في التنكيل من الحبس وغيره (ذلِكَ) الجزاء المذكور (لَهُمْ خِزْيٌ) ذل (فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ) (٣٣) هو عذاب النار (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا) من المحاربين والقطاع (مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ) لهم ما أتوا (رَحِيمٌ) (٣٤) بهم عبر بذلك دون فلا تحدوهم ليفيد أنه لا يسقط عنه بتوبته إلا حدود الله دون حقوق الآدميين كذا ظهر لي ولم أر من تعرض له والله أعلم فإذا قتل وأخذ المال يقتل ويقطع ولا يصلب وهو أصح قولي الشافعي ولا تفيد توبته بعد القدرة عليه شيئا وهو أصح قوليه أيضا (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ) خافوا عقابه بأن تطيعوه (وَابْتَغُوا) اطلبوا (إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ) ما يقربكم اليه من طاعته (وَجاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ)
____________________________________
قوله : (ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ) اسم الإشارة مبتدأ ، ولهم خبر مقدم ، وخزي مبتدأ مؤخر ، والجملة خبر المبتدأ ، و (فِي الدُّنْيا) صفة الخزي ، وهذا أحسن الأعاريب. قوله : (وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ) هذا محمول على من مات كافرا ، وأما حدود المسلمين فالمعتمد أنها جوابر. قوله : (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا) استثناء منقطع أي لكن التائب يغفر له. قوله : (ليفيد إنه لا يسقط الخ) حاصل ذلك أنه إن كان كافرا أو تاب ، سقطت عنه جميع التبعات حدودا أو غيرها ، وأما إن كان مسلما سقط عنه حقوق الله لا حقوق الآدميين ، مثلا إن قتل وجاء تائبا ، فالنظر للولي إن شاء عفا وإن شاء اقتص. قوله : (كذا ظهر لي) أي فهمه من الآية ، وقوله : (ولم أر من تعرض له) أي من المفسرين وإن كان مذكورا في كتب الفقه. قوله : (يقتل ويقطع) هذا سبق قلم والمناسب حذف قوله ويقطع ، والحاصل عند الشافعي أنه إذا قتل وتاب ، فإن عفا الولي سقط القتل وإلا فيقتل فقط ، وأما إن كان أخذ المال وتاب ، فإنه يؤخذ منه المال ولا يقطع ، خلافا لما ذكره المفسر من أنه إذا قتل وأخذ المال ثم تاب فإنه يجمع له بين القتل والقطع ، وإنما المنفي عنه الصلب ، وما ذكرناه من المعتمد عند الشافعي يوافقه مالك. قوله : (وهو أصح قولي الشافعي) أي ومقابله أنه يصلب.
قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ) لما ذكر سبحانه وتعالى أن التوبة من الذنوب نافعة ، وكانت التوبة من جملة التقوى حث على طلبها هنا. قوله : (إِلَيْهِ) متعلق بابتغوا. قوله : (ما يقربكم إليه) أي يوصلكم إليه ، وقوله : (من طاعته) بيان لما ، سواء كانت تلك الطاعة فرضا أو نقلا لما في الحديث : «وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به» الحديث. فالتقوى هنا ترك المخالفات ، وابتغاء الوسيلة فعل المأمورات ، ويصحّ أن المراد بالتقوى امتثال المأمورات الواجبة وترك المنهيات المحرمة ، وابتغاء الوسيلة ما يقربه إليه مطلقا ، ومن جملة ذلك : محبة أنبياء الله وأوليائه ، والصدقات ، وزيارة أحباب الله ، وكثرة الدعاء ، وصلة الرحم ، وكثرة الذكر وغير ذلك ، فالمعنى كل ما يقربكم إلى الله فالزموه ، واتركوا ما يبعدكم عنه ، إذا علمت ذلك ، فمن الضلال البين والخسران الظاهر ، تكفير المسلمين بزيارة أولياء الله ، زاعمين أن زيارتهم من عبادة غير الله ، كلا بل هي من جملة المحبة في الله التي قال فيها رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ألا لا إيمان لمن لا محبة له والوسيلة له التي قال الله فيها وابتغوا إليه الوسيلة».
قوله : (وَجاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ) عطف خاص على عام ، إشارة إلى أن الجهاد من أعظم الطاعات ،