الجاعل في ما (١) يتّحد مع نفس الماهيّة في المفهوم ولاتّحادها مع مفهوم المجعول ومغايرته لسائر المفهومات لا يتّحد مع مفهوم آخر ؛ فينحصر أثر الجاعل في مفهوم (٢) / A ٣٦ / المجعول ؛ وذلك باطل.
واستدلّ بعضهم على عدم تعلّق الجعل بالماهيّة ب «أنّها لو كانت بحسب جوهرها مفتقرة إلى الجاعل لزم كونها منعوتة به في حدّ نفسها ومعناها بأن يكون الجاعل معتبرا في قوام ذاتها بحيث لا يمكن تصوّرها بدونه ؛ وليس كذلك ؛ فإنّا قد نتصوّر كثيرا من الماهيّات بحدودها ولا نعلم حصولها بعد فضلا عن حصول فاعلها ؛ إذ لا دلالة لها على غيرها ؛ ومن الماهيّات الموجودة ما نتصوّرها ونأخذها من حيث هي هي مع قطع النظر عمّا سواها ؛ لأنّها بهذا الاعتبار ليست إلّا نفسها. فلو كانت في حدّ نفسها مجعولة متقوّمة بالعلّة مفتقرة إليها في القوام لم يمكن أخذها من حيث هي هي مجرّدة عمّا سواها ، كما لا يمكن ملاحظة معنى الشيء إلّا مع ملاحظة أجزائه ومقوّماته. فإذن أثر الجاعل وما يترتّب عليه والمجعول هو وجود الشيء دون ماهيّته إلّا بالعرض.
فإن قيل : فعلى هذا يلزم أن يكون وجود الجاعل مقوّما لوجود المجعول غير خارج عنه ؛ إذ المجعولية لو اقتضى التقوّم بالجاعل لم يكن في ذلك فرق بين الماهيّة والوجود.
قلنا : نحن نلتزم أنّ وجود المعلول متقوّم بوجود علّته تقوّم النقص بالتمام والضعف بالقوّة والإمكان بالوجوب.
وليس لك أن تقول : نحن نتصوّر وجود المعلول مع الغفلة [عن] وجود علّته الموجبة له ؛ فلا يكون متقوّما به ؛ لأنّا نقول : لا يمكن العلم بخصوصية نحو من الوجود إلّا بمشاهدة عينية ؛ وهي لا يتحقّق إلّا من جهة مشاهدة علّته الفيّاضة ؛ و
__________________
(١). س : الجاعل بما.
(٢). س : الجاعل بمفهوم.