بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٩١
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

وهو قريب من المحدود ، والاظهر « ممدودا » وجعل الامد بمعنى الامتداد ليكون تأسيسا.

« يولج كل واحد منهما في صاحبه ويولج صاحبه فيه » الايلاج : الادخال وقد عرفت أن لايلاج كل واحد منهما في الآخر معنيين : أحدهما يرجع إلى مجئ الليل بعد النهار ومجئ النهار بعد الليل ، وثانيهما يرجع إلى زيادة كل منهما و نقصان الآخر ، ويرد في خصوص هذه العبارة إشكال ، وهو أن الزيادة والنقص في كل منهما يتسفاد من الفقرة الاولى ، فأي فائدة في الفقرة الثانية؟ وأجيب عنه بوجوه : الاول ما ذكره الشيخ البهائي ره : حيث قال : مراده التنبيه على أمر مستغرب ، وهو حصول الزيادة والنقصان معا في كل من الليل والنهار في وقت واحد ، وذلك بحسب اختلاف البقاع كالشمالية عن خط الاستواء والجنوبية عنه سواء كانت مسكونة أولا ، فإن صيف الشمالية شتاء الجنوبية وبالعكس ، فزيادة النهار ونقصانه واقعان في وقت واحد ، لكن في بقعتين ، وكذا زيادة الليل ونقصانه ولو لم يصرح عليه السلام بقوله « ويولج صاحبه فيه » لم يحصل التنبيه على ذلك ، بل كان الظاهر من كلامه عليه السلام وقوع زيادة النهار في وقت ونقصانه في آخر ، وكذا الليل كما هو محسوس معروف بين الخاص والعام ، فالوا في قوله « ويولج صاحبه فيه » واو الحال بإضمار مبتدأ كما هو المشهور بين النحاة « انتهى ».

وأقول : إنما قدر المبتدأ لان الجملة الحالية إذا كانت مضارعا مثبتا يكون بالضمير وحده ، فإذا اضمر المبتدأ تصير جملة اسمية والاسمية الحالية تكون بالواو والضمير أو بالواو وحدها ، وقيل : لا حاجة إلى تكلف الحالية بل مع العطف أيضا يستقيم هذا المعنى ، فكأنه قال : كما يولج نهار النصف الاول من السنة من لياليها وليالي النصف الثاني في نهارها يولج أيضا ليالي النصف الاول في نهارها و نهار النصف الثانى في لياليها ، وذلك في الافق المقابل ، لانه يصير ثمة قوس الليل قوس النهار وبالعكس ، فالليل الذي يلج عندنا في النهار هو بعينه نهار ثمة يلج في الليل ، وهذا الاعتبار أغرب وأبعد مما اعتبر أولا ، وهو أن البقاع الجنوبية أمرها

٢٠١

على العكس باعتبار النصفين مطلقا من غير اعتبار كل يوم وليل بعينه « انتهى » وأقول : هذا المعني إلى الحالية أحوج من الاول وإن كان يستقيم المعنيان بدونهما الثانى ما قيل : إن الجملة الاولى تدل على أن كلا منهما مولج في صاحبه ، و الثانية على أن كلا منهما مولج فيه صاحبه ، وهذا معنى آخر غير الاول ، وهو وإن كان لازما للاول إلا أن التصريح بما علم ضمنا للاهتمام والمبالغة أمر شائع ذائع ، خصوصا فيما كان أمرا عظيما فيه قوام العالم ونظامه ، فإن الليل والنهار من ضروريات مصالح هذا العالم ، وآيتان دالتان على وحدة الله سبحانه وكمال قدرته ، ولهذا كرر الله هذا المعنى في كتابه العزيز بلفظ الايلاج وغيره. الثالث أن يكون التكرار للاشعار بتكرر هذا الامر واستمراره ، كما يقال لهذا المعنى « يفعل فلان ويفعل ، ويعطي ويعطي » وهذا وجه وجيه. الرابع ما قيل : إن دلالة إيلاج كل منهما في صاحبه على إيلاج صاحبه فيه من الخارج لا من اللفظ فإنا إذا علمنا في الخارج أن ليس لليل صاحب إلا النهار ولا للنهار صاحب إلا الليل علمنا من قوله « يولج كل واحد منهما في صاحبه » إيلاج الصاحب أيضا فيه ، وأما بالنسبة إلى اللفظ فلا دلالة له أصلا ، فإنا إذا قلنا يولج الليل في صاحبه ويولج النهار في صاحبه ولم يعلم من الخارج أن صاحبهما ماذا فلا يعلم إيلاج صاحبه فيه البتة ونحتاج إلى ذكره وترك العطف للاستئناف ، أو الحالية المقدرة ، والعدول إلى المضارع للدلالة على الاستمرار التجددي.

« بتقدير منه للعباد » الباء للسببية أو الملابسة والاول أظهر ، والتنكير للتفخيم. « فيما يغذوهم به » الظرف متعلق بتقدير ، أي جعل الله الخلق والتمييز والايلاج لتقدير عظيم في الشئ الذي يغذوهم به ، كما مر أن تعاقب الليل والنهار واختلاف الفصول مما له مدخل عظيم في حصول الاغذية للعباد « وينشئهم عليه » عطف على « يغذوهم » أي له مدخل في نشوئهم ونموهم كما مر ذكره « فخلق لهم الليل » الفاء للترتيب الذكري ، وهو عطف المفصل على المجمل « ليسكنوا فيه من حركات التعب ونهضات النصب » الاضافتان من إضافة السبب إلى المسبب ، أي

٢٠٢

من فوائد الليل أن يسكنوا أي يستقروا ويستريحوا من الحركات الواقعة في النهار لتحصيل المعارش وغيره الموجبة للتعب ، والنهضات بالتحريك : جمع نهضة بسكون الهاء وهي المرة من « نهض ينهض نضا ونهوضا » أي قام ، أي القيامات للامور الشاقة ، والترددات البدنية ، والاشغال القلبية الواقعة في النهار التي هي سبب النصب بالتحريك أي الاعياء والعجز ، ويروي « بهظات » بالباء الموحدة والظاء المعجمة « من بهظه الامر أو الحمل » كمنع أي غلبه وثقل عليه ، ولعلهما إشارتان إلى قوله تعالى « وجعل الليل سكنا (١) ».

