يتجاوزهما (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ) من ذكورة وأنوثة وبياض وسواد وغير ذلك (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ) في ملكه (الْحَكِيمُ) (٦) في صنعه (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ) واضحات الدلالة (هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ) أصله المعتمد عليه في الأحكام (وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ) لا تفهم معانيها كأوائل السور وجعله كله محكما في قوله أحكمت آياته بمعنى أنه ليس فيه عيب ومتشابها في قوله كتابا متشابها بمعنى أنه يشبه بعضه بعضا في الحسن والصدق (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ) ميل عن الحق (فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ) طلب (الْفِتْنَةِ) لجهالهم
____________________________________
عن سؤال مقدر. قوله : (لا يتجاوزهما) أي لا يتعداهما. قوله : (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ) هذه حجة أخرى للرد على تلك الفرقة كأنه يقول لا إله إلا من يصوركم في الأرحام كيف يشاء ، وأما عيسى فإنه وإن كان يحيي الموتى فبإذن الله ، ولا يقدر أن يصوركم في الأرحام كيف يشاء بل هو مصور في الرحم ، فالمصور لا يصور غيره بل ولا نفسه. قوله : (الْعَزِيزُ) أي الغالب على أمره عديم المثال. قوله : (الْحَكِيمُ) أي ذو الحكمة وهي وضع الشيء في محله.
قوله : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ) قيل سبب نزولها أن وفد نجران قالوا للنبي صلىاللهعليهوسلم ألست تقول إن عيسى روح الله وكلمته؟ فقال نعم ، فقالوا حسبنا أي يكفينا ذلك في كونه ابن الله ، فنزلت الآية ، والمعنى أن الله أنزل القرآن منه محكم ومنه متشابه ، وقوله روح الله وكلمته من المتشابة الذي لا يعرفون معناه ولا يفهمون تأويله ، بل معنى ذلك أنه روح من الله أي نوره وكلمته ، بمعنى أنه قال له كن فكان ، فهو عبد من جملة العباد ميزه الله بالنبوة والرسالة. قوله : (أصله) إنما فسر الأم بذلك لصحة الأخبار بالمفرد عن الجمع ، لأن الأصل يصدق بالمتعدد. وأجيب أيضا بأنه عبر بالمفرد إشارة إلى أن المجموع بمنزلة آية واحدة على حد (وجعلنا ابن مريم وأمه آية) وما سلكه المفسر أظهر. قوله : (المعتمد عليه في الأحكام) أي الذي يعول عليه في أحكام الدين والدنيا هو المحكم ، وأما المتشابة فلم يكلف بمعرفة معناه بل نؤمن به ونفوض علمه لله.
قوله : (وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ). إن قلت هلا نزل كله محكما لأنه نزل لارشاد العباد ومداره على المحكم لا على المتشابه؟ أجيب بأنه نزل على أسلوب العرب ، فإن أسلوبهم التعبير بالمجاز والكناية والتلميح وغير ذلك من المستحسنات ، فلو نزل كله محكما لقالت العرب إن القرآن على لغتنا فهلا ذكر فيه مستحسنات لغاتنا. قوله : (لا يفهم معانيها) أي إلا بفكر وتأمل كما هو مذهب الخلف. قوله : (كأوائل السور) أي بعضها وأدخلت الكاف باقي الآيات المتشابهة. قوله : (وجعله كله محكما الخ) جواب عن سؤال مقدر كأن قائلا قال هذه الآية بينت أن القرآن بعضه محكم وبعضه متشابه ، وآية أخرى بينت أن كله محكم وآية أخرى أفادت أن كله متشابه ، فبين هذه الآيات تناف أجاب المفسر بما ذكره. قوله : (بمعنى أنه ليس فيه عيب) أي لا في ألفاظه ولا في معانيه. قوله : (في الحسن والصدق) قال ابن عباس : تفسير القرآن أربعة أقسام : قسم لا يسع أحدا جهله كقوله : (قل هو الله أحد) ، وقسم يتوقف على معرفة لغات العرب كقوله : (هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي) ، وقسم تعرفه العلماء الراسخون في العلم ، وقسم لا يعلمه إلا الله ، ودخل تحت القسمين الأخيرين المتشابه ، وحكمة الإتيان بالمتشابه الزيادة في الاعجاز عن الإتيان بمثله ، فإن المحكم وإن فهموا معناه إلا أنهم عجزوا عن الإتيان بلفظ مثل ألفاظه ،