(يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ) أي أن (تُسَوَّى) بالبناء للمفعول وللفاعل مع حذف إحدى التاءين في الأصل ومع إدغامها في السين أي تتسوى (بِهِمُ الْأَرْضُ) بأن يكونوا ترابا مثلها لعظم هوله كما في آية أخرى (ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا) (وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً) (٤٢) عما عملوه وفي وقت آخر يكتمونه ويقولون والله ربنا ما كنا مشركين (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ) أي لا تصلوا (وَأَنْتُمْ سُكارى) من الشراب لأن سبب نزولها صلاة جماعة في حال السكر (حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ) بأن تصحوا (وَلا جُنُباً) بإيلاج أو إنزال ونصبه على الحال وهو يطلق على المفرد وغيره (إِلَّا عابِرِي) مجتازي (سَبِيلٍ) طريق أي مسافرين (حَتَّى تَغْتَسِلُوا)
____________________________________
وإنما رجع للنبي وأمته على الاحتمال الأول ، وإن كانت الدعوى من معصوم ، تبكيتا لكفار الأمم السابقة ، وإظهارا لشرف هذه الأمة وعظم قدرها. قوله : (يوم المجيء) أشار بذلك إلى أن التنوين في يومئذ عوض عن جملة جئنا من كل أمة إلى آخرها.
قوله : (يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي يتمنى الكفار مطلقا. قوله : (وَعَصَوُا الرَّسُولَ) أي رسول كل أمة فأل فيه للجنس. قوله : (أي أن) أشار بذلك إلى أن (لَوْ) مصدرية. قوله : (بالبناء للمفعول) أي مع تخفيف السين ، وقوله : (للفاعل الخ) هذه قراءة ثانية ، وقوله : (ومع إدغامها) قراءة ثالثة. فالحاصل أن القراءات ثلاث : البناء للمفعول مع تخفيف السين ، والبناء للفاعل مع التخفيف بحذف إحدى التاءين ، والتشديد بقلب التاء سينا وإدغامها في السين. قوله : (بأن يكون ترابا مثلها) أو بأن تنشق الأرض وتبتلعها أو يدفنون فيها ، والأقرب ما ذكره المفسر ، لأن خير ما فسرته بالوارد.
قوله : (وَلا يَكْتُمُونَ) معطوف على (يَوَدُّ) فأخبر عنهم بأنهم يوم القيامة يقع منهم شيئان : تمني أن الأرض تستوي بهم ، وعدم كتمانهم عن الله حديثا. قوله : (وفي وقت آخر الخ) جواب عن سؤال ، وهو أن هذه الآية أفادت عدم الكتمان ، وآية الأنعام أفادت إثباته. وحاصل الجواب أن الكتمان يقع منهم ابتداء وعدمه انتهاء.
قوله : (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ) إنما نهى عن القربان للمبالغة في النهي ، وقوله : (وَأَنْتُمْ سُكارى) إن قلت : إن السكران لا عقل عنده فكيف ينهى؟ أجيب : بأن المراد لا تسكروا في أوقات الصلوات. قوله : (لأن سبب نزولها) اختصر المفسر السبب. وحاصله أنه روي عن علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه قال : صنع لنا ابن عوف طعاما فدعانا ، فأكلنا وأسقانا خمرا قبل أن تحرم الخمر ، فأخذت منا ، وحضرت الصلاة ، أي صلاة المغرب ، فقدموني فقرأت قل يا أيها الكافرون أعبد ما تعبدون ونحن نعبد ما تعبدون ، فنزلت الآية ، فحرمت في أوقات الصلاة حتى نزلت آية المائدة فحرمت مطلقا.
قوله : (حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ) حتى جاره بمعنى إلى ، والفعل بعدها منصوب بأن مضمرة ، وما يجوز فيها أن تكون بمعنى الذي ، أو نكرة موصوفة ، والعائد على كل محذوف أو مصدرية ولا حذف. قوله : (ونصبه على الحال) أي فهو معطوف على قوله : (وَأَنْتُمْ سُكارى). قوله : (وهو يطلق) أي لفظ جنب. قوله : (إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ) الأحسن أن إلا بمعنى غير صفة لجنبا ، ومفهومه أن الجنب المسافر يكفيه التيمم