويسفك الدماء ويتحاسدون و يتباغضون ويتباغون؟ أي رب اجعل ذلك الخليفة منا ، فنحن لانفسد فيها ولا نسفك الدماء ولا نتباغض ولا نتحاسد ولا نتباغى ، ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك ونطيعك ولا نعصيك. قال الله تعالى : إني أعلم ما لا تعلمون. قال : فظنت الملائكة أن ما قالوا رد على ربهم عزوجل ، وأنه قد غضب عليهم من قولهم فلاذوا بالعرش (١) ثلاث ساعات ، فنظر الله إليهم فنزلت الرحمة عليهم ، فوضع الله سبحانه تحت العرش بيتا على أربع أساطين من زبرجد ، وغشاهن بياقوتة حمراء ، و سمى البيت « الضراح » ثم قال الله للملائكة : طوفوا بهذا البيت ودعوا العرش فطافت الملائكة بالبيت وتركوا العرش فصار أهون عليهم وهو البيت المعمور الذي ذكره الله ، يدخله كل يوم وليلة سبعون ألف ملك لا يعودون فيه أبدا ، ثم إن الله تعالى بعث ملائكته (٢) فقال : ابنوالي بيتا في الارض بمثاله وقدره ، فأمر الله سبحانه من في الارض من خلقه أن يطوفوا بهذا البيت كما يطوف أهل السماء بالبيت المعمور (٣).

٨ ـ وعن مقاتل يرفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وآله أن آدم قال [ أي رب ]

____________________

في المصدر : فلاذوا بالعرش ورفعوا رؤوسهم وأشاروا بالاصابع يتصرعون ويبكون إشفاقا لغضبه ، فطافوا بالعرش ثلاث ساعات.

(٢) ملائكة ( خ ).

(٣) الدر المنثور : ج ١ ، ص ١٢٨.

٥٩

أعرف شقوتي! لا أرى شيئا من نورك نعبد (١) فأنزل الله عليه البيت المعمور (٢) على عرض البيت وموضعه من ياقوت الجنة ولكن طوله بين السماء والارض و أمره أن يطوف به ، فأذهب عنهم الهم الذي كان قبل ذلك ، ثم رفع على عهد نوح عليه السلام (٣).

٩ ـ وعن ابن عباس ، قال : قال رسول الله (ص) : البيت المعمور الذي في السماء يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لايعودون (٤) فيه إلى يوم القيامة حذاء الكعبة الحرام (٥).

وعن أنس مثله (٦).

١٠ ـ وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله قال : في السماء الدنيا بيت يقال له « المعمور » بحيال الكعبة ، وفى السماء الرابعة نهر يقال له « الحيوان » يدخله جبرئيل كل يوم فينغمس انغماسة ثم يخرج فينتفض انتفاضة يجري منه سبعون ألف قطرة يخلق الله من كل قطرة ملكا يؤمرون أن يأتوا البيت المعمور فيصلون فيفعلون ثم يخرجون فلا يعودون إليه أبدا ، ويولى عليهم أحدهم يؤمر أن يقف بهم في السماء موقفا يسبحون الله فيه إلى أن تقوم الساعة (٧).

١١ ـ وعن ابن عباس ، قال : قال رسول الله (ص) : البيت المعمور في السماء يقال له « الضراح » على مثل البيت الحرام لو سقط سقط عليه ، يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لم يروه (٨) قط ، وإن له في السماء حرمة على قدر حرمة مكة (٩).

____________________

(١) في المصدر : بعد.

(٢) في المصدر : البيت الحرام الذى على عرص البيت الذى في السماء.

(٣) الدر المنثور : ج ١ ، ص ١٣٠.

(٤) في المصدر : لايعودون إليه حتى تقوم الساعة.

(٥) الدر المنثور : ج ٦ ، ص ١١٧. وليس فيه « حذاء الكعبة الحرام ».

(٦) الدر المنثور : ج ٦ ، ص ١١٧.

(٧) الدر المنثور : ج ٦ ، ص ١١٧.

(٨) في المصدر : لم يردوه.

(٩) الدر المنثور : ج ٦ ، ص ١١٧.

٦٠