المعاصي (يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ) أي من مجموعكم أي بعضكم الصادق بالإنس أو رسل الجن نذرهم ، الذين يستمعون كلام الرسل فيبلغون قومهم
(يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا قالُوا شَهِدْنا عَلى أَنْفُسِنا) أن قد بلغنا قال تعالى : (وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا) فلم يؤمنوا (وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ) (١٣٠) (ذلِكَ) أي إرسال الرسل (أَنْ) اللام مقدره وهي مخففة أي لأنه (لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى
____________________________________
وما من يد إلا يد الله فوقها |
|
وما ظالم إلا سيبلى بظالم |
قوله : (يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) هذا زيادة في التوبيخ عليهم ، لأن الله سبحانه وتعالى أولا وبخ الفريقين بتوجيه الخطاب للجن ، وثانيا خاطبهم جميعا ووبخهم. قوله : (أي من مجموعكم) دفع بذلك ما يقال إن ظاهر الآية يقتضي أن من الجن رسلا ، مع أن الرسالة مختصة بالإنس ، فليس من الجن بل ولا من الملائكة رسل ، فأجاب : بأن المراد من مجموعكم الصادق بالإنس ، ونظير ذلك قوله تعالى : (يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ) أي من أحدهما وهو الملح ، وقوله تعالى : (وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً) أي في إحداهن وهي سماء الدنيا. قوله : (أو رسل الجن نذرهم) أشار بذلك إلى جواب آخر ، وهو تسليم أن هناك رسلا من الجن ، لكنهم رسل الرسل الذين يسمعون من النبي المواعظ والأحكام ، ويبلغون قومهم ذلك ، قال تعالى : (وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ) الآية ، وقال تعالى : (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ) الآيات ، فيكون المعنى على ذلك : ألم يأتكم رسل منكم ، أي من الإنس يبلغونكم عن الله ، ومن الجن يبلغونكم عن الرسل؟ والمراد جنس الرسل الصادق بالواحد ، وهو سيدنا محمد صلىاللهعليهوسلم لأنه لم يرسل لهم غيره ، وأما حكم سليمان فيهم ، فحكم سلطنة وملك لا حكم رسالة ، وأما قوله تعالى حكاية عن الجن : (يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى) فلا يلزم من علمهم بموسى وسماعهم لكتابه ، أن يكونوا مكلفين به.
قوله : (يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي) القص معناه الحديث ، أي يحدثونكم بآياتي على وجه البيان. قوله : (وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا) أي يخوفونكم يوم القيامة ، والمعنى يحذرونكم من مخالفة الله توجب الخوف يوم القيامة. قوله : (أن قد بلغنا) يصح بناؤه للفاعل والمفعول. قوله : (وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا) عطف سبب على مسبب ، أو علة على معلول.
قوله : (وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ) كرر شهادتهم على أنفسهم لاختلاف المشهود به ، فأولا شهدوا بتبليغ الرسل لهم ، وثانيا شهدوا بكفرهم زيادة في التقبيح عليهم ، والمقصود من ذكر ذلك الاتعاظ به ، والتحذير من فعل مثل ذلك. إن قلت : إن شهادتهم بكفرهم تدل على أنهم أقروا به ، وهو مناف لقوله تعالى : (وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) أجيب : بأن مواقف القيامة مختلفة فأولا حين يرون المؤمنين توزن أعمالهم ، ويمشون على الصراط لدخول الجنة ، ينكرون الاشراك ، طمعا في دخولهم في زمرة المؤمنين ، فحينئذ يختم على أفواههم ، وتنطق أعضاؤهم قهرا عليهم وتقر بالكفر. قوله : (ذلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ) اسم الاشارة مبتدأ ، وأن لم يكن خبره ، واللام محذوفة ، وأن مخففة من الثقيلة ، واسمها ضمير الشأن كما قال