إن قيل : إن جوّزنا إلقاء شبه إنسان على إنسان لزم السّفسطة بحيث يحتمل أنّ كلّ من نراه يكون غيره تصوّر بصورته ، ويلزم بطلان الشّرائع ، إذ الشّرائع لا تثبت إلّا بالأخبار المتواترة عن المحسوسات ، فإذا احتمل الخطأ في الحسّ ووقوع الغلط فيه ، لا نقطع بقولهم : إنّ النبيّ قال كذا ، أو فعل كذا ، وأنّهم رأوا النبيّ ، بل يحتمل أنّهم رأوا غير النبيّ بصورته.
وفيه : أنّ وقوع هذا الأمر بالمعجزة في مورد لا يوجب الشّكّ في سائر الموارد ، كما أنّ مسخ الإنسان قردا أو خنزيرا لا يوجب احتمال أنّ كلّ خنزير تراه كان إنسانا متصوّرا بصورة الخنزير ، مع أنّ المسخ مسلّم الوقوع في بعض الامم ، أو إذا رأينا أنّ موسى ألقى عصاه فصارت ثعبانا ، لا يحتمل أن ينقلب كلّ خشب ثعبانا.
والحاصل : أنّ الإعجاز سبب انقلاب صورة بصورة ، فإذا لم يحتمل وجود السّبب ، لا يحتمل وجود المسبّب.
إن قيل : إنّ جبرئيل كان ملازما لعيسى ، وكان قادرا على إهلاك اليهود ، وكذا عيسى كان قادرا على إحياء الموتى وإماتة الأحياء ، فكانا قادرين على إهلاك جميع اليهود.
قلنا : كان صلاح النّظام في رفعه إلى السّماء ، وحفظه عن اليهود بهذا النّحو ، وكان من صلاحه أن يكون حجّة على من ينكر طول عمر الحجّة بن الحسن عليهالسلام ، لشبهة امتناع بقاء الإنسان في هذا المقدار من الزّمان الطّويل بلا شيب وهرم.
إن قيل : إنّ النّصارى على كثرتهم في مشارق الأرض ومغاربها ، وشدّة محبّتهم للمسيح ، أخبروا أنّهم شاهدوه مقتولا مصلوبا ، فلوا أنكرنا ذلك كان طعنا فيما ثبت بالتّواتر ، وهذا يوجب الطّعن في نبوّة خاتم النّبيّين.
قلنا : إنّما ثبت بالتّواتر أنّهم رأوا من كان بصورة عيسى مقتولا ، ولو لا إخبار الله بخطئهم في الحسّ ، لقطعنا بقتل عيسى عليهالسلام. وأمّا الإشكال في جواز الخطأ في الحسّ فهو الإشكال الأوّل ، وجوابه جوابه.
__________________
باسمي فهو يعلّمكم كلّ شيء ويذكّركم بكلّ ما قتله لكم - إلى أن قال : - وقلت لكم الآن قبل أن يكون حتى متى كان تؤمنون. لا أتكلّم أيضا معكم كثيرا لأنّ رئيس هذا العالم يأتي وليس له فيّ شيء - إلى أن قال : - ومتى جاء المعزّي الذي سأرسله أنا إليكم من الأب روح الحقّ الذي من عند الأب ينبثق فهو يشهد لي - إلى أن قال : - لكني أقول لكم إنّه خير لكم أن أنطلق. لأنّه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزّي. ولكن إن ذهبت أرسله إليكم. ومتى جاء ذاك يبكّت العالم على خطيّة وعلى بر وعلى دينونة.