من الترك أيضا حتّى يكون قادرا على كلّ من الطرفين ومتمكّنا منه بلا تفاوت ؛ فاختياره أحد الطرفين وإرادته له دون الآخر لا بدّ له من مرجّح ؛ فإن كان المرجّح تصوّر نفع عاجل أو آجل للطرف المختار وضرر (١) كذلك للطرف الآخر نقول : لم حصل هذا المرجّح لهذا العبد وحصل خلافه لعبد آخر واختار الطرف الآخر ؛ فإن كان ذلك بإرادة الله تعالى لزم الجبر وإن كان باقتضاء ماهيّة العبد أو وجوده الخاصّ لزم الجبر أيضا ؛ إذ العبد مع اقتضاء ذاته ذلك لا يتمكّن خلافه وإن كان المرجّح أوّلا هو إرادة الله تعالى أو اقتضاء ماهيّة العبد أو وجوده الخاصّ لزم الفساد المذكور أيضا.
فظهر أنّ ما ذكره العارفون من التوحيد الوجودي الأفعالي وإن لم يكن في نفسه مذهب الجبرية ولا راجعا إليه إلّا أنّه ليس ممّا يتصحّح به الأمر بين الأمرين بحيث لا ترد عليه شبهة ، بل يرد عليه ما يرد على ما ذكره غيرهم من الحكماء والمتكلّمين.
وهذا إذا فرض الكلام في فعل العبد من حيث إنّه صادر عنه ومنسوب إليه ؛ فإنّ الوارد عليه حينئذ ما يرد على ما ذكره غيرهم من الحكماء والمتكلّمين ؛ ولو لوحظ استهلاكه في فعل الحقّ واسند الكلّ إلى العلّة ـ كما هو مقتضى النظر الأدقّ ـ فيكون لزوم الجبر في بادئ النظر أظهر.
وغاية الجواب الذي ذكره لاندفاع هذه الشبهة أنّ اختيار أحد الطرفين إنّما هو باقتضاء ماهيّة العبد على أصالتها أو باقتضاء وجوده الخاصّ على أصالته كما هو الحقّ ؛ وهذا الاقتضاء وإن كان واجبا إلّا أنّه بالاختيار والوجوب بالاختيار لا ينافي الاختيار ؛ وهو كما ترى يدلّ على عدم تمكّن العبد من الطرف الآخر ؛ فيلزم عدم قدرة العاصي على ترك المعصية والرجوع إلى الطاعة ؛ فلا فائدة في
__________________
(١). س : ضر.