إمكان رؤيته تعالى (وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ) الذي هو أقوى منك (فَإِنِ اسْتَقَرَّ) ثبت (مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي) أي تثبت لرؤيتي وإلا فلا طاقة لك (فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ) أي ظهر من نوره قدر نصف أنمله الخنصر كما في حديث صححه الحاكم (لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا) بالقصر والمد أي مدكوكا مستويا بالأرض (وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً) مغشيا عليه لهول ما رأى (فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ) تنزيها لك (تُبْتُ إِلَيْكَ) من سؤال ما لم أومر به (وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) (١٤٣) في زماني (قالَ) تعالى (يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ) اخترتك (عَلَى النَّاسِ) أهل زمانك (بِرِسالاتِي) بالجمع والإفراد (وَبِكَلامِي) أي تكليمي إياك (فَخُذْ ما آتَيْتُكَ) من الفضل (وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ) (١٤٤) لأنعمي (وَكَتَبْنا
____________________________________
قوله : (وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ) هذا من تنزلات الحق لموسى ، وتسلية له على ما فاته من الرؤية ، وهذا الجبل كان أعظم الجبال واسمه زبير. قوله : (الذي هو أقوى منك) أي فحجبه عن الرؤية رحمة به ، لعدم طاقة الجبل على ذلك فضلا عن موسى. قوله : (أي ظهر من نوره) أي نور جلال عرشه ، وفي رواية أمر الله الملائكة السماوات السبع بحمل عرشه ، فلما بدا نور عرشه ، انصدع الجبل من عظمة الرب سبحانه وتعالى. قوله : (نصف أنملة الخنصر) وفي رواية منخر الثور ، وفي رواية قدر سم الخياط ، وفي رواية قدر الدرهم. قوله : (بالقصر والمد) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله : (مستويا بالأرض) أي بعد أن كان عليا مرتفعا ، وقيل تفرق ستة أجبل ، فوقع ثلاثة بالمدينة وهي أحد وورقان ورضوى ، وثلاثة بمكة : ثبير وثور وحراء.
قوله : (وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً) أي سقط مغشيا عليه ذاهبا عن حواسه ، ولذا لا يصعق عند النفحة. قوله : (فَلَمَّا أَفاقَ) أي برد حواسه. قوله : (من سؤال ما لم أومر به) أي وليس المراد طلب الرؤية معصية ، وإنما هو من باب حسنات الأبرار سيئات المقربين. قوله : (في زماني) دفع بذلك ما يقال : إن قبله من المؤمنين كثيرا من الأنبياء والأمم ، وفي القصة أن موسى عليهالسلام ، كان بعد ما رجع من المكالمة ، لا يستطيع أحد أن ينظر إليه لما غشي وجهه من النور ، ولم يزل على وجهه برقع حتى مات ، وقالت له زوجته أنا لم أرك منذ كلمك ربك ، فكشف لها عن وجهه ، فأخذها مثل شعاع الشمس ، فوضعت يدها على وجهها وخرجت ساجدة ، وقالت : ادع الله أن يجعلني زوجتك في الجنة ، قال ذلك لك إن لم تتزوجي بعدي ، فإن المرأة لآخر أزواجها ، وورد أيضا أنه مكث زمنا طويلا كلما سمع كلام الناس تقايأ.
قوله : (قالَ يا مُوسى) هذا تسلية على ما قاله من الرؤية. قوله : (أهل زمانك) دفع بذلك ما يقال : إن من جملة الناس سيدنا محمد صلىاللهعليهوسلم وإبراهيم الخليل ، فيقتضي أنه مختار عليهما ، فأجاب : بأن المراد بالناس أهل زمانه أنبياء أو غيرهم ، ولذلك كانت أنبياء بني إسرائيل يتعبدون بالتوراة. قوله : (بالجمع) أي باعتبار تعدد الأحكام الموحى بها. قوله : (والأفراد) أي مرادا بها المعنى المصدري أي إرسالي ، وهما قراءتان سبعيتان. قوله : (وَبِكَلامِي) اسم مصدر بمعنى التكليم ، أي تكليمي إياك مباشرة بلا واسطة ، ويصح أن يراد بالكلام التوراة ، كما يقال للقرآن كلام الله ، يقال للتوراة أيضا كلام الله ، لأنها أفضل كتاب أنزل من السماء بعد القرآن. قوله : (لأنعمي) جمع نعمة ويجمع أيضا على نعم.