ضمير به (وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ) بالمعاصي والتعويق عن الإيمان (أُولئِكَ) الموصوفون بما ذكر (هُمُ الْخاسِرُونَ) (٢٧) لمصيرهم إلى النار المؤبدة عليهم (كَيْفَ تَكْفُرُونَ) يا أهل مكة (بِاللهِ وَ) قد (كُنْتُمْ أَمْواتاً) نطفا في الأصلاب (فَأَحْياكُمْ) في الأرحام والدنيا بنفخ الروح فيكم ، والإستفهام للتعجب من كفرهم مع قيام البرهان أو للتوبيخ (ثُمَّ يُمِيتُكُمْ) عند انتهاء آجالكم (ثُمَّ يُحْيِيكُمْ) بالبعث (ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (٢٨) تردون بعد البعث فيجازيكم بأعمالكم. وقال دليلا على البعث لما أنكروه (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ) أي الأرض وما فيها (جَمِيعاً) لتنتفعوا به وتعتبروا (ثُمَّ اسْتَوى) بعد خلق الأرض أي قصد (إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَ) الضمير يرجع إلى السماء لأنها
____________________________________
ويحتمل خاص على عام فإن التعويق من أكبر المعاصي. قوله : (أُولئِكَ) مبتدأ أول وهم مبتدأ ثان والخاسرون خبر الثاني والثاني وخبره خبر الأول ، ويحتمل أن هم ضمير فصل لا محل له من الإعراب والخاسرون خبر أولئك ، قوله : (لمصيرهم) علة لكونهم خاسرين. قوله : (يا أهل مكة) الأحسن العموم سواء كان للمخاطب جنا أو إنسا من أهل مكة أو غيرها. قوله : (وَ) (قد) (كُنْتُمْ) قدر المفسر لفظ قد إشارة إلى أن الجملة حالية مع كونها ماضوية والجملة الماضوية إذا وقعت حالا وجب اقترانها بقد إما لفظا أو تقديرا. قوله : (في الأصلاب) إنما قدره لأجل اقتصاره على النطق وإلا ففي حالة كونهم في الرحم علقة ومضغة أموات أيضا. قوله : (فَأَحْياكُمْ) مرتب على محذوف تقديره وكنتم علقة فمضغة فأحياكم وإنما قلنا ذلك لأن الإحياء لا يكون عقب كونهم نطفا بسرعة بل بعد مضي زمن كونهم علقة وكونهم مضغة ولو قال المفسر وقد كنتم أمواتا نطفا أو علقا أو مضغا فأحياكم لحسن الترتيب. قوله : (بنفخ الروح) الباء سببية. قوله : (والإستفهام للتعجب) التعجب استعظام أمر خفي سببه ، وهو بالنسبة للخلق لا للخالق فهو مستحيل ، والأحسن أن يكون الإستفهام للتعجب والتوبيخ معا ، وهو الرعد والزجر.
قوله : (ثُمَّ يُمِيتُكُمْ) الترتيب في هذا وما بعده ظاهر ، فإن بين نفخ الروح والموت زمنا طويلا وبين الموت والإحياء بالبعث زمن طويل ، وبين الإحياء والمجازاة على الأعمال كذلك. قوله : (لما أنكروه) أي استغرابا واستبعادا ، قال تعالى : (أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ). قوله : (أي الأرض وما فيها) أي فمراده العالم السفلي بجميع أجزائه ، وأل في الأرض للجنس ، فيشمل الأرضين السبع. قوله : (وتعتبروا) أي إذا تأملتم الأرض وتغير الأحوال فيها وما حوته ، علمتم أن ذلك صنع حكيم قادر فينشأ عن ذلك الإعتبار كمال التوحيد ، وقوله : (لتنتفوا به) ، أي ظاهرا وباطنا ، وهو جميع المخلوقات ما عدا المؤذيات ، وأما المؤذيات كالحيات والعقارب والسباع وغير ذلك فنفعها من حيث العبرة بها ، فما من شيء مخلوق إلا وفي خلقه حكمة تبهر العقول ، سبحانك ما خلقت هذا عبثا ، ولما سئل الإمام الشافعي رضي الله عنه عن حكمة خلق الذباب أجاب بقوله : مذلة للملوك.
قوله : (ثُمَّ اسْتَوى) الإستواء في الأصل الإعتدال والإستقامة ، وهذا المعنى مستحيل على الله تعالى ، فالمراد منه هنا في حق الله القصد والإرادة ، فقوله قصد أي تعلقت إرادته التعلق التنجيزي الحادث بخلق السموات ، وثم للترتيب مع الإنفصال ، لأنه خلق الأرض في يومين ، وخلق الجبال والأقوات وما في الأرض في يومين ، فتكون الجملة أربعة أيام ، فالترتيب الرتبي ظاهر ويشهد لذلك قوله تعالى : (قُلْ أَإِنَّكُمْ