(أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً) بالتخفيف والتشديد عن قبوله (حَرَجاً) شديد الضيق بكسر الراء صفة وفتحها مصدر وصف به مبالغة (كَأَنَّما يَصَّعَّدُ) وفي قراءة يصاعد وفيهما إدغام التاء في الأصل في الصاد في أخرى بسكونها (فِي السَّماءِ) إذا كلف الإيمان لشدته عليه (كَذلِكَ) الجعل (يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ) العذاب أو الشيطان أي يسلطه (عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) (١٢٥) (وَهذا) الذي أنت عليه يا محمد (صِراطُ) طريق (رَبِّكَ مُسْتَقِيماً) لا عوج فيه ونصبه على الحال المؤكدة للجملة والعامل فيها معنى الإشارة (قَدْ فَصَّلْنَا) بينا (الْآياتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ) (١٢٦) فيه إدغام
____________________________________
قوله : (وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ) أي يمنعه عن الوصول ، ويسكنه دار العقاب ، ويطرده عن رحمته ومن اسم شرط ، ويرد فعل الشرط ، ويجعل جوابه ، وجعل بمعنى صير ، فصدره مفعول أول ، وضيقا مفعول ثان ، وحرجا صفته. والمعنى : أن من أراد الله شقاوته ، وطرده عن رحمته ، ضيق قلبه ، فلا يقبل شيئا من أصول الإسلام ولا من فروعه ، ولو قطع إربا إربا ، وعلامة ذلك إذا ذكر التوحيد نفر قلبه واشمأز ، وإن نطق بلسانه كأهل النفاق ، قال تعالى : (وَإِذا ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) الآية. قوله : (بالتخفيف والتشديد) أي كميت وميت قراءتان سبعيتان. قوله : (شديد الضيق) أي زائدة ، فلا يقبل شيئا من الهدى أصلا. قوله : (بكسر الراء صفة) أي اسم فاعل كفرح فهو فرح. قوله : (وصف به مبالغة) أي أو على حذف مضاف ، أي ذا حرج على حد زيد عدل.
قوله : (كَأَنَّما يَصَّعَّدُ) أي يتكلف الصعود فلا يستطيعه. قوله : (وفيهما إدغام التاء في الأصل) أي بعد قلبها صادا فأصل الأولى يتصعد ، وأصل الثانية يتصاعد ، وهاتان القراءتان مع تشديد ضيقا ، وكسر راء حرجا أو فتحها. وأما قوله : (وفي أخرى بسكونها) فهي قراءة من خفف ضيقا ويفتح حرجا فالمخفف للمخفف ، والمشدد للمشددة. قوله : (لشدته عليه) أي لتعسر الإيمان عليه ، فإن القلب بيد الله يسكن فيه أي الأمرين شاء ، وليس مملوكا لصاحبه ، وحينئذ فلا ينبغي له أن يأمن لما هو في قلبه من الإيمان ومحبة الله ورسوله ، ومن هنا علمنا الله طلب الهداية على سبيل الدوام مع كونها حاصلة بقوله : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ)وبقوله : (رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا) الآية ، وقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «اللهم يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على دينك». ولذا خاف العارفون ولم يسكنوا إلى علم ولا عمل ، لما علموا أن القلوب بيد الله يقلبها كيف يشاء ، ولا يأمنون حتى تقبض أرواحهم على الإيمان ، ولكن شأن الكريم ، أن من تمم له نعمة الإيمان لا يسلبها منه ، لأنه وعد منه وهو لا يخلف. قوله : (أي يسلطه) أي الشيطان وهو تفسير للجعل على التفسير الثاني ، وأما تفسيره على الأول فمعناه يلقى ويصيب. قوله : (الذي أنت عليه) أي وهو الإسلام. قوله : (صِراطُ رَبِّكَ) شبه دين الإسلام بالصراط المستقيم لا اعوجاج فيه ، واستعار اسم المشبه به للمشبه على طريق الاستعارة التصريحية الأصلية. قوله : (ونصبه على الحال المؤكدة للجملة) المناسب أن يقول المؤكدة لصراط ، لأن الحال المؤكدة للجملة عاملها مضمر ، قال ابن مالك :
وإن تؤكد جملة فمضمر |
|
عاملها ولفظها يؤخر |
فينافيه قوله : (والعامل فيها معنى الإشارة). قوله : (معنى الإشارة) المناسب أن يقول : والعامل