جهات علّته ـ أعني نور الأنوار ـ وتكثّر الجهات فيه محال ؛ فكذا فيه أيضا وفي البرازخ كثرة كما ظهر ؛ فإن حصل بالنور الأقرب برزخ واحد ولم يحصل منه نور مجرّد توقّف الوجود عنده ولم يحصل شيء من الأنوار والبرازخ لامتناع صدورها من الجسم وليس كذلك لظهور الكثرة في البرازخ والأنوار المدبّرة لها وإن حصل من النور الأقرب أيضا نور مجرّد ومن هذا النور نور مجرّد آخر وهكذا ولم توجد في شيء من هذه الأنوار جهات تكثّر لزم أن لا يتأدّى الصدور إلى صدور البرازخ ، لتركيبها من الهيولى والصورة ، الممتنع صدورهما من شيء لا اثنينية (١) فيه.
ثمّ ما دام يحصل من كلّ من هذه الأنوار نور آخر فيمتنع أن يحصل الجوهر الغاسق (٢) ؛ لأنّ النور من حيث نوريته لا يحصل منه جوهر غاسق ؛ لأنّ المعلول لا بدّ أن يكون مناسبا للعلّة من بعض الوجوه مع أنّه لا مناسبة بين الغاسق والنور من حيث إنّه نور ؛ فلا بدّ أن يكون النور الأقرب بحيث يصدر منه برزخ ونور مجرّد.
والوجه في صحّة / B ١٧١ / ذلك الصدور أنّ له اعتبارين : فقره في نفسه لإمكانه وغنى بالأوّل لوجوبه به ؛ فله تعقّل فقره وهو هيئة ظلمانية له وتعقّل وجوبه بنور الأنوار ؛ فهو يشاهد ذاته ويشاهد نور الأنوار لعدم الحجاب بينهما ؛ إذ الحجب إنّما يكون بالبرازخ والغواسق والأبعاد ؛ ولا جهة ولا بعد لنور الأنوار ولا للأنوار المجرّدة مطلقا ؛ فإذا شاهد النور الأقرب نور الأنوار وهو مشاهد لذاته أيضا يستظلم نفسه بالقياس إليه ؛ إذ النور الأتمّ يقهر النور الأنقص ؛ فمن مشاهدته نور الأنوار يظهر فقر نفسه واستغناء نور الأنوار في ذاته ؛ فبظهور فقره له واستغساق ذاته عند مشاهدة جلال نور الأنوار في ذاته بالنسبة إليه يحصل منه ظلّ هو البرزخ الأعلى ـ أعني الفلك الأعظم ـ وباعتبار غناه ووجوبه بنور الأنوار و
__________________
(١). س : اثينه.
(٢). س : الفاسق.