« وجعله لباسا ليلبسوا من راحته ومنامه » إشارة إلى قوله تعالى « وجعلنا الليل لباسا (٢) » وقد مر تفسيره ، وقال الزمخشري ، أي يستركم عن العيون إذا أردتم هربا من عدو ، أو بياتا له ، أو إخفاء ما لاتحبون الاطلاع عليه من كثير من الامور ويفهم منه معنى آخر وهو أنه تعالى لما جعل الليل سببا لان يلبس العباد لباس الراحة والنوم فكأنه لباس ، وشبه الراحة والمنام وهو مصدر ميمي بمعنى النوم باللباس ، من حيث إن كل واحد منهما يغشاهم ويشتمل عليهم كاللباس كما قال تعالى « فأذاقها الله لباس الجوع والخوف (٣) » وإضافة الراحة والمام إلى ضمير الليل للاختصاص بمعنى اللام ، أي الراحة والمنام المختصين بالليل ، ويظهر من كلام ابن الحاجب أنه بمعنى « في » وأنكره أكثر المحققين ، والظاهر أن من « في » قوله « من راحته » للتبعيض ، لبيان أنه لم يخلق الليل ليصرفوا جميعه في الاستراحة والمنام بل ليستريحوا في بعضه ويعبدوه في بعضه ، وقيل « من » للابتداء ، لان اللبس يبتدء من جهة الراحة كما قال تعالى « يحلون فيها من أساور من ذهب (٤) » بأن يكون « من راحته » صفة لموصوف محذوف يدل عليه « يلبسوا » أي ليلبسوا ثوبا من راحته

____________________

(١) الانعام : ٩٦.

(٢) النبأ : ١٠.

(٣) النحل : ١١٢.

(٤) الكهف : ٣١.

٢٠٣

أي الثوب الذي هو راحته ، ولا يخفى أن ماذكرنا أظهر ، فيكون عطف على « يلبسوا » والتفريع بالفاء لبيان أن لبس الراحة والمنام سبب للجمام والقوة ، و الجمام بالفتح ، الراحة بعد التعب ، يقال : جم الفرس جماما أي ذهب إعياؤه.

« ولينالوا به » أي يصيبوا بلبس لباس الراحة « لذة » وهي إدراك الملائم من حيث إنه ملائم « وشهوة » وهي مصدرشهيه كرضي أي أحبه ورغب فيه كاشتهاه وتشهاه والحاصل : ليصيبوا بسبب ذلك ما يلتذون به ويشتهونه ، أو المراد بهما الحاصل بالمصدر ، ولا يبعد أن يكون المراد لذة النوم وشهوة الجماع ، ويحتمل التعميم فيهما. « وخلق لهم النهار » عطف على « خلق لهم الليل » « مبصرا » إسناد للفعل إلى الظرف « ليبتغوا » أي ليطلبوا فيه شيئا « من فضل الله » والمراد به نعم الله مطلقا لا الرزق فقط ، وإن فسر به قوله تعالى « وابتغوا من فضل الله (١) » لان طلب الرزق مذكور بعد ذلك في قوله عليه السلام « وليتسببوا إلى رزقه » فذكره بعد من باب ذكر الخاص بعد العام للاهتمام بشأنه ، أي ليتصولوا ويطلبوا سببا من الاسباب المعهودة المشروعة إلى تحصيل رزقه ، أو ليصيروا سببا وواسطة في تحصيله كما قال في مقام آخر « تسببت بلطفك الاسباب ».

« ويسرحوا في أرضه » يقال : سرحت الدابة كمنع سروحا : سامت و سرحتها سرحا : أسمتها ورعيتها ، يتعدى ولا يتعدى ، والمراد هنا الاول. شبه عليه السلام سيرهم في الارض سفرا وحضرا بلا عائق كيف شاؤوا آكلين ما اشتهوا وشاربين ما شاؤوا بسير الدابة في الارض وسومها « طلبا » مفعول له لقوله « يسرحوا » وما قبله من الفعلين ، وما قيل من أنه متعلق بخلق الليل وخلق النهار أي طلب الله تعالى من خلقهما فوائد لعباده فلا يخفى بعده « لما فيه نيل العاجل » أي وصولهم إلى النفع العاجل أي الحاضر « من دنياهم » بيان للعاجل ، وفي بعض النسخ « في دنياهم » فهو متعلق بالنيل. والدرك : اللحوق والوصول ، والآجل : خلاف العاجل « في اخريهم » متعلق بالدرك أو صفة للآجل ، أي النفع الآجل الكائن في اخريهم ، و

____________________

(١) الجمعة : ١٠.

٢٠٤

الاخرى : تأنيث الآخر ، أي الدار الاخرى غير الدنيا أو الاخيرة « بكل ذلك » « متعلق بـ « ـيصلح » وهو حال أي يصلح الله بكل من الليل والنهار وسائر الامور المذكورة « شأنهم » هو بالهمز وقد يخفف : الامر والحال ، أي امورهم بحسب العاجل والآجل « ويبلو أخباهم » قال الزمخشري في قوله تعالى « ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم » (١) أي ما يحكى عنكم وما يخبر به من أعمالكم لنعلم حسنها من قبيحها ، لان الخبر على حسب المخبر عنه إن حسنا فحسن وإن قبيحا فقبيح « انتهى » ومعنى « يبلو » يختبر أي يعاملهم معاملة المختبر.

« وينظر كيف هم في أوقات طاعته » أي كيف يصنعون في الاوقات التي وقتها لطاعتهم هل يطيعون أو يعصون « ومنازل فروضه » أي أوقات فروض الله تعالى التي فرضها على العباد ، فالمراد المنازل التي ينزل فيها الفروض ، أو منازل المكلف وهي منسوبة إلى الفروض لحصول الفرض عندها ، أو هو من إضافة المشبه به إلى المشبه كلجين الماء تشبيها للفروض بالمنازل التي ينزلها المسافر ، حيث إن المسافر في سفره ينتظر المنزل قبل وصوله إليه ويتشوق له ، وإذا وصل إليه يفرح به ويفعل فيه ما ينبغي أن يفعل ويأنس به ، فينبغي للمكلف أن يكون بالنسبة إلى ما فرض الله عليه كذلك ، وعلى التقادير من قبيل ذكر الخاص بعد العام للاهتمام ، إذا الطاعة أعم من الفرض بمعانيه. ويحتمل أن يراد بأوقات الطاعة العبادات الموقتة ، وبمنازل الفروض غير الموقتة ، أو بالعكس ، والاحكام : أعم منهمالشمولها للخمسة ، وإن كان شمولها للمباح لايخلو من تكلف ، بأن يقال : ينظر كيف هم فيه هل يعتقدونه مباحا أم يبتدعون تحريمه أو غيرذلك ، مع أنه يمكن جعل المباحات طاعات بالنيات كما سيأتي بيانه في محله. والمراد بمواقع الاحكام الامور التي تتعلق بها وهي أفعال المكلفين ، أو الازمنة والاحوال التي تعرض فيها « ليجزي الذين أساؤوا » متعلق بما قبله من الافعال الثلاثة ، أي إنما فعل تلك الامور ليجزي الذين أساؤوا أي عملوا السيئة « بما عملوا » أي بعقاب ما عملوا ، أو بمثل ما عملوا ، أو بسببه « ويجزي

____________________

(١) محمد : ٣١.

