يلزمه أوّلا ـ أعني العلم الإضافي الانكشافي بذاته وبالصور المرتسمة في ذاته ـ لمّا كان متقدّما على الإيجاد فهو متوقّف عليه ؛ فيصحّ إطلاق الإرادة عليه بهذا الاعتبار وكذا الحال في ما يلزم هذا العلم من الابتهاج الإضافي.
ولا تظنّن أنّ ابتهاجه بما يصدر عنه وجه له يوجب استكماله بغيره والتفات العالي إلى السافل ؛ لأنّه لمّا علم ذاته الذي هو أجلّ الأشياء بأجلّ علم يكون مبتهجا به أشدّ الابتهاج ومن ابتهج بشيء ابتهج بجميع ما يصدر عنه من أجل أنّه يصدر عنه ؛ فالواجب يريد الأشياء لا لأجل ذواتها من حيث ذواتها ، بل لأجل أنّها صدرت عن ذاته.
قالوا : إنّه لهذا المعنى في الإيجاد نفس ذاته تعالى وكلّ ما كان فاعليته لشيء على هذا السبيل لا يكون فاعلا وغاية معا لهذا الشيء.
وما قيل : «إنّ العالي لا يريد السافل ولا يلتفت إليه في فعله وإلّا كان / A ١٤٥ / مستكملا به ، لكون وجوده أولى له من عدمه والعلّة لا يستكمل بالمعلول» لا ينافي ما ذكرناه ؛ إذ المراد من الإرادة والالتفات المنفيّين عن العالي بالقياس إلى السافل هو ما يكون بالذات لا بالعرض ؛ فلو أحبّ الواجب معلوله وابتهج به وأراده لأجل كونه أثرا من آثار وجوده ورشحا من رشحات فيضه وجوده لا يلزم أن يكون وجوده له خيرا وبهجة ، بل بهجته إنّما هي بما هو محبوب بالذات وهو ذاته الذي كلّ كمال وجمال رشح من كماله وجماله ؛ فلا يلزم من حبّه وإرادته له استكماله بغيره ؛ لأنّ المحبوب والمراد بالحقيقة نفس ذاته ، كما أنّك لو أحببت إنسانا فتحبّ آثاره من حيث إنّها آثارها لا من حيث ذواتها لكان محبوبك في الحقيقة ذلك الإنسان لا تلك الآثار.
وبما ذكرناه صرّح الشيخ في المبدأ والمعاد حيث قال في بيان إرادته : «هذه الموجودات كلّها صادرة عن ذاته ومن مقتضى ذاته ؛ فهى غير متنافية له ولأنّه