فعليا كلّيا ؛ فإنّ العناية هو العلم الحصولي الكلّي بالنظام الأعلى قبل وجوده.
وأنت تعلم أنّ إسناد التخصّصات ووجوه التكافؤ والهيئات والاختلافات الواقعة في الأجسام الفلكية والعنصرية لا يتوقّف على إبطال العناية ونفيها ؛ لأنّها لا ينافي الإسناد المذكور ؛ فإنّ العناية هو العلم الفعلي الكلّي بنظام الخير على ترتيب السببي والمسبّبي ؛ فلا يتعلّق بشيء من أجزاء النظام سواء كان ذاتا أو صفة أو هيئة أو شيئا من التخصّصات إلّا ويتعلّق لغلبة المناسبة له وبسببه الخاصّ ؛ فلا يمكن أن يسند وجود شيء من الأجسام أو عوارضها / A ١٨٢ / بلا واسطة إلى العناية ويقال : إنّ صدوره منه من دون توسّط علّة اخرى ؛ ولذا لا يمكن أن يسند شيء من الموجودات إلى علّة لا تناسبه أو قام الدليل على عدم جواز ذلك كإسناد صدور مجرّد عن جسم أو جسماني ويقال : إنّ ذلك من مقتضيات العناية.
وعلى هذا فالهيئات والتخصّصات والاختلافات ووجوه التكافؤ الواقعة في الأجسام الفلكية والعنصرية لا بدّ أن تسند مع القول بالعناية أيضا إلى علل خارجية تناسبها وتصلح لعلّيتها لها ثمّ يسند وجود الكلّ على الترتيب العلّي والمعلولي إلى العناية دون علل مناسبة لها ؛ أعني العقول. (١)
فظهر أنّ العناية لا تنافي إثبات العقول العرضية لأجل وجود بعض معلولات لا يمكن أن يسند صدورها إلى علل خارجية اخرى في ترتيب الصدور غير تلك العقول العرضية ، لعدم المناسبة. فصاحب الإشراق ما كان له حاجة في إثبات العقول العرضية إلى إبطال العناية وكان له أن يجيب بعدم المنافاة إلّا أنّها لمّا كانت عنده في نفسها باطلة أجاب بإبطالها. فمن أثبتهما معا فله أن يجيب بعدم المنافاة.
ومنها : تصريح النبوّة الأولى بوجود عقول نورية مدبّرة وتلويح نبوّة نبيّنا إليه ؛ فإنّ المعروف أنّ هرمس الجهمي المسمّى بوالد الحكماء هو إدريس النبيّ و
__________________
(١). س : + لا معنى له.