٢٠٥

الذين أحسنوا » أي فعلوا الاعمال الحسنة « بالحسنى » أي بالمثوبة الحسنى ، أو بأحسن من أعمالهم وجزائها ، أو بسبب الفعلة الحسنى ، فالباء في الموضعين إما للصلة أو للسببية فالظرفان متعلقان بالجزاء ، وتعلقهما بأساؤوا وأحسنوا كما توهم بعيد وأوسط التقادير الثلاثة المتقدمة أظهر ، لدلالته على جزاء السيئة بالمثل والحسنة بأضعافها.

« اللهم » أصله يا الله ، حذف حرف النداء وعوض عنه الميم المشددة « فلك الحمد » لما حمده سبحانه على خلق مطلق الليل والنهار حمده تعالى على خصوص اليوم الذي هو فيه والنعم التي اشتمل عليها ، وتقديم الظرف للحصر « على مافلقت » أي شققت « لنا » أي لانتفاعنا « من الاصباح » وهو في الاصل مصدر « أصبح » أي دخل في الصباح ، سمي به الصبح « ومتعتنا به » أي على ما صيرتنا ذوي تمتع وانتفاع بسببه « من ضوء النهار » الاضافة بتقدير اللام أو بيانية « وبصرتنا » أي على ما جعلتنا مبصرين له وبصراء به بسبب النهار « من مطالب الاقوات » بالاضافة البيانية أو اللامية ، أي المواضع التي يطلب منها القوت ، والاعمال التي هي مظنة حصوله والقوت : يا يقوم به بدن الانسان من الطعام « ووقيتنا » أي وعلى ما وقيتنا وحفظتنا منه في ذلك الصبح « من طوارق الآفات » بالاضافة البيانية أو إضافة الصفة إلى الموصوف ، والطارق في الاصل من يأتي بالليل لاحتياجه إلى طرف الباب غالبا ، و يستعمل غالبا في الشرور الواقعة بالليل وقديعم بما يشمل ما يقع بالنهار أيضا ، فالمراد هنا آفات البارحة أو مطلقا. ثم اعلم أن لفظة « ما » الظاهرة في الفقرة الاولى والمقدرة فيما بعدها من الجمل الثلاث موصولة ، وضمير « به » المذكورة في الجملتين والمقدر في غيرهما عائد إليها ، و « من » في المواضع الاربعة لبيان الموصول ، ويمكن أن تكون « ما » مصدرية في الجميع أو في سوى الاولى ، والضمائر راجعة إلى الاصباح أو فلقه فيكون « من » في قوله « من مطالب » بمعنى الباء كما في قوله تعالى « ينظرون من طرف خفي (١) » ثم الحمد في الفقرة الثانية يشمل العميان أيضا فانهم

____________________

(١) الشورى : ٤٥.

٢٠٦

يتمتعون بضوء النهار ، لاشتغال البصراء بالمهمات والحوائج ومن جملتها حوائج الاضراء ، وأما الثالثة فان كان التبصير فيها من إبصار العين فهو لغيرهم ، وإن كان من البصيرة فيشملهم ، وهذا يؤيد حمله على الاخير. وأما شرح تتمة الدعاء فموضعه الفرائد الطريفة.

٣٨ ـ الدر المنثور : عن عبدالله بن مغفل (١). قال : قال رسول الله (ص) : إن عيسى بن مريم عليهما السلام قال : يا معشرالحواريين!الصلاة جامعة.فخرج الحواريون في هيئة العبادة ، قد تضمرت البطون ، وغارت العيون ، واصفرت الالوان ، فساربهم عيسى عليه السلام إلى فلاة من الارض ، فقام على رأس جرثومة فحمدالله وأثنى عليه ثم أنشأ يتلو عليهم من (٢) آيات الله وحكمته فقال : يا معشر الحواريين! اسمعوا ما أقول لكم ، إني لاجد في كتاب الله المنزل الذي أنزله (٣) الله في الانجيل أشياء معلومة فاعملوا بها ، قالوا : يا روح الله وما هي؟ قال : خلق الليل لثلاث خصال ، وخلق النهار لسبع خصال ، فمن مضى عليه الليل والنهار وهو في غير هذه الخصال خاصمه الليل والنهار يوم القيامة فخصماه ، خلق الليل لتسكن فيه العروق الفاترة التي أتعبتها في نهارك ، وتستغفر لذنبك الذي كسبته بالنهار (٤) ثم لاتعود فيه ، وتقنت فيه قنوت الصابرين ، فثلث تنام ، وثلث تقوم ، وثلث تضرع (٥) إلى ربك ، فهذا

____________________

(١) عبدالله بن مغفل بمعجمة وفاء كمعظم هو عبدالله بن مفغل بن عبدغنم وقيل عبد نهم بن عفيف ابن اسحم المزنى قال في اسد الغابة « ٣ : ٢٦٤ » كان من اصحاب الشجرة يكنى أبا سعيد ، وقيل أبوعبدالرحمن ، وقيل أبوزياد ، سكن المدينة ثم تحول إلى البصرة وابتنى بها دارا قرب الجامع ، وكان من البكائين الذين أنزل الله عزوجل فيهم « ولا على الذين اذا ما اتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه ولوا وأعينهم تفيض من الدمع الاية » وكان أحد العشرة الذين بعثهم عمر إلى البصرة يفقهون الناس « انتهى » توفى بالبصرة سنة « ٥٩ » وقيل سنة « ٦٠ » ايا أمارة ابن زياد بالبصرة ، وصلى عليه أبوبرزة الاسلمى بوصية منه بذلك.

(٢) في المصدر : آيات الله.

(٣) في المصدر : انزل الله.

(٤) في المصدر : في النهار.

(٥) في المصدر : تتضرع.

