بعمله (ثَوابَ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللهِ ثَوابُ الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) لمن أراده لا عند غيره فلم يطلب أحدهما الأخس وهلا طلب الأعلى بإخلاصه له حيث كان مطلبه لا يوجد إلا عنده (وَكانَ اللهُ سَمِيعاً بَصِيراً) (١٣٤) (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ) قائمين (بِالْقِسْطِ) بالعدل (شُهَداءَ) بالحق (لِلَّهِ وَلَوْ) كانت الشهادة (عَلى أَنْفُسِكُمْ) فاشهدوا عليها بأن تقروا بالحق ولا تكتموه (أَوِ) على (الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ) المشهود عليه (غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللهُ أَوْلى بِهِما) منكم وأعلم بمصالحهما (فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى) في شهادتكم بأن تحابوا الغني لرضاه أو الفقير رحمة له (إِنْ) لا
____________________________________
قوله : (مَنْ كانَ يُرِيدُ ثَوابَ الدُّنْيا) جواب الشرط محذوف تقديره فقد ساء عمله وخاب نظره ، وقوله : (فَعِنْدَ اللهِ ثَوابُ الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) مرتب على محذوف التقدير ، فلا يقصر نظره وطلبه على إحداهما فعند الله الخ ، قوله : (لمن أراده) متعلق بقوله : (فَعِنْدَ اللهِ ثَوابُ الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) وهذا معنى قوله تعالى : (فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ) الآية. قوله : (وهلا طلب الأعلى بإخلاصه) أي فالواجب على المكلف أن لا يطلب بعمله الصالح إلا الآخرة ، لأن الدنيا مضمونة لكل حيوان.
قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) قيل سبب نزولها أن غنيا وفقيرا اختصما إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم وكان النبي صلىاللهعليهوسلم يرى أن الفقير لا يظلم الغني ، فنزلت الآية ، فالخطاب للنبي وأمته. قوله : (قائمين) هذا بيان لأصل المادة ، وإلا فالمراد مد يمين القيام ، لأن صيغة المبالغة لا تتحقق إلا بالدوام على القيام بالقسط ، يقال قسط يقسط ، جار وعدل ، والمراد هنا العدل بقرينة المقام ، وأما أقسط فمعناه عدل لا غير ، واسم الفاعل من الأول قاسط ، ومن الثاني مقسط. وقوله : (شُهَداءَ) خبر ثان لكونوا ، والواو اسمها ، وقوامين خبر أول. قوله : (بالحق) أي لا بالباطل فلا تجوز الشهادة به ، وقوله الله أي لمحض وجهه لا لغرض آخر. قوله : (وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ) الجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر لكان المحذوفة ، لأن حذف كان مع اسمها بعد لو كثير ، قال ابن مالك :
ويحذفونها ويبقون الخبر |
|
وبعد أن ولو كثيرا ذا اشتهر |
أي هذا إذا كانت الشهادة على الغير ، بل ولو على النفس. قوله : (بأن تقروا بالحق) أي فالمراد بالشهادة الإقرار ، ويحتمل أن تكون الشهادة على حقيقتها ، وهي الإخبار عن الغير بأمر ، كأن يكون شاهدا على ابنه مثلا بحق ، فالواجب اداؤها ولو حصل منها ضرر للنفس. قوله : (أَوِ الْوالِدَيْنِ) في حيز المبالغة ، ولا عبرة بغضبهما حينئذ إذا كان الولد شاهدا عليهما بحق. قوله : (إِنْ يَكُنْ) (المشهود عليه) أي من الوالدين والأقربين والأجانب. قوله : (فَاللهُ أَوْلى بِهِما) استشكل تثنية الضمير مع كون العطف بأو ، أجيب بأن الضمير ليس عائدا على الغني والفقير المتقدمين ، بل هو عائد على جنسهما المدلول عليه بالمذكورين ، ويدل على ذلك قراءة أبي فالله أولى بهم ، وأجيب أيضا بأن أو للتقسيم للمشهود له والمشهود عليه ، لأنهما إما أن يكونا غنيين أو فقيرين ، والمشهود له غنيا ، والمشهود عليه فقيرا ، أو بالعكس ، فالضمير في الحقيقة عائد على المشهود له والمشهود عليه ، وقد يجاب أيضا بأن أو بمعنى الواو. قوله : (لرضاه) أي الغني فربما واساكم. وقوله : (بأن تحابوا) تصوير للمنفي.