كاللات من الله والعزى من العزيز ومناة من المنان (سَيُجْزَوْنَ) في الآخرة جزاء (ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (١٨٠) وهذا قبل الأمر بالقتال (وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ) (١٨١) هم أمة محمد صلىاللهعليهوسلم كما في الحديث (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) القرآن من أهل مكة (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ) نأخذهم قليلا قليلا (مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ) (١٨٢) (وَأُمْلِي لَهُمْ) أمهلهم (إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) (١٨٣) شديد لا يطاق (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا) فيعلموا (ما بِصاحِبِهِمْ) محمد صلىاللهعليهوسلم (مِنْ جِنَّةٍ) جنون (إِنْ) ما (هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ) (١٨٤) بين الإنذار (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ) ملك (السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَ) في (ما
____________________________________
يجوز أن يقال يا سخي ، ويقال يا عالم دون عاقل ، وحكيم دون طبيب ، وهكذا. قوله : (جزاء) (ما كانُوا يَعْمَلُونَ) أشار بذلك إلى أن الكلام على حذف مضاف ، وقدر ليصح الكلام ، إذ لا معنى لكونهم يجزون الذي كانوا يعملونه من الإلحاد ، بل المراد جزاؤه. قوله : (وهذا قبل الأمر بالقتال) اسم الإشارة راجع لقوله : (وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ) فهذه الآية منسوخة بآية القتال.
قوله : (وَمِمَّنْ خَلَقْنا) الجار والمجرور خبر مقدم ، و (أُمَّةٌ) مبتدأ مؤخر. قوله : (بِالْحَقِ) الباء للملابسة أي يهدون الناس ويرشدونهم ملتبسين بالحق. قوله : (وَبِهِ يَعْدِلُونَ) أي بالحق يجعلون الأمور متعادلة مستوية ، لا إفراط فيها ولا تفريط. قوله : (كما في الحديث) أي وهو قوله صلىاللهعليهوسلم : «لا تزال طائفة من أمتي على الحق إلى أن يأتي أمر الله» وعن معاوية وهو يخطب : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك» ، وهذه الطائفة لا تختص بزمان دون زمان ، ولا مكان دون مكان ، بل هم في كل مكان وفي كل زمان ، فالإسلام دائما يعلون ولا يعلى عليه ، وإن كثر الفساق وأهل الشر ، فلا عبرة بهم ، ولا صولة لهم ، وفي هذا بشارة لهذه الأمة المحمدية ، بأن الإسلام في علو وشرف ، وأهله كذلك إلى قرب يوم القيامة ، حتى تموت حملة القرآن والعلماء ، وينزع القرآن من المصاحف ، وتأتي الريح اللينة فيموت كل من كان فيه مثقال ذرة من الإيمان ، ولا يكون هذا الأمر ، إلا بعد وفاة عيسى عليهالسلام.
قوله : (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) مبتدأ خبره الجملة الاستقبالية بعده. قوله : (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ) الاستدراج هو الاستصعاد درجة فدرجة ، أو الاستنزال درجة بعد درجة. قوله : (نأخذهم قليلا قليلا) أي نمدهم بالعطايا شيئا فشيئا ، وهم مقيمون على المعاصي ، حتى ينتهي بهم الأمر إلى الهلاك ، فهم يظنون أنهم في نعم ، وهم في نقم ، ولذا قيل : إذا رأيت الله أنعم على عبده وهو مقيم على معصيته ، فاعلم أنه مستدرج له. قوله : (إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) الكيد في الأصل المكر والخديعة ، وذلك مستحيل على الله ، بل المراد الاستدراج وكان شديدا ، لأن ظاهره إحسان وباطنه خذلان.
قوله : (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا) الهمزة داخلة على محذوف ، والواو عاطفة على ذلك المحذوف ، والتقدير أعموا ولم يتفكروا. قوله : (ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ) سبب نزولها ما روي أنه صلىاللهعليهوسلم صعد على الصفا فدعاهم فخذا فخذا ، يا بني فلان ، يحذرهم بأس الله ، فقال بعضهم : إن صاحبكم لمجنون بات يهوت إلى الصباح ، ومعنى يهوت يصوت ، وإنما نسبوه إلى الجنون لمخالفته لهم في الأقوال والأفعال ، فإنه كان موحدا مقبلا على الله بكليته ، معرضا عن الدنيا وشهواتها ، وهم ليسوا كذلك. قوله : (ملك) (السَّماواتِ