فالفرق بين هذا الوجه وسابقه أنّ الوجود في الأوّل اخذ بمنزلة الجنس للممكنات ـ أي لا بشرط ـ ولذا كان محمولا عليها وهنا اخذ جزءا ومادّة عقلية لها ولذا لا يحمل عليها ؛ وعلى هذا لا بدّ أن يحمل قولهم : «إنّه عين الأشياء» على التجوّز.
وفيه : أنّ الوجود الذي هو حقيقة الواجب لو كان جزءا ومادّة للممكنات لزم تركّب حقائقها من الواجب وغيره ؛ وفساده ظاهر وأيّ عاقل يقول : إنّ الوجود الذي هو جزء الحمار مثلا واجب عالم قادر قديم أزلي إلى غير ذلك من صفات الواجب؟! تعالى الله عمّا يقوله الظالمون علوّا كبيرا.
[الثالث :] أنّ المراد بالمطلق هو محض الوجود المتعيّن بنفسه إلّا أنّ له وحدة مبهمة في حدّ ذاته ؛ فيلحقه كثرة الشئون وتعدّد الصور والفنون ، وهذا اللحوق لا ينافي الوحدة المبهمة وإنّما ينافي المعيّنة ؛ وشاكلته في ذلك شاكلة الهيولى بالنسبة إلى الصور ولذا قال بعضهم : «إنّ الواجب تعالى هيولى الهيولى وكما أنّ الهيولى مع تعيّنها لها وحدة لا تزول بطريان الكثرة وتوارد الاتّصال والانفصال ؛ وما يلحقها من الوحدة والكثرة ليس من قبل ذاتها ، بل من قبل الصور الحالّة فيها ؛ ومن حيث الذات ليست متّصلة ولا منفصلة ولا واحدة ولا كثيرة ، بل إنّما تتّصف بجميع ذلك بالعرض ؛ فكذلك الوجود المطلق.»
وفيه : أنّ الواجب على هذا يكون مادّة / A ٤٤ / خارجية للممكنات ، فيخرج عن وجوب الوجود ويكون أضعف وجودا وآخر مرتبة من الممكن ؛ إذ الهيولى ـ كما حقّق في محلّه ـ مفتقرة في الوجود إلى الصورة ؛ فهي في ذاتها قوّة محضة وقابلية صرفة شأنها الإبهام والانفعال وإنّما يحصل لها التعيّن والفعلية لأجل الصورة ، والواجب منزّه عن جميع ذلك.
[الرابع :] أنّ المراد بالمطلق صرف الوجود الواحد المتعيّن في ذاته من جميع