المفهوم منها لا يقوم بنفسه ، بل لا بدّ له من قابل متحقّق ينتزع عنه ؛ ولو سمّيت هذا المتحقّق ماهيّة فلا مشاحّة في التسمية إلّا أنّا نقطع بأنّه غير ما يفهم ويراد منها.
فإن قيل : هذا المتحقّق لا يوجد بدون الظهور الخارجي المعبّر عنه بالعامّ ، فكيف يكون متحقّقا بدونه حتّى لا يكون تحقّقه بالاعتباري؟!
قلنا ـ بعد النقض بالخاصّ الواجب ـ : إنّ فرض عدم كلّ لازم يستلزم فرض عدم ملزومه ؛ ولا يمكن ذلك لاستحالة تخلّف المعلول عن علّته ؛ فهو لا يوجب توقّف الملزوم على اللازم في التحقّق الخارجي ، بل الأمر بالعكس.
فالحاصل : أنّ صدور الشيء أو جعله أو إيجاده أو ما يرادفها من العبارات عبارة عن إخراجه من الليس إلى الأيس ؛ وهو فعل يترتّب عليه نحو تحقّقه من القيام بنفسه في الجوهر وموضوعه في العرض وبالانتزاع من غيره في الاعتباري. فإنّ أنحاء التحقّق في الأشياء مختلفة ؛ فما يتوقّف تحقّقه على وجود الغير ـ كالماهيّة المعدومة في حدّ ذاتها الموقوف تحقّقها على الوجود المتحقّق بنفسه القابل لانتزاعها عنه ـ يتوقّف تحقّقها عليه ؛ وأمّا ما لا يتوقّف تحقّقه على غيره من ماهيّة أو وجود كهذا الوجود المحقّق لهما ، فبالجعل يظهر في الخارج متحقّقا قائما بنفسه منتزعا عنه الماهيّة. ثمّ كلّ متحقّق ـ بأىّ نحو كان ـ يلزمه انتزاع العامّ عنه. فظهر أنّ المتحقّق بالأصالة في كلّ شيء نحو وجوده المعبّر عنه بالوجود الخاصّ.
فإن رجعت وقلت : اعتبارية الماهيّة بمعنى الصورة الذهنية المعرّاة عن الوجود الخارجي ممّا لا كلام فيه ؛ وقد صرّح به المحقّقون القائلون بحصول الأشياء بأنفسها في الذهن ؛ حيث قالوا : إنّ الشيء ملحوظا بوجوده الخارجي يسمّى حقيقة تترتّب عليها الآثار الخارجية ؛ ومتعرّى عنه يسمّى ماهيّة لا يترتّب عليها شيء منها ؛ وهو بهذا الاعتبار لا تحقّق له في الخارج وإنّما له وجود عقلي فقط ، وإنّما الكلام في