من أنّ مراتب الوجودات متفاوتة في الضعف والقوّة ، وأضعفها وجود الهيولى ؛ فاتّصافها بالصورة يتوقّف على هذا (١) الوجود وما يتوقّف من وجودها على الصورة هو وجودها التامّ النوعي أو الأتمّ الشخصي.
والحاصل : أنّ للهيولى في مرتبة من الواقع وجودا ضعيفا ، ووجودها في تلك المرتبة محض القابلية ، وفعليتها محض القوّة ؛ وهذا الوجود يصحّح الاتّصاف بالصورة ، وبعده يحصل لها وجود أقوى وأتمّ ؛ وهكذا في مراتب الصور النوعية والشخصية ؛ وبذلك يتصحّح التلازم بينهما ؛ وإتمامه بدون القول بذلك مشكل.
[الثالث :] ما ذهب إليه بعضهم وهو أنّ الاتّصاف بالوجود الخارجي إنّما هو في الذهن ؛ إذ لا عروض في الخارج بمعنى أنّ العقل يحكم باتّصاف الماهيّة بالوجود الخارجي وإن لم يكن في الخارج اتّصاف. فظرف اتّصافها به هو الذهن دون الخارج. فقولنا : «زيد في الخارج موجود» قضية ذهنية مفادها «انّ زيدا الموجود (٢) في الذهن متّصف فيه بالوجود الخارجي» فالاتّصاف به فيه دون الآخر.
وفيه : أنّ القضية الذهنية ـ كما صرّح به القوم ـ قضية يكون لخصوص الوجود الذهني لموضوعها مدخل في اتّصاف ذات الموضوع بمبدإ المجهول وصدق مفهومه عليه ، كما في قولنا : «الحيوان جنس» و «الإنسان نوع» وظاهر أنّ حمل الوجود على زيد مثلا ليس من هذا القبيل ؛ لأنّ الحكم بكونه (٣) موجودا خارجيا حكم خارجي ومصداقه ذات الموضوع بحسب حاله في الخارج لا بحسب حاله في الذهن.
[الرابع :] ما ذهب إليه بعض آخر وهو أنّ ثبوت الوجود الخارجي للماهيّة متفرّع على وجودها في الذهن لا في الخارج ؛ بمعنى أنّ اتّصافها به وثبوته لها فرع وجودها في ظرف آخر ـ أعني الذهن ـ فقولنا : «زيد موجود» ـ على هذا ـ
__________________
(١). س : هذ.
(٢). س : لموجود.
(٣). س : يكونه.