مستحقيه لأنهم لم يتيقنوا استحقاقهم له وتكرير ربنا مبالغة في التضرع (وَلا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ) (١٩٤) الوعد بالبعث والجزاء (فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ) دعاءهم (أَنِّي) أي بأني (لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى بَعْضُكُمْ) كائن (مِنْ بَعْضٍ) أي الذكور من الإناث وبالعكس والجملة مؤكدة لما قبلها أي هم سواء في المجازاة بالأعمال وترك تضييعها. نزلت لما قالت أم سلمة يا رسول الله إنّي لا أسمع ذكر النساء في الهجرة بشيء (فَالَّذِينَ هاجَرُوا) من مكة إلى
____________________________________
ذلك السؤال ، أجاب المفسر بقوله سؤال أن يجعلهم إلخ. وحاصل ذلك الجواب أن العاقبة مجهولة ، ووعد الله لا يخلف لمن حمد عاقبته ، ومن أين لنا حسن العاقبة ، ففائدة السؤال أن الله يحسن عاقبتهم ، فإذا حسنت تحقق وعده تعالى إن قلت : لا يخلو الأمر إما أن تكون العاقبة في نفس الأمر محمودة فوعد الله له محق ولا بد ، وإما أن تكون غير محمودة فليس له عند الله وعد أصلا فلا فائدة في الدعاء. أجيب : بأن توفيقه للدعاء دليل على أن الله لا يخلف وعده الذي وعده إياه ، قال بعضهم : ما وفقك للدعاء إلا ليعطيك ، فحيث وفق العبد للدعاء كان دليلا على قبوله وإنابته وحسن عاقبته ، ولذا لم يوفق إبليس للتوبة ولا للدعاء. قوله : (وتكرير ربنا إلخ) جواب عن سؤال مقدر حاصله أنه لم كرر لفظ ربنا خمس مرات ، فأجاب بأنه مبالغة في التضرع ، أي الخضوع والتذلل ، ولما ورد أنه الأسم الأعظم ، وعن جعفر الصادق : من حزبه أمر فقال خمس مرات ربنا ، أنجاه الله مما يخاف وأعطاه ما أراد ، قيل وكيف ذلك؟ قال اقرؤوا قوله تعالى : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) الآيات ، وهي من أوراد الصالحين تقرأ إلى آخر السورة عند الإستيقاظ من النوم ليلا فمن لازم عليها تحقق بما فيها ، وحصل له ثواب من قام الليل. قوله : (يَوْمَ الْقِيامَةِ) ظرف لقوله : (وَلا تُخْزِنا) أي لا تفضحنا في ذلك اليوم. قوله : (إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ) علة لقوله : (آتِنا ما وَعَدْتَنا) إلخ.
قوله : (فَاسْتَجابَ لَهُمْ) أي لأولي الألباب الموصوفين بما تقدم ، واستجاب بمعنى أجاب ، فالسين والتاء زائدتان للتأكيد وهو يتعدى بنفسه واللام. قوله : (رَبُّهُمْ) إنما عبر به دون غيره من الأسماء لمناسبة دعائهم به. قوله : (أي بأني) أشار بذلك إلى أن بفتح الهمزة تفاق السبعة وفيه حذف الجار وهو مطرد إذا أمن اللبس ، قال ابن مالك :
وحذفه مع إن وأن يطرد |
|
مع أمن لبس كعجبت أن يدوا |
وهذه الباء للسببية وقرىء شذوذا باثباتها ، وقرىء سذوذا أيضا بكسر الهمزة على تقدير القول. قوله : (لا أُضِيعُ) هكذا بسكون الياء من أضاع ، وقرىء بتشديد الياء من ضيع. قوله : (مِنْكُمْ) جار ومجرور صفة لعامل ، وقوله : (مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى) من بيانية وقيل زائدة وذكر أو أنثى بدل من عامل ، وقيل إن الجار والمجرور بدل من الجار والمجرور قبله بدل كل من كل. قوله : (بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ) هذه الجملة قصد بها التعليل والتعميم ، والمعنى لا أضيع عمل عامل منكم جميعا ذكر أو أنثى ، لأن ربكم واحد ، وأصلكم واحد ، ودينكم واحد ، وبعضكم متناسل من بعض. قوله : (مؤكدة لما قبلها) أي قصد بها التعميم. قوله : (نزلت) أي هذه الآية من هنا إلى قوله : (والله عنده حسن الثواب). قوله : (من مكة