وَالْمِيزانَ وَلا تَبْخَسُوا) تنقصوا (النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ) بالكفر والمعاصي (بَعْدَ إِصْلاحِها) ببعث الرسل (ذلِكُمْ) المذكور (خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (٨٥) مريدي الإيمان فبادروا إليه (وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ) طريق (تُوعِدُونَ) تحرفون الناس بأخذ ثيابهم أو المكس منهم (وَتَصُدُّونَ) تصرفون (عَنْ سَبِيلِ اللهِ) دينه (مَنْ آمَنَ بِهِ) بتوعدكم إياه بالقتل (وَتَبْغُونَها) تطلبون الطريق (عِوَجاً) معوجة (وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) (٨٦) قبلكم بتكذيبهم رسلهم أي آخر أمرهم من الهلاك (وَإِنْ كانَ طائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا) به (فَاصْبِرُوا) انتظروا (حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ بَيْنَنا) وبينكم بإنجاء المحق وإهلاك المبطل (وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ) (٨٧) أعدلهم (قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ)
____________________________________
قوله : (فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ) أي وكانت عادتهم نقص الكيل والميزان. قوله : (وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ) هذا لازم لقوله : (فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ) لأن الشخص إذا لم يوف الكيل والميزان لغيره فقد نقصه من الثمن ، وكذلك إذا استوفى الكيل والميزان لنفسه ، فقد نقص الغير من الثمن. قوله : (بَعْدَ إِصْلاحِها) ورد أنه قبل بعث شعيب لهم ، كانوا يفعلون المعاصي ، ويستحلون المحارم ، ويسفكون الدماء ، فلما بعث شعيب أصلح الله به الأرض ، وهكذا كل نبي بعث إلى قومه. قوله : (مريدي الإيمان) جواب عما يقال إنهم لم يكونوا مؤمنين إذ ذاك. قوله : (فبادروا اليه) جواب الشرط ، وما قبله دليل الجواب. قوله : (بِكُلِّ صِراطٍ) أي محسوس بدليل ما بعده. قوله : (تخوفون الناس) قدره إشارة إلى أن مفعول : (تُوعِدُونَ) محذوف. قوله : (بأخذ ثيابهم) ورد أنهم كانوا يجلسون على الطريق ، ويقولون لمن يريد شعيبا : إنه كذاب ارجع لا يفتنك عن دينك ، فإن آمنت به قتلناك.
قوله : (مَنْ آمَنَ) هذا مفعول : (تَصُدُّونَ). قوله : (تطلبون الطريق) أي المعبر عنه بالسبيل ، وهو الطريق المعنوي الذي هو الذين ، والمعنى تعدلوا عن الصراط المستقيم إلى الاعوجاج.
قوله : (وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ إِذْ) ظرف معمول لقوله : (وَاذْكُرُوا) أي اذكروا وقت كونكم قليلا إلخ ، والمراد اذكروا تلك النعمة العظيمة. قوله : (قَلِيلاً) أي في العدة والعدد والضعف ، وقوله : (فَكَثَّرَكُمْ) أي فزاد عددكم وقوتكم ، فكانوا أغنياء أقوياء ذوي عدد كثير بوجود شعيب بينهم ، ولذا لما فر موسى هاربا من فرعون ، نزل عند شعيب فطمأنه وأمن روعه ، قال تعالى حكاية عن شعيب : (قالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ). قوله : (عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) أي وأقربهم إليكم قوم لوط ، فانظروا ما نزل بهم. قوله : (وَطائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا) في الكلام الحذف من الثاني لدلالة الأول عليه ، والتقدير وطائفة منكم لم يؤمنوا بالذي أرسلت به.
قوله : (فَاصْبِرُوا) يجوز أن يكون الضمير للمؤمنين من قومه ، وأن يكون للكافرين منهم ، وأن يكون للفريقين وهذا هو الظاهر ، فأمر المؤمنين بالصبر ليحصل لهم الظفر والغلبة ، والكافرين بالصبر لسوء عاقبة أمرهم ، وهو نظير قوله تعالى : (فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ). قوله : (وبينكم) لا حاجة له ، لأن الضمير عائد على شعيب وعليهم ، والمعنى حتى يقضي الله بين الفريقين المؤمنين والكفار. قوله : (وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ) التعبير باسم التفضيل ، باعتبار أنه الحاكم حقيقة ، وغيره حاكم مجازا ، ومن كان له