تأثيرها وتنقّص جوهرها وانكسار كيفيتها.
ثمّ ما ذكرناه في تفسير المثل النورية هو الظاهر من كلام أفلاطون حيث قال : «إنّى رأيت أفلاكا نورية» والمصرّح به في كلام المعلّم الأوّل حيث قال : «إنّ في الإنسان الجسماني الإنسان النفساني والإنسان العقلي ؛ ولست أعني هو هما لكنّي أعني أنّه يتّصل بهما لأنّه صنم لهما ؛ وذلك لأنّه يفعل بعض أفاعيل الإنسان العقلي وبعض أفاعيل الإنسان النفسي ؛ وذلك أنّ في الإنسان الحسّي كلمات الإنسان النفساني وكلمات الإنسان العقلي ؛ فقد جمع الإنسان الحسّي كلمتى الكلمتين إلّا أنّها فيه قليلة ضعيفة ندرة ؛ لأنّه صنم للصنم.»
فقد بان أنّ الإنسان الأوّل حسّاس إلّا أنّه بنوع أعلى وأفضل من الحسّي الكائن في الإنسان السفلي وإنّما ينال / B ١٩١ / الحسّ من الإنسان الكائن في العالم الأعلى العقلي ـ كما بيّنّاه ـ وقال أيضا : «إنّ هذه الحسائس عقول ضعيفة وتلك العقول حسائس (١) قويّة.» (٢)
وقد تعرّض في مواضع كثيرة من أثولوجيا لدفع ما ربّما يورد من الشكوك على هذا النحو من الوجود فقال في موضع على سبيل السؤال : «إنّه إن كان في العالم الأعلى نبات فكيف هو هناك؟ وإن كان ثمّة نار وأرض فكيف هما هناك؟ فإنّه لا يخلو من أن يكونا حيّين أو ميّتين ؛ فإن كانا ميّتين مثل ما هاهنا [فما] في الحاجة إليهما هناك؟ وإن كانا حيّين فكيف يحييان هناك؟»
فأجاب بقوله : «أمّا النبات فنقدر أن نقول : إنّه هناك حيّ [لأنّه هاهنا حيّ أيضا] وذلك أنّ في النبات كلمة فاعلة محمولة على حياة [وإن كانت كلمة النبات الهيولانية حياة ؛] فهي إذن لا محالة نفس ما ؛ وأحرى أن تكون هذه الكلمة في النبات الذي في العالم الأعلى وهو النبات الأوّل إلّا أنّ تلك الكلمة واحدة كلّية وهذه كثيرة لها متعلّقات جزئية ؛ فهو النبات الأوّل الحقّ والذي دونه نبات ثان و
__________________
(١). س : احساس.
(٢). أثولوجيا (الميمر العاشر) ، ص ١٤٧.