رَسُولُنا) محمد (يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ) تكتمون (مِنَ الْكِتابِ) التوراة والإنجيل كآية الرجم وصفته (وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ) من ذلك فلا يبينه إذا لم يكن فيه مصلحة إلا افتضاحكم (قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ) هو نور النبي صلىاللهعليهوسلم (وَكِتابٌ) قرآن (مُبِينٌ) (١٥) بينّ ظاهر (يَهْدِي بِهِ) أي بالكتاب (اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ) بأن آمن (سُبُلَ السَّلامِ) طرق السلامة (وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ) الكفر (إِلَى النُّورِ) الايمان (بِإِذْنِهِ) بإرادته (وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (١٦) دين الاسلام (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ) حيث جعلوه إلها وهم اليعقوبية فرقة من النصارى (قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ) أن يدفع (مِنَ) عذاب (اللهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) أي لا أحد يملك ذلك ولو كان المسيح إلها لقدر عليه (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ) شاءه (قَدِيرٌ) (١٧) (وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى) أي كل منهما (نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ) أي كأبنائه في القرب والمنزلة وهو كأبينا في الرحمة والشفقة (وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ) لهم يا محمد (فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ) إن صدقتم في ذلك ولا يعذب
____________________________________
قوله : (يا أَهْلَ الْكِتابِ) خطاب للفريقين جميعا ، بعد أن ذكر كل فرقة على حدة. قوله : (كآية الرجم وصفته) أي فقد أخفوهما ، وأطلع الله نبيه على أنهما في التوراة ، فبين ذلك وأظهره ، وهو معجزة لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، لأنه لم يقرأ كتابهم ، ولم يجلس بين يدي معلم ، وهذا مثال لما في التوراة ، ولم يمثل لما في الإنجيل ، ولو مثل له لقال : وكبشارة عيسى بمحمد.
قوله : (وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ) أي من قبائحهم كسبه فيما بينهم ، والكلام في شأنه هو والقرآن ، فلم يتعرض لهم في ذلك. قوله : (هو نور النبي) أي وسمي نورا لأنه ينوّر البصائر ويهديها للرشاد ، ولأنه أصل كل نور حسي ومعنوي. قوله : (مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ) أي من سبق في علم الله أنه يتبع رضوانه. قوله : (طرق السلامة) أي من العذاب والنجاة من العقاب ، و (سُبُلَ السَّلامِ) منصوب بنزع الخافض وإنما حقه أن يتعدى إلى المفعول الثاني بإلى أو باللام ، قال تعالى : (إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ). قوله : (وهم اليعقوبية) أي القائلون بالاتحاد. قوله : (وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) هذا ترق في الرد عليهم. قوله : (أي لا أحد) أشار بذلك إلى أن الاستفهام إنكاري بمعنى النفي.
قوله : (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ترق في الرد عليهم أيضا. قوله : (شاءه) أي تعلقت به إرادته وهي الممكنات ، خرج بذلك ذاته وصفاته والمستحيلات فلا تتعلق القدرة والإرادة بشيء من ذلك. قوله : (أي كأبنائه في القرب) أي فالمعنى على التشبيه ، وهذا هو الصحيح ، وقيل المعنى أبناء أنبياء الله ، فالكلام على حذف مضاف. وسبب نزولها أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم دعا جماعة من اليهود إلى الإسلام ، وخوفّهم بعقاب الله تعالى ، فقالوا : كيف تخوفنا به ونحن أبناء الله وأحباؤه؟ وهذه مقالة اليهود ، وأما النصارى فقالوا مثلهم ، زاعمين أن الله قال في الإنجيل : إن المسيح قال لهم إني ذاهب إلى أبي وأبيكم. قوله : (قُلْ) (لهم يا محمد) أي إلزاما لهم وتبكيتا ، إن صح ما زعمتم ، فلأي شيء يعذبكم في الدنيا بالقتل