لم ينكرها أحد من العقلاء ؛ والاستلزام ممّا لا دليل له ، بل البرهان قائم على بطلانه ؛ إذ لو كان ثبوت شيء لشيء مستلزما لثبوت المثبت له لكان الثبوت الأوّل ملزوما للثبوت الثاني والملزوم علّة للازمه ـ كما صرّح به الجماعة ـ فيلزم كون الثبوت الأوّل علّة للثاني ومتقدّما عليه ، وهو بيّن الفساد.
قيل : المراد بالاستلزام هنا التلازم وعدم الانفكاك بمعنى أنّ الثبوت الأوّل لا ينفكّ في الواقع عن الثاني ، سواء كان الثاني متقدّما عليه أو متحقّقا به ؛ أي كان هذا الثبوت أي الثاني بذلك الثبوت أي الأوّل.
قلنا : عدم الانفكاك بين شيئين لا بدّ له من سبب يتحقّق به اللزوم بينهما ، وهو إمّا أحد المتلازمين ـ لو كان أحدهما علّة للآخر ـ أو شيء ثالث ـ لو كان كلاهما معلولين له ـ ولذا صرّحوا بأنّ كلّ متلازمين إمّا أحدهما علّة للآخر أو كلاهما معلولان للثالث ؛ وهنا أحد الثبوتين ليس علّة للآخر وهو ظاهر ؛ ولا يمكن استنادهما إلى ثالث يفيد بينهما اللزوم ؛ إذ كلّ متلازمين لا بدّ أن يكونا بحيث كلّما تحقّق أحدهما تحقّق الآخر مع أنّ الثبوت الثاني قد ينفكّ عن الأوّل قطعا.
قيل : المراد أنّ ثبوت شيء لشيء أو الحكم به يستلزم الحكم بثبوت المثبت له.
قلنا : [هذا] خلاف المطلوب ولو سلّم فعلى سبيل الفرعية / A ٢٤ / دون الاستلزام.
وأيضا : ثبوت شيء لآخر في الواقع كثيرا ما ينفكّ عن فعلية الحكم بثبوت المثبت له ؛ ومجرّد الإمكان خلاف المقصود.
ثمّ قد عرفت أنّ الباعث لعدوله عن الفرعية إلى الاستلزام انتقاضها باتّصاف الماهيّة بالوجود والهيولى بالصورة ، وعدم إمكان التفصّي (١) عنه.
وقد عرفت وجه التفصّي عن الأوّل وأمّا الثاني فيمكن دفعه بما تقدّم سابقا
__________________
(١). س : النقصى.