٢٠٧

ما خلق له الليل. وخلق النهار لتؤدي فيه الصلاة المفروضة التي عنها تسأل وبها تخاطب (١) ، وتبر والديك ، وأن تضرب في الارض تبتغي المعيشة معيشة يومك وأن تعودوا فيه وليا لله كيما يتغمدكم الله برحمته ، وأن تشيعوا فيه جنازة كيما تنقلبوا مغفورا لكم ، وأن تأمروا بمعروف ، وأن تنهوا عن منكر ، فهو ذروة الايمان وقوام الدين ، وأن تجاهدوا في سبيل الله تزاحموا إبراهيم خليل الرحمن في قبته ، و من مضى عليه الليل والنهار وهو في غير هذه الحصال خاصمه الليل والنهار يوم القيامة فخصماه عند مليك مقتدر (٢).

بيان : قال في النهاية : فيه : كانت في المسجد جراثيم أي كان فيها أماكن مرتفعة عن الارض مجتمعة من تراب أوطين (٣).

٣٩ ـ الدر المنثور : عن ابن مسعود ، في قوله تعالى « يوم يأتي بعض آيات ربك (٤) » قال : طلوع الشمس والقمر من مغربهما مقترنين كالبعيرين القرينين ، ثم قرأ « وجمع الشمس والقمر (٥) ».

٤٠ ـ وعن حذيفة قال : سألت رسول الله (ص) فقلت : يا رسول الله ما آية طلوع الشمس من مغربها؟ فقال : تطول تلك الليلة حتى تكون قدر ليلتين ، فيقوم الذين كانوا يصلون فيها فيعملون كما كانوا يعملون والنجوم مكانها لاتسري ، ثم يأتون فرشهم فيرقدون حتى تكل جنوبهم ، ثم يقومون فيصلون حتى يتطاول عليهم الليل فيفزع الناس فبيناهم ينتظرون طلوع الشمس من مشرقها إذا هي طلعت من مغربها فإذا رآها الناس آمنوا ولا ينفعهم إيمانهم. وروى مثله عن قتادة (٦).

____________________

(١) في المصدر : تحاسب.

(٢) الدر المنثور : ج ٥ ، ص ٣٥٦.

(٣) النهاية : ج ١ ، ص ١٥٣.

(٤) الانعام : ١٥٨.

(٥) القيامة : ٩الدر المنثور : ج ٣ ، ص ٥٧.

(٦) الدر المنثور : ج ٥ ، ص٥٧ ، وعبارة المصدر مضطربة والظاهران عبارة المتن متين

٢٠٨

٤١ ـ وعن ابن عباس وفي روايته : آية تلكم الليلة أن تطول كقدر ثلاث ليال (١).

٤٢ـ وعن أبي ذرره قال : كنت ردف رسول الله صلى الله عليه وآله على حمار عليه برذعة (٢) أو قطيفة وذاك عند غروب الشمس ، فقال : يا باذر أتدري أين تغيب هذه؟ قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : فإنها تغرب في عين حامئة (٣) تنطلق حتى تخر لربها ساجدة تحت العرش ، فإذا حان خروجها اذن لها فتخرج فتطلع ، فإذا أراد الله أن يطلعها من حيث تغرب حبسها فتقول : يا رب إن مسيرى بعيد ، فيقول لها اطلعي من حيث غربت ، فذلك حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل (٤).

٤٣ ـ وعن عبدالله بن أوفى (٥) ، قال : سمعت رسول الله (ص) يقول : ليأتين على الناس ليلة بقدر ثلاث ليال من لياليكم هذه ، فإذا كان ذلك يعرفها المصلون يقوم أحدكم (٦) فيقرأ حزبه ثم ينام ، ثم يقوم فيقرأ حزبه ثم ينام ، ثم يقوم فبينماهم كذلك إذ ماج الناس بعضهم في بعض فقالوا : ما هذا : فيفزعون إلى المساجد فإذا هم بالشمس قد طلعت من مغربها ، فضج الناس ضجة واحدة حتى إذا صارت

____________________

(١) الدر المنثور : ج ٥ ، ص ٥٨.

(٢) البرذعة : بفتح الموحدة وسكون الراء المهملة وفتح الذال المعجمة والعين المهملة قال في الصحاح « ١١٨٤٣ » هو المجلس الذى يلقى تحت الرجل ، وقال في المنجد : البردعة بالدال المهملة والبرذعة بالمعجمة كساء يلقى على ظهر الدابة.

(٣) في المصدر : حمثة.

(٤) الدر المنثور : ج ٥ ، ص ٥٨٥٧.

(٥) كذا ، والصحيح « عبدالله بن أبي أوفى » ابوابراهيم صحابى وابن صحابى ، واسم ابيه علقمة بن خالد بن الحارث بن اسيد الاسلمى ، قال في تهذيب الاسماء ، شهد بيعة الرضوان وخيبر وما بعدهما من المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يزل بالمدينة حتى توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تحول إلى الكوفة وهو آخر من بقى من الصحابة بالكوفة « انتهى » مات سنة « ٨٦ » وقيل « ٨٧ ».

(٦) في المصدر « أحدهم » وهو الصحيح.

٢٠٩

في وسط السماء رجعت وطلعت من مطلعها ، وحينئذ لا ينفع نفسا إيمانها (١).

٤٤ ـ وعن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : إن الشمس والقمر والنجوم خلقن من نور العرش (٢).

٤٥ ـ وعن السدي (٣) في قوله تعالى « هو الذى جعل الشمس ضياء والقمر نورا (٤) » قال : لم يجعل الشمس كهيئة القمر لكي (٥) يعرف الليل من النهار ، و هو قوله « فمحونا آية الليل (٦) » الاية (٧).

٤٦ ـ وعن ابن عباس قال : وجوههما إلى السماوات ، وأقفيتهما إلى الارض (٨).

٤٧ ـ وعن أبى ذر ره قال : كنت مع النبي صلى الله عليه وآله في المسجد عند غروب الشمس ، فقال : ياباذر (٩) أتدري أين تغرب الشمس؟ قلت : الله ورسوله أعلم ، فقال : إنها تذهب حتى تسجد تحت العرش فتستأذن في الرجوع ، فيؤذن لها ، فذاك قوله « والشمس تجري لمستقر لها (١٠) ».

٤٨ ـ وعن ابن عباس أنه كان يقرأ « لامستقر لها (١١) ».

٤٩ ـ وعن ابن عباس « رب المشرقين ورب المغربين (١٢) » قال : للشمس مطلع في الشتاء ومغرب في الشتاء. ومطلع في الصيف ومغرب في الصيف غير مطلعها

____________________

(١) الدر المنثور : ج ٥ ، ص ٥٨.

