(فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ) وهم الكافرون فيلقون في النار ويقال لهم توبيخا (أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ) يوم أخذ الميثاق (فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) (١٠٦) (وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ) وهم المؤمنون (فَفِي رَحْمَتِ اللهِ) أي جنته (هُمْ فِيها خالِدُونَ) (١٠٧) (تِلْكَ) أي هذه الآيات (آياتُ اللهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ) يا محمد (بِالْحَقِّ وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ) (١٠٨) بأن يأخذهم بغير جرم (وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) ملكا وخلقا وعبيدا (وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ) تصير (الْأُمُورُ) (١٠٩) (كُنْتُمْ) يا أمة محمد في علم الله تعالى (خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ) أظهرت (لِلنَّاسِ
____________________________________
يأخذ كتابه بشماله ويقول : (يا ليتني لم أوت كتابيه) الآية.
قوله : (فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ) تفصيل لما أجمل أولا ، والفاء واقعة في جواب شرط مقدر تقديره إن اردت تفصيل ما تقدم فأقول لك أما الذين أسودت وجوههم وقدم في التفصيل هذا القسم مبادرة بالتحذير ، وليكون في الكلام حسن ابتداء وحسن اختتام ، فابتدأ الآية بالبشرى وختمها كذلك. قوله : (فيلقون في النار) أي والقاؤهم مختلف ، فمنهم من يؤخذ بالكلاليب ، ومنهم من يؤخذ بالنواصي والأقدام ، وعلى كل حال فهم يسحبون في النار على وجوههم ، وهذه الجملة خبر المبتدأ قدره المفسر ، وذلك لأن الجزاء في المقابل هو الكون في الجنة ، فالمناسب هنا أن يكون هو الكون في النار ، وتقدير القول هنا لأجل أن يكون حذف الفاء في جواب أما مقيسا. قوله : (ويقال لهم) يحتمل أن ذلك من كلام الله لهم ، ويحتمل أن ذلك على لسان الملائكة. قوله : (يوم أخذ الميثاق) دفع بذلك ما يقال إن الآية ظاهرة فيمن ارتد بعد إيمانه لا فيمن كان كافرا واستمر على كفره ، وأجيب أيضا بأن هذا يحمل على اليهود والنصارى ، فإنهم كانوا مؤمنين برسول الله قبل البعثة ثم كفروا به بعدها ، وأجيب أيضا بأن قوله : (بَعْدَ إِيمانِكُمْ) أي بعد ظهور الأدلة التي توجب الإيمان.
قوله : (فَذُوقُوا الْعَذابَ) فيه استعارة بالكناية حيث شبه العذاب بشيء مر يذاق ، وطوي ذكر المشبه به ، ورمز له بشيء من لوازمه وهو الإذاقة فاثباتها تخييل. قوله : (بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) الباء سببية ، فالكفر سبب في إذاقة العذاب ، بخلاف الطاعات فلم يجعلها الله سببا لدخول الجنة ، بل دخول الجنة بمحض فضل الله ، وإنما كان جزاء الكفار الخلود في النار ، لأن الكفر إنكار لكمالات الله وهي لا تتناهى ، فكان جزاؤه عذابا لا يتناهى ، وذلك يتحقق الخلود ، بخلاف معصية المؤمن. قوله : (أي جنته) أي ففيه إطلاق الحال وإرادة المحل ، فالجنة محل هبوط الرحمة والرحمة ناشئة عن ذات الله فقولهم اللهم اجمعنا في مستقر رحمتك ، فالمراد بالمستقر محل هبوط الرحمة وهي الجنة لا ذات الله ، قوله : (بِالْحَقِ) أي الصدق. قوله : (وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ) أي فحيث انتفت إرادة الظلم فالظلم منفي بالأولى ، لأن تعلق الإرادة في التعقل سابق على الفعل. قوله : (وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) أي فيتصرف في ملكه كيف شاء. قوله : (وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) أي فلا مفر منه ولا محيص عنه قوله : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ) هذا مدح عظيم وتفضيل من الله لهذه الأمة المحمدية ، وفيه إعلام بتثبيتهم على تلك الأوصاف العظيمة ، واعلم أن المخاطب مشافهة الصحابة وثبتت لهم هذه الصفات المرضية فمدحهم الله على ذلك ، ومن تمسك بأوصافهم وأخلاقهم كان ممدوحا مثلهم ، وهذا المدح يدل على أن أوصافهم مرضية لله ، فشرفهم الله بشرف نبيهم ، قال صاحب البردة :