فكلّ هذه الكثرة ما سوى الوجود مجعولات بالعرض ؛ وعلى ما اختاره غيرنا من أصالة الماهيّة فالصادر الأوّل أيضا أمر واحد بسيط هو ماهيّة العقل الأوّل ويتبعه الوجود ثمّ الإمكان والوجوب ثمّ التعقّلان. فكلّ هذه الكثرة بالحقيقة أمر واحد مناسب للعلّة الأولى الواحدة ومن جهة كثرته الواقعة بالعرض منشأ لصدور الكثرة ؛ فلا إشكال.
وأنت خبير بأنّه ـ على ما اخترناه من كون المجعول بالذات هو الوجود ـ لا يرد إمكان إخلال هذا ولا غيره ؛ وأمّا على كون المجعول بالذات هو الماهيّة وإن كان هذا الإشكال مندفعا ـ كما ذكر ـ إلّا أنّه يرد إشكال آخر وهو أنّه على القول بأنّ كلّ ماهيّة ممكنة فهي مركّبة من الجنس والفصل يكون جهة العقل الأوّل أيضا كذلك ـ كما تقدّم في كلام بعض المتأخّرين ـ وهذا التركيب ليس اعتباريا محضا ، بل هو تركيب حقيقي واقعي ، كما صرّحوه به. فالماهيّة عبارة / B ٧٨ / عن الجنس والفصل وفيها كثرة حقيقية (١) صادرة عن الواحد الحقّ ومجعولة بالذات ؛ إذ لا مجال للقول بأنّ أحدهما مجعول بالذات والآخر مجعول بالعرض ، كما في الوجود والماهيّة.
فهذا الإشكال على تقدير كون الماهيّة مجعولة بالذات وارد غير مندفع ؛ وأمّا على المختار من جعل الوجود فلا يرد أصلا ؛ إذ الماهيّة حينئذ اعتبارية مجعولة بالعرض بكلا جزئيها إن كان لها جزء ؛ وهذا أيضا من الشواهد على كون المجعول بالذات هو الوجود.
[الثاني :] أنّ الإمكان والوجوب عدميّان والمعدوم يستحيل أن يكون علّة للموجود ؛ وأيضا الإمكان مثلا معنى واحد مشترك بين الإمكانات ؛ فلو كان علّة لكان كلّ إمكان يصلح لأن يكون علّة وحينئذ يمكن أن يكون كلّ ممكن علّة بنفسه ولغيره ؛ فيخرج عن الإمكان ؛ وقس على الإمكان الوجود والوجوب.
__________________
(١). س : حقيقة.