قَبْلِكَ) أى التوراة والإنجيل وغيرهما (وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) (٤) يعلمون (أُولئِكَ) الموصوفون بما ذكر (عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (٥) الفائزون بالجنة الناجون من النار (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) كأبي جهل وأبي لهب ونحوهما (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ) بتحقيق الهمزتين وإبدال الثانية ألفا
____________________________________
قوله : (وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ) معطوف على الموصول الأول وهو نوع آخر للمتقين ، فإنها أنزلت فيمن كان آمن بعيسى وأدرك النبي صلىاللهعليهوسلم كعبد الله بن سلام وعمار بن ياسر وسلمان والنجاشي وغيرهم. وأما النوع الأول فهم مشركو العرب الذين لم يرسل لهم غيره صلىاللهعليهوسلم فنزلت فيهم الآية الأولى. قوله : (بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) نزل المستقبل منزلة الماضي لتحقق الوقوع لأنه لم يكن تم نزوله. قوله : (وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ) أي فلم يفرقوا بين الأنبياء بحيث يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض. قوله : (وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) قدم الجار والمجرور لإفادة الحصر وأتى بالجملة الأسمية لأنه أعلى من الإنفاق. قوله : (يعلمون) أي علما لا شك فيه ولا ريب ، ولذا اتصف مولانا بالعلم ولم يتصف باليقين ، وفيه رد على من أنكر الآخرة ممن لم يؤمن بمحمد.
قوله : (أُولئِكَ) (الموصوفون بما ذكر) إنا قلنا إن قوله الذين يؤمنون الخ وصف للمتقين كان ما هنا مبتدأ وخبرا بيان لعاقبة المتقين وإن قلنا إنه مستأنف مبتدأ كان ما هنا خبره. قوله : (عَلى هُدىً) عبر بعلى إشارة إلى تمكنهم من الهدى كتمكن الراكب من المركوب. قوله : (الناجون من النار) أي ابتداء وانتهاء ، وعطف الجملتين إشارة إلى تغايرهما وأن كلا غاية في الشرف ، وأن الثانية مسببة على الأولى.
قوله : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) جرت عادة الله سبحانه وتعالى في كتابه أنه إذا ذكر بشرى المؤمنين يذكر بلصقها وعيد الكافرين ، فذكر حال الكافرين ظاهرا وباطنا ، وثم ذكر حال الكافرين باطنا وهم المنافقون ، وأنهم أسوأ حالا من الكافرين ظاهرا وباطنا ، وإن حرف توكيد ونصب والذين كفروا اسمها وجملة لا يؤمنون خبرها ، وجملة سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم معترضة بين اسم إن وخبرها ، وإعرابها أن تقول على المشهور سواء اسم مصدر مبتدأ بمعنى مستو ، وسوغ الإبتداء به تعلق الجار والمجرور به ، وأ أنذرتهم أم لم تنذرهم مؤول بمفرد خبر تقديره مستو عليهم إنذارك وعدمه ، وهو فعل مسبوك بلا سابك ، إن قلت إن خبر المبتدأ إذا وقع جملة لا بدله من رابط. اجيب بأن الخبر عن المبتدأ في المعنى وهو يكفي في الربط ، وأجيب أيضا بأن محل الإحتياج للرابط ما لم يؤول الخبر بمفرد وإلا فلا يحتاج للرابط ، وقولهم لا بد للفعل من سابك اغلبي ويصح العكس ، وهو أن الجملة مبتدأ مؤخر وسواء خبر مقدم. قوله : (ونحوهما) أي من كفار مكة الذين سبق علم الله بعدم ايمانهم ، والحكمة في إخبار الله نبيه بذلك ليريح قلبه من تعلقه بإيمانهم فلا يشغل بهدايتهم ولا تأليفهم ، ويحتمل أن ذلك إعلام من الله لنبيه بمن كفر من أول الزمان إلى آخره لأنه أطلعه على النار وعلى أعد لها من الكفار ، والحكمة في عدم الدعاء منه عليهم مع علمه بأنه يستحيل إيمانهم أنه يرجو الإيمان من ذريتهم. قوله : (بتحقيق الهمزتين) أي مع مدة بينهما مدا طبيعيا وتركه فهما قراءتان. قوله : (وإبدال الثانية ألفا) أي مدا لازما وقدره ست حركات. وقوله : (وتسهيلها) أي بأن تكون بين الهمزة والهاء. وقوله : (وادخال الف) الواء بمعنى مع ، فحاصله أن القراءات خمس : قراءتان مع التحقيق وقراءتان مع التسهيل وقراءة مع الإبدال ، وكلها سبعية على التحقيق ، خلافا للبيضاوي حيث قال إن قراءة الإبدال لحن لوجهين : الأول أن الهمزة المتحركة لا تبدل