بأمن داخله وعدم التعرض له وجبي ثمرات كل شيء إليه ، وفي قراءة قيما بلا ألف مصدر قام غير معل (وَالشَّهْرَ الْحَرامَ) بمعنى الأشهر الحرام ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب قياما لهم بأمنهم القتال فيها (وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ) قياما لهم بأمن صاحبهما من التعرض له (ذلِكَ) الجعل المذكور (لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (٩٧) فإن جعله
____________________________________
بيان على الكعبة. إن قلت .. إن عطف البيان إنما يكون مبينا أو موضحا ، وهنا ليس كذلك ، إذ من المعلوم أن الكعبة هي البيت الحرام. أجيب بأنه للاحتراز عن بيت خثعم الذي سموه الكعبة اليمانية ، فهو هنا للتوضيح لدفع الإلباس بغيره. وأجيب أيضا بأنه جيء به لمجرد المدح ، إذ الكعبة عند العرب لا تنصرف إلّا للبيت الحرام على حد «الحمد لله رب العالمين» إذ من المعلوم أن الله هو رب العالمين. إن قلت : إن البيت جامد والمدح لا يكون إلا بمشتق. أجيب بأنه وصف بمشتق وهو الحرام ، والكعبة لغة بيت مربع ، فسميت الكعبة بذلك.
قوله : (قِياماً) أصله قواما وقعت الواو بعد كسرة قلبت ياء. قوله : (بالحج إليه) أي فهو أحد أركان الدين ، فلا يكمل إلا به ، لأن من أتى بأركان الدين ما عداه مع القدرة عليه ، فلم يكمل دينه ، وقد حرم نفسه من الرحمات المشار إليها بقوله صلىاللهعليهوسلم : «ينزل من السماء كل يوم وليلة مائة وعشرون رحمة ، ستون للطائفين ، وأربعون للمصلين ، وعشرون للناظرين». قوله : (بأمن داخله) أي الحرم لا خصوص الكعبة. قوله : (وعدم التعرض له) أي للداخل عاقلا أو غيره. قوله : (وجبى ثمرات كل شيء إليه) أي نقلها له وذلك بدعوة ابراهيم عليهالسلام حين قال : (وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) وقال تعالى في مقام الامتنان (يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ). قوله : (وفي قراءة) أي وهي سبعية أيضا. قوله : (قيما) أي على وزن عنب. قوله : (مصدر قام) أي أيضا إذ قياما مصدر له أيضا. قوله : (غير معل) أي الآن بقلب واوه ياء ، فلا ينافي أن أصله معل وهو قياما ، فالياء الثابتة في قياما هي الموجودة في قيما غير أن ألفه حذفت ، فيلاحظ أن قيما فرع عن قياما ، فلم يحصل فيه تغير إلا حذف الألف.
قوله : (وَالشَّهْرَ الْحَرامَ) معطوف على الكعبة ، وأل فيه للجنس فيشمل الأشهر الأربعة ، ولهذا أشار المفسر بقوله : (يعني الأشهر الخ). قوله : (قياما) قدره إشارة إلى أنه محذوف من الثاني لدلالة الأول عليه. قوله : (بأمنهم القتال فيها) أي فكانت العرب يغير بعضهم على بعض ، ويقتل بعضهم بعضا ، إلا في الأشهر الحرم. قوله : (وَالْهَدْيَ) أي فهو من مصالح الدين لجبره نقص الحج ، والدنيا لحصول البركة فيما بقي من ماله بسبب إنفاقه الهدي في سبيل الله ، وهكذا كل صدقة بها مصالح الدين بتكفير الذنوب ، ومصالح الدنيا بنمو المال ، ووقاية صاحبها مصارع السوء. قوله : (وَالْقَلائِدَ) أي التي كانوا يقلدون بها أنفسهم إذا خرجوا من مكة لمصالحهم ، فكانوا يأخذون من شجر الحرم شيئا ويضعونه في عنقهم إذا خرجوا ، ليأمنوا على أنفسهم وأموالهم.
قوله : (ذلِكَ لِتَعْلَمُوا) اسم الإشارة مبتدأ ، ولتعلموا خبره ، وأن واسمها وخبرها في محل نصب سدت مسد مفعولي تعلموا ، وقوله : (وَأَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) معطوف على أن الأولى من عطف العام