(٢) الدر المنثور : ج ٣ ، ص ٩٢.

(٣) بضم السين وتشديد الدال المهملتين ، منسوب إلى سدة مسجد الكوفة.

(٤) يونس : ٥.

(٥) في المصدر : كى.

(٦) الاسراء : ١٢.

(٧ و ٨) الدر المنثور : ج ٣ ، ص ٣٠٠.

(٩) في المصدر : يا أباذر.

(١٠) يس : ٣٨.

(١١) الدر المنثور : ج ٥ ، ص ٢٦٣.

(١٢) الرحمن : ١٧.

٢١٠

في الشتاء وغير مغربها في الشتاء (١).

٥٠ ـ وفي رواية اخرى عنه قال : مشرق الفجر (٢) ومشرق الشمس ، ومغرب الشمس ومغرب الشفق (٣).

٥١ ـ وعنه أيضا في قوله تعالى « فلا اقسم برب المشارق والمغارب » قال : للشمس كل يوم مطلع تطلع فيه (٤) ومغرب تغرب فيه غير مطلعها بالامس وغير مغربها بالامس (٥).

٥٢ ـ وعن عكرمة قال : هي المنازل التي تجري فيها الشمس والقمر (٦).

٥٣ ـ وعن ابن عباس في قوله « وجعل القمر فيهن نورا (٧) » قال : وجهه يضيئ السماوات وظهره يضئ الارض (٨).

٥٤ ـ وعن شهر بن حوشب قال : اجتمع عبدالله بن عمرو بن العاص وكعب الاحبار وقد كان بينهما بعض العتب ، فتعاتبا فذهب ذلك ، فقال عبدالله بن عمرو للكعب : سلني عما شئت فلا تسألني عن شئ إلا أخبرتك بتصديق قولي من القرآن! فقال له : أرأيت ضوء الشمس والقمر أهو في السماوات السبع كما هو في الارض؟ قال : نعم ، ألم تروا إلى قول الله « خلق سبع سماوات طباقا وجعل القمر فيهن نورا (٩) ».

٥٥ ـ وعن ابن عباس قال : وجهه في السماء إلى العرش وقفاه إلى الارض (١٠).

٥٦ ـ وعن عكرمة قال : إنه يضئ نور القمر فيهن كلهن ، كما لو كان سبع

____________________

(١ و ٣) الدر المنثور : ج ٦ ، ص ١٤٢.

(٢) في المصدر : مشرق النجم ومشرق الشفق « ورب المغربين » قال مغرب ..

(٤) منه ( خ ).

(٥ و ٦) الدر المنثور : ج ٦ ، ص ٢٦٧.

(٧) نوح : ١٦.

(٨) الدر المنثور : ج ٦ ، ص ٢٦٨.

(٩ و ١٠) الدر المنثور : ج ٦ ، ص ٢٦٩.

٢١١

زجاجات أسفل منهن شهاب أضاء كلهن ، فكذلك نور القمر في السماوات كلهن لصفائهن (١).

٥٧ ـ وعن ابن عباس في قوله « وجعل القمر فيهن نورا ، قال : خلق فيهن حين خلقهن ضياء لاهل الارض ، وليس في السماء من ضوئه شئ (٢) ».

٥٨ ـ وعن عطاء في قوله « وجمع الشمس والقمر » قال : يجمعان يوم القيامة ثم يقذفان (٣) فيكون نارالله الكبرى (٤).

٥٩ ـ وعن ابن جريح قال : كورا يوم القيامة (٥).

٦٠ـ العلل والعيون : في خبرالشامي عن الرضا عليه السلام أنه سأل رجل من أهل الشام أميرالمؤمنين عليه السلام عن مسائل فكان فيماسأله أن سأله عن أول ماخلق الله تعالى قال : خلق النور ، وسأله عن طول الشمس والقمر وعرضهما ، قال : تسعمائة فرسخ في تسعمائة فرسخ (٦).

بيان : أقول تمامه في كتاب الاحتجاج ، وقال السيد الداماد ره بعد إيراد الخبر بتمامه : إنما هذه السؤالات عن أشياء وجدها السائلون من أهل الكتاب في الكتب السماوية المنزلة على أنبيائهم ، فامتحنوا بها أميرالمؤمنين عليه السلام واختبروا بها علمه بالكتب الالهية والصحف السماوية ، وقوله عليه السلام « أول ما خلق الله النور » المعني به الجوهر المفارق الذي هو أول الانوار العقلية كما قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله « أول ما خلق الله العقل » وأما قوله عليه السلام « تسعمائة فرسخ في تسعمائة فرسخ » قال : المعني به مكعب تسعمائة فرسخ أي سبعمائة ألف ألف فرسخ وتسعة وعشرون ألف ألف فرسخ المجتمع من ضرب تسعمائة فرسخ في تسعمائة فرسخ ثم ضرب تسعمائة فرسخ في مربعها الحاصل من ضربها في نفسها أي في ثمانمائة ألف فرسخ وعشرة

____________________

(١ و ٢) الدر المنثور : ج ٦ ، ص ٢٦٩.

(٣) في المصدر : فيقذفان في البحر.

(٤ و ٥) الدر المنثور : ج ٦ ، ص ٢٨٨.

(٦) العلل : ج ٢ ، ص ٢٨٠ ، العيون : ج ١ ، ص ٢٤٠.

٢١٢

آلاف فرسخ والذي رامه بطول الشمس وعرضها المتساويين هو مساحة جميع سطحها المستدير المحيط بجرمها ، وكذلك ما يرام بطول القمر وعرضه وليعلم أن ما نالته الحكماء التعليميون ببراهينهم وأرصادهم وحصلته العلماء الرياضيون بحسبهم وحسباناتهم في مقادير الابعاد والاجرام قد اختلف مذاهبهم فيه اختلافا كثيرا ، وذلك إما لاختلالات في الآلات الرصدية ، أو لخلل وزلل في نصبها في مناصبها اللائقة ، و إما لمسامحات قل ما تخلو عنها حسابات الحاسبين ، ومساهلات قل ما تعرو عنها أرصاد الراصدين ، فلذلك كله ما قد اختلف أحكام الارصاد ، وعز ما يتفق رصدان متفقان وبالجملة فإذ قد أمرت الجماهير أن بحث الاوائل أو في فاعلمن أن بطلميوس ومن في طبقته من الاوائل وجدوا بأرصادهم حصة درجة واحدة من الدائرة العظمى تقع على سطح الارض اثنين وعشرين فرسخا وتسع فرسخ ، فحكموا أن ثلاثمائة وستين درجة وهي محيط الدائرة العظمى الارضيه ثمانية آلاف فرسخ ، وقد بين أرشميدس في مقالته في مساحة الدائرة أن محيط كل دائرة كمجموع ثلاثة أمثال قطرها وسبع قطرها على التقريب ، فيكون مقدار قطر الارض ألفين وخمسمائة فرسخ وخمسة و أربعين فرسخا ونصف فرسخ تقريبا ، وقد بين فيها أيضا أن مسطح نصف القطر في نصف المحيط مساو لتكسير الدائرة ، فتستبين بقوة الخامس والعشرين من اولى كتاب الكرة والاسطوانة لارشميدس أن السطح الذي يحيط به قطر الكرة في المحيط أعظم دائرة تقع فيها مساو للسطح المحيط بالكرة ، فإذا ضربت القطر في محيط الدائرة العظمى حصل تكسير سطح الارض وهو عشرون ألف ألف فرسخ وثلاثمائة و ثلاثة وستون ألف فرسخ وستمائة وستة وثلاثون فرسخا وأربعة أجزاء من أحد عشر جزء من فرسخ ، ووجدوا قطر الارض مثل قطر جرم القمر ثلاث مرات وخمسي مرة فيكون مقدار جرم قطر القمر سبعمائة فرسخ وسبعة وأربعين فرسخا بالتقريب فمحيط دائرة عظمى قمرية ألفان وثلاثمائة فرسخ وأحد وأربعون فرسخا ونصف فرسخ على التقريب ، فمساحة جميع سطح القمر ألف ألف فرسخ وسبعمائة ألف فرسخ وثلاثة وأربعون ألف فرسخ وثمانمائة فرسخ وخمسة وأربعون فرسخا ، ووجدوا قطر

٢١٣

جرم الشمس خمسة أمثال ونصف مثل لقطر الارض ، إذا كانوا وجدوا قطر الشمس بنسبته إلى قطر الارض كمجموع ثمانية عشر جزء وأربعة أخماس جزء بالنسبة إلى مجموع ثلاثة أجزاء وخمسي جزء ، فخرج لهم من بعد القسمة خمسة ونصف ، فمقدار قطر الشمس أربعة عشر ألف فرسخ إلا فرسخين ونصف فرسخ ، فمحيط دائرة عظمى على جرم الشمس أربعة وأربعون ألف فرسخ تقريبا قريبا من التحقيق على ذلك التقدير. فمساحة سطح جرم الشمس بناء على ذلك ستمائة ألف ألف فرسخ وستة عشرألف ألف فرسخ ، ومجموع مساحة سطح الشمس والقمر جميعا ستمائة ألف ألف فرسخ وسبعة عشر ألف ألف فرسخ وسبعمائة ألف فرسخ وثلاثة وأربعون ألف فرسخ وثمانمائة فرسخ وخمسة وأربعون فرسخا ، واستخرجوا بحسبهم على ما قد استحصلته أرصادهم أن من الارض إلى بعد الشمس الاوسط ألف ألف فرسخ وسبعة وثلاثين ألف فرسخ وثلاثمائة فرسخ وأحدا وثمانين فرسخا بالتقريب ، وأن الشمس مائة وستة وستون مثلا وربع وثمن مثل للارض وستة آلاف وستمائة وأربعة وأربعون مثلا للقمر ، وأن الارض تسعة وثلاثون مثلا وربع مثل للقمر. وقال قطب فلك التحصيل والتحقيق من العلماء المشهورية الجمهورية في طبيعيات كتاب « درة التاج » أن الحكيم الفاضل مؤيد الدين العرضي حقق الامر تحقيقا لم يسبقه إليه أحد ولم يلحقه أحد ، وفيما نقل عنه أن جرم الشمس مائة وسبعة وستون مثلا لجرم الارض ، وجرم الارض أربعون مثلا لجرم القمر ، ثم إن هؤلاء الراصدين الحاسبين جعلوا البعد الابعد لكل كوكب البعد الاقرب للكوكب الذي فوقه ، وكان من الواجب أن يجعل بعد محدب كل فلك بعد مقعر الفلك الذي فوقه ، لكنهم لم يعتبروا أنصاف أقطار الكواكب وثخن جوزهر القمر وما يبقى من متمم عطارد بين أقرب أبعاده ومقعر فلكه ، إذ لم يكن غرضهم الاصلي إلا الاطلاع على عظم هذه الاجرام الشريفة على الاجمال ، ليعلم أن قدرة مبدعها جلت عظمته على أقصى غايات الكمال ، لا استثبات معرفتها للذهن البشري على طباق ما في العين ، فإن عقول الحكماء وأفهام العقلاء لاتصادف ولا تلقى إلا راجعة عن ذلك بخفي حنين

٢١٤

فلذلك تراهم يتساهلون كثيرا في الحساب مع أن إهمال ثانية واحدة يفضي إلى التبعيد بمراحل عن الصواب ، ولقد اورد عليهم أن المسافة على ما في المجسطي وما في مرتبته بين محدب الفلك المائل للقمر ومقعر فلك الشمس ليست تسع ثخني فلك الزهرة وعطارد فضلا من أن يسعهما ما بين محدب جوزهر القمر ومقعر فلك الشمس والحق أن ذلك إنما نشأ من المساهلة في الحساب بإهمال الكسور وما يسير مسيرة ويجري مجراه ، فالراصد الفاضل الحاسب المهندس الكاشاني قد تشمر محل الاشكال في رسالة « سلم السماء » باستئناف الحساب على سبيل الاستقصاء من غير إهمال الثواني بل الثوالث ، وأورد قطر جرم القمر على أنه سبعمائة وأحد وثلاثون فرسخا ، و الصواب فيه ما أثبتناه ، وقطر الشمس سبعة عشر ألف وخمسمائة وثمانية وثلاثين فرسخا على أنه سبعة أمثال قطر الارض إلا عشر مثل تقريبا والذي يوحبه الاستقصاء أنه مثل قطر الارض ست مرات وخمسة أسداس مرة ونصف عشر مرة ، وجرم القمر على أنه كجزء من اثنين وأربعين جزء وسدس جزء من الارض ، والاحق فيه استبدال خمس مكان سدس. وجرم الشمس على أنها ثلاثمائة وستة وعشرون مثلا للارض ، والاحق في ذلك وخمس مثل أيضا تقريبا. وإذا علم ذلك فليعلم أن ما قاله أميرالمؤمنين عليه السلام في جواب سؤال الشامي إنما هو على مطابقة الشائع المعتبر الذي اعتبرته الاوائل من الحكماء اليونانيين ، ثم استمر شيوعا واستقر اعتبارا في العصور والدهور إلى هذه السنين الاخيرة ، لكنه لم يتساهل في الحساب ولم يهمل اعتبار الكسور ، فلعله عليه السلام اعتبر قطر الارض أكثر مما هو المشهور بشئ يسير ، أو أنه عليه السلام اعتبر قطر الشمس ستة أمثال قطر الارض كثمانية عشر بالنسبة إلى خمسة ، وهم قد اعتبروه بالنسبة إليه كثمانية عشر جزء وأربعه أخماس جزء بالنسبة إلى ثلاثة أجزاء وخمسين جزء ، وبالجملة على ما قاله عليه السلام يجب أن يؤخذ قطر الشمس على أنه خمسة عشر ألفا ومائتا فرسخ تقريبا ، ومحيط دائرة عظمى شمسية على أنه سبعة وأربعون ألفا وسبعمائة فرسخ وأحد وسبعون فرسخا ونصف

٢١٥

فرسخ تقريبا ليس هو على البعد من التحقيق ، فإذن يكون مجموع مضروب قطرها في محيط عظماها وهو مساحة جميع سطحها ما آتيناك في مساحة جميع سطح القمر مساويا لمكعب تعسمائة فرسخ على التقريب القريب من التحقيق جدا والله سبحانه أعلم بأسرار كلام عبده ووليه ، وأخي رسوله ووصيه ، وباب علمه وعيبة حكمته ، ولو رام رائم أن يتعرف سبيل الجواب على الاستقصاء الذي تولاه الراصد الحاسب الكاشي على سبيل التقريب قيل له ألف في تسعمائة ثم في حاصل الضرب.

وأقول : ذهب بخفي حنين مثل سائر في خيبة الانسان عما يرجوه. وقال الجوهري : قال ابن السكيت عن أبي اليقظان كان حنين رجلا شديدا ادعى على أسد بن هاشم بن عبد مناف ، فأتى عبدالمطلب وعليه خفان أحمران ، فقال : ياعم أنا ابن أسد بن هاشم ، فقال عبدالمطلب : لاوثياب هاشم! ما أعرف شمائل هاشم فيك فارجع. فقالوا « ذهب حنين بخفيه » فصار مثلا ، وقال غيره : هو اسم « إسكاف » من أهل الحيرة ، ساومه أعرابي بخفين فلم يشتره ، فغاظه ذلك وعلق أحد الخفين في طريقه ، فتقدم فطرح الآخر وكمن له ، وجاء الاعرابي فرأى أحد الخفين فقال : ما أشبه هذا بخف حنين! لو كان معه آخر لاشتريته. فتقدم فرأى الخف الثاني مطروحا في الطريق ، فنزل وعقل بعيره ورجع إلى الاول ، فذهب الاسكاف براحلته وجاء إلى الحي بخفي حنين.

٢١٦

١٠

(باب)

* (علم النجوم والعمل به وحال المنجمين) *

الآيات :

الصافات : فنظر نظرة في النجوم فقال إني سقيم (١).

تفسير : استشكل السيد المرتضى ره في كتاب « تنزيه الانبياء » في هذه الآية بوجهين : أحدهما أنه حكي عن نبيه النظر في النجوم ، وعندكم أن الذي يفعله المنجمون في ذلك ضلال. والآخر قوله « إني سقيم » وذلك كذب. ثم أجاب بوجوه :

الاول : أن إبراهيم عليه السلام كانت به علة تأتيه في أوقات مخصوصة ، فلما دعوه إلى الخروج معهم نظر إلى النجوم ليعرف منها قرب نوبة علته ، فقال إني سقيم وأراد أنه حضر وقت العلة وزمان نوبتها ، وشارفت الدخول فيها ، وقد تسمي العرب المشارف للشئ باسم الداخل فيه ، كما قال تعالى « إنك ميت وإنهم ميتون (٢) ».

فان قيل : لو أراد ما ذكرتموه لقال فنظر إلى النجوم لان لفظة « في » لاتستعمل إلا فيمن ينظر كما ينظر المنجم.

قلنا : حروف الصفات يقوم بعضها مقام بعض ، قال سبحانه « ولاصلبنكم في جذوع النخل (٣) » وإنما أراد على جذوعها.

الثانى : أنه يجوز أن يكون الله أعلمه بالوحي أنه سيمحنه بالمرض في وقت مستقبل ، وإن لم يكن قدجرت بذلك المرض عادته ، وجعل تعالى العلامة على ذلك

____________________

(١) الصافات : ٨٨.

(٢) الزمر : ٣٠.

(٣) الاعراف : ١٢٤

٢١٧

ظاهرا له من قبل النجوم ، إما لطلوع نجم على وجه مخصوص أو اقترانه بآخر ، فلما نظر إبراهيم عليه السلام في الامارة التي نصبت له من النجوم قال إني سقيم تصديقا لما أخبره الله تعالى.

الثالث : ما قاله قوم في ذلك أن من كان آخر أمره الموت فهو سقيم ، وهذا لان تشبيه الحياة المفضية إلى الموت بالسقم من أحسن التشبيه.

الرابع : أن يكون قوله إني سقيم معناه أني سقيم القلب أو الرأي ، خوفا من إصرار قومه على عبادة الاصنام ، وهي لاتسمع ولا تبصر ، ويكون قوله « فنظر نظرة في النجوم » على هذا معناه أنه نظر وفكر في أنها محدثة مدبرة مصرفة ، و عجب كيف يذهب على العقلاء ذلك من حالها حين يعبدونها ويجوز أيضا أن يكون قوله « فنظر نظرة في النجوم » معناه أنه شخص ببصره إلى السماء كما يفعل المفكر المتأمل فإنه ربما أطرق إلى الارض وربما نظر إلى السماء استعانة على فكره وقد قيل : إن النجوم ههنا نجوم النبت ، لانه يقال لكل ما خرج من الارض و غيرها وطلع : أنه ناجم ونجم ، ويقال للجميع نجوم ، ويقولون : نجم قرن الظبي ونجم ثدي المرأة ، وعلى هذا الوجه يكون إنما نظر في حال الفكر والاطراق إلى الارض. فرأى ما نجم منها وقيل أيضا إنه أراد بالنجوم ما نجم له من رأيه وظهر له بعد أن لم يكن ظاهرا ، وهذا وإن كان يحتمله الكلام فالظاهر بخلافه ، لان الاطلاق في قول القائل « نجوم » لايفهم من ظاهره إلا نجوم السماء دون نجوم الارض ونجوم الرأي ، وقال أبومسلم الاصفهاني : إن معنى قوله « فنظر نظرة في النجوم » أراد في القمر والشمس لما ظن أنهما آلهة في حال مهلة النظر على ما قصه الله تعالى من قصته في سورة الانعام ، ولما استدل بافولها وغروبها على أنها محدثة غير قديمة ولا آلهة ، وأراد بقوله « إني سقيم » أني لست على يقين من الامر ولاشفاء من العلم ، وقد يسمى الشك بأنه سقم كما يسمى العلم بأنه شفاء. ثم اعترض عليه بأنه مخالف لسياق الآيات « انتهى ملخص كلامه ».

وأقول : يمكن أن يقال إن حرمة النظر في النجوم على الانبياء والائمة

٢١٨

العالمين بها حق العلم غير مسلم ، وإنما يحرم على غيرهم لعدم إحاطتهم بذلك و نقص علمهم كما ستعرف عند شرح الاخبار.

١ ـ الاحتجاج : عن أبن بن تغلب قال : كنت عند أبي عبدالله عليه السلام إذ دخل عليه رجل من أهل اليمن فسلم عليه ، فرد أبوعبدالله عليه السلام. فقال له : مرحبا يا سعد. فقال له الرجل : بهذا الاسم سمتني امي ، وما أقل من يعفرفني به. فقال له أبوعبدالله (ع) : صدقت يا سعد المولى ، فقال الرجل : جعلت فداك بهذا (١) كنت القب. فقال أبوعبدالله عليه السلام : لاخير في اللقب ، إن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه « ولا تنابزوا بالالقاب بئس الاسم الفسوق بعد الايمان (٢) » ما صناعتك يا سعد؟ فقال : جعلت فداك أنا من (٣) أهل بيت ننظر في النجوم ، لايقال إن باليمن أحدا أعلم بالنجوم منا. فقال أبوعبدالله (ع) : فكم ضوء المشتري (٤) على ضوء القمر درجة؟فقال اليماني؟لا أدري ، فقال أبوعبدالله عليه السلام : صدقت ، فكم ضوء المشتري على ضوء عطارد درجة؟ فقال اليماني : لا أدري ، فقال أبوعبدالله (ع) : صدقت (٥) فما اسم النجم الذي إذا طلع هاجت الابل ، فقال اليماني : لا أدري ، فقال أبوعبدالله عليه السلام : صدقت ، فما اسم النجم الذي إذا طلع هاجت البقر؟ فقال اليماني : لا أدري ، فقال له أبوعبدالله عليه السلام : صدقت ، فما اسم النجم الذي إذا طلع هاجت الكلاب؟ فقال اليماني : لا أدري ، فقال أبوعبدالله عليه السلام : صدقت في قولك لا أدري فما زحل عندكم في النجوم؟ فقال اليماني؟ نجس نحس ، فقال أبوعبدالله عليه السلام : لا تقل هذا ، فإنه نجم أميرالمؤمنين عليه السلام وهو نجم الاوصياء عليهم السلام وهو النجم الثاقب الذي قال الله في كتابه. فقال اليماني : فما معنى الثاقب؟ فقال : إن مطلعه في

____________________

(١) في المصدر : بهذا اللقب.

(٢) الحجرات : ١١.

(٣) في المصدر : إنا أهل بيت.

(٤) في المصدر : فكم ضوء القمر يزيد على ضوء المشترى درجة؟

(٥) في المصدر : فكم ضوء عطارد يزيد درجة على ضوء الزهرة؟ قال اليمانى : لا أدرى قال أبوعبدالله صدقت.

٢١٩

السماء السابعة ، فإنه ثقب بضوئه حتى أضاء في السماء الدنيا ، فمن ثم سماه الله النجم الثاقب ، ثم قال : يا أخا العرب! عندكم عالم؟ قال اليماني : نعم جعلت فداك ، إن باليمن قوما ليسوا كأحد من الناس في علمهم! فقال أبوعبدالله عليه السلام : وما يبلغ من علم عالمهم؟ قال (١) اليماني : إن عالمهم ليزجر الطير ويقفو الاثر في ساعة واحدة مسيرة شهر للراكب المحث المجد فقال أبوعبدالله عليه السلام : فإن عالم المدينة أعلم من عالم اليمن قال اليماني : وما يبلغ من علم عالم المدينة؟ قال عليه السلام : إن علم عالم المدينة ينتهي إلى أن لا يقفو الاثر ولا يزجر الطير و يعلم ما في اللحظة الواحدة مسيرة الشمس تقطع اثني عشر برجا ، واثني عشر برا واثني عشر بحرا ، واثني عشر عالما! فقال له اليماني : ما ظننت أن أحدا يعلم هذا وما يدري ما كنهه قال : ثم قام اليماني (٢).

ايضاح : « لاخير في اللقب » أي في الالقاب الردية ، وذكره عليه السلام كان لبيان الاعجاز ، أو المنهي عنه التنابز بها أولا ، فأما بعد الاشتهار فلا بأس للتعريف وغيره. « هاجت الابل » أي للسفاد ، قال الجوهري : الهائج الفحل الذي يشتهي الضراب (٣) « انتهى » وزجر الطير : الحكم بصياحها وطيرانها على الحوادث تفؤلا وتشؤما ، قال الجزري : الزجر للطير هو التيمن والتشؤم [ بها والتفؤل ] بطيرانها كالسانح والبارح وهو نوع من الكهانة والعيافة (٤) « انتهى » والمراد بقفو الاثر إما ما كان شائعا عند العرب من الاستدلال برؤية أثر القدم على تعيين الذاهب وأنه إلى أين ذهب كما فعلوا ليلة الغار ، أو الاستدلال بالعلامات والآثار والاوضاع الفلكية على الحواث ، وقوله « في ساعة واحدة مسيرة شهر » أي يحكم في ساعة واحدة بتلك الامور على حدوث الحوادث في مسافة وناحية تكون مسيرة

____________________

(١) في المصدر : فقال.

(٢) الاحتجاج : ١٩٣.

(٣) الصحاح : ج ١ ، ص ٣٥٢.

(٤) النهاية : ج ٢ ، ص ١٢٢.

٢٢٠