فهو الدور المحال ، وإن اريد كون العلم كاشفا فهو وإن سلم عن محذور الدور ـ بأن يكون الجاعل قد خصّص من الابتداء جعله بمن يعلم ـ لكنّه غير سالم عن المحذور الذي أشرنا إليه من عدم دخالة العلم في المعذورية وعدمها وكونه كالحجر المضموم.
نعم هنا معنى آخر نظير ما قلنا في جعل السببيّة والوجوب ، وهو سدّ باب عدم المعذوريّة أو المعذوريّة من قبل المولى ، فلا ينافي اشتراط حصوله وفعليّته عقلا بالعلم.
وبعبارة اخرى : العلم بهذا المعنى هو المعذّر الواقعي ، وخبر الواحد مثلا هو المعذّر الإنشائي ، فتكون الحجيّة كالملكيّة اعتبارا من الاعتباريّات خفيف المئونة قابلا للجعل والإنشاء ، وفائدة هذا الإنشاء أنّ العلم به يصير معذّرا كالعلم بالتكليف ، فلا ينحصر الأمر في الأمارات والطرق بجعل الأمر بالاتّباع ، بل يحصل المقصود بجعل الحجيّة كما ذهب إليه بعض الأساطين قدّس أسرارهم.
فإن قلت : بل لا محيص عن القول بجعل الحجيّة ، فإنّ الأمر الطريقي على فرض القول به ، معناه عدم الأمر في تقدير المخالفة وعدم الإصابة ، لا بمعنى تقييد الأمر بالإصابة، بل بمعنى إلغائه في الذهن عدم الإصابة والالتزام القلبي بكونه دائم المطابقة ، فلا يسري الأمر إلى حال عدم الإصابة ، فإذا صارت حال الإصابة والعدم مشكوكة فلا محالة يكون الأمر مشكوكا ، فلا علم بالأمر ولا بالحجيّة حسب الفرض.
قلت : يتمّ المقصود بجعل الطريقيّة كما قرّرته ، حيث انسدّ باب عدم الإصابة شرعا ، والتزم بالإصابة كذلك والأمر في فرض الإصابة مقطوع ، فالحاجة على هذا القول انّما هي إلى جعل الطريقيّة دون الحجيّة ، وبينهما بون بعيد.
ومنها : الملكيّة والزوجيّة والحريّة والرقيّة وهذه الأحكام غير قابلة للانتزاع عن التكاليف المتعلّقة بعناوينها ، للزوم تأخّر الموضوع عن الحكم ، نعم يمكن انتزاع الملكيّة عن الأحكام المتعلّقة بغير عنوانها ، كما لو ابيح جميع التصرّفات من الناقلة وغيرها للإنسان في مال ، فإنّه ينتزع من هذه الاباحة ، الملكيّة ، وأمّا في مثل : «الناس مسلّطون على أموالهم» فلا يمكن كون المحمول محقّقا لإضافة المال إلى الناس.
هذا تمام الكلام في الأحكام الوضعيّة ، والله تعالى هو الهادي للصواب في كلّ باب.