عرفت من أنّه محض حقيقة الوجود الذي لا يشوبه شيء غير الوجود ؛ فلا يلحقه حدّ ونهاية ؛ إذ لو كان له حدّ ونهاية كان له تخصّص وتجدّد بغير حقيقة الوجود ؛ فيحتاج إلى سبب تخصّصه وتجدّده ؛ فلم يكن محض حقيقة الوجود.
وتوضيح ذلك : أنّ كلّ وجود خاصّ إمكاني وكلّ ماهيّة خاصّة إمكانية لقصوره عن الحيطة التامّة محدود بحدود خاصّ جامع ومانع تخرج عنه أشياء كثيرة ولا يكون متحقّق الوجود في جميع المراتب الوجودية ؛ فتتحقّق قبل وجوده الخاصّ مرتبة من مراتب نفس الأمر لا يكون هو موجودا في تلك المرتبة وإن كان موجود خاصّ آخر متحقّقا فيها.
وأمّا الواجب تعالى فلكونه صرف الوجود المطلق عن كلّ قيد لا يكون له حدّ محدود في الوجود ولا ماهيّة محدودة بحدّ خاصّ فاقد لأشياء كثيرة ولا توجد مرتبة في الواقع لم يكن هو موجودا في تلك المرتبة ؛ فإنّ معنى كونه وجودا صرفا بحتا أنّه ليس له جهة اخرى غير الوجود وتأكّده ؛ فجميع حيثياته حيثية واحدة هي حيثية / B ١٦٦ / وجوب الوجود ؛ فلا حدّ له ولا نهاية في الوجود ؛ فهو غير متناه في الوجود ؛ بمعنى أنّ كلّ وجود ذي قوّة وشدّة فرض له فوجوده أشدّ منه ولا ينتهي إلى حدّ محدود في الشدّة ؛ فهو غير متناه في مراتب الشدّة والكمال كلّ مرتبة منها متناه في عدّة الآثار والأفعال ؛ فلا يخلو عنه وجود شيء من الأشياء ؛ ولو كان لوجوده نهاية كان بإزاء وجوده جهة وبإزاء نهايته جهة اخرى ؛ فلم يكن واحدا حقيقيا وكان ذا ماهيّة مخصوصة ؛ فكلّ واحد حقيقي يجب أن يكون غير متناهي الشدّة والقوّة ؛ فيكون كلّ الأشياء الوجودية ، كما مرّ.
فالواجب سبحانه لا نهاية له ولا حدّ ولا يعتريه قوّة إمكانية ولا نقص ولا يلحقه ماهيّة ولا يشوبه عموم وخصوص ولا جنس له ولا فصل ولا تشخّص له بغير ذاته ولا صورة له كما لا فاعل له ولا غاية له كما لا نهاية له ، بل هو صورة