كانَ دَعْواهُمْ) قولهم (إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا إِلَّا أَنْ قالُوا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ) (٥) (فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ) أي الأمم عن إجابتهم الرسل وعملهم فيما بلغهم (وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ) (٦) عن الإبلاغ (فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ) لنخبرنهم عن علم بما فعلوه (وَما كُنَّا غائِبِينَ) (٧) عن إبلاغ الرسل والأمم الخالية فيما عملوا (وَالْوَزْنُ) للأعمال أو لصحائفها بميزان له لسان وكفتان كما ورد في حديث ، كائن (يَوْمَئِذٍ) أي يوم السؤال المذكور وهو يوم القيامة (الْحَقُ) العدل صفة لوزن (فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ) بالحسنات (فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (٨) الفائزون (وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ) بالسيئات
____________________________________
كقوم لوط ، وقوله : (ومرة نهارا) أي كقوم شعيب. قوله : (فَما كانَ دَعْواهُمْ) أي استغاثتهم وتضرعهم ، أو المراد قولهم على سبيل التحسر والتندم. قوله : (إِذْ جاءَهُمْ) ظرف لقوله : (دَعْواهُمْ). قوله : (إِلَّا أَنْ قالُوا) أي إلا قولهم : (إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ) والمعنى أنهم لم يقدروا على دفع العذاب عنهم ، وإنما ذلك تحسر وندامة طمعا في الخلاص.
قوله : (فَلَنَسْئَلَنَ) اللام موطئه لقسم محذوف ، والتقدير والله لنسألن ، وهذا إشارة لعذابهم في الآخرة ، إثر بيان عذابهم في الدنيا ، والمقصود من سؤال الأمم زيادة الأمم الافتضاح لهم ، ومن سؤال الرسل : رفع قدرهم ، وزيادة شرفهم ، وتبكيت الأمم حيث كذبوهم. قوله : (بِعِلْمٍ) متعلق بمحذوف حال من فاعل نقصن ، والتقدير فلنقصن عليهم حال كوننا مصحوبين بعلم ، وهذا حيث سكتت الرسل عن الجواب ، (وقالوا لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت علام الغيوب). قوله : (وَما كُنَّا غائِبِينَ) توكيد لما قبله. قوله : (فيما عملوا) في بمعنى عن ، أي عملوا. قوله : (وَالْوَزْنُ) مبتدأ ، وقوله : (يَوْمَئِذٍ) خبره ، و (الْحَقُ) نعته ، وهذا هو إعراب المفسر ، ويصح أن يكون (الْحَقُ) خبر المبتدأ ، و (يَوْمَئِذٍ) ظرف منصوب على الظرفية ، وهذا الوزن بعد أخذ الصحف والحساب ، ثم بعد الوزن يكون المرور على الصراط ، وهو مختلف باختلاف أحوال العباد. قوله : (للأعمال أو لصحائفها) هذا إشارة لقولين : فعلى الأول تصور الأعمال الصالحة بصورة نيرة حسنة وتوضع في كفة الحسنات ، وتصور الأعمال السيئة بصورة مظلمة قبيحة وتوضع في كفة السيئات ، وبقي قول ثالث : وهو أن الوزن للذوات لما في الحديث : «إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة». قوله : (وكفتان) بكسر الكاف وفتحها في المثنى والمفرد والجمع ، كفف بالكسر لا غير.
قوله : (فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ) الخ ، اعلم أن الناس في القيامة ثلاث فرق : متقون لا كبائر لهم ، ومخلطون ، وكفار ، فأما المتقون فإن حسناتهم توضع في الكفة النيرة ، وصغائرهم إن كانت لهم في الكفة الأخرى ، فلا يجعل الله لتلك الصغائر وزنا ، وتكفر صغائرهم باجتنابهم الكبائر ، ويؤمر بهم إلى الجنة ، وينعم كل على حسب أعماله. وأما الكفار فإنهم يوضع كفرهم في الكفة المظلمة ، ولا توجد لهم حسنة توضع في الكفة الأخرى فتبقى فارغة ، فيأمر الله بهم إلى النار ، وهذان الصنفان هما المذكوران في القرآن صراحة في آيات الوزن. وأما الذين خلطوا ، فقد ثبت في السنة أن حسناتهم توضع في الكفة النيرة ، وسيئاتهم في الكفة المظلمة ، فإن كانت الحسنات أثقل ولو بأقل قليل أو ساوت أدخلوا الجنة ، وإن كانت