وبيان ذلك : أنّ قربه سبحانه بالنسبة الى جميع عباده ، بل كلّ مخلوقاته وإن كان على السواء ؛ لأنّ قربه تعالى بالنسبة إليهم إنّما هو من حيث العلّية والإحاطة والوجود والشهود إلّا أنّ قربهم إليه ليس على السواء ؛ إذ قربهم إليه من حيث المعلولية والمخلوقية والارتباط والاستعداد والسلوك وحصول التجرّد والتصفية والكلّ وإن كانوا في القرب المترتّب على المعلولية والمخلوقية والارتباط على السواء إلّا أنّهم مختلفون في القرب بحسب السلوك العرفاني.
فظهر أنّ قرب الحقّ إلى عباده مغاير لقربهم إليه وبينهما بون بعيد ؛ كيف وهو أقرب (١) إليهم من حبل الوريد (٢) وهم من حيث ذواتهم وأنفسهم في غاية البعد من حضرته؟! كيف والقرب الذي من طرق الحقّ سبحانه إليهم على وتيرة واحدة أزلا وأبدا لا يزيد ولا ينقص ولا يتغيّر ، بل هو ثابت واقع من الأزل إلى الأبد وليس مختصّا بزمان ولا مكان والكلّ فيه على السواء وليس لأحد فيه مزيّة على الآخر؟!
وأمّا القرب الذي من طرق العباد فلا يحصل إلّا بعد استعدادهم وسلوكهم ومجاهدتهم وسعيهم في تحصيل العلم والعمل ، وتصقيل نفسهم عن الكدورات والرذائل بمصاقيل الشريعة ، وتطهيرها عن أقذار عالم الطبيعة وتصفيتها عن الهواجس النفسانية بالمجاهدات الشرعية ، وتجريدها عن العلائق البشرية الحسّية ، وتخليصها عن العوائق البدنية الجسمية ، واتّصافهم بصفات الحقّ والتخلّق بأخلاقه ، وتوجّههم بشراشرهم إلى قدس الجبروت ، وانقطاعهم بالكلّية إلى صقع الملكوت ، والإعراض عن اللذّات الجسمانية والمشتهيات النفسانية ، والتعوّد بصدق الأقوال وحسن الأفعال ، وتزكية النفس عن رذائل الأخلاق ونقائص الأعمال ، والتجلّي / B ١١٥ / بشرائف الصفات وفضائل الملكات ، والاجتناب عن الإفراط والتفريط في القول والعمل ، والتزيّن بزينة الكرام الكمّل ،
__________________
(١). س : قرب.
(٢). س : اقتباس من كريمة (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) ق / ١٦.