وظاهر كلام جماعة من الحكماء أنّ الإرادة ما يلزم العلم بالذات وبنظام الخير من الابتهاج والرضاء والحبّ وأمثال ذلك ممّا يتضمّن معنى المعبّر عنه بالفارسية ب «خواستن» ولا يخفى أنّ القدرة فينا هو التمكّن من الفعل ؛ والمشيّة هو القصد أو الميل إلى الفعل أو الترك بحسب المصلحة أو المفسدة بحيث يحتملها جميعا ؛ والاختيار إيثار أحد الطرفين وترجيحه وتعيّن الميل إليه بحسب المصلحة ؛ والإرادة تعلّق القصد بعنوان العزم والجزم إلى أحد الطرفين اللذين اختاره ومال إليه.
وبعبارة اخرى : هي شوق متأكّد يحصل عقيب داع هو تصوّر الملائم تصوّرا علميا أو ظنّيا أو تخيّليا موجبا لتحريك الأعضاء الآلية لأجل تحصيل ذلك الملائم.
وعلى / A ١٤٣ / ما ذكر فالمشيّة بعد تعيين أحد الطرفين يصير اختيارا والاختيار بعد العزم والجزم يصير إرادة. فالمختار من ينظر في أحد الطرفين ويميل إليه والمريد هو الناظر العازم إلى الطرف الذي مال إليه. فالاختيار متوسّط بين المشيّة والإرادة ؛ لأنّ الفاعل شاء أوّلا ثمّ يرجّح أحد الطرفين ثمّ يعزم عليه. فالمشيّة إذا عزمت يصير إرادة ؛ والتفرقة بين هذه الامور وكونها على النحو المذكور ـ كما أشرنا إليه ـ إنّما هو بالنسبة إلينا ؛ فإنّها متغايرة فينا مفهوما ومصداقا ومغايرة للعلم الذي هو انكشاف الامور الخارجة عن نفوسنا أو الصور المرتسمة فيها ؛ فلبراءته عن النقص والكثرة وكونه تامّا فوق التمام لا تكون هذه الامور فيه متغايرة ، بل حقيقة الجميع ومصداقها أمر واحد شخصي هو مجرّد الذات بذاته. نعم يتغاير بمجرّد المفهوم. فالذات من حيث مبدئيته لانكشاف الأشياء علم ومن حيث تمكّنه من صدورها بالوجوب ـ أي من حيث ترتّب صدورها عليه وتابعيتها له ـ قدرة ومن حيث منشئيته للرجحان المطلق مشيّة ومن حيث مبدئيته لرجحان خصوصية أحد الطرفين اختيار ومن حيث منشئيته لتبعيته ولزومه إرادة.