يَحْزَنُونَ) (٣٥) (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا) تكبروا (عَنْها) فلم يؤمنوا بها (أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) (٣٦) (فَمَنْ) أي لا أحد (أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) بنسبة الشريك والولد إليه (أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ) القرآن (أُولئِكَ يَنالُهُمْ) يصيبهم (نَصِيبُهُمْ) حظهم (مِنَ الْكِتابِ) مما كتب لهم في اللوح المحفوظ من الرزق والأجل وغير ذلك (حَتَّى إِذا جاءَتْهُمْ رُسُلُنا) أي الملائكة (يَتَوَفَّوْنَهُمْ قالُوا) لهم تبكيتا (أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَدْعُونَ) تعبدون (مِنْ دُونِ اللهِ قالُوا ضَلُّوا) غابوا (عَنَّا) فلم نرهم (وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ) عند الموت (أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ) (٣٧) (قالَ) تعالى لهم يوم القيامة (ادْخُلُوا فِي) جملة (أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ
____________________________________
بالإيمان لقرينة. قوله : (وَأَصْلَحَ) وأعلى منها تقوى الخواص ، وهي ترك المعاصي ، وأعلى منها ترك الأغيار ، وهي كل مشغل عن الله ، ولهذه المرتبة أشار العارف بقوله :
ولو خطرت لي في سواك إرادة |
|
على خاطري يوما حكمت بردتي |
قوله : (وَأَصْلَحَ) (عمله) أي بأن ترك المعاصي أو كل مشغل عن الله فهو صادق بتقوى الخواص وخواص الخواص. قوله : (في الآخرة) أي وأما في الدنيا فلا يفارقهم الخوف ولا الحزن ، لتذكرهم الموت وأحوال الآخرة ، ولو جاءتهم البشرى من الله ، فالحزن دأب الصالحين في الدنيا لزيادة درجاتهم. قوله : (فلم يؤمنوا بها) أشار بذلك إلى أن الكلام على حذف مضاف ، أي (تكبروا) عن الإيمان بها. قوله : (أي لا أحد) أشار بذلك إلى أن الاستفهام إنكاري بمعنى النفي. قوله : (بنسبة الشريك) الباء سببية ، والمعنى لا أحد أظلم ممن افترى على الله كذبا ، بسبب نسبة الشريك لله ، ككفار مكة حيث أشركوا مع الله الأصنام ، والنصارى واليهود حيث نسبوا له الولد. قوله : (أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ) وإن لم ينسب الشريك له ، لأنه لا يلزم من التكذيب بالآيات نسبة الشريك له ، وأما نسبة الشريك فيلزم معها التكذيب بالآيات.
قوله : (أُولئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ) أي في الدنيا. قوله : (مِنَ الْكِتابِ) من ابتدائية متعلقة بمحذوف حال من نصيبهم ، وقوله : (مما كتب لهم) بيان للنصيب. قوله : (من الرزق) أي على حسبه من سعة وضيق ، وكونه من حلال أو حرام ، وقوله : (والأجل) أي من قصر أو من طول ، وقوله : (وغير ذلك) أي كالعمل ، وكما أن ذلك مكتوب في اللوح المحفوظ ، مكتوب في صحف الملائكة وهو في بطن أمه ، فتحصل أن ما قسم له في الحياة الدنيا لا يغيره كفر ولا إسلام. قوله : (حَتَّى إِذا جاءَتْهُمْ) حتى إما ابتدائية أو جارة. قوله : (الملائكة) قيل إنهم عزرائيل وأعوانه ، لقبض أرواحهم ، وقيل إنهم ملائكة العذاب ، وتقدم أنهم سبع موكلون بأخذ روح الكافر بعد قبضها للعذاب. قوله : (تبكيتا) أي توبيخا وتقريعا. قوله : (ما كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) أي الآلهة التي كنتم تعبدونها في الدنيا فتمنعكم الآن من العذاب. قوله : (فلم نرهم) أي مع شدة احتياجنا إليهم في هذا الوقت. قوله : (وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ) كلام مستأنف إخبار من الله بإقرارهم على أنفسهم بالكفر ، ولا تعارض بين هذا وبين قوله : (وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) لأن مواقف القيامة مختلفة.
قوله : (قالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ) أي لهؤلاء الذين افتروا على الله الكذب وكذبوا بآياته. قوله : (فِي أُمَمٍ) في بمعنى مع ، أي ادخلوا مصاحبين لأمم ، وهو حال من فاعل ادخلوا ، وتسمى حالا منتظرة ،