(وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ) (١٧) ما حولهم متحيرين عن الطريق خائفين فكذلك هؤلاء أمنوا بإظهار كلمة الإيمان فإذا ماتوا جاءهم الخوف والعذاب هم (صُمٌ) عن الحق فلا يسمعونه سماع قبول (بُكْمٌ) خرس عن الخير فلا يقولونه (عُمْيٌ) عن طريق الهدى فلا يرونه (فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ) (١٨) عن الضلالة (أَوْ) مثلهم (كَصَيِّبٍ) أي كأصحاب مطر وأصله صيوب من صاب يصوب أي ينزل (مِنَ السَّماءِ) السحاب (فِيهِ) أي السحاب (ظُلُماتٌ) متكاثفة (وَرَعْدٌ) هو الملك الموكل به وقيل صوته (وَبَرْقٌ) لمعان سوطه الذي يزجره به (يَجْعَلُونَ) أي أصحاب الصيب (أَصابِعَهُمْ) أي أناملهم (فِي آذانِهِمْ مِنَ) أجل (الصَّواعِقِ) شدة صوت الرعد لئلا يسمعوها (حَذَرَ) خوف (الْمَوْتِ) من سماعها ، كذلك هؤلاء إذا نزل القرآن وفيه ذكر الكفر المشبه بالظلمات والوعيد عليه المشبه بالرعد والحجج البينة المشبهة بالبرق يسدون آذانهم لئلا
____________________________________
جعلها تفيد المصاحبة ، ورد بهذه الآية لإستحالة المصاحبة فيها.
قوله : (وَتَرَكَهُمْ) عطف على ذهب. قوله : (فِي ظُلُماتٍ) أي ثلاث : ظلمة الليل والسحاب والريح مع المطر. قوله : (ما حولهم) هذا هو مفعول يبصرون. وقوله : (متحيرين) حال من الضمير في تركهم. قوله : (فكذلك) أشار بذلك إلى حال المشبه وهم المنافقون. وقوله : (أمنوا) بالقصر ضد الخوف ، أي حيث أسلموا بألسنتهم ، ولم تؤمن قلوبهم ، فقد أمنوا من القتل والسبي وانتفعوا بأخذ الغنائم والزكاة ، فإذا ماتوا فقد ذهب الله بنورهم فلم يأمنوا من النار ولم ينتفعوا بالجنة ، وتركهم في ظلمات ثلاث : ظلمة الكفر ، والنفاق والقبر ، والجامع بينهما أن الإنتفاع ودفع المضار في كل شيء قليل ثم يذهب.
قوله : (صُمٌ) خبر لمحذوف قدره المفسر بقوله هم. قوله : (فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ) أي لفقد هذه الإدراكات الثلاثة من قلوبهم. قوله : (أَوْ) (مثلهم) يصح أن تكون أو للتنويع أو للإبهام أو الشك أو الإباحة أو التخيير أو الإضراب أو بمعنى الواو وأحسنها الأول. قوله : (أي كأصحاب مطر) أشار بذلك إلى أن الكلام على حذف مضاف ، والمثل هنا بمعنى الصفة كما تقدم. قوله : (وأصله صيوب) أي اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون قلبت الواو ياء وأدغمت في الياء. قوله : (السحاب) أشار بذلك إلى أن المراد بالسماء السماء اللغوية وهي كل ما ارتفع ، وأصل سماء سماو وقعت الواو متطرفة فقلبت همزة. قوله : (أي السحاب) المناسب عود الضمير على الصيب. قوله : (ظُلُماتٌ) أي ظلمة الريح والسحاب والليل. قوله : (هو الملك) أي وعليه قوله تعالى : (وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ). قوله : (وقيل صوته) أي فقوله تعالى يسبح الرعد أي ذو الرعد. قوله : (لمعان صوته) أي الآلة التي يسوق بها وهي من نار. قوله : (أي أصحاب الصيب) أي فهو بيان للواو في يجعلون. قوله : (أي أناملها أشار بذلك إلى أن في الأصابع مجازا من باب تسمية الجزء باسم الكل مبالغة في شدة الحرص في إدخال رأس الأصبع فكأنه مدخل لها كلها. قوله : (شدة صوت الرعد) الإضافة بيانية إن كان المراد بالرعد صوت الملك ، وحقيقته إن كان المراد به ذاته. قوله : (كذلك هؤلاء) أي المنافقون. قوله : (علما وقدرة) تمييزان محولان عن الفاعل ، والإحاطة الإحتواء على الشيء كاحتواء الظرف على المظروف ، وهي محالة في حقه تعالى ، فأشار المفسر إلى دفع ذلك بقوله : علما وقدرة أي فالمراد الإحاطة المعنوية ، وهي كونهم مقهورين ، فلا يتأتى منهم فوات ولا