(فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ) الشيطان أو الأصنام وهو يطلق على المفرد والجمع (وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ) تمسك (بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى) بالعقد المحكم (لَا انْفِصامَ) انقطاع (لَها وَاللهُ سَمِيعٌ) لما يقال (عَلِيمٌ) (٢٥٦) بما يفعل (اللهُ وَلِيُ) ناصر (الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ) الكفر (إِلَى النُّورِ) الإيمان (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ) ذكر الإخراج إما في مقابلة قوله يخرجهم في الظلمات أو في كل من آمن بالنبي قبل بعثته
____________________________________
أبو الحصين كان له ابنان تنصرا قبل بعثة النبي صلىاللهعليهوسلم ثم قدما المدينة بتجارة زيت فلقيهما أبوهما ، وأحب أن يكرههما على الإسلام ، فارتفع معهما إلى النبي صلىاللهعليهوسلم فقال أبوهما يا رسول الله أيدخل بعضي النار وأنا أنظر إليه فنزلت وهذه الآية يحتمل أنها منسوخة بآيات القتال أو محكمة ، وتحمل على من ضرب عليهم الجزية ويؤيده سبب نزولها. قوله : (بِالطَّاغُوتِ) مبالغة في الطغيان كالجبروت والملكوت ، والمراد به ما يعبد من دون الله ، ومعنى الكفر به جحده والإعراض عنه. قوله : (وهو يطلق على المفرد والجمع) أي ويعود الضمير عليه مؤنثا ومذكرا وهو قيل مصدر وقيل اسم جنس.
قوله : (وَيُؤْمِنْ بِاللهِ) تقديم الكفر بالطاغوت على الإيمان بالله من باب تقديم التخلية على التحلية ، لأنه لا يصح إيمان بالله مع إشراك غيره معه. قوله : (فَقَدِ اسْتَمْسَكَ) هذه الجملة جواب الشرط الذي هو من وقرن بالفاء لدخول قد عليها. قوله : (تمسك) أشار بذلك إلى السين والتاء زائدتان لتقوية الاستمساك. قوله : (بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى) فيه استعارة تصريحية أصلية ، حيث شبه دين الإسلام بالعروة الوثقى ، وهي موضع المسك من الحبل بجامع أن كلا لا يخشى منه الخلل ، واستعير اسم المشبه به وهو العروة الوثقى للمشبه وهو دين الإسلام ، والاستمساك وعدم الانفصام ترشيحان لأنه من ملائمات المشبه به ، أو فيه استعارة تمثيلية بأن يقال شبه حال من تمسك بدين الإسلام وأحكامه بحال من تمسك بالعروة الوثقى ، بجامع أن كلا لا يخشى الانفكاك ولا الخلل ، واستعير اسم المشبه به للمشبه والاستمساك وعدم الانفصام ترشيحان أيضا. قوله : (لَا انْفِصامَ لَها) الانفصام الانقطاع بغير بينونة ، والانقصام بالقاف الانقطاع مع بينونة ، فالتعبير بالانفصام أبلغ. قوله : (لما يقال) أي سرا أو جهرا. قوله : (بما يفعل) أي خيرا أو شرا سرا أو جهرا.
قوله : (اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا) هذا كالدليل لما قبله وولي فعيل بمعنى فاعل أي متولي أمر عباده ، وأما الولي من العبيد فبمعنى فاعل أي موالي طاعة ربه ، أو بمعنى مفعول أي تولاه الله فلم يكله لغيره. قوله : (الكفر) شبه بالظلمات الحسية للحيرة وعدم الاهتداء في كل ، ولأنه يكون كذلك يوم القيامة ، قال تعالى : (ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها) ، وقوله : (الإيمان) شبه بالنور لأنه يهتدى بكل ولأنه يكون كذلك يوم القيامة ، قال تعالى : (نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ) ، فالكفر ظلمة معنوية في الدنيا وحسية في الآخرة ، والإيمان نور معنوي في الدنيا وحسي في الآخرة ، قوله : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ) إنما لم يقل والطاغوت أولياء الذين كفروا لأجل المقابلة لئلا يكون الطاغوت مقابلا لاسم الله وهو قبيح ، فبدأ بكفرهم تقبيحا وتبكيتا لهم. قوله : (ذكر الاخراج الخ) جواب عن سؤال مقدر حاصله أن الكفار لم يكونوا في نور فأخرجوا منه إلى الظلمات كيف ذلك أجاب